14 ألف مواطن إسباني يقيمون بالمغرب    بسبب تعديلات مدونة الأسرة.. البرلمانية اليسارية التامني تتعرض لحملة "ممنهجة للارهاب الفكري"وحزبها يحشد محاميه للذهاب إلى القضاء    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    بلجيكا تعين ضابط مخابرات في المغرب الصيف المقبل    غير كيزيدو يسدو على ريوسهم: الجزائر انسحبت من كاس العرب فالمغرب بسبب خريطة المغربة    نجم مغربي يضع الزمالك المصري في أزمة حقيقية    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي .. إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    رصد في ضواحي طنجة.. "القط الأنمر" مهدد بالانقراض ويوجد فقط في حدائق الحيوانات    المغربي إلياس حجري يُتوّج بلقب القارئ العالمي للقرآن    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    الدراجات النارية وحوادث السير بالمدن المغربية    عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش الاسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر من نتانياهو    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمملكة    مكتب التكوين المهني/شركة "أفريقيا".. الاحتفاء بالفوجين الرابع والخامس ل"تكوين المعل م" بالداخلة    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منهج الرسول صلى الله عليه وسلم فى تعاملاته المختلفة
نشر في أخبارنا يوم 12 - 01 - 2014

كانت العرب قبل الإسلام تعيش في ظلام دامس , ظلام الظلم والجهل , ظلام الطغيان والاستبداد والفساد في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية , فلم تكن هناك شريعة يحتكمون إليها بل كانوا يرجعون قي أحكامهم إلى العرف السائد وأهواء سادتهم , فاحتاجوا إلى من يأخذ بيدهم إلى طريق الهداية الذي يحقق لهم السعادة والطمأنينة في مختلف الجوانب وبالتالي يحقق لهم الفوز بنعيم الآخرة .
وكان المنقذ لتلك الجزيرة بل للعالم أجمع هو سيدنا محمد بن عبد الله الذي بعثه الله ليبدد الظلام ويهدي الكون إلى النور الإسلامي , فقد اتسمت سيرته صلى الله عليه وسلم بالدقة والشمول لمختلف جوانب الحياة , وينبوع فياض , يغدق بالخير , وتنعم به الإنسانية على أختلاف مشاربها .
لقد نشأ الرسول يتيماً فقيراً عند جده لأبيه ثم عمه , ولما بلغ مبلغاً يمكن أن يعمل , عمل برعي الغنم لأهل مكة على قراريط , كما كان قد رعاها من قبل في البادية . فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم " فقال له أصحابه : وأنت يا رسول الله ؟ قال : " وأنا رعيتها لأهل مكة بقراريط " .
ولقد شب الرسول صلى الله عليه وسلم بعيدا عن مفاسد الجاهلية وعاداتها السيئة في تلك الفترة فقد كان أفضل قومه وأحسنهم خلقاً وأصدقهم حديثاً وأعظمهم أمانة وأبعدهم عن الفحش والبذاءة . فقد كان صلى الله عليه وسلم منذ طفولته إلى يوم بعثته مظاهر الكمال المحمدي , وكل هذه المظاهر التي عاشها كانت دلائل لنبوته وآيات كمالاته , فلم يكن في شبابه يرضى إلا بالأمور العالية والتي يكون له بها الشرف والفخر بمشاركته فيها , ومن ذلك حضوره حلف الفضول التي دعت إليه قريش وكان في دار عبد الله بن جدعان حيث صنع طعاماً لكل من بني هاشم ومرة وتميم وحلف بعضهم لبعض متعاهدين بالله ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يؤدى إليه حقه .
وحين بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أربعين سنة نزل عليه الوحي وهو يتعبد في غار حراء وبدأ في تحمل أعباء الدعوة للإسلام وكان يدعو الناس سراً ثلاث سنوات ثم أمر بالجهر بها وقد نال كثيراً من الأذى في سبيل الدعوة الإسلامية من مشركي قريش وخرج صلى الله عليه وسلم بتلك الدعوة خارج مكة المكرمة لعله يجد من ينصر دعوته ويشد من أزره , إلا أنه لقي أذى كثيراً . حين خرج إلى الطائف وانصرف عائداً منها ودعا الله عز وجل فقال : " اللهم أهد ثقيفاً وأت بهم " واستجاب الله له فأتوا بعد حصارهم وآمنوا واسلموا .
وهكذا استمر صلى الله عليه وسلم في دعوته للإسلام في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة حتى شاء الله له أن وفد إليه الأوس والخزرج فبايعوه على النصرة لهذا الدين لعظيم , ثم أمره الله تعالى بالهجرة إلى المدينة المنورة . وخلال تلك الفترة التي عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم منذ البعثة إلى وفاته رسم للأمة الإسلامية منهجاً للحياة , وكان ذلك المنهج شاملا وكاملا متناولا جميع جوانب الحياة حيث إنه لم يدع صغيرة ولا كبيرة تخص الفرد المسلم إلا وقد رسم لها طريقاً واضحاً . ووضع لها قاعدة تسير عليها بما يتناسب مع مختلف الأزمنة والأمكنة .
وفارق الرسول صلى الله عليه وسلم الدنيا وقد حكم الجزيرة العربية , وهابه ملوك الدنيا , وملك قلوب المسلمين حتى أنهم يفدونه بالنفس والمال والولد .
فلماذا يا رسول الله محمد صلى الله عليك وسلم لك هذه المكانة العظمى في نفوس المسلمين في كل مكان .. ؟؟؟
لأنك أتصفت بصفات العظمة والكمال التي لم يتصف بها أحد سواك ..

1- مبدأ الحلم :قال الله تعالى : " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " آل عمران آية 134 .
لقد كان المصطفى حليما مع أصحابه وأعدائه , فلم يكن يغضب إلا حين يكون هناك تساهل في إقامة حدود الله أو إساءة للدين الإسلامي أما لنفسه فلا .
وهناك كثير من المواقف التاريخية التي تؤكد أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان حليما في معاملاته مع الناس حتى ولو كانوا أعداؤه .. ومن الوقائع الدالة على حلمه صلى الله عليه وسلم:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه إلى مكة في السنة السادسة من الهجرة لأداء العمرة فأحرم هو ومن معه من المسلمين وبعد أن وصل إلى ذي الحليفة أرسل عيناً له من خزاعة لينقل إليه أخبار قريش وحالهم فرجع له وأخبره بأن قريشا قررت صده عن المسجد الحرام , فغير رسول الله طريقته في السير حتى إذا نزل بالحديبة جاء بديل بن ورقاء إلى رسول الله وأخبره بأن كعبا ابن لؤي سيقاتلونه ويمنعونه عن دخول مكة وبعد ذلك توالت الرسل من قريش إلى رسول الله دارت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مناقشات حول رجوعه هو ومن معه عن مكة هذا العام وكان آخر هذه الرسل سهيل بن عمرو الذي بعثته قريش لعقد صلح مع رسول الله بشرط أن يرجع بمن معه من المسلمين عن مكة هذا العام, فجاء سهيل إلى رسول الله وتكلم معه ثم اتفقا على عقد الصلح فدعى الرسول صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب ليكتب كتاب الصلح مع قريش في الحديبية , وكان الممثل لقريش في عقد الصلح هو سهيل بن عمرو , فلما أملى الرسول صلى الله عليه وسلم على علي الكتاب وأملى عليه " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال سهيل : " أما الرحمن " فو الله لا ندري ما هو ولكن اكتب باسمك اللهم , فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا بذلك . ثم أملى " هذا ما صالح عليه محمد رسول الله " فقال سهيل : لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمدا بن عبد الله . فقال : " إني رسول الله وإن كذبتموني " وأمر عليا أ يكتب محمدا بن عبد الله , ثم تمت كتابة الصحيفة .
وموقفا آخر يدل على حلمه صلى الله عليه وسلم وذلك حين كان صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة يوم فتح مكة وكان فضالة بن عمير بن الملوح قد فكر في قتله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف , فلما دنا من الرسول صلى الله عليه وسلم قال له صلى الله عليه وسلم : أ فضالة . قال : نعم ضالة يا رسول الله , قال : " ماذا كنت تحدث به نفسك ؟ " قال لا شيء كنت أذكر الله . فضحك الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال " استغفر الله " ثم وضع يده على صدر فضالة فسكن قلبه فكان فضالة يقول : والله ما وضع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إليَّ منه " .
ويتجلى حلمه صلى الله عليه وسلم عندما يكون هذا الحلم مع ألد أعدائه وحامل لواء العداوة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم , من أن العباس عم رسول الله خرج من عند الرسول صلى الله عليه وسلم قبل يوم الفتح يلتمس أحدا من قريش ليخبر قريشا بأن رسول الله خرج إليهم وذلك ليخرجوا إليه فيستأمنونه , فوجد أبو سفيان وبديل فأخبرهما فقال أبو سفيان : فما الحيلة ؟ فقال له : والله لئن ظفر بك رسول الله ليضربن عنقك فاركب حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك , فدخل العباس وأبو سفيان على رسول الله وعنده عمر بن الخطاب فقال عمر : يا رسول الله هذا أبو سفيان فدعي أضرب عنقه قال العباس : يا رسول الله إني قد أجرته فقال صلى الله عليه وسلم : اذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به " فذهب فلما أصبحت غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال : ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله . قال بأي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ! أما هذه فإن في النفس حتى الآن منها شيء , فقال له العباس : ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله , قبل أن تضرب عنقك , فأسلم .
وموقف آخر يبين حلم الرسول صلى الله عليه وسلم وأناته مع أعدائه وذلك حين أرسل مسيلمة الكذاب ابن النواحة وابن أثال إلى رسول الله فقال لهما صلى الله عليه وسلم : " اشهد أني رسول الله " فقالا : نشهد أن مسيلمة رسول الله , فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " آمنت بالله ورسوله لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما " .
إن المتأمل في الأحداث السابقة يجد أن المصطفى صلى الله عليه وسلم تحلى بالحلم في التعامل مع من أساء إليه حتى لو كان من أعدائه فلم يتجاوز حد الحلم في القول والعمل , وكان من حقه أن يغضب ويثور عليهم إلا أنه كان خلقه القرآن فلم يكن يغضب لنفسه , بل إنه في كثير من الأحيان يكظم غيظه ويعفو ويحسن إلى من أساء إليه . فكان مبدأ الحلم هو أحد المبادئ التي تعامل بها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أعدائه وأصحابه على السواء , فكسب الكثير من القلوب فأحاطت به ولم تكن ترضى أن يصاب الرسول صلى اله عليه وسلم بمكروه حيا أو ميتا .

2- مبدأ التواضع ولين الجانب :قال تعالى : " ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور " . لقمان آية 18 .
إن الكبر من الأخلاق المذمومة في نظر الإسلام وقد نهى عنه وحث على التواضع ورغب فيه . قال صلى الله عليه وسلم : " ما تواضع أحد لله إلا رفعه " .
وكانت سيرته صلى الله عليه وسلم مثالا حيا في التواضع وخفض الجناح ولين الجانب وسماحة النفس . ومن تواضعه حين جاء أبو بكر الصديق بوالده أبي قحافة إلى رسول الله يوم الفتح فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه " قال أبو بكر : يا رسول الله هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه , فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم ومسح صدره وقال له : " أسلم " فأسلم .
فهذا موقفه مع أبي قحافة والد أبي بكر الصديق دليلا على تواضعه وتقديره لمن هو أكبر منه مع أن أبا قحافة لم يكن مسلما . لقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الخلق ما لم يبلغه غيره من البشر , فقد استطاع أن يكسب قلوب المحيطين به وثقتهم فيه وشعورهم بأنه واحد منهم .

3 - مبدأ حسن الظن :قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم " الحجرات آية 12 .
لقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على غرس هذا المبدأ في نفوس المسلمين , وعمل على تطبيقه حتى مع كبير المنافقين . فعن عبد الله بن أبي في غزوة بني المصطلق حين قال عن المهاجرين : أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منا الأذل , ثم قال لمن معه : هذا ما فعلتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم . فعلم عبد الله بن أبي أن زيد ابن أرقم بلغ الخبر , فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به , وقال من حضر من الأنصار : يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل . فقبل عذره مداراة له ولقومه الأنصار . وبهذا نجد أن المصطفى صلى الله عليه وسلم حرص ألا يكون هناك سوء ظن بالآخرين ولا تتبع خطواتهم ولا البحث وراءهم , وقد عمد على حسن الظن بمن حوله من الصحابة رضوان الله عليهم وكذلك حسن الظن بالمنافقين والأعداء المحيطين به في المدينة وخارجها .

4- مبدأ الوضوح في التعامل : لقد كان الوضوح سمة مميزة في تعاملات الرسول صلى الله عليه وسلم ليس فقط مع صحابته رضوان الله عليهم بل أيضا مع أعدائه , فلم يكن ممن يداهنون الغير , قال عز وجل : " ودوا لو تدهن فيدهنون " . القلم آية 9 .
فهذا المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما خرج معتمرا إلى مكة المكرمة وصدته قريش عن البيت الحرام بحجة أنه جاء لقتالهم فكان لا بد للرسول صلى الله عليه وسلم من أن يبين لهم أنه جاء معتمرا إلى البيت الحرام ولم يجئ لقتال أحد , وهكذا أوضح هدفهم من المجيء , وبعدها قال صلى الله عليه وسلم لبديل معترضا على تصرف قريش بأن الحرب قد أهلكتهم فلو أنهم خلوا بين الناس والمسلمين فمن شاء دخل في الإسلام وأسلموا هم , أما إذا أرادت قريش الحرب والقتال فإنه مستعد لقتالهم من أجل هذه الدعوة حتى يقتل أو ينفذ الله أمره , وهكذا كان صلى الله عليه وسلم واضحا مع بديل في اعتراض قريش حيث إنهم لم يتركوا الرسول صلى الله عليه وسلم دون أذى و تحريض الناس والقبائل ضده فلم يكن الحرب والقتال للقضاء على الدعوة الإسلامية إلا من قريش وحدها أو من حالفها وبتحريض منها , وكون أن قريش تريد الحرب والقتال فالرسول ومن معه على أتم استعداد للمواجهة حتى الموت , ولم يكن أمام بديل إلا أن يعود أدراجه ويبين لقريش ما دار بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم .
ويزيد وضوح المصطفى صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الوفود التي تأتي لتسأل عن الإسلام أو تعلن إسلامها أمامه فلم يكن صلى الله عليه وسلم يجبر الناس على دخول الإسلام بل يعطي لهم فرصة ليستوضحوا الأمر ويفهموا دعوته وما أرسل به ثم يدعوهم بعد ذلك إلى الحق فهذا وفد ثقيف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب لهم قبة في ناحية المسجد لكي يسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا ومكثوا يختلفون إلى رسول الله وهو يدعوهم إلى الإسلام حتى سأل رئيسهم أن يكتب لهم الرسول قضية صلح بينه وبين ثقيف يأذن لهم فيها بالزنا وشرب الخمر وأكل الربا ويترك لهم طاغيتهم اللات وأن يعفيهم من الصلاة وأن لا يكسروا أصنامهم بأيديهم . فأبى رسول الله أن يقبل شيئاً من ذلك فخلوا وتشاوروا فما كان منهم إلا أن استسلموا وأعلنوا إسلامهم واشترطوا أن يتولى الرسول صلى الله عليه وسلم هدم اللات وأن ثقيفا لا يهدمونها بأيديهم أبدا فقبل ذلك . وما كان هذا إلا لمعرفتهم بأنه صلى الله عليه وسلم لن يرضى بغير الوضوح في كل تعاملاته وصدق الإيمان وبذلك تمكن من كسب هذه الفئة في الإسلام وتفانيهم فيما بعد في الدعوة إليه .إن الوضوح في التعامل يعد مبدأ هاما لتوضيح وجهات النظر بين الفئات المختلفة وإزالة ما قد يرد إلى الأذهان من شكوك وظنون وحتى تكون الرؤية أكثر وضوحا أمام الجميع فيكون كل فرد على بينة من أمره يعرف ما هو مطلوب منه وما هو الواجب عليه لذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرص على الوضوح في تعامله حتى مع الفئات المخالفة له من غير المسلمين .

5- مبدأ العفو والتسامح :قال الله تعالى مخاطبا رسوله الكريم : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " . الأعراف آية 199 .
وقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ في التعامل مع صحابته رضوان الله عليهم ومع أعدائه وضرب للمسلمين مثلا في العفو فقد تجاوز عن المسيء من أعدائه مع قدرته صلى الله عليه وسلم على القصاص منه . وهناك الكثير من الأحداث والمواقف التي سجلها التاريخ والتي تدل على تطبيق مبدأ العفو والتسامح مع أعدائه صلى الله عليه وسلم . ومنها حين خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في ألف مقاتل وسلك بمن معه من المؤمنين على البدائع في مرة بني حارثة ومروا بحائط لمربع بن قيظي وكان منافقا فلما سمع حس رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين رفع حفنة من تراب وقال : والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فبدره سعد بن زيد بضربة شج بها رأسه وابتدره رجال ليقتلوه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوه لا تقتلوه فإنه أعمى القلب أعمى البصير" .
وموقف آخر بعد أن عادت سرية محمد بن مسلمة التي غارت على بني بكر بن كلاب فهرب سائرهم فاستاق المسلمون نعما وشاء وقدموا المدينة ومعهم ثمامة بن أثال الحنفي سيد بني حنيفة , كان قد خرج متنكرا لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم بأمر من مسيلمة الكذاب فأخذه المسلمون , فلما جاءوا به ربطوه بسارية في المسجد , فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ما عندك يا ثمامة ؟ فقال : عندي خير يا محمد إن تقتل ذا دم وإن تنعم على شاكر , وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت , فتركه ثم مر به مرة أخرى . فقال له مثل ذلك . فرد عليه كما رد عليه أولا , ثم مر مرة ثالثة فقال : " أطلقوا ثمامة " فأطلقوه فذهب إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم . وأعظم موقف في عفوه صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على باب الكعبة يوم الفتح وخطب في الناس ثم قال لقريش : " يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم . قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء " . فعفا عنهم بعد أن أمكنه الله تعالى منهم .
وبهذا العفو والتسامح منه صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أعدائه استطاع كسب محبة الأعداء وإسلامهم والوفاء له فيما بعد . فالعفو والتسامح يؤتي ثماره الإيجابية ليس فقط مع الأصحاب بل حتى مع الأعداء ويكون له أكبر الأثر في غرس الثقة والمحبة في تلك القلوب التي عميت بالعداء والحقد والحسد .

6- مبدأ الصبر :
قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين " البقرة آية 153 .
كان الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجا مثاليا في الصبر على الأذى في سبيل تبليغ الدعوة إلى الناس فقد صبر حين حوصر هو والمسلمون في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات , فقد قامت قريش بإجراء انتقام ظالم جائر حيث قرروا كتابة كتاب يتعاقدون فيه على بني هاشم بني المطلب على ألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم , ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم , وتعاهدوا عليها وتواثقوا ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة .
وموقف آخر . بعد غزوة بدر وانتصار المسلمين على قريش قدم الرسول المدينة وجمع اليهود في سوق بني قينقاع فقال : " يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريش " فقالوا : يا محمد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا . فأنزل الله تعالى : " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد " . كان معنى ما أجاب به بنو قينقاع هو الإعلان السافر بالحرب ولكن كظم النبي صى الله عليه وسلم غيظه وصبر المسلمون وأخذوا ينتظرون ما تتمخض عنه الليالي . وكان قولهم يكفي لأن يعمل الرسول صلى الله عليه وسلم على التصرف معهم بقوة وشدة سواء في الرد عليهم بالقول أو الفعل , وكان الله كفيلا بنصر رسوله صلى الله عليه وسلم إلا أنه تحلى بالصبر في هذا الموقف لعله بذلك يتمكن من كسب قلوب الأعداء ودخولهم في الإسلام .


7- مبدأ الحزم :يتضح حزم الرسول صلى الله عليه وسلم مع من يخونه ويغدر به في عدت مواقف منها موقفه عندما عاد من حمراء الأسد إلى المدينة أخذ أبا عزة الجمحي وهو الذي كان قد من عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من أسارى بدر لفقره وكثرة بناته على أن لا يظاهر عليه أحد وكنه غدر فحرض الناس بشعره على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وخرج لمقاتلتهم في أحد فلما أخذه الرسول صلى الله عليه وسلم قال : يا محمد أخلني وامنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهدا أن لا أعود لمثل ما فعلت , فقال صلى الله عليه وسلم : لا تمسح عارضيك بمكة بعدها وتقول خدعت محمدا مرتين . ثم أمر الزبير فضرب عنقه .
وأيضا موقفه صلى الله عليه وسلم مع المنافقين الذين حاولوا الغدر به عندما قاموا ببناء مسجد الضرار وكان هذا المسجد عبارة عن وكر مؤامرات أقيم لمناوأة الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين في المدينة , فلما فرغوا من البناء أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز لغزوة تبوك وطلبوا منه أن يأتيهم ويصلي في ذلك المسجد ليأخذ الصبغة الشرعية فاعتذر الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " إني على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا – إن شاء الله – لأتيناكم فصلينا لكم فيه " وأثناء عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك نزل عليه الوحي بخبر المسجد . قال تعالى : " والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله " . وهنا دعا صلى الله عليه وسلم اثنين من أصحابه هما : مالك بن الدخشم ومعن بن عدي فقال : " انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه " وفعلا أتياه فهدماه وحرقاه وتفرق أهله عنه وتركوه للنار .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان حازما في الأعمال التي يقوم بها وفي مواجهة الأحداث التي قد تسبب بلبلة أو تؤدي إلى مصائب أعظم يقدم على العمل بعد التفكير الجاد والنظرة البعيدة للأحداث المترتبة على ذلك العمل فلم يكن يتسرع في الإقدام ثم يعود ويتراجع عن القرار .
8- مبدأ العدل : قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " .المائدة آية 8 .
العدل في المجتمع الإسلامي لا يختص بفئة بعينها بل هو عدل شامل فلا يتأثر بقرابة ولا صدقة ولا بغض ولا عداوة . ومن أعظم الوقائع التاريخية الدالة على عدله صلى الله عليه وسلم عندما سرقت المخزومية وشق على المسلمين إقامة الحد عليها بقطع يدها وحاولوا التوسط بزيد بن الحارثة وابنه أسامة لأنهما أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع أسامة القضية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فما كان جوابه صلى الله عليه وسلم إلا أن قال : " أفي حد من حدود الله تشفع يا أسامة والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها " .

9- مبدأ الوفاء بالوعد :قال الله تعالى : " الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق " . الرعد آية 20 .
لقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على ممارسة مبدأ الوفاء بالوعد في تعامله مع أفراد المجتمع المسلم . وهناك كثير من المواقف التي تبين ممارسته لهذا المبدأ في حياته ومن أعظمها عندما عقد صلح الحديبية مع مشركي مكة أتاه أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده قد خرج من مكة فطالب سهيل بأن يرده الرسول إلى المشركين ببنود الصلح بينهم , وأبو جندل يصرخ بأعلى صوته , يا معشر المسلمين أ أرد إلى المشركين يفتنوني في ديني , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا إنا قد عقدنا بيننا وبين اليوم صلحاء وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله فلا نغدر بهم " .
اللهم صلي وسلم على المصطفى الأمين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.