بوريطة يجدد بنيويورك تأكيد التزام المغرب بتطوير الربط في إفريقيا    منشور الخارجية الأمريكية واضح ومباشر: لا استفتاء، لا انفصال، الصحراء مغربية إلى الأبد    نقابة الصحافة ببني ملال ترفض المنع    رقم معاملات المجمع الشريف للفوسفاط يتجاوز سقف 52 مليار درهم    بولس: الحكم الذاتي يضمن الاستقرار    سفينة عسكرية إسبانية تنطلق لدعم "أسطول الصمود" المتجه إلى غزة    الحكم على الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بالسجن لخمس سنوات    أكبر جمعية حقوقية بالمغرب تدين استهداف أسطول الصمود وتطالب الدولة بحماية المغاربة المشاركين    "أسطول الصمود" يتجه لقطاع غزة    أخنوش يشارك في اجتماع للفيفا بنيويورك بشأن التحضيرات لمونديال 2030    بلال نذير يستعد للعودة إلى المنتخب بعد نيل ثقة الركراكي    وفاة رجل تعليم بالحسيمة متأثرا بتداعيات محاولته الانتحار    نساء "البيجيدي" يطالبن الحكومة بجدول زمني لتفعيل قانون محاربة العنف ضد النساء    مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط يحتفي بنبيل عيوش وآيدا فولش وإياد نصار    مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو    ترامب يهدد بتغيير المدن الأمريكية المستضيفة للمونديال بسبب "انعدام الأمان"    الدفاع الجديدي يعلن طرح تذاكر مواجهته أمام الرجاء    فيدرالية اليسار الديمقراطي تعلن عن دعمها للمطالب الشبابية    وفاة فيغار مهاجم أرسنال السابق    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض        جولات وزير الصحة القسرية والمكوكية!    جمجمة عمرها مليون سنة توفر معطيات جديدة عن مراحل التطور البشري        عبد الوهاب البياتي رُوبِين دَارِييُّو الشِّعر العرَبيّ الحديث فى ذكراه    أدب الخيول يتوج فؤاد العروي بجائزة بيغاس        الأصالة والمعاصرة.. من التأسيس إلى رئاسة حكومة المونديال        بريطانيا تضع ضوابط للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية    تركيا تعلن شراء 225 طائرة أمريكية    النرويج: السلطة الفلسطينية تتلقى دعما ماليا طارئا من الدول المانحة    حجز 9 أطنان من الأكياس البلاستيكية المحظورة وتوقيف مروج بالدار البيضاء    كيوسك الجمعة | السياقة الاستعراضية.. الأمن يوقف 34 ألف دراجة نارية            تراجع الطلب يؤدي إلى انخفاض نسبي في أسعار اللحوم بمجازر البيضاء    وزارة الداخلية تراهن على لقاءات جهوية في تحديث النقل بسيارات الأجرة    "أولتراس الجيش" تقاطع لقاء بانجول    نبيل يلاقي الجمهور الألماني والعربي    عامل الرحامنة يحفز مؤسسات التعليم    أخنوش: الملك يرعى أوراش المونديال        رامي عياش يسترجع ذكريات إعادة "صوت الحسن" وصداها العربي الكبير    الاتحاد الأوروبي يوافق بشروط على علاج جديد للزهايمر    تأجيل إطلاق المرحلة الأولى لبيع تذاكر "كان المغرب"    الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر    البيضاء على وشك ثورة في مجال النقل بعد قطارات القرب    مئوية بي بي كينغ… صوت الجموع الخاص    حكيمي يكسر صمته: "تهمة الاغتصاب أقوى شيء حدث لي.. لقد شوهوا صورتي واسمي"    الجامعة الوطنية لأرباب محطات الوقود تنبّه الوزيرة بنعلي إلى استفحال ظاهرة البيع غير القانوني للمحروقات    مونتريال.. المغرب وروسيا يبحثان سبل تعزيز الربط بين البلدين في مجال النقل    دراسة: غثيان الحمل الشديد يرفع خطر الإصابة بأمراض نفسية        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بن علي...من جفاء الحسن الثاني سياسيا إلى منافسة محمد السادس اقتصاديا
نشر في تازا سيتي يوم 24 - 01 - 2011

[COLOR=red]تازاسيتي *: [/COLOR]رغم الزيارات المكثفة التي تبادلها كل من الملك محمد السادس والرئيس التونسي زين العابدين بن علي، خاصة في السنوات الأولى للملك الجديد، فإن الأوراش الكبرى التي فتحها المغرب اقتصاديا، وتوجهه إلى تطوير قطا السياحة والاستثمارات الأجنبية، حوله إلى منافس كبير لتونس، خاصة وأنهما معا يتمتعان بشراكة متقدمة مع الاتحاد الأوربي. "لدرجة أن تونس أصبحت في السنوات الأخيرة تجند مخابراتها للقيام بالتجسس الاقتصادي في المغرب، وكلما حاول مستثمرون أجانب الاستقرار في المملكة، سعت تونس إلى تحويل وجهتهم إليها" يقول الخبير المغربي عبد الرحمان مكاوي. فيما يجمع الأعداء كما الأصدقاء على كون بن علي ظل حليفا نادرا للمملكة في حربها ضد جبهة البوليساريو الانفصالية، الابنة المرعية للجزائر القوية.
منذ يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، تونس لم تعد خضراء بعدما حجب الدخان سماءها واستحالت خضرتها إلى سواد، ولم يعد يخرج من قصر قرطاج الفخم، الرجل المتوسط القامة، "أسود" شعر الرأس ذي السمرة الخفيفة، ماسكا يد زوجته "الحسناء" ومن ورائها أفراد أسرتها الأقوياء! والذي يحمل اسم زين العابدين بن علي، أو "الزين" كما يحب اختصاره الزعيم الليبي معمر القدافي، لم يعد للتونسيين دكتاتورهم المخيف ولم يعد لتونس زعيمها المقدس.
تحول تفرج عليه المغاربة بكثير من الاهتمام وبعضهم لم يقوى على مدافعة تلك القشعريرة التي انتابتهم وهم يتفرجون على سقوط أحد "جيرانهم" الأقوياء، والذي لطالما وصلهم بعض لهيب نيرانه، حين كان بعضهم يتجرأ على انتقاده على صفحات الجرائد أو الندوات، كما ساهم في حرمانه من استضافة أحد مكاتب قناة الجزيرة القطرية القوية. فمن هو زين العابدين بن علي بالنسبة للمغرب والمغاربة؟ أهو الصديق المأسوف على رحيله؟ أم الحليف النادر في المنطقة العربية والذي وقف سدا منيعا أمام المشروع الانفصالي جنوب المملكة المغربي؟ أم أنه مجرد "زعيم" من هؤلاء الزعماء الذين لا يعني المغاربة رحيلهم كما لا يعنيهم بقاؤهم؟
"كانت لزين العابدين بن علي علاقات متينة مع المغرب، ومن حسناته أنه قطع الطريق على جنرالات الجزائر، حين حاولوا ضم جبهة البوليساريو إلى جامعة الدول العربية ثم إلى اتحاد المغرب العربي"، يقول الخبير في الشؤون المغاربية عبد الرحمان مكاوي، والذي يعتبر أن بن علي قام بعكس ما قام به سلفه الحبيب بورقيبة، "الذي كان الزعيم العربي الوحيد الذي تحمس لانفصال موريتانيا، وعمل على ذلك رفقة الجنرال دوغول، كما ساعدها في ولوج منظمة الأمم المتحدة، ثم جامعة الدول العربية عام 1974، كما أن وزير داخليته الطاهر بلخوجة، قام بدور مشبوه في قضية الصحراء، حيث كان وراء إقناع الملك الراحل الحسن الثاني بإيقاف زحف جيشه بعد المواجهات الأولى بأمغالا، حيث كانت القوات المغربية عازمة على التقدم إلى غابة تندوف، بينما قال بلخوجة للحسن الثاني إن بورقيبة يطلب منه توقيف العمليات، فاعتقد الملك أن الأمر يتعلق بإشارة فرنسية أمريكية من أجل حل المشكل، لتستفيد الجزائر والبوليساريو من تلك الفترة التي توقف فيها الهجوم المغربي"يضيف مكاوي.
من جانبه عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة والمستقبل، قال: "يمكن استشراف موقع المغرب من المتغيرات التي طرأت في تونس، من خلال حدثين اثنين". الحدث الأول حسب بوطيب هو منع المغرب للحقوقي التونسي كمال الجندوبي من دخول ترابه قبل أشهر قليلة، وإرغامه على قضاء ليلة كاملة داخل إحدى الطائرات تم رجوعه على أعقابه، "وهذا يعني ما يعنيه حول طبيعة العلاقات التي كانت تربط نظام من علي بالمغرب". أما الحدث الثاني فهو تأخر المغرب في الإعلان عن موقفه الرسمي مما وقع في تونس. "فإذا كان الحدث الأول يفسر بحاجة المغرب إلى الموقف التونسي من قضية الصحراء، فإن الحدث الثاني يعبر عن ذكاء يتمثل في الزمن الفاصل بين ما وقع في تونس وصدور البلاغ الرسمي في المغرب، فالمغرب لم يرد أن يتورط في موقف غير محسوب، وعندما تبين أن أيا من الفرقاء السياسيين لا يتمتع بالقوة الكافية للسيطرة، أعلن المغرب تضامنه مع الجميع. لكن دبلوماسيتنا تبقى غير قادرة على الاستباق."
[COLOR=darkblue]للحسن الثاني رأس وليس لبن علي سوى يدين[/COLOR]
قبل نحو عشر سنوات من الآن، أصدر الفرنسيان جون بيير تيكوا، ونيكولا بو، كتابا بعنوان "صديقنا الجنرال زين العابدين بن علي وصديقه الحبيب عمار" الذي سيصبح وزيرا للداخلية والمخطط الرئيسي للإطاحة ببورقيبة...إثر عودته من فرنسا، سكن بن علي، حسب "صديقنا الجنرال" في حي الضباط في باردو. وعى مقربة من هناك كانت توجد فيلا العقيد كافي، وهو ضابط سابق في الجيش الفرنسي، أصبح رئيس أركان الجيش التونسي. "فسارع وين العابدين إلى مصادقة ابنته ثم تزوجها". وبفضل دعم حماه النافذ، ذهب بن علي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديدا إلى المدرسة العسكرية العليا للاستخبارات والأمن بالتيمور، ليتابع تكوينا لمدة 20 شهرا، وبعد عودته من الولايات المتحدة، عين الماجور بن علي مديرا مساعدا، ثم مجيرا للأمن العسكري، بينما اقتصر زملاء دورته على حياة الحامية العسكرية، فكانت مهمته تأمين مراقبة الثكنات العسكرية.
[COLOR=darkblue]القذافي... عراب بن علي الأول[/COLOR]
الخرجة المثيرة التي انفرد بها الزعيم الليبي نهاية الأسبوع الماضي، ودافع فيها عن "الزين" معتبرا إياه أحسن رئيس يمكن أن يجده التونسيون على الإطلاق، تجد تفسيرها في ما قاله مؤلفا الكتاب المثير "لقد سمع التونسيون لأول مرة باسم زين العابدين بن علي عام 1974، أعلن الحبيب بورقيبة ومعمر القدافي ولادة دولة جديدة، هي الجمهورية العربية الإسلامية. وتم الاحتفال في فندق فخم في جزيرة جربة... وفي ذلك اليوم، اقترح رئيس الدولة الليبية أسماء أربعة تونسيين لشغل مناصب إستراتيجية في الحكومة الجديدة، ومنها اسم بن علي لقيادة المكتب الثاني، أي الاستخبارات والأمن العسكري.
وينقل الكاتب الفرنسي ما كتبه الأستاذ الجامعي محسن التومي: "ها هي نقطة تستحق التوضيح في السيرة الذاتية لرئيس الجمهورية". إلا أننا لا يمكن أن نغامر بفرضية، يستدرك الكاتبان الفرنسيان، فقد كان الليبيون دوما يخترقون جيش جارتهم تونس، ومن الصعب أن نتخيل أن يكونوا قد اقترحوا اسم بن علي دون أن يحصلوا على تأكيدات من طرفه، يضيفان. ومهما كان الأمر، فقد غدت مرحلة جربة هذه موضوعا محرما في تونس، وحتى مذكرات الطاهر بلخوجة، وزير داخلية بورقيبة السابق، تبرز في ملحق الوثيقة الرسمية، لائحة وزراء الاتحاد التونسي الليبي، دون أن يظهر فيها اسم زين العابدين بن علي، بعد قمة جربة ببضعة أيام، ألغي الاتفاق أمام المعارضة القوي للهادي نويرة، رئيس الوزراء التونسي الذي عاد من إيران على وجه السرعة، ونفى، وهو في أشد حالات الغضب، بن علي ملحقا عسكريا في الرباط. وهنا بدأت قصة بن علي مع المغرب.
[COLOR=darkblue]قصة بن علي مع المغرب[/COLOR]
"يعتبر زين العابدين بن علي بمثابة ضابط اتصال لحساب الولايات المتحدة الأمريكية، فهي التي ظلت تعينه حيثما شاءت سواء في الداخل أو الخارج. ثم إن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي لا تدخل ضمن اختصاص وزارة الخارجية الأمريكية، بل مجلس الأمن القومي والبانتاغون"، يقول الخبير العسكري عبد الرحمان مكاوي، كما ظلت تونس لسنوات طويلة توفر لواشنطن قواعد عسكرية فوق أراضيها وتنسق مع أسطولها المنتشر في البحر الأبيض المتوسط بشكل وثيق. "وحتى عندما كان ملحقا عسكريا في سفارة بلاده بالمغرب، كان رجل الأمريكيين بلا منازع، حاصة في متابعة ملف الصحراء"، يجزم مكاوي.
كتاب "صديقنا الجنرال"، نقل كيف اكتشف رئيس الدولة القبل في منفاه ملذات الحياة الحلوة المغربية. "وفي الحفلات الحلوة المغربية. "وفي الحفلات التي كان يرتادها، لم يتردد الملحق العسكري في انتقاد المسيرة الخضراء التي نظمها الحسن الثاني في نونبر 1975... هل كان هذا النوع من الهمس الذي نقل إلى الملك هو الذي جعله ذا سمعة مزعجة لدى النظام المغربي؟" تساءل بيير توكوا وزميله قبل أن يؤكدا: "الحقيقة التي ستتأكد في ما بعد، هي بقاء العلاقات بين الحسن الثاني وبن علي رديئة جدا. وسينسى العاهل المغربي حتى أن يشير في إعلان قمة عربية عقدت في المغرب، إلى حضور زين العابدين بن علي، الذي كان يحتقره باستعلاء. ولم يستطع الجنرال الحقود أن يمتنع عن التثاؤب من الضجر، خلال جنازة الحسن الثاني في يوليوز 1999 بالرباط، كما أظهره التلفزيون المغربي سهوا". فيما تنقل مصادر أخرى، سببا آخر لذلك الجفاء الذي ظل يطبع علاقة الملك الراحل وبن علي، يتمثل في تقرير رفعه حين كان ملحقا عسكريا بسفارة بلاده في الرباط، عن إحدى العمليات الانقلابية التي استهدفت نظام الحسن الثاني، المصادر تقول عن تقرير بن علي جاء مندفعا ومتحاملا، بل ومبشرا بنهاية العهد الملكي في المغرب. وهو ما لا يمكن للحسن الثاني أن يغفره.
"مقابل كل ما يمكن أن نسجله ضده، كانت لزين العابدين بن علي مواقف جريئة، وهو الذي أقنع الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والعقيد الليبي معمر القدافي، بفكرة اتحاد المغرب العربي، فقد كان رجل مخابرات بامتياز، وعرف كيف يلعب على التوازنات والتناقضات. مما جر عليه بعض النفور من جنرالات الجزائر، خاصة بعدما كشفت وثائق وكيليكس أنه كان يعتبرهم عقبة أمام اتحاد المغرب العربي، فكان ردهم هو ذلك التشفي الذي عبرت عنه الصحافة المقربة منهم بعد إعلان مغادرة بن علي لتونس" يقول عبد الرحمان مكاوي. فيما رأى أستاذ العلوم السياسية محمد أمين بوخزبة، أن الاتجاه الذي اتخذته تونس حاليا، هو عدم القطيعة النهائية مع نظام بن علي، أهمها الوزير الأول ورئيس البرلمان... وهكذا يمكن أن تستمر العلاقات عادية كما كانت".
الإمساك بخيوط العلاقات المغربية مع الدول المغاربية، يتطلب العودة إلى فترة السبعينيات التي كان خلالها زين العابدين في الرباط، "فبعد تطورات دولية متلاحقة أدت إلى انسحاب إسبانيا من الصحراء واستعادتها من طرف المغرب بناء على اتفاقية مدريد 1975، ثم تنظيم المسيرة الخضراء، وجدت الجزائر في كل ذلك فرصة لتصفية حساباتها مع المغرب" يقول محمد البزاز، الأستاذ بجامعة مكناس، هذا الأخير أوضح أن المغرب وبهدف كسر الحصار الجزائري، سعى إلى إقامة تحالفات مع دول مغاربية أخرى، خاصة منها تونس وليبيا، فتمكنت الرباط من اجتذاب تونس إليها، وضمنت حيادها بخصوص ملف الصحراء. حياد لم يستمر إلا بضع سنوات، حيث سرعان ما انحازت تونس بورقيبة إلى الجزائر مع بداية الثمانينيات، وتوج ذلك التقارب بتوقيع اتفاقية الأخوة والتضامن عام 1983، انضمت إليها موريتانيا عام 1984. رد الملك الراحل على هذا التحالف التونسي معالجزائر وموريتانيا، كان بتوقيع اتفاقية وجدة يوم 13 غشت 1984، والقاضية بإقامة اتحاد مع ليبيا، في وقت كانت فيه هذه الأخيرة تعيش عزلة دولية وإفريقية خانقة.
لكن وصول زين العابدين بن علي إلى قمة الدولة التونسية، أعاد المنطقة إلى توازنها، وأصبح دور حاكم قرطاج حاسما في الحفاظ على هذا الوضع، والذي توج بتوقيع اتفاقية اتحاد المغرب العربي، دور كبير لعبه بن علي للتقريب بين الحسن الثاني وكل من الشاذلي بن جديد ومعمر القدافي. لكن تونس بن علي، تخلت عن أي طموح على الساحة العربية، فاسحة المجال أمام مغرب الحسن الثاني. فكما ينقل كتاب "صديقنا الجنرال"، يؤكد الأستاذ الجامعي الفرنسي ريمي ليفو، أن الحبيب بورقيبة يرهن على استقلال حقيقي باستقباله في تونس مقر الجامعة العربية، وخصوصا مقر منظمة التحرير الفلسطينية. علما أنه وفي تلك الفترة، كان الغربيون يصنفون تشكيل ياسر عرفات كمنظمة إرهابية. هذه التركة المتأججة لم يعرف بن علي أو لم يشأ أن يستثمرها. فانتقلت الجامعة العربية إلى القاهرة، واستقرت منظمة التحرير الفلسطينية في قطاع غزة. وبعدما انفرد الرئيس التونسي بأخذ موقف ضد التدخل الغربي أثناء أزمة الخليج، وترك الشارع يعبر عن دعمه لنظام صدام حسين...
قلت تونس عام 1995 إنشاء مكتب لرعاية المصالح الإسرائيلية في العاصمة، وصرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حينها: "الآن وقد قامت العلاقات الرسمية بين بلدينا، آمل أن تنمو المبادلات بطريقة ملموسة"، ولكن من جهة أخرى، أقصى مسؤول المكتب إلى بناية داخل جناح بفندق هيلتون". ودام الوضع حتى العام 1999 مثيرا انزعاج السلطات الإسرائيلية التي كانت تفكر جديا في إغلاق المكتب. ثم غير قصر قرطاج وجهته جذريا، وعرض على ممثل إسرائيل إدارة مكاتب بينما أرسلت وزارة الخارجية التونسية موظفين رفيعي المستوى إلى إسرائيل. "فلم هذا التغيير المفاجئ؟ ولم هذا الغموض وسياسة مخجلة ومشوشة بعيدة كل البعد عن تلك التي قام بها في نفس الفترة ملك المغرب الذي عرف، رغم بعد بلاده جغرافيا، كيف يمارس دور الوساطة الذي لا يستغنى عنه في النزاع العربي الإسرائيلي" يتساءل بيير توكوا قبل أن يعيد ليجيب: "لكن ليس باستطاعة أي كان أن يكون الحسن الثاني".
[COLOR=darkblue]بعد جفاء الحسن الثاني... بن علي نافس محمد السادس[/COLOR]
يمعن الكاتبان الفرنسيان ل"صديقنا الجنرال" في هذه المقارنة ويمددانها لتشمل ابنه محمد السادس، حين يجزمان أن على الشعب التونسي أن ينتظر الديمقراطية لفترة طويلة، "إلى درجة أن ملك المغرب الحسن الثاني بلغ به الأمر عام 1991، أن ينصح الصحفيين الأجانب المبلدي الذهن بنظره، بالأفكار المسبقة عن وضع حقوق الإنسان في بلاده أن يهتموا أكثر بتونس. فصحيح أن الملك كان قد جعل النظام ليبراليا في نهاية حكمه، وبالمقارنة مع الرئيس التونسي، يبدو الحسن الثاني وكذلك ابنه محمد السادس في نهاية هذا القرن، ليبراليين".
ويتضح الفرق عندما تنتقل المقارنة بين نظام بن علي والملكية المغربية في عهد خليفة الحسن الثاني، ابنه محمد السادس، في كون تونس بقيت عاجزة، عكس المغرب، عن استرجاع المعارضة من المنفى أو حتى إبطال مفعولها. "ففي المغرب، وزير داخلية الحسن الثاني ثم محمد السادس، إدريس البصري، عرف كيف يربط الملكية الشريفة بمعارضين كانوا يعتبرون غير قابلين لإصلاح" يقول الكتاب الفرنسي الذي تساءل: "هل نقارن تونس مع المغرب؟ تونس جمهورية مشهورة بتسامحها وأعطت الأفضلية للمساواة بين الجنسين، وتشجع وصول الجميع إلى التعليم والصحة، تفوز دوما على ملكية مطلقة عفا عليها الزمن ومحافظة. مع القضاء على الأمية وتمكين كل شخص من تلقي العلاج وتأمين تكافؤ الفرص هي شعارات خالية في الغالب من المعنى في المغرب"، ثم يستدرك الكاتبان الفرنسيان قبل عشر سنوات؛ "المفهوم اليوم مختلف، وإن لم يرق ذلك لقصر قرطاج. فمن مثل يحتدى به، تونس في طريقها اليوم إلى أن تصبح النموذج المعاكس.
هي التي كانت تمتدح لاستقرارها السياسي وإدارتها الحازمة والفعالة ضد الإسلام السياسي، ها هي يشار إليها بالأصبع. وهذا التحول يعود سببه على نحو كبير إلى انحرافات "البنعلية". ورغم الزيارات المكثفة التي تبادلها كل من الملك محمد السادس والرئيس زين العابدين بن علي، خاصة في السنوات الأولى للملك الجديد، فإن الأوراش الكبرى التي فتحها المغرب اقتصاديا، وتوجهه إلى تطوير قطاع السياحة والاستثمارات الأجنبية، حوله إلى منافس كبير لتونس، خاصة وأنهما معا يتمتعان بشراكة متقدمة الاتحاد الأوربي. "لدرجة أن تونس أصبحت في السنوات الأخيرة تجند مخابراتها للقيام بالتجسس الاقتصادي في المغرب، وكلما حاول مستثمرون أجانب الاستقرار في المملكة، سعت تونس إلى تحويل وجهتهم إليها" يقول عبد الرحمان مكاوي. كم "عرف بن علي كيف يستغل الوضع الدولي" يقول كتاب "صديقنا الجنرال". "فأوربا يائسة من بلدان المغرب العربي، واستعادت تونس ألقا لا يمكن إنكاره. في الشرق لا يعد العقيد معمر القذافي أبدا شريكا يمكن الوثوق به، وفي الغرب، كانت نوات الرئيس بوتفليقة وكذلك عدم قدرته على التحرر من عرابيه العسكريين مخيبة للآمال؛ أما في مغرب محمد السادس، ملك الفقراء، فهر يسير أكثر فأكثر على خطى أبيه الحسن الثاني... ضمن هذه الظروف، تبدو تونس فردوسا". هذه الجنة التي رآها الفرنسيون في تونس بن علي، سرعان ما تحولت إلى جحيم فر منه الرئيس الجنرال هو وأسرته، تاركين قرطاج ساحة لحرب العصابات.
-------------
[COLOR=red]* عن جريدة الأسبوع الصحفي عدد 625/1620 ص 14 إلى 17[/COLOR]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.