سنتان فقط بعد وصوله إلى دفة الحكم، يبدو أن الحزب الشعبي في اسبانيا (يمين) يعاني من اهتزازات ناجمة عن الجدل والانقسامات الحاصلة في صفوفه، بسبب سياسة رئيسه ماريانو راخوي، التي توصف "بالمتهاونة" تجاه النزعات الانفصالية في كاطالونيا وبلاد الباسك. وغداة المؤتمر السياسي السنوي للحزب، المقرر عقده في بلد الوليد نهاية الأسبوع الجاري، تشتد حدة النقاشات والجدل حول "الانقسامات الداخلية المتوقعة والتشنج" داخل هذه التشكيلة السياسية التي لم تتوفر، حتى الآن، على الوقت الكافي للاحتفاء بأخبار خروج اسبانيا من ثاني ركود اقتصادي يضربها في ظرف خمس سنوات، وتذوق نتائج القرارات الصعبة التي اتخذتها الحكومة منذ 2011. وفي المقابل تنفي قيادة الحزب بشكل قاطع وجود أي "شرخ داخلي" في صفوف الحزب. وجاء إعلان الزعيم السابق للحزب، خوسيه ماريا أثنار، ورئيسه الشرفي، المثير للجدل، عدم حضور أشغال هذا المؤتمر، الذي يعد موعدا لا مناص منه لتكريس وحدة الحزب في مواجهة الظرفية الحالية والاستحقاقات القادمةº خاصة الانتخابات الأوروبية المقررة في ماي القادم والانتخابات التشريعية ل 2015، ليغذي النقاشات حول وجود توتر داخلي في صفوف الحزب الشعبي. وبدوره، يصب قرار خايمي مايور أوريخا، وزير الداخلية السابق، وأحد الأسماء القيادية في الحزب الشعبي، الموالية لخط أزنار، القاضي برفض تمثيل الحزب المحافظ على رأس لائحته في الانتخابات الأوروبية ومقاطعة مؤتمر بلد الوليد، الزيت على نار الخلافات المنتظرة في صفوف الحزب الذي تتراجع شعبيته شهرا بعد شهر في استطلاعات الرأي. ولأن المصائب تأتي دفعة واحدة، تعرض الحزب الذي احتل المرتبة الأولى في انتخابات 2011 لهزة جديدةº ويتعلق الأمر بإعلان، "منشقين" عن صفوفه في منتصف يناير الجاري، عن تأسيس حزب سياسي جديدº معللين قرارهم بالاختلافات مع سياسة ماريانو راخوي حول العديد من القضايا التي تهم الإسبان، وفي المقام الأول، على الخصوص، مشاكل البطالة والفساد والنزعات الانفصالية الكاطلانية والباسكية ومشروع القانون الذي يحد بشكل كبير من الحق في الإجهاض. ويقدم الحزب الجديد، الذي أطلق عليه فوكس (الصوت)، نفسه كصوت "لآلاف الإسبان الذين يشعرون أنهم تعرضوا للخيانة من قبل الحزب الشعبي" الذي لم يف بالتزاماته الانتخابية التي أخذها على عاتقه خلال الحملة الانتخابية التي سبقت الاستحقاقات التشريعية لنونبر 2011 ، بحسب مؤسسي الحزب. وفي مواجهة هذا الجدل، يشدد قادة الحزب الشعبي، الذين يظهرون قدرا من الهدوء والتماسك، في أعقاب هذه النقاشات الصاخبة، على وحدة الحزب، ويرفضون حصول أي انقسام داخلي في صفوفه. ونفت نائبة رئيس الحزب الحاكم ماريا دولوريس دو كوسبيدال، أمس الخميس من على شاشة التلفزيون العمومي الإسباني (تي في إي)، وجود أي انقسام أو تشنج داخل الحزب، وعزت غياب أثنار، الذي عبر في العديد من المرات عن اختلافه مع خط راخوي، عن المؤتمر السنوي للحزب إلى أجندته الخاصة. وأوضحت أن هذا الغياب يندرج في إطاره العادي، على غرار مايور أوريغا الذي اختير لمرتين على رأس لائحة الحزب الشعبي في انتخابات البرلمان الأوروبي. وترى دوكوسبيدال أنه على الأحزاب السياسية أن تجدد مرشحيها، في إشارة على ما يبدو إلى منافسيها. وأحالت إلى التشكيلة الرئيسية للمعارضة، الممثلة في الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني، الذي لم يتخذ لحد الآن قرارا بشأن مرشحه للانتخابات التشريعية المقررة في 2015 كما لم يعلن عما إذا كان وزير العدل السابق، خوان فيرنانديز لوبيز أكويلار، سيكون على رأس لائحة الاشتراكيين في الانتخابات الأوروبية. ويرى قادة الحزب الشعبي أن توقيت قرارات أثنار ومايور أوريخا ليست تعبيرا عن مشكل ما، بقدر ما هي خطوات "صائبة"º لأن اجتماع نهاية الأسبوع الجاري سيتناول الخطوط العريضة للسياسة الأوروبية والخطوات التي يتعين قطعها في المستقبل على ضوء التطورات الأخيرة. ومن المنتظر أن يحاول ماريانو راخوي، الذي آثر الصمت منذ تفجر هذا النقاش ويصارع من أجل الحفاظ على صورة حزبه التي طالتها قضية الفساد المسماة "باركيناس"، خلال مؤتمر بلد الوليد، التحكم في هذا الوضع الذي يشغل بشكل متزايد الرأي العام الإسباني، كما سيسعى إلى تعزيز وحدة الحزب بالرغم من الانشقاقات والغيابات.