برادة يدعو الآباء والأمهات إلى مساندة المؤسسات التعليمية بالمواكبة المنزلية    الركراكي يرفع إيقاع "أسود الأطلس"    مؤتمر نصرة القدس و"معا للقدس": أية قوة يتم إرسالها لغزة يجب تحديد ولايتها بواسطة مجلس الأمن بالتشاور مع الشعب الفلسطيني    دعم المقاولات الصغرى بالمغرب .. "الباطرونا" تواكب والأبناك تقدم التمويل    47735 شكاية وصلت مجلس السلطة القضائية والأخير: دليل على اتساع الوعي بالحقوق    مقترح عفو عام عن معتقلي حراك "جيل Z"    الحموشي يتقلَّد أرفع وسام أمني للشخصيات الأجنبية بإسبانيا    "لارام" تدشن أول رحلة مباشرة بين الدار البيضاء والسمارة    اتفاق مغربي سعودي لتطوير "المدينة المتوسطية" بطنجة باستثمار يفوق 250 مليون درهم    تحيين مقترح الحكم الذاتي: ضرورة استراتيجية في ضوء المتغيرات الدستورية والسياسية    انتخابات العراق: ما الذي ينتظره العراقيون من مجلس النواب الجديد؟    هجوم انتحاري خارج محكمة في إسلام آباد يودي بحياة 12 شخصاً ويصيب 27 آخرين    ماكرون يؤكد رفض الضم والاستيطان وعباس يتعهد بإصلاحات وانتخابات قريبة    الوالي التازي: المشاريع يجب أن تكون ذات أثر حقيقي وليست جبرا للخواطر    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وإيران في نهائي "الفوتسال"    مونديال أقل من 17 سنة.. المغرب يتعرف على منافسه في الدور المقبل    شراكة بين "اليونسكو" ومؤسسة "المغرب 2030" لتعزيز دور الرياضة في التربية والإدماج الاجتماعي    الرصاص يلعلع بأولاد تايمة ويرسل شخصا إلى المستعجلات    مديرية الأرصاد الجوية: أمطار وثلوج ورياح قوية بهذه المناطق المغربية    الرشيدي: إدماج 5 آلاف طفل في وضعية إعاقة في المدارس العمومية خلال 2025    إطلاق طلب عروض دولي لإعداد مخطط تهيئة جديد في 17 جماعة ترابية بساحل إقليم تطوان وعمالة المضيق-الفنيدق    بنسعيد في جبة المدافع: أنا من أقنعت أحرار بالترشح للجمع بين أستاذة ومديرة    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    "الفتيان" يتدربون على استرجاع اللياقة    استئنافية الحسيمة تؤيد أحكاما صادرة في حق متهمين على خلفية أحداث إمزورن    التدبير‮ ‬السياسي‮ ‬للحكم الذاتي‮ ‬و‮..‬مرتكزات تحيينه‮!‬ 2/1    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. تعبئة 15 ألف متطوع استعدادا للعرس القاري    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    قراءة تأملية في كتاب «في الفلسفة السياسية : مقالات في الدولة، فلسطين، الدين» للباحثة المغربية «نزهة بوعزة»    نادية فتاح تدعو إلى وضع تشغيل النساء في صلب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية    مراكش تحتفي بعودة السينما وتفتح أبوابها للأصوات الجديدة في دورة تجمع 82 فيلما من 31 دولة    والآن سؤال الكيفية والتنفيذ .. بعد التسليم بالحكم الذاتي كحل وحيد    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    ملايين اللاجئين يواجهون شتاء قارسا بعد تراجع المساعدات الدولية    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفرق بين القراءة الانطباعية ومراجعة تفاصيل تصريف المشروع السياسي
نشر في هسبريس يوم 07 - 01 - 2016

فهمنا للنقد يختلف عن بعض الإخوة الذين نتقاسم معهم الانتماء إلى حزب الأصالة والمعاصرة، لأن الأمر أكثر اتصالا بزاوية الالتزام بالخط الفكري والسياسي للحزب أولا، وثانيا فهو أشد تعلقا بالتقدير السياسي لنوعية النواقص والتعثرات من حيث ربطها بالرؤية أحيانا، وبالممارسة السياسية والتنظيمية والتدبيرية أحيانا أخرى.
فالاختلاف في شقه المنهجي يحملنا على توضيح مسألة استنكاف البعض عن التداول الداخلي للحزب، والتعالي على المناضلات والمناضلين بمقاطعة أشغال اللجنة التحضيرية المنكبة على مناقشة المرجعية الفكرية والسياسية والقوانين الأساسية، والتموقع في المشهد السياسي والتفاعل مع المكونات السياسية، ومنظور الحزب للسياسات العمومية واستراتيجيته التواصلية. علاوة على أن هذا الأمر في تلابيبه الكثير من المخاطر من حيث رسم صورة للحزب غير تلك التي نتغياها عبر تنظيم المؤتمر الوطني الثالث.
غير أن هذا الاختلاف المنهجي مع أصحاب "أطروحة الاختناق"، غير كاف لتوضيح وجهة نظرنا، على الرغم من الأخطاء التي سقطوا فيها بتوجههم نحو مخاطبة الرأي العام مباشرة، دون امتلاك القدرة على الدفاع عن مواقفهم داخل الهياكل التنظيمية، ودون القدرة على تقاسم هذه المواقف مع مناضلات ومناضلي حزبهم. بل إن الاختلاف أعمق من ذلك بكثير حين يكون مرتبطا بالحديث عن منطلقات الحزب وتوجهاته وأهدافه، خاصة وأن حرية الأفراد مكفولة، ولا يحدها سوى الحرص على تقييم شامل للتجربة دون السقوط في حبال تخليص الذات من ربقة المسؤولية.
وإذا كان النقد يشكل قراءة تقييمية للتجربة، عبر تأكيد النتائج الإيجابية ودحض النتائج السلبية وتحديد حركة الممارسات والمواقف وتوافقها مع المنطلقات، وإذا كان النقد يتميز بالقدرة على التدخل ليس بالأقوال فقط وإنما باقتراح الأفكار والآراء والمواقف والمساهمة في تفعيلها على أرض الواقع، مع ما يقتضي ذلك من حرص على منع أي انحراف أو انجراف، فإن حزب الأصالة والمعاصرة من منظور أصحاب "أطروحة الاختناق" (جازف إيديولوجيا حينما جمع بين مفهومي الأصالة والمعاصرة بما يحمله كل مفهوم من حمولة فكرية وتاريخية واجتماعية وسياسية لم يستطع أن يؤسس تصورا إيديولوجيا متكامل الأسس)، وهو بذلك يوحي (أن الحزب له مشكلة في بناء أساس إيديولوجي يؤطر دوره السياسي الذي أنشئ من أجله).
ونحن إذ نعول على فطنة القراء، ألا يمكن لمثل أحكام القيمة هذه خاصة وأنها مبنية فقط على انطباعات وجدانية متعاطفة مع القراءة المغرضة للخصوم السياسيين أن تذهب بالبعض إلى القول بأن الحزب "يفتقد لناظم فكري/سياسي"، و"لا يمتلك وضوحا على مستوى تموقعه في الساحة السياسية"، وأن به من "أعطاب العمل الحزبي ما يجعل جاذبيته السياسية والاستقطابية مزيفة"...؟ ألم تم الانتباه إلى أن النقد لا يستهدف تقييم السلبيات فقط، بقدر ما يتطلب تقييم الإيجابيات أيضا، إلى جانب استحضاره لضرورة تقديمه للمقترحات البناءة؟
كان الود ودنا لو أن الأمر يتعلق فعلا بنقد ذاتي مؤسس على تقييم شامل للتجربة، ولسنا ملزمين بالرد على انطباعات وجدانية منفعلة تجاه محطة المؤتمر الثالث للحزب، لكن من باب تنوير الرأي العام، تبين لنا ضرورة التنبيه إلى أن مناضلات ومناضلي الحزب لا يتخوفوا من النقد، بقدر ما يبادرون إليه، وهو ما أقدموا عليه من خلال ورقة اعْتُمِدَت في المؤتمر السابق "قراءة تقييمية لتجربة حزب الأصالة والمعاصرة". نقترح اليوم عرض خلاصاتها على القراء والمتتبعين كي يتبين لهم أن الغموض في الرؤية أو الممارسة السياسية هو أمر مرتبط فقط بمن استعصت عليهم قراءة مسار حزبهم.
كانت القراءة تهدف إلى التمعن في تجربة الأداء السياسي والتنظيمي لحزب الأصالة والمعاصرة، ومراجعة بعض تفاصيل تصريف مشروعه السياسي، للتمكن من استشراف مستقبل تموقعه وأدائه السياسيين. ولم يكن ذلك ليستقيم دون تحليل الأهداف التي يسعى الحزب إلى تحقيقها في ضوء الربط الموضوعي بين الأهداف المنشودة بالممكن واقعيا في اللحظة، مع هامش مقبول من الطموح.
وقد كان منطلق التحليل هو دخول بلادنا لمرحلة "الانتقالات المتعددة" التي همت، فضلا عن الشروع الجاد في معالجة قضايا الحقوق والحريات، إطلاق سيرورة قواعد جديدة في التدبير. لكن، على الرغم من أهمية كل الخطوات التي أدت إلى تحقيق مكتسبات وإطلاق ديناميات واعدة، فإن أسباب القلق بقيت منذرة بأخطار مهدِّدة بإضعاف كل المكتسبات.
هذه الروح الموجهة للتحليل، هي التي شكلت الدافع إلى تبني شعار "ممارسة السياسة بشكل مغاير" في إطار رؤية مرتكزة على جدلية الاندماج والانفتاح، علما بأن الوضع عرف وصول جيل جديد من الفاعلين إلى الحقل السياسي وبطرق مبتكرة، وتنامي المطلب السياسي والاجتماعي، الذي يتطلب التفاعل الخلاق وبالسرعة المطلوبة.
فالسياقات السياسية الجديدة، جعلتنا نعيد طرح السؤال حول مقومات الإصلاح وأدواته، الذي طرحه مشروع الحزب، وفق ما اجتهدت فيه "حركة لكل الديمقراطيين". وقد أدركنا بعض أسباب ذلك الإقبال الذي عرفته الحركة، المتمثل في كونه ناتجا عن استعداد الأجيال الجديدة من المغاربة للعودة إلى الاهتمام بالشأن العام.
ومن ثمة طُرِح السؤال: هل كنا مخلصين في ممارستنا لتلك المنطلقات؟ خاصة وأن قرار تأسيس الحزب، وعقد مؤتمره الأول، ثم انطلاق التحضير للانتخابات الجماعية، حشر كل طاقات الحزب في صيرورة تدفق كبير للمنتخبين، وتقوية الاعتقاد بأن أهم دور قد تم القيام به بمجرد "ربح الانتخابات".
علما بأن حزب الأصالة والمعاصرة تأسس على الإيمان بضرورة إضافة طاقات بشرية غنية وكفاءات جديدة إلى الصالح من موروث التجربة السياسية الوطنية الغنية، قصد بناء أداة سياسية قادرة على المساهمة، إلى جانب كل الفاعلين الملتزمين بالاختيار الديمقراطي، في المجهود الوطني الرامي إلى تحقيق الأهداف ذات الصلة بتوطيد الممارسة السياسية العادية، وتطوير عمل المؤسسات، وتدعيم الاقتصاد التنافسي المنتج والمتضامن، وتطوير نظام الحكامة، وتقوية الإدماج الاجتماعي، وإنضاج شروط اندماج المغرب في اقتصاد ومجتمع المعرفة.
واعتبرنا من هذه المنطلقات أن الأداء السياسي للحزب كان محكوما في المنطلق بهذه الرؤية، وربما يطرح اليوم السؤال حول راهنية هذه العناصر البرنامجية، أو على الأقل حول ما تم إنجازه بخصوصها.
وقد اختار الحزب أن تكون هندسة شكله التنظيمي المتحرك مبنية على قاعدة الارتباط بحاجات وانتظارات الفئات المتضررة، من خلال تنسيق موارده على أساس الانفتاح على المواطنات والمواطنين، والرهان على استقطاب الكفاءات السياسية، والارتباط بالأبعاد الجهوية والمحلية للعمل الحزبي، وممارسة سياسة القرب من الفئات المعنية.
واختار الحزب المزاوجة بين البعدين الوطني والجهوي في بناء الهياكل التنظيمية واللجان الوظيفية المرتبطة بها، وصولا إلى البعد المحلي، مع التنصيص في القوانين التنظيمية على مجالات الاختصاص ذات الصلة بعنصر المبادرة لدى كل هيكل على المستوى العمودي داخل البنية التنظيمية. فإلى أي حد كان الحزب موفقا في هذا الاختيار؟
وأهداف الحزب كانت سابقة على فكرة التنظيم، بل كانت محددة وموحية بفلسفته التنظيمية، وقد تمثلت في خلق الشروط الضرورية لاسترجاع ثقة المواطنين في نبل العمل السياسي وأهمية الانخراط الملتزم في المجهود الجماعي، وتحصين الاختيارات الديمقراطية وتدعيمها بالإصلاحات المؤسساتية والدستورية وبمقومات إحقاق العدالة الاجتماعية والإنصاف، وتدعيم ركائز دولة الحق والقانون، وترسيخ المكتسبات الحداثية وإغنائها، وإيلاء أهمية قصوى لقضايا التنمية المستدامة والتنمية البشرية ومحاربة الفقر والهشاشة والتهميش والإقصاء، والبناء القاعدي..
نُذكِّر بكل هذا، لأن الأمر قد يكون متعلقا اليوم بمجانبة الحزب للطريق المؤدي إلى تحقيق هذه الأهداف، وهو ما سيسهم في إفقاد المشروع السياسي مبررات وجوده من الأصل، ما لم يتم تدارك ذلك.
فهل كنا فعلا في مستوى التحديد الدقيق لفكرة التنظيم، ومواكبة الارتباط بها عند أجرأة التوجهات والقواعد التنظيمية على أرض الواقع، أم أن الأمر انزاح إلى الانشغال بالأحداث السياسية؟
إن نقل فكرة التنظيم، من وضعها الساكن كرؤية، إلى حالة الحركة في الواقع، بتلك الهندسة على مستوى الهيكل التنظيمي كآلية للتنفيذ، كانت تفترض قراءة متفحصة لمدى قدرة الطاقات على التنزيل الواقعي لها وطنيا وجهويا ومحليا، وفق محددات غير قابلة للانزياح، ودراسة مدى قدرة هذه الآلية على حمل فكرة التنظيم وتجسيدها في الواقع.
وهنا تطرح التساؤلات القوية: حول من يقود؟ وكيف يقود؟ حتى تكون الرؤية الواقعية للبنية التنظيمية واضحة؛ من حيث قدرة القيادة على التحكم في الشكل التنظيمي لتحقيق الأهداف المنشودة.
ارتباط نشأة الحزب بأهداف محددة، تجعل أداءه يدور حول حماية مصالح الفئات المتضررة من السياسات العمومية وتبني قضاياها الاجتماعية. كما تحتم عليه إذا لم يبق على خط السعي إلى السلطة، أو لم يسع إلى التغلب على تعثراته، أو لم يعمل على استثمار قوته في حدودها القصوى، فقدان ارتباطه بالأهداف الملهمة والمبررة لوجوده.
كانت في الواقع السياسي فرصا تتطلب استثمارها، كما كانت عوائق تفرض التغلب عليها أو التكيف معها، وبين هذا وذاك تولدت حركية الحزب التنظيمية الموجهة، التي كانت تقتضي بناء إستراتيجية هادفة إلى إنجازات محددة، وهي التي كان ينبغي أن تتضمن نسبة معينة من التحكم في الوسائل والبدائل الممكنة لتحقيق أهداف الحزب باستخدام الموارد المتاحة في ظل الظروف المحيطة.
إن وجود القيود والعوائق والضغوط، كان عليه أن يؤدي إلى زيادة فاعلية الحزب وتأثيره في المحيط السياسي، إذ كلما زادت الضغوط على الحزب يجب أن تزيد بالضرورة حركة الحزب وتتوهج حيويته، والعكس أدى إلى استرخاء التنظيم الحزبي وانعدام الميل نحو التطوير والتجديد والابتكار، واللجوء إلى خيار التحالف من أجل الديمقراطية، وهو ما يتطلب الوقوف على تقييمه.
إن تطوير فاعلية الحزب للتعامل مع الضغوط التي تعرض لها في السابق، لا يمكن أن يقابلها سوى تحكمه في العوامل الفنية؛ كالأساس النظري (أسس وقواعد علمية يقوم عليها النشاط السياسي والتنظيمي)، والموارد المادية، والتنظيم الداخلي للنشاط السياسي والتنظيمي، وأساليب العمل وطرق الأداء السياسي والتنظيمي. فتقوية هذه العوامل كان سيؤدي إلى تعزيز كفاءة النشاط التنظيمي والسياسي.
وكذلك التحكم في العوامل الإنسانية، أي كل ما يتعلق بالموارد البشرية (الأطر والقيادات)، بما يقتضيه: من القدرة على العمل؛ وتعني قدرات ومهارات الأعضاء القائمين على تنفيذ النشاط التنظيمي والسياسي، وكان بالإمكان تنميتها من خلال الوعي بأهداف الحزب، والتكوين والتأطير العملي، وتبادل الخبرات. ومن الرغبة في العمل؛ وقد كان بالإمكان تنميتها من خلال الإقناع بجدوى العمل لصالح الوطن والمواطن، والترقي الحزبي، والاضطلاع بمهام ومسؤوليات حزبية وجماهيرية، والمحاسبة الحزبية.
إن دمج هذه العوامل الفنية مع العوامل الإنسانية كان بإمكانه تشكيل الهيكل التنظيمي القادر على حمل أهداف الحزب وطموح أطره، والوصول بها إلى التحقيق على أرض الواقع.
كان يُفترض في تجربة حزب الأصالة والمعاصرة أن تكون القيادة السياسية والقيادة الجماهيرية في يد القيادة التنظيمية، فيهما تتحقق أهداف الحزب التكتيكية والمرحلية. وقيادة الحزب مجتمعة كان عليها أن تسعى إلى الإنجاز باستثمار الممكن والمتاح لتحقيق المكاسب في الظرفية السياسية الراهنة، عن طريق التحكم في الموارد البشرية والمادية والمعلوماتية والتقنية، لتتمكن من تحقيق مسعى الوصول إلى السلطة في سنة 2011.
وعليه، فقيادة الحزب يجب أن تكون مستقبلا متحكمة في الموارد، لتكون لديها القدرة على الإنجاز والإنتاج، لتحقيق المكاسب الحزبية المستهدفة في المحطات السياسية المقبلة، ولتتحول المقومات الفكرية والتاريخية والمادية والبشرية والمعلوماتية والتقنية للحزب إلى أدوات في يد قيادة الحزب، تستثمرها لتحقيق الإنجاز المقصود.
وهذه القيادة الحزبية يجب أن تكون منتخبة أو حائزة على توافق عام بين من يملكون حق انتخابها في الأصل، وذلك يفرض وجود حالة من التآلف بين أعضائها فكريا وثقافيا وخبرةً، حيث يؤدي ذلك التآلف إلى مرونة حركية، وتوافق نفسي للإدارة، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات على طبيعة وشكل التوافق الذي حصل في المؤتمر الوطني الأول على القيادة الحالية، التي برزت العديد من المؤشرات على غياب التآلف والتوافق النفسي بين أعضائها، وهو ما لم ييسر المرونة اللازمة لحركية القيادة الحزبية. وهذا لا يعني بالضرورة تغييب مفهوم الاختلاف، لأن العمل السياسي لا يحيى بدون آراء ووجهات نظر وتقديرات سياسية مختلفة، على عكس العمل التنظيمي، إذ لا يحيى ولا ينشط إلا في وجود حالة تآلف بين القائمين عليه.
على قيادة حزب الأصالة والمعاصرة مستقبلا، أن تختبر مقومات تنظيمها الحزبي وقدراته بصفة دورية، للتأكد من قدرة الشكل التنظيمي على بلوغ الأهداف وتحقيق الإنجازات، بل والتخلص من كل العوائق والعقبات (ماديا أو بشريا) لتخفيف الأعباء، وعليها إصلاح ما يمكن إصلاحه، وتقويم ما يمكن تقويمه، كما عليها أن تدرك أنها تخضع للمحاسبة إن هي قصرت في تحقيق المكاسب.
هذه القراءة على النقيض من "أطروحة الاختناق" كانت محكومة أساسا بتنمية الثقة في النفس، وبكشف العيوب والأخطاء الذاتية في الممارسة علنا وصراحة ودون مواربة، والالتزام بالعمل على تصحيحها. وبالتعود على محاسبة النفس، قبل محاسبة الآخرين. وبالحرص على الوقاية من الوقوع في مطبات الغرور الذاتي والانخداع بالانتصارات ورؤية الوجه الإيجابي فقط. وبكسب ثقة الآخرين وجعلهم يعرفون حقيقة المشاعر الذاتية تجاههم وتجاه الروابط النضالية التي تجمعنا داخل الحزب. وبتفادي الأفكار الذاتية التي يكتشف الحزب أنها خاطئة قبل تنفيذها ضمانا لعدم العودة للتفكير فيها. وبالتعود على التقييم اليومي للمارسات وتحديد الإيجابيات والسلبيات، وتصحيح خطط العمل للمستقبل. وبالتخلص من العادات السلبية والسيئة، التي يشعر الحزب بضرورة التخلص منها عن طريق التنقية الذاتية كأعلى مراتب النقد الذاتي المخلص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.