الولايات المتحدة والصين يعملان على "التفاصيل النهائية" لاتفاق تجاري (مسؤول أمريكي)    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    زلزال بقوة 5,5 درجة يضرب شمال شرق الصين    ممارسون وباحثون يُبلورون رؤية متجددة للتراث التاريخي للمدينة العتيقة    تفكيك شبكة لترويج المخدرات وحجز أزيد من ألفي قرص مهلوس    توقيف فرنسي من أصول جزائرية مبحوث عنه دولياً بتهمة الانتماء لعصابة إجرامية وحيازة متفجرات    روبيو يستبعد تقسيما دائما لقطاع غزة    إصابة تبعد الجمجامي عن الكوكب    إرسموكن :لقاء يحتفي بالذكرى ال50 ل"ملحمة 1975″ و محاكاة رمزية لها بحضور شاحنة "berliet" ( صور + فيديو )    طنجة: المغاربة يتصدرون منصة التتويج في النسخة الثالثة من بطولة "كوبا ديل إستريتشو"    الحزب الاشتراكي الموحد يستنكرإقصاء مدينة العرائش من الشطر الأول للبرنامج الوطني للنقل الحضري العمومي بواسطة الحافلات    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    المغرب يصطدم بكوريا الشمالية في ثمن نهائي مونديال السيدات لأقل من 17 سنة    بعد 17 سنة على مناظرة الصخيرات.. كرة القدم تصنع مجد الرياضة المغربية    دوري أبطال إفريقيا: الجيش الملكي يتأهل إلى دور المجموعات بانتصاره على حوريا كوناكري الغيني    المنتخب الوطني المغربي لأقل من 17 سنة يتعادل وديا مع نظيره الفنزويلي ( 3-3)    مشجعون من 135 دولة يشترون تذاكر نهائيات كأس إفريقيا في المغرب    "حماة المستهلك" يطالبون بتشديد الخناق على زيت الزيتون المغشوشة    الملك يهنئ رئيس جمهورية كازاخستان    الأمين العام للأمم المتحدة يثمن التعاون النموذجي للمغرب مع "المينورسو"    الأزمي: التراجع عن التغطية الصحية الشاملة في مالية 2026 دليل على إخفاق حكومة أخنوش    البرنامج الجديد للنقل الحضري العمومي للفترة 2025-2029.. استلام 70 حافلة جديدة بميناء أكادير    ترامب منفتح على لقاء كيم ويصف كوريا الشمالية بأنها "قوة نووية نوعاً ما"    الأمين العام للأمم المتحدة يبرز التنمية متعددة الأبعاد لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة    عجز سيولة البنوك يتراجع بنسبة 2.87 في المائة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    فيتنام: المغرب يوقع على المعاهدة الدولية للأمم المتحدة لمكافحة الجرائم السيبرانية    شركة فرنسية تطلق خطا بحريا جديدا يربط طنجة المتوسط بفالنسيا وصفاقس    قبل أسابيع من انطلاق كأس إفريقيا للأمم.. فشل ذريع للمكتب الوطني للسكك الحديدية في التواصل مع المسافرين بعد عطل "البراق"    أمطار مرتقبة بالشمال وانخفاض في درجات الحرارة الأسبوع المقبل    وفاة الملكة الأم في تايلاند عن 93 عاما    السوق الأوربية للفيلم... المركز السينمائي يدعو المهنيين لتقديم مشاريعهم حتى 24 نونبر المقبل    زينة الداودية عن صفقة زياش التاريخية: إنها الوداد يا سادة    نور عيادي تفتتح الدورة ال15 لمسابقة البيانو للأميرة للا مريم بأداء مبهر    الكوميديا والموسيقى في جديد هاجر عدنان "طاكسي عمومي"    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    مساعد مدرب برشلونة: الانتقادات ستحفز لامين جمال في الكلاسيكو    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    قمة صينية أمريكية بماليزيا لخفض التوتر التجاري بين البلدين وضمان لقاء ترامب ونظيره شي    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    وزارة المالية تخصص مبلغا ضخما لدعم "البوطة" والسكر والدقيق    طنجة... تتويج الفائزين بجوائز القدس الشريف للتميز الصحفي في الإعلام الإنمائي    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    حدود "الخط الأصفر" تمنع نازحين في قطاع غزة من العودة إلى الديار    التوقعات المبشرة بهطول الأمطار تطلق دينامية لافتة في القطاع الفلاحي    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    تقرير يقارن قانوني مالية 2025 و2026 ويبرز مكاسب التحول وتحديات التنفيذ    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    من وادي السيليكون إلى وادي أبي رقراق    من العاصمة .. حكومة بلا رؤية ولا كفاءات    عبد الإله بنكيران والولاء العابر للوطن    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة بنعلي مع المغرب
نشر في أخبارنا يوم 24 - 01 - 2011


من جفاء الحسن الثاني سياسيا
إلى منافسة محمد السادس اقتصاديا
رغم الزيارات المكثفة التي تبادلها كل من الملك محمد السادس والرئيس التونسي زين العابدين بن علي، خاصة في السنوات الأولى للملك الجديد، فإن الأوراش الكبرى التي فتحها المغرب اقتصاديا، وتوجهه إلى تطوير قطا السياحة والاستثمارات الأجنبية، حوله إلى منافس كبير لتونس، خاصة وأنهما معا يتمتعان بشراكة متقدمة مع الاتحاد الأوربي. "لدرجة أن تونس أصبحت في السنوات الأخيرة تجند مخابراتها للقيام بالتجسس الاقتصادي في المغرب، وكلما حاول مستثمرون أجانب الاستقرار في المملكة، سعت تونس إلى تحويل وجهتهم إليها" يقول الخبير المغربي عبد الرحمان مكاوي. فيما يجمع الأعداء كما الأصدقاء على كون بن علي ظل حليفا نادرا للمملكة في حربها ضد جبهة البوليساريو الانفصالية، الابنة المرعية للجزائر القوية.
منذ يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، تونس لم تعد خضراء بعدما حجب الدخان سماءها واستحالت خضرتها إلى سواد، ولم يعد يخرج من قصر قرطاج الفخم، الرجل المتوسط القامة، "أسود" شعر الرأس ذي السمرة الخفيفة، ماسكا يد زوجته "الحسناء" ومن ورائها أفراد أسرتها الأقوياء! والذي يحمل اسم زين العابدين بن علي، أو "الزين" كما يحب اختصاره الزعيم الليبي معمر القدافي.
لم يعد للتونسيين دكتاتورهم المخيف ولم يعد لتونس زعيمها المقدس. تحول تفرج عليه المغاربة بكثير من الاهتمام وبعضهم لم يقوى على مدافعة تلك القشعريرة التي انتابتهم وهم يتفرجون على سقوط أحد "جيرانهم" الأقوياء، والذي لطالما وصلهم بعض لهيب نيرانه، حين كان بعضهم يتجرأ على انتقاده على صفحات الجرائد أو الندوات، كما ساهم في حرمانه من استضافة أحد مكاتب قناة الجزيرة القطرية القوية. فمن هو زين العابدين بن علي بالنسبة للمغرب والمغاربة؟ أهو الصديق المأسوف على رحيله؟ أم الحليف النادر في المنطقة العربية والذي وقف سدا منيعا أمام المشروع الانفصالي جنوب المملكة المغربي؟ أم أنه مجرد "زعيم" من هؤلاء الزعماء الذين لا يعني المغاربة رحيلهم كما لا يعنيهم بقاؤهم؟
"كانت لزين العابدين بن علي علاقات متينة مع المغرب، ومن حسناته أنه قطع الطريق على جنرالات الجزائر، حين حاولوا ضم جبهة البوليساريو إلى جامعة الدول العربية ثم إلى اتحاد المغرب العربي"، يقول الخبير في الشؤون المغاربية عبد الرحمان مكاوي، والذي يعتبر أن بن علي قام بعكس ما قام به سلفه الحبيب بورقيبة، "الذي كان الزعيم العربي الوحيد الذي تحمس لانفصال موريتانيا، وعمل على ذلك رفقة الجنرال دوغول، كما ساعدها في ولوج منظمة الأمم المتحدة، ثم جامعة الدول العربية عام 1974، كما أن وزير داخليته الطاهر بلخوجة، قام بدور مشبوه في قضية الصحراء، حيث كان وراء إقناع الملك الراحل الحسن الثاني بإيقاف زحف جيشه بعد المواجهات الأولى بأمغالا، حيث كانت القوات المغربية عازمة على التقدم إلى غابة تندوف، بينما قال بلخوجة للحسن الثاني إن بورقيبة يطلب منه توقيف العمليات، فاعتقد الملك أن الأمر يتعلق بإشارة فرنسية أمريكية من أجل حل المشكل، لتستفيد الجزائر والبوليساريو من تلك الفترة التي توقف فيها الهجوم المغربي"يضيف مكاوي.
من جانبه عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل، قال: "يمكن استشراف موقع المغرب من المتغيرات التي طرأت في تونس، من خلال حدثين اثنين". الحدث الأول حسب بوطيب هو منع المغرب للحقوقي التونسي كمال الجندوبي من دخول ترابه قبل أشهر قليلة، وإرغامه على قضاء ليلة كاملة داخل إحدى الطائرات تم رجوعه على أعقابه، "وهذا يعني ما يعنيه حول طبيعة العلاقات التي كانت تربط نظام من علي بالمغرب". أما الحدث الثاني فهو تأخر المغرب في الإعلان عن موقفه الرسمي مما وقع في تونس. "فإذا كان الحدث الأول يفسر بحاجة المغرب إلى الموقف التونسي من قضية الصحراء، فإن الحدث الثاني يعبر عن ذكاء يتمثل في الزمن الفاصل بين ما وقع في تونس وصدور البلاغ الرسمي في المغرب، فالمغرب لم يرد أن يتورط في موقف غير محسوب، وعندما تبين أن أيا من الفرقاء السياسيين لا يتمتع بالقوة الكافية للسيطرة، أعلن المغرب تضامنه مع الجميع. لكن دبلوماسيتنا تبقى غير قادرة على الاستباق."
قصة بنعلي مع المغرب
للحسن الثاني رأس وليس لبن علي سوى يدين
قبل نحو عشر سنوات من الآن، أصدر الفرنسيان جون بيير تيكوا، ونيكولا بو، كتابا بعنوان "صديقنا الجنرال زين العابدين بن علي وصديقه الحبيب عمار" الذي سيصبح وزيرا للداخلية والمخطط الرئيسي للإطاحة ببورقيبة...
إثر عودته من فرنسا، سكن بن علي، حسب "صديقنا الجنرال" في حي الضباط في باردو. وعى مقربة من هناك كانت توجد فيلا العقيد كافي، وهو ضابط سابق في الجيش الفرنسي، أصبح رئيس أركان الجيش التونسي. "فسارع وين العابدين إلى مصادقة ابنته ثم تزوجها". وبفضل دعم حماه النافذ، ذهب بن علي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا إلى المدرسة العسكرية العليا للاستخبارات والأمن بالتيمور، ليتابع تكوينا لمدة 20 شهرا، وبعد عودته من الولايات المتحدة، عين الماجور بن علي مديرا مساعدا، ثم مجيرا للأمن العسكري، بينما اقتصر زملاء دورته على حياة الحامية العسكرية، فكانت مهمته تأمين مراقبة الثكنات العسكرية.
قصة بنعلي مع المغرب
القذافي... عراب بن علي الأول
الخرجة المثيرة التي انفرد بها الزعيم الليبي نهاية الأسبوع الماضي، ودافع فيها عن "الزين" معتبرا إياه أحسن رئيس يمكن أن يجده التونسيون على الإطلاق، تجد تفسيرها في ما قاله مؤلفا الكتاب المثير "لقد سمع التونسيون لأول مرة باسم زين العابدين بن علي عام 1974، أعلن الحبيب بورقيبة ومعمر القدافي ولادة دولة جديدة، هي الجمهورية العربية الإسلامية. وتم الاحتفال في فندق فخم في جزيرة جربة... وفي ذلك اليوم، اقترح رئيس الدولة الليبية أسماء أربعة تونسيين لشغل مناصب إستراتيجية في الحكومة الجديدة، ومنها اسم بن علي لقيادة المكتب الثاني، أي الاستخبارات والأمن العسكري.
وينقل الكاتب الفرنسي ما كتبه الأستاذ الجامعي محسن التومي: "ها هي نقطة تستحق التوضيح في السيرة الذاتية لرئيس الجمهورية". إلا أننا لا يمكن أن نغامر بفرضية، يستدرك الكاتبان الفرنسيان، فقد كان الليبيون دوما يخترقون جيش جارتهم تونس، ومن الصعب أن نتخيل أن يكونوا قد اقترحوا اسم بن علي دون أن يحصلوا على تأكيدات من طرفه، يضيفان. ومهما كان الأمر، فقد غدت مرحلة جربة هذه موضوعا محرما في تونس، وحتى مذكرات الطاهر بلخوجة، وزير داخلية بورقيبة السابق، تبرز في ملحق الوثيقة الرسمية، لائحة وزراء الاتحاد التونسي الليبي، دون أن يظهر فيها اسم زين العابدين بن علي.
بعد قمة جربة ببضعة أيام، ألغي الاتفاق أمام المعارضة القوي للهادي نويرة، رئيس الوزراء التونسي الذي عاد من إيران على وجه السرعة، ونفى، وهو في أشد حالات الغضب، بن علي ملحقا عسكريا في الرباط. وهنا بدأت قصة بن علي مع المغرب.
قصة بنعلي مع المغرب
قصة بن علي مع المغرب
"يعتبر زين العابدين بن علي بمثابة ضابط اتصال لحساب الولايات المتحدة الأمريكية، فهي التي ظلت تعينه حيثما شاءت سواء في الداخل أو الخارج. ثم إن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي لا تدخل ضمن اختصاص وزارة الخارجية الأمريكية، بل مجلس الأمن القومي والبانتاغون"، يقول الخبير العسكري عبد الرحمان مكاوي. كما ظلت تونس لسنوات طويلة توفر لواشنطن قواعد عسكرية فوق أراضيها وتنسق مع أسطولها المنتشر في البحر الأبيض المتوسط بشكل وثيق. "وحتى عندما كان ملحقا عسكريا في سفارة بلاده بالمغرب، كان رجل الأمريكيين بلا منازع، حاصة في متابعة ملف الصحراء"، يجزم مكاوي.
كتاب "صديقنا الجنرال"، نقل كيف اكتشف رئيس الدولة القبل في منفاه ملذات الحياة الحلوة المغربية. "وفي الحفلات الحلوة المغربية. "وفي الحفلات التي كان يرتادها، لم يتردد الملحق العسكري في انتقاد المسيرة الخضراء التي نظمها الحسن الثاني في نونبر 1975... هل كان هذا النوع من الهمس الذي نقل إلى الملك هو الذي جعله ذا سمعة مزعجة لدى النظام المغربي؟" تساءل بيير توكوا وزميله قبل أن يؤكدا: "الحقيقة التي ستتأكد في ما بعد، هي بقاء العلاقات بين الحسن الثاني وبن علي رديئة جدا. وسينسى العاهل المغربي حتى أن يشير في إعلان قمة عربية عقدت في المغرب، إلى حضور زين العابدين بن علي، الذي كان يحتقره باستعلاء. ولم يستطع الجنرال الحقود أن يمتنع عن التثاؤب من الضجر، خلال جنازة الحسن الثاني في يوليوز 1999 بالرباط، كما أظهره التلفزيون المغربي سهوا". فيما تنقل مصادر أخرى، سببا آخر لذلك الجفاء الذي ظل يطبع علاقة الملك الراحل وبن علي، يتمثل في تقرير رفعه حين كان ملحقا عسكريا بسفارة بلاده في الرباط، عن إحدى العمليات الانقلابية التي استهدفت نظام الحسن الثاني، المصادر تقول عن تقرير بن علي جاء مندفعا ومتحاملا، بل ومبشرا بنهاية العهد الملكي في المغرب. وهو ما لا يمكن للحسن الثاني أن يغفره.
"مقابل كل ما يمكن أن نسجله ضده، كانت لزين العابدين بن علي مواقف جريئة، وهو الذي أقنع الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والعقيد الليبي معمر القدافي، بفكرة اتحاد المغرب العربي، فقد كان رجل مخابرات بامتياز، وعرف كيف يلعب على التوازنات والتناقضات. مما جر عليه بعض النفور من جنرالات الجزائر، خاصة بعدما كشفت وثائق وكيليكس أنه كان يعتبرهم عقبة أمام اتحاد المغرب العربي، فكان ردهم هو ذلك التشفي الذي عبرت عنه الصحافة المقربة منهم بعد إعلان مغادرة بن علي لتونس" يقول عبد الرحمان مكاوي. فيما رأى أستاذ العلوم السياسية محمد أمين بوخزبة، أن الاتجاه الذي اتخذته تونس حاليا، هو عدم القطيعة النهائية مع نظام بن علي، أهمها الوزير الأول ورئيس البرلمان... وهكذا يمكن أن تستمر العلاقات عادية كما كانت".
الإمساك بخيوط العلاقات المغربية مع الدول المغاربية، يتطلب العودة إلى فترة السبعينيات التي كان خلالها زين العابدين في الرباط، "فبعد تطورات دولية متلاحقة أدت إلى انسحاب إسبانيا من الصحراء واستعادتها من طرف المغرب بناء على اتفاقية مدريد 1975، ثم تنظيم المسيرة الخضراء، وجدت الجزائر في كل ذلك فرصة لتصفية حساباتها مع المغرب" يقول محمد البزاز، الأستاذ بجامعة مكناس، هذا الأخير أوضح أن المغرب وبهدف كسر الحصار الجزائري، سعى إلى إقامة تحالفات مع دول مغاربية أخرى، خاصة منها تونس وليبيا، فتمكنت الرباط من اجتذاب تونس إليها، وضمنت حيادها بخصوص ملف الصحراء. حياد لم يستمر إلا بضع سنوات، حيث سرعان ما انحازت تونس بورقيبة إلى الجزائر مع بداية الثمانينيات، وتوج ذلك التقارب بتوقيع اتفاقية الأخوة والتضامن عام 1983، انضمت إليها موريتانيا عام 1984. رد الملك الراحل على هذا التحالف التونسي معالجزائر وموريتانيا، كان بتوقيع اتفاقية وجدة يوم 13 غشت 1984، والقاضية بإقامة اتحاد مع ليبيا، في وقت كانت فيه هذه الأخيرة تعيش عزلة دولية وإفريقية خانقة.
لكن وصول زين العابدين بن علي إلى قمة الدولة التونسية، أعاد المنطقة إلى توازنها، وأصبح دور حاكم قرطاج حاسما في الحفاظ على هذا الوضع، والذي توج بتوقيع اتفاقية اتحاد المغرب العربي، دور كبير لعبه بن علي للتقريب بين الحسن الثاني وكل من الشاذلي بن جديد ومعمر القدافي. لكن تونس بن علي، تخلت عن أي طموح على الساحة العربية، فاسحة المجال أمام مغرب الحسن الثاني. فكما ينقل كتاب "صديقنا الجنرال"، يؤكد الأستاذ الجامعي الفرنسي ريمي ليفو، أن الحبيب بورقيبة يرهن على استقلال حقيقي باستقباله في تونس مقر الجامعة العربية، وخصوصا مقر منظمة التحرير الفلسطينية. علما أنه وفي تلك الفترة، كان الغربيون يصنفون تشكيل ياسر عرفات كمنظمة إرهابية. هذه التركة المتأججة لم يعرف بن علي أو لم يشأ أن يستثمرها. فانتقلت الجامعة العربية إلى القاهرة، واستقرت منظمة التحرير الفلسطينية في قطاع غزة. وبعدما انفرد الرئيس التونسي بأخذ موقف ضد التدخل الغربي أثناء أزمة الخليج، وترك الشارع يعبر عن دعمه لنظام صدام حسين... قلت تونس عام 1995 إنشاء مكتب لرعاية المصالح الإسرائيلية في العاصمة، وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حينها: "الآن وقد قامت العلاقات الرسمية بين بلدينا، آمل أن تنمو المبادلات بطريقة ملموسة"، ولكن من جهة أخرى، أقصى مسؤول المكتب إلى بناية داخل جناح بفندق هيلتون". ودام الوضع حتى العام 1999 مثيرا انزعاج السلطات الإسرائيلية التي كانت تفكر جديا في إغلاق المكتب. ثم غير قصر قرطاج وجهته جذريا، وعرض على ممثل إسرائيل إدارة مكاتب بينما أرسلت وزارة الخارجية التونسية موظفين رفيعي المستوى إلى إسرائيل. "فلم هذا التغيير المفاجئ؟ ولم هذا الغموض وسياسة مخجلة ومشوشة بعيدة كل البعد عن تلك التي قام بها في نفس الفترة ملك المغرب الذي عرف، رغم بعد بلاده جغرافيا، كيف يمارس دور الوساطة الذي لا يستغنى عنه في النزاع العربي الإسرائيلي" يتساءل بيير توكوا قبل أن يعيد ليجيب: "لكن ليس باستطاعة أي كان أن يكون الحسن الثاني".
قصة بنعلي مع المغرب
بعد جفاء الحسن الثاني... بن علي نافس محمد السادس
يمعن الكاتبان الفرنسيان ل"صديقنا الجنرال" في هذه المقارنة ويمددانها لتشمل ابنه محمد السادس، حين يجزمان أن على الشعب التونسي أن ينتظر الديمقراطية لفترة طويلة، "إلى درجة أن ملك المغرب الحسن الثاني بلغ به الأمر عام 1991، أن ينصح الصحفيين الأجانب المبلدي الذهن بنظره، بالأفكار المسبقة عن وضع حقوق الإنسان في بلاده أن يهتموا أكثر بتونس. فصحيح أن الملك كان قد جعل النظام ليبراليا في نهاية حكمه، وبالمقارنة مع الرئيس التونسي، يبدو الحسن الثاني وكذلك ابنه محمد السادس في نهاية هذا القرن، ليبراليين".
ويتضح الفرق عندما تنتقل المقارنة بين نظام بن علي والملكية المغربية في عهد خليفة الحسن الثاني، ابنه محمد السادس، في كون تونس بقيت عاجزة، عكس المغرب، عن استرجاع المعارضة من المنفى أو حتى إبطال مفعولها. "ففي المغرب، وزير داخلية الحسن الثاني ثم محمد السادس، إدريس البصري، عرف كيف يربط الملكية الشريفة بمعارضين كانوا يعتبرون غير قابلين لإصلاح" يقول الكتاب الفرنسي الذي تساءل: "هل نقارن تونس مع المغرب؟ تونس جمهورية مشهورة بتسامحها وأعطت الأفضلية للمساواة بين الجنسين، وتشجع وصول الجميع إلى التعليم والصحة، تفوز دوما على ملكية مطلقة عفا عليها الزمن ومحافظة. مع القضاء على الأمية وتمكين كل شخص من تلقي العلاج وتأمين تكافؤ الفرص هي شعارات خالية في الغالب من المعنى في المغرب"، ثم يستدرك الكاتبان الفرنسيان قبل عشر سنوات؛ "المفهوم اليوم مختلف، وإن لم يرق ذلك لقصر قرطاج. فمن مثل يحتدى به، تونس في طريقها اليوم إلى أن تصبح النموذج المعاكس. هي التي كانت تمتدح لاستقرارها السياسي وإدارتها الحازمة والفعالة ضد الإسلام السياسي، ها هي يشار إليها بالأصبع. وهذا التحول يعود سببه على نحو كبير إلى انحرافات "البنعلية". ورغم الزيارات المكثفة التي تبادلها كل من الملك محمد السادس والرئيس زين العابدين بن علي، خاصة في السنوات الأولى للملك الجديد، فإن الأوراش الكبرى التي فتحها المغرب اقتصاديا، وتوجهه إلى تطوير قطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية، حوله إلى منافس كبير لتونس، خاصة وأنهما معا يتمتعان بشراكة متقدمة الاتحاد الأوربي. "لدرجة أن تونس أصبحت في السنوات الأخيرة تجند مخابراتها للقيام بالتجسس الاقتصادي في المغرب، وكلما حاول مستثمرون أجانب الاستقرار في المملكة، سعت تونس إلى تحويل وجهتهم إليها" يقول عبد الرحمان مكاوي. كم "عرف بن علي كيف يستغل الوضع الدولي" يقول كتاب "صديقنا الجنرال". "فأوربا يائسة من بلدان المغرب العربي، واستعادت تونس ألقا لا يمكن إنكاره. في الشرق لا يعد العقيد معمر القذافي أبدا شريكا يمكن الوثوق به، وفي الغرب، كانت نوات الرئيس بوتفليقة وكذلك عدم قدرته على التحرر من عرابيه العسكريين مخيبة للآمال؛ أما في مغرب محمد السادس، ملك الفقراء، فهر يسير أكثر فأكثر على خطى أبيه الحسن الثاني... ضمن هذه الظروف، تبدو تونس فردوسا". هذه الجنة التي رآها الفرنسيون في تونس بن علي، سرعان ما تحولت إلى جحيم فر منه الرئيس الجنرال هو وأسرته، تاركين قرطاج ساحة لحرب العصابات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.