تحتل القضية الوطنية مكانة خاصة في الوجدان الشعبي المغربي، و هي المكانة التي ظلت تبرز في كل المحطات التي كان ولابد أن يلتحم فيها المغاربة مع وطنهم و مع قضيتهم الأولى، التي رهنت مصير المنطقة بفعل افتعال هذا النزاع من طرف الخصوم، و بفعل المحاولات العديدة لكبح أي تطور مغربي في مجال ادماج ساكنة الصحراء في مختلف القنوات المؤسساتية، و نحن نعيش فترة انتخابات، حيث تقدم البرامج الانتخابية و الوعود، يلاحظ بأن الخطاب الانتخابي يركز على ما هو اجتماعي، من قضايا التشغيل، التعليم، و الصحة…و هي قضايا ذات راهنية، و لا يخفى ّأهميتها، و تأثيرها على حياة الناس، بل تعتبر هي محور الاستقطاب الانتخابي، لكن و المغرب يسجل في كل استحقاق أكبر نسبة مشاركة بالمناطق الجنوبية، الصحراوية، التي تصل فيها نسبة المشاركة في الانتخابات الى اكثر من 70 في المئة، يطرح سؤال موقع القضية الوطنية في برامج الأحزاب الانتخابية؟؟ مادامت هي قضية المغاربة الأولى، و تحضي بأولوية حقيقية لدى مختلف الفاعلين؟؟ السؤال يفرض نفسه لعدة أسباب، خاصة و أن الملك المغربي أكد في كل خطاباته على أهمية اتخاذ المبادرة في دعم الملف، و تحريرها، ففي السابق كان هناك تذرع بكون الملف و المبادرة فيه هي من اختصاص الملك، الآن و قد تم التأكيد على ضرورة تنويع المبادرات خاصة منها الحزبية و المؤسساتية " المؤسسة التشريعية، التنفيذية" يجب طرح هذا لاسؤال على الأحزاب المتنافسة في هذه الانتخابات، أن تقدم للمغاربة رؤيتها في الدبلوماسية التي سيتم اعتمادها في حال وصول أي حزب لرئاسة الحكومة، مادام يقدم نظرته لباقي الملفات الاجتماعية، و السياسية، فيظل هذا الملف في صلب الأوليات التي يجب أن تكون في سلم هرم البرنامج الانتخابي لهذه الأحزاب. للأسف غياب الحديث عن الملف، يعكس في عمومه، وجود عقلية محافظة داخل الأحزاب السياسية و قياداتها في علاقتها بالنزاع، عقلية غير مبادرة، متجاوزة من طرف الدولة نفسها، و رئيسها، الذي لطالما اعتبر أن الملف هو ملك لكل المغاربة، و أن الملك إن كان له الاختصاص الاستراتيجي، فهذا لا يمنع مادمنا جميعا مؤطرين ينفس الرؤية الوطنية، أن يقدم في اطار البرامج الانتخابية رؤية الحزب لتدبير الملف دبلوماسيا، أن يقدم الحزب للمغاربة عدد الأحزاب الصديقة الدولية التي تحكم بلدانها، أن يقدم الحزب رؤيته للعلاقة مع التكتلات الحزبية الدولية، كيف يمكن أن يستغل موقعه داخلها، و داخل الحكومة كما في العارضة لدعم القضية، و خلق مبادرات من شأنها أن تزيد من حجم التأييد للمغرب و لأطروحته في حل النزاع المفتعل. المغاربة معنيون بمعرفة نوعية الدبلوماسية التي سيتم سلوكها في حال وصول حزب ما للحكومةّ، لا يكفي الاختباء وراء الملك، و وراء " كلنا مجندون وراء الملك"، بل اليوم هناك قناعة لدى الدولة عبر عنها الملك في مختلف المناسبات، على ضرورة تنويع الخطوات في الملف، هناك تحولات كبيرة تقع بالبلدان المؤثرة في الملف سواء كانت لصالح المغرب أو ضده، المغرب معني بمواكبتها، خاصة على مستوى العلاقات الثنائية، الحزبية، ما يحدث في جنوب إفريقيا و من نقاش داخلي وسط حزب المؤتمر الوطني الإفريقي معنيون به و بالتأثير فيه مادم المغرب قد قرر العودة للعمل بالاتحاد الافريقي، ما يحدث من تغيير في المشهد السياسي بفنزويلا خاصة مع سيطرة المعارضة على البرلمان، و نحن نعلم حجم هذه الدولة و تأثيرها بالمنطقة، و معاكستها للمغرب بالأمم المتحدة، معنيون به سياسيا و حزبيا، ما قام به البرلمان الاسباني منذ حوالي ستة أشهر عندما عمدت جل الفرق البرلمانية باستثناء برلمانيو الحزب الشعبي إلى التوقيع على رسالة يطالبون فيها بتغيير الموقف الرسمي للحكومة تزامنا مع مناقشة الملف داخل مجلس الأمن حيث للأسف يسجل بأنه الفرق البرلمانية بكل تلاوينها لم تتخذ أية خطوة اتجاه البرلمان الاسباني، و فرقه سواء منها الاشتراكية، أو اليمينية….كلها عوامل تجعل من ضرورة أن تكون هناك رؤية واضحة تقدم للناخبين في هذا الباب، مسؤولية ملقاة على عاتق هذه الأحزاب. الساكنة الصحراوية نفسها، سواء المقيمة في الأقاليم الصحراوية، أو المتواجدة بالمخيمات، الأكيد أنها تتابع الانتخابات بعين مراقبة،و متوجسة في أحيان أخرى، تجعل من أهمية طرح الرؤية الحزبية لكيفية التعاطي مع مختلف الإشكالات التي يطرحها الملف، خاصة على المستوى المحلي، علاقة بالمطالب الاجتماعية التي يتم بدأت تبرز مؤخرا بحدة " تنسيقية المعطلين مثلا" ، و هي مطالب رغم كل محاولات التسييس لها، لحد الآن باءت بالفشل، كذا على مستوى المخيمات، من حيث الرؤية التي قد تتوفر عليها الأحزاب السياسية لتشجيع ساكنتها على العودة لأرض الوطن. ملف القضية الوطنية، هو ذات أولوية، و القضايا التي تحضي بالأولوية يجب أن تبرز في هكذا لحظات، خاصة لحظة التنافس الديموقراطي، على اعتبار أن جزء كبير من حل الملف هو متعلق بالشق الديموقراطي، دمقرطة العلاقة بين الدولة و مؤسساتها المنتخبة " التشريعية، التنفيذية" بالسكان و بادارة النزاع المفتعل، حيث من الخطأ التعاطي معه و كأنه ملف بيد الملك، بالتالي لا يجب الحديث فيه، و هو تعاطي ان كان في السابق في مرحلة إدريس البصري موجودا، و مفروضا، فانه في المرحلة الحالية، و انطلاقا من الخطب الملكية و ما عبر عنه من قناعة كون الملف يجب أن تتنوع فيه المبادرات، و الخطوات، أتصور أن الملك لم يعد له حرج في أن يصفق بنفسه لأي مبادرة من خارج دائرته، مادمت تخدم الملف و تنهي أمد هذا النزاع الطويل.