لعل عبد اللطيف المنوني يتأمل الآن وجوده بين رئاستين. يرى كيف سارت أودية الزمن بقدر. كيف تحول الزعيم الطلابي إلى زعيم لثورة دستورية؟ أكثر من أربعين سنة أكلتها شجرة العمر. اشتعل الرأس شيبا لكن شراراتها لم تصل إلى لغة الرجل الذي كان هادئا وظل كذلك. بين رئاستين هل سيحالفه التوفيق؟ رئاسة واحدة من أكثر التنظيمات إزعاجا للدولة ورئاسة لجنة من أكثر اللجان إثارة للضجيج والانتقاد. سنة 1967 سيجد عبد اللطيف المنوني نفسه رئيسا لمنظمة اختزلت كل أشكال الغضب والتمرد. الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي بقدر ما كان مشاكسا وقائدا للمعارضة الجذرية كان مدرسة لإنتاج النخب الفكرية والسياسية. لم يكن سهلا قيادة الطلبة نهاية ستينيات القرن الماضي. شباب متحرر اجتماعيا. وضع عالمي يعرف تصاعد موجات اليسار الجديد. وضع عربي ميزته الأساسية هزيمة 67. وضع محلي سيمته حالة الاستثناء والتوتر بين الدولة والتشكيلات السياسية. هل من حظ عبد اللطيف المنوني أن يعيش لحظات الاستثناء وألا يكون رئيسا إلا في الوضع الاستثنائي. رغم أن الرئاستين تختلفان لكنهما تشتركان في القيادة الاستثنائية. جسور العبور لم تكن سهلة في تلك الأيام كما أنها ليست سهلة في الأيام التي نعيشها. كيف سيوفق الرجل الذي عاش فورة الشباب في تلك المرحلة المطبوعة بالاندفاعات وبين فورة شباب تبحر في المواقع الاجتماعية؟ يقول عنه الذين عايشوه في تلك المرحلة المطبوعة بالثورات الأممية إن الرجل كان هادئا ولا يقبل الاندفاع وهو نفسه الرجل الذي يجلس اليوم للإجابة عن أسئلة الصحافيين بكامل الهدوء حتى في اللحظات التي لا يملك فيها الجواب لاعتبارات متعددة. رغم الهدوء الذي طبع سلوكات الرجل فإنه كان مزعجا لرفاقه في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. اختلفت الآراء بخصوصه بين من عايشوه طوال هذه المراحل، بين من يقول إنه رجل المرحلة التي تمت فيها مجازاته بمنصب في المجلس الدستوري وبين من يقول إن الرجل كان يمتلك قناعات صرفها بطريقته الخاصة. بين من يقول إنه كان مستكينا وبين من يقول إنه جعل القيادة الاتحادية في حالة تأهب قصوى بمن فيهم الراحل عبد الرحيم بوعبيد. اتحادي حتى النخاع. لم يكن مناضلا ينتظر قرارات الحزب فقط. لقد تمكن المنوني من جمع ثلة من رهطه داخل التنظيم الحزبي. سيتزعم التيار الذي يحمل اسمه. إنهم المنونيون. رغم ما قيل عنهم فإنهم فرضوا اختياراتهم وسط الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. بعد المؤتمر الاستثنائي الذي تزعمه عمر بنجلون وعبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازغي سينفرط عقد المنونيين. أحد رفاق المنوني يقول إن اليازغي هو الذي تكلف بتصفية التيار المنوني. اختار هو ومجموعة من رفاقه الابتعاد عن حزب القوات الشعبية واختار آخرون الاندماج في الحزب الذي سيحمل اسم الاتحاد الاشتراكي. حافظ على علاقاته برفاقه في التيار حتى وهم قياديون في الاتحاد. رحلة البعد عن رفاق النضال قادت المنوني نحو التفرغ للبحث في الفقه الدستوري وقادته في الوقت ذاته نحو دواليب الدولة وصولا إلى رئيس لجنة التعديلات الشاملة للدستور.