تعيس، هو المواطن المغربي المقهور، ليس بسبب التصنيف العالمي الذي بوأه موقعا ضمن المراتب الأخيرة وراء فلسطينالمحتلة، فالمسح الذي أجرته الأممالمتحدة يقيس مؤشرات السعادة والرضا بين الشعوب، وفق تقرير سنوي ل: "HAPPY PLANET INDEX"، يعتمد في حسابه على معايير رئيسية ثلاثة: 1- معدل الرفاهية، 2 – معدل الحياة المتوقع للسكان، 3- معدل البصمة البيئية للمجتمع، أي الاستهلاك الصافي ومدى تأثيره على البيئة. ومن البديهي جدا أن نحتل مثل هذه الرتب المتدنية في ظل سياسات عمومية شقية، لا تولي اهتماما لعيش المواطن ولا للمقاييس الغربية. تعيس، هي كلمة مرعبة حقا، ولا تعني في قواميس اللغة العربية المجيدة، إلا شيئا واحدا يختزل كل معاني البؤس والشقاء، هو أننا لسنا شعبا سعيدا ولن نكون أبدا طالما تقودنا حكومة "الإخوان" برئاسة السيد ابن كيران، الزعيم الذي ملأ الدنيا زعيقا، وازدادت الحمير في عهده نهيقا، شغل عقول الناس بالوعود الحالمة ودمر القلوب بالقرارات الظالمة... تعاسة المواطن المغربي، لم تأته من عدوان غاشم ولا من احتلال قائم، وإنما من فشل السياسة "البنكيرانية" التي أغرقت البلاد في مستنقع المديونية وأفقدتها سيادتها المالية، سياسة التجويع والابتزاز السياسي، التقشف والتراجع عن المكتسبات، ترجيح المصالح الاعتباطية على المقاربة التشاركية، وتجاهل مشاريع القوانين المقترحة من قبل الأقلية... فبعد العفو التاريخي على المفسدين والتذرع بمقاومة العفاريت والتماسيح لإرادة التغيير المفترى عليه، يحاول سيادة الرئيس الفذ إلصاق التهمة بالحكومات السابقة، مدعيا أنها خلفت وراءها إرثا ثقيلا من الاختلالات تتطلب جهدا ووقتا كافيين لمعالجتها، وأن جلالة الملك خير سند في تذليل الصعاب ما دامت العلاقة "سمنا على عسل"، وما إلى ذلك من الأباطيل في محاولة إخفاء عجز حكومته عن الاضطلاع بمهامها، ولا أدل على ذلك أكثر مما ورد في الخطاب الملكي الموجه إلى الشعب المغربي يوم: 30 يوليوز 2013، بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لعيد العرش، حيث قال جلالته: "... عملت كل الحكومات السابقة، بتوجيهاتنا على تكريس جهودها المشكورة، لبلورة رؤيتنا التنموية والإصلاحية. وهكذا وجدت حكومتنا الحالية، بين يديها، في المجال الاقتصادي والاجتماعي إرثا سليما وإيجابيا، من العمل البناء، والمنجزات الملموسة، ومن تم لا يسعنا إلا أن نشجعها على المضي قدما، بنفس الإرادة والعزم، لتحقيق المزيد من التقدم وفق المسار القويم، الذي نسهر عليه". فلو أنكم تأملتم جيدا هذا القول السديد، وعملتم على استخلاص العبر لعدتم خطوات إلى الوراء، منذ حملتكم الانتخابية وما رفعتموه فيها من شعارات كاذبة غررتم بها فئات عريضة من الشعب، لوليتم من شدة الخجل فارين بدل الاستمرار في المغالطات وتشديد الخناق على أفراد الشعب. علمنا أنكم صدمتم ولم تستطيعوا التحمل لقوة وقع الصدمة عليكم، أصبتم بالاكتئاب ولم تستطيعوا تجاوز عتبة الباب، لكن الصدمة لم تكن بسبب ما خلفته قراراتكم اللاشعبية في إثقال كاهل المواطنين، وما تسببتم لهم فيه من إرهاق حين رميتم بهم في دوامة الهموم ولم يستفيقوا إلا على "رائحة" عيد الأضحى وما تستلزم مجابهته من مصاريف إضافية وباهظة، سيما بعد الزيادتين المتتاليتين في المحروقات وما أعقبها مباشرة من تداعيات سلبية خطيرة، تنذر بانفجار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حيث مازالت النسخة الثانية من حكومتكم في جيبكم لم تخرج بعد للعلن، وبشكل صاروخي ارتفعت أسعار المواد والعلف، الذي أعطى مبررات قوية للفلاحين في رفع أثمان الأضاحي بصفة ملحوظة مقارنة مع السنة الفارطة، ولنا أن نتساءل: من سيحمي المستهلك في ظل الزيادات والمضاربات، إذا ما علمنا أن خرفان العيد، لبلوغها يد المواطن يلزمها المرور عبر منعطفات ومنعرجات تؤثر سلبا على ما بقي له من توازن "مادي"، بدءا ب "الكساب" مرورا بالمضاربين "الشناقة" تعريجا على كراء المرأب "فندق الخروف"، واجب العلف، ثم يأتي في الأخير دور الجزار؟ لقد طوقتم الأعناق دون شفقة ولم تتركوا للمواطنين فرصة استرجاع أنفاسهم، فبعد انصرام شهر الغفران وما خلفه من ثقوب في الجيوب المنهوكة، تلته مستلزمات الدخول المدرسي، وها هو ثغاء الخرفان يرتفع معلنا حلول العيد "الكبير"، كبير لما له من رمزية لدى الفقراء والمعوزين الذين لا يستعدون فقط لإحياء سنة نبينا الكريم سيدنا ابراهيم عليه السلام، وإنما للتفاخر باقتناء الخروف والتلذذ بشرائح لحمه الطري وقطع شحمه الدسم، لقد حرمتموهم لذة شحذ سكاكين النحر والسلخ، تهييئ سواطير إزالة القرون وجمع الأخشاب ل"تشواط" الرأس، حين جعلتم النوم يهجر أجفانهم حيال الغلاء الفاحش، ودفعتم بأكثر من مليوني أجير وموظف في مرحلة أولى، إلى شركات قروض الاستهلاك لتوفير أثمنة الأضاحي، أما الذين لا دخل لهم فهناك من القطط والكلاب الضالة ما يفي بالغرض.. بالله عليكم، هل يرضيكم ما أوصلتم إليه عامة الشعب من حالة بؤس رهيبة؟ هل ما زال طعم اللقمة يمر حلوا في حلقكم ؟ لقد فشلتم فشلا ذريعا في إدارة الشأن العام، فشلتم في تحقيق الأمن والسلامة وفي إرساء أسس عدالة اجتماعية، بل فشلتم حتى في نزع مقعد من مرشح حزب غريمكم اللدود: شباط في "موقعة" مولاي يعقوب، رغم نزولكم الشخصي وكبار أعوانكم السادة: عبد الله باها وزير الدولة، ادريس الأزمي وزير الميزانية، مصطفى الخلفي وزير التواصل، لحسن الداودي وزير التعليم العالي، وهذا سر صدمتكم التي تنذر بنهاية عهدكم، ذلك أنكم لم تنجحوا سوى في إثارة الغضب الشعبي بقراراتكم الجائرة: الزيادة في أسعار المحروقات والمواد الاستهلاكية، فرض ضرائب إضافية والاقتطاع من رواتب المضربين و.. و.. والزج بقاصرين في السجن لتبادلهما قبلة بريئة ونشرها على "الفايسبوك". لقد أفقدتم المواطن كرامته بعدما أصبح عاجزا عن الإنفاق على نفسه وعياله، وقد صدق أبو ذر الغفاري رضي الله عنه حين قال: "عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه؟"، فما بالكم بالموظف الذي لم يجد ثمن خروف يسعد به أنجاله؟ وبماذا يمكنه الخروج لكم؟ رجاء لا تستمروا في العبث وتقولوا لنا إن العيد مناسبة للتكافل الاجتماعي، وإن من لا يملك ثمن الأضحية لا جناح عليه، فأنتم سيد العارفين تعلمون جيدا أن المغربي قد يسمح في كسوته وأثاث منزله، ولا يدع فرصة إدخال الفرحة إلى بيته بخروف العيد تنفلت من بين أصابعه... وإمعانا في الاستمتاع بآلام الآخرين نراكم ما فتئتم تتمادون في عنادكم الشديد، برفض حكم القضاء الذي أضفى الشرعية من جديد على مطلب المعطلين من أصحاب محضر: 20 يوليوز 2011، مستمرين في تغاضيكم عن تطبيق القانون إلا في ما ندر، ومصرين على قطع خطوات انفرادية، بدعوتكم ما تبقى من وزرائكم "الرسميين" عبر مذكرة عاجلة، إلى تجميد كل الترقيات والتعويضات، ضاربين عرض الحائط بآمال وأحلام أولئك الموظفين الذين ظلوا على مر سنوات طوال ينتظرون بشوق كبير الاستفادة منها، وإلى إلغاء التوظيف في المناصب الشاغرة، في إطار الإعداد القانون المالي لسنة: 2014... أي عيد سعيد، والحالة هذه، تريدونه لمن حملوكم على أكتافهم إلى مراكز القرار لتأمين الرخاء والازدهار؟ خذلتم الشعب وقذفتم به في بحر "الظلمات" في النسخة الأولى من حكومتكم، أما في طبعتها الثانية فلا نعتقد أن بإمكان حليفكم الجديد الحد من جموحكم، إن لم تجبروه هو الآخر على الانسحاب وانفضاض "الحفل"، لكن الذي نؤمن به حد اليقين هو أن الغضب آت مهما حاولتم المراوغة، ولا توهموا أنفسكم بأنكم مصدر استقرار، فلولا حكمة وتعقل هذا الشعب العملاق الذي أراد أن يجنب بلاده مآسي ما يحدث حوله لقضي الأمر في سنتكم الأولى. ولئلا ننغص عنكم فرحة العيد يا سعادة الرئيس، لا يسعنا إلا أن نهمس في أذنكم: " إر..... قص".