الدكتور عبد الله زيوزيو طبيب ومحلل نفسي مخاوف الآباء اتجاه تربية أبنائهم بالغرب، شبيهة بالوهم. حيث تتولد لهم الرغبة في تربية أبنائهم وفقا لتعاليم الأباء و ثوابتهم التي تلقوها في البلد الأصل، والتي تصطدم والواقع الجديد الذي يعيشونه، وهنا يخلق الإشكال الذي يغذيه وهم كون المدرسة ضد الدين، فينتج عن ذلك تخوف على الأبناء. والجدير بالذكر أن الآباء يلزمهم نوع من الانفتاح على البيئة الجديدة، للتعرف على ثقافتها وعاداتها، حتى لا يناصبوها ذاك العداء المنبني عن الجهل بحقيقة الأشياء. خاصة من طرف الأم التي لا تغادر البيت عكس الأب الذي يحصل لديه نوع من الانفتاح على المجتمع الجديد ولغته كنتيجة حتمية يفرضها عمله. أما في حالة الأم فنجد انغلاقا تاما، حيث تكتفي الكثير من الأمهات بلغتها الأصلية دون اكتراث بلغة البلد مما ينتج عنه نوع من صعوبة التواصل مع الأبناء الذين ينمون ملكتهم اللغوية داخل المدارس. ومن أجل الخروج من هذه العزلة يتوجب على الآباء أولا الخضوع لانفتاح لغوي يمكنهم من التواصل والاكتشاف والتعرف على الثقافة الجديدة، وهو الأمر الذي يمكن أن نجده حتى داخل المغرب، من خلال التوتر الحاصل بين الآباء الأميين وأبنائهم المتعلمين. في الجانب الآخر نجد أن المجتمع المضيف، يتعامل بنوع من العنصرية مع الأبناء من خلال الإحالة دائما على أصولهم. مما يشعر الإبن بعدم التوازن، وحتى بالنسبة للذين حاولوا الاندماج الكلي من خلال تفوقهم الدراسي يجدون أنفسهم مضطرين لتغيير أسمائهم التي تشير لأصولهم تسهيلا لاندماجهم، وبحثا عن فرص أكثر. لذا حتى لو تلقى الابن تربية متوازنة من طرف الأسرة، قد تواجهه أزمة هوية، من خلال بعض التصرفات التي يفرزها المجتمع المضيف، حين يتعامل معه على أساس لون البشرة والشعر. النفي المزدوج يزيد من إرباك الطفل، الذي يشعر أنه لا ينتمي لبلد المهجر، ثم يصطدم بمعاملات قاسية داخل بلده الأصلي الذي ينظر دائما للمهاجر على أنه شخص غريب، وهذا ما يدفع بعض الأبناء إلى تفضيل وجهات سفر أخرى خلال العطل، لعدم شعورهم بالإنتماء، نتيجة العنف النفسي الممارس بحقهم. هناك حالات أخرى تعتبر كارثية، وهي المتمثلة في إرجاع الأبناء للبلد بعد قضائهم لسنوات بالمهجر. مما يعني انقلابا جذريا في الحياة التي اعتادوها، سواء من خلال النظام التعليمي، أو الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية بالمقارنة مع البلد الأصل، وفي هذه الحالات لا يكون الأبناء فقط هم المتضررين، بل الأمهات أيضا، لتعودهم على نوع من الحرية، والحقوق. هذه الحالات تصاحب في الغالب مع بعض الاضطرابات والانحرافات نتيجة التغير المفاجئ، وهذا النوع من المشاكل تمت ملاحظته في السنوات العشر الأخيرة، بعد حصول العديد من الآباء على التقاعد. بالمقابل يحاول الآباء خلق بعض الزيجات المدبرة من أجل ربط أبنائهم بجذورهم. لكنها زيجات تغلب فيها الحسابات من الجانبين، حيث ينظر للابن بالخارج كوسيلة للحصول على أوراق الإقامة. وقد يكون الآباء أكثر تشددا اتجاه الفتاة، خوفا من ربط علاقة مع غريب مخالف لها في الدين. لذا تبقى أفضل وسيلة لتربية الأبناء هي الانفتاح على المحيط بكل وعي، من قبل الآباء أولا، ثم من قبل الأبناء بعد تشبعهم بثقافتهم الأصلية. بعيدا عن الشدة التي تأتي بنتائج عكسية. دون إهمال المسؤولية الملقاة على عاتق الدول المضيفة، لكي تبتعد عن السلوكات العنصرية، وتتقبل الآخر كطرف مساو لها، بعيدا عن الحسابات السياسية التي ترى في شعوب العالم الثالث مجرد تابع، لا يسمح له باستنشاق هواء الكرامة، التي تعتبر المطلب الأول لشباب اليوم. مع تجاوز حتمية العداء مع الاسلام.