سان جرمان يسقط في فخ بوتافوغو    موكب استعراضي يبهر الصويرة في افتتاح مهرجان كناوة    تطورات حريق عين لحصن.. النيران تلتهم 20 هكتارًا والرياح تعقّد جهود الإطفاء    التصادم الإيراني الإسرائيلي إختبار لتفوق التكنلوجيا العسكرية بين الشرق والغرب    مؤسسة بالياريا تقدّم في طنجة مختارات شعرية نسائية مغربية-إسبانية بعنوان "ماتريا"    وزير الداخلية يودّع شقيقته الكبرى بجنازة هادئة وبدون بروتكول ومتواريا عن الأنظار    العيون.. رئيس "سيماك": التجربة التنموية في الأقاليم الجنوبية للمغرب نموذج يحتذى على الصعيد القاري    كوت ديفوار تجدد تأكيد "دعمها الكامل" للمبادرة المغربية للحكم الذاتي    ميسي يقود ميامي إلى هزم بورتو    انطلاق فعاليات النسخة الأولى من ملتقى التشغيل وريادة الأعمال بطنجة    رئيس النيابة العامة يجري مباحثات مع وزيرة العدل بجمهورية الرأس الأخضر    حكومة أخنوش تصادق على إحداث "الوكالة الوطنية لحماية الطفولة" في إطار نفس إصلاحي هيكلي ومؤسساتي    "عائدتها قدرت بالملايير".. توقيف شبكة إجرامية تنشط في الهجرة السرية وتهريب المخدرات    تغييرات في حكامة "اتصالات المغرب"    الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يستقبل وزيرة العدل بجمهورية الرأس الأخضر    بعيوي يكذب تصريحات "إسكوبار الصحراء"    ماركا: ياسين بونو "سيد" التصديات لركلات الجزاء بلا منازع    البيت الأبيض: موقف دونالد ترامب من إيران "لا يجب أن يفاجئ أحداً"    إصدار أول سلسلة استثنائية من عشرة طوابع بريدية مخصصة لحرف تقليدية مغربية مهددة بالاندثار    أمن طنجة يتفاعل بسرعة مع فيديو السياقة الاستعراضية بشاطئ المريسات ويوقف المتورطين    الحرب الامبريالية على إيران        الحكومة تصادق على تقنين استخدام "التروتينت" ووسائل التنقل الفردي بقوانين صارمة    المغرب والولايات المتحدة يعززان شراكتهما الأمنية عبر اتفاق جديد لتأمين الحاويات بموانئ طنجة المتوسط والدار البيضاء    الأحمر يلازم تداولات بورصة البيضاء    "مجموعة العمل" تحشد لمسيرة الرباط تنديدا بتوسيع العدوان الإسرائيلي وتجويع الفلسطينيين    نشرة إنذارية تحذر المواطنين من موجة حر شديدة ليومين متتاليين    الوداد الرياضي يتلقى هدفين نظيفين أمام مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية    هل يعي عبد الإله بنكيران خطورة ما يتلفظ به؟    بنكيران يهاجم… الجماهري يرد… ومناضلو الاتحاد الاشتراكي يوضحون    مجازر الاحتلال بحق الجوعى وجرائم الحرب الإسرائيلية    أخبار الساحة    بيت الشعر في المغرب يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر    تعدد الأصوات في رواية «ليلة مع رباب» (سيرة سيف الرواي) لفاتحة مرشيد    سؤال الهوية الشعرية في ديواني .. « سأعبر جسر القصيدة» و «حصتي من الإرث شجرة» للشاعرة سعاد بازي المرابط        الحكومة تصادق على إحداث المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي    معرض بكين للكتاب: اتفاقية لترجمة مؤلفات حول التراث المغربي اللامادي إلى اللغة الصينية    الدوزي يُطلق العدّ التنازلي ل"ديما لباس"    كتل هوائية صحراوية ترفع الحرارة إلى مستويات غير معتادة في المغرب    الشعب المغربي يحتفل غدا الجمعة بالذكرى ال55 لميلاد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد    إصابة حكم ومشجعين في فوضى بالدوري الليبي    طنجاوة يتظاهرون تنديدًا بالعدوان الإسرائيلي على غزة وإيران    فحص دم جديد يكشف السرطان قبل ظهور الأعراض بسنوات    ست ميداليات منها ذهبيتان حصيلة مشاركة الرياضيين المغاربة في ملتقى تونس للبارا ألعاب القوى    بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية يوقعان شراكة لتعزيز الشمول المالي الفلاحي بالمغرب    بنهاشم بعد مواجهة مانشستر سيتي: لعبنا بشجاعة وخرجنا بدروس ثمينة رغم الخسارة    إيران تستهدف مستشفى بجنوب إسرائيل ونتانياهو يتوعدها بدفع "ثمن باهظ"    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقد الذاتي للتنظيمات بين الاعتبارات الموضوعية والهواجس النفسية
نشر في العمق المغربي يوم 27 - 10 - 2020


حزب العدالة والتنمية نموذجا..
من النادر جدا أن تعرف التنظيمات موجات نقد ذاتي نابعة من قواعدها كما عاشها حزب العدالة والتنمية في الأسابيع الأخيرة مع مبادرة النقد والتقييم التي أطلقتها قواعده. ولكن لماذا في أغلب الأحيان تعجز القواعد عن التجرؤ على فتح أبواب النقد الذاتي؟ وحتى إن فتح هذا الباب كما في حالة مبادرة النقد والتقييم، فلماذا البعض يظل مترددا أو حتى إن استحسن مبادرة النقد، فهو يراها نقاشا داخليا ولا ينبغي فتح النقاش فيها للعموم؟
للجواب على هذه الأسئلة ينبغي استحضار عدة اعتبارات منها ما هو مرتبط بالطبيعة الموضوعية للتنظيمات بشكل عام، ومنها ما هو مرتبط بالخلفية النفسية والايديولوجية لأبناء العدالة والتنمية.
النقد الذاتي في ظل الاعتبارات الموضوعية للتنظيمات:
أغلب التنظيمات في بنيتها تتأسس على هرمية ذات بعدين، بعد تاريخي وبعد تنظيمي. فالبعد التاريخي راجع للتراتبية المبنية على تاريخ الالتحاق بالتنظيم، وهذا ينتج عنه تقسيمات من قبيل: الرعيل الأول أو الجيل المؤسس، ثم الأجيال التي تأتي بعدها جيلا بعد جيل…أما البعد التنظيمي فهو مبني على الهرمية التنظيمية لبنية التنظيمات، بين هيئات عليا وهيئات دنيا، بين هيئات تقريرية وهيئات تحكيمية وهيئات تنفيذية وهيئات استشارية…الخ. وترسم لنا هذه التراتبيات التاريخية والتنظيمية دوائر تحصر ما نسميه "قيادة التنظيم"، وبالتالي فهناك قيادة تاريخية وقيادة تنظيمية، وفي أحيان عدة قد يحصل أن تتقاطع دوائر القيادة التاريخية بدوائر القيادة التنظيمية، فكثيرا ما نجد الجيل المؤسس يحتكر الهيئات العليا والهيئات التقريرية، حتى وإن كانت تضم مكونات شابة، فلا يعدو أن يكون دورها فقط تأثيث هذه الهيئات أو فقط التزاما بمقتضيات الديمقراطية التشاركية.
على أي، ففي جميع الحالات فالقيادة سواء كانت تاريخية أو تنظيمية فهي تمتاز باحتكارها "للسلطة الرمزية" التي تجعل من رأيها وصوتها مسموعا وذا قيمة في صفوف القواعد، ويكون لحضورها أو غيابها تأثير، ويحسب لكلامها ألف حساب. كل هذا النفوذ الذي تحظى به القيادة مرده لامتلاكها سلطتين من داخل هيئات التنظيم: "سلطة عاقلة"، بمعنى سلطة صياغة التوجهات الكبرى والاختيارات والتصورات المنهجية، وتحسم في الأفكار المؤطرة لاشتغال التنظيم. و"سلطة تقريرية" أي لها سلطة إصدار القرار وتنفيذه. وكل من السلطتين العاقلة والتقريرية تشتركان في كونهما ملزمتين للقواعد التي تحتفظ فقط بحقها في إبداء الرأي، فالرأي حر والقرار ملزم.
وأمام هذا الواقع، يختلف تعاطي القواعد مع هذا الأمر، بحيث يكون من هذه الأخيرة من يسلم باختيارات القيادة الفكرية والتنظيمية، ففي نظر هذه الفئة من القواعد أن درجة وفائها للتنظيم وإيمانها بمشروعه لا تكون إلا بتبني كل ما يرسم لها من أفكار وتوجهات من طرف القيادة، وتنفيذ كل ما يصدر عن هذه الأخيرة من قرارات.
أما فئة أخرى من القواعد فتسعى لاستغلال حقها في إبداء الرأي في انتقاد ما يصدر من القيادة من أفكار ومواقف وقرارات، لكنها لا تلبث أن تتراجع عن ذلك بمجرد تفكيرها في جدوائية قيامها بعملية النقد، فما قيمة الرأي الحر إن كان القرار الملزم في نهاية المطاف في يد القيادة؟ وأي أثر لهذا الرأي الحر للقواعد مادامت تفتقد لسلطة رمزية تمكنها من إشاعة رأيها والتأثير به على قرار القيادة؟
وبالتالي فهذا ما يجعل القواعد في منأى عن تبني أي خطاب نقدي منهجي مؤثر، وتنتظر دوما من يتحدث بلسانها سواء من القيادة التنظيمية أو القيادة التاريخية، فجل الحركات التصحيحية في التنظيمات تتزعمها قيادات تاريخية أو تنظيمية.
إلا أن قواعد العدالة والتنمية في حالتنا هذه صنعت الاستثناء، وأنهت مسلسل الانتظارية والاتكالية، وسعت لإيصال صوتها لقيادة الحزب وهيئاته مباشرة، وفتحت المجال على مصراعيه لحراك نقدي لتجربة الحزب، وهذا استلزم بطبيعة الحال اعتماد حد أدنى من الوسائل التنظيمية (صياغة مذكرة، جمع توقيعات، إيداع المذكرة لدى هيئات الحزب، إصدار بلاغات، تشكيل لجنة للتواصل…) كبديل عن السلطة الرمزية التي تفتقدها، فهذه الآليات التنظيمية هي من جعلت للمبادرة وجودا، وخروج المبادرة للعلن ضمانة أساسية لتلافي إقبار المبادرة بين دهاليز هيئات الحزب، وطمسها بين مساطره القانونية.
رغم أن قواعد وقيادات الحزب في غالبها ترى أن مبادرة النقد والتقييم في مجملها مبادرة إيجابية إلا أنها ما تزال مترددة في خوض غمار المطارحات الفكرية في نقد تجربة العدالة والتنمية، نقد يهم اختيارات الحزب السياسية والتدبيرية، كما يهم الجوانب النظرية والتنظيمية. من المتفهم أن تكون القيادة غير متحمسة لذلك لكونها ستكون تحت رحمة الأقلام المنتقدة لتجربتها ولمواقفها وقراراتها، ما يهدد سلطتها الرمزية التي سعت لترسيخها لسنوات، لاسيما حينما تعجز عن الدفاع عن تجربتها، وحينما تتهاوى أطاريحها الفكرية أمام الأطاريح المنتقدة لها.
لكن ما يدعوا للاستغراب هو تبني بعض القواعد لفكرة أن النقد الذاتي هو نقاش داخلي وليست نقاشا عموميا، وبالتالي لا ينبغي الخوض في نقد تجربة الحزب إلا من داخل المؤسسات حصرا. في نظرنا أن هناك اعتباران يحكمان هذه الفكرة وهما اعتبار نفسي واعتبار ايديولوجي.
النقد الذاتي في ظل الاعتبارات النفسية والايديولوجية:
تتجلى الاعتبارات النفسية في هذه الحالة في كون العديد من أبناء التنظيمات يرون في تنظيماتهم محاضن اجتماعية يجدون فيها دفء الرفقة والجماعة، ويلبون فيه حاجات نفسية إنسانية خالصة، كالحاجة للتقدير الاجتماعي، والحاجة للرفقة والصحبة، والحاجة للأنس والتعاون. وبالتالي فقد يعتبر البعض أي ممارسة نقدية للتنظيمات أمام الملأ ستهدد وحدة هذا التنظيم وتماسكه، وتهدد معه كل هذه المصالح والتوازن النفسي الذي يحصله من خلال انتمائه لهذه التنظيمات، وبالتالي فالأسلم له أن تكون عملية النقد في فضاء مغلق محدود دون خدش لصورة التنظيم خارجيا ودون تهديد لتوازنه.
أما الاعتبار الايديولوجي فمرده إلى الخلفية الاسلامية لقواعد العدالة والتنمية التي ترى أن نقد التجربة السياسية للحزب ستوقظ فتنة الفرقة والخصام، فالفتنة في نظرهم نائمة، وملعون من أيقظها.
إن الاعتبارات السابقة تحيل على أن منطق الطائفة المغلقة مازال مهيمنا على وعي وتفكير فئات من أبناء العدالة والتنمية، فمادامت قيادة الحزب تنشر أوراقه التصورية على الملأ، وتتخذ القرارات والمواقف بكل جرأة، فمن حق أي مواطن أن ينتقد تجربته بكل حرية، بما في ذلك أبناء الحزب أنفسهم. فالحزب ملك لجميع المغاربة، وتجربته السياسية ينبغي أن تدرس ويستفاد من نجاحاتها وإخفاقاتها في تجويد العمل السياسي أكثر وتفادي تكرار الأخطاء.
على هذا الأساس اختار علال الفاسي "النقد الذاتي" عنوانا لأحد أشهر كتبه، كما أن المهدي بنبركة ضمن كتابه الشهير "الاختيار الثوري" لنقد ذاتي لتجربة الحركة الوطنية، هذا الكتاب كان عبارة عن تقرير رفعه بنبركة لسكرتارية حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1962، بالإضافة لكتاب "الأخطاء الستة للحركة الإسلامية" للشيخ فريد الأنصاري والذي جمع فيه نقدا لكافة التنظيمات الاسلامية، والمكتبات زاخرة بالعديد من الكتب والأبحاث في نقد التنظيمات سواء كانت أحزاب سياسية أو حركات اجتماعية.
وبالتالي فما على أبناء العدالة والتنمية إلا الانكباب لنقد تجربة حزبهم السياسية بكل موضوعية، وإلا فسيتركون المجال لغيرهم للقيام بذلك، وفي هذه الحال فالموضوعية غير مضمونة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.