في تطور جديد يعكس حالة التسيير المرتبك داخل المجلس الجماعي لمدينة وجدة، وجد المواطن الوجدي نفسه مرة أخرى أمام حلقة جديدة من مسلسل العبث الإداري، حيث بات المجلس يتحرك برأسين، أحدهما لا يملك القرار، والآخر يتصرف كما يشاء. القضية الأخيرة التي أثارت موجة من الاستياء، بطلها النائب الأول للرئيس، عمر بوكبوس، الذي أقدم بشكل منفرد، ودون الرجوع إلى الرئيس أو اللجنة المختصة أو حتى استشارة المجلس، على توقيع عقد تحكيم مع شركة النقل الحضري "موبيليس"، مما يضمن لها مبلغًا ضخمًا يُقدر بحوالي 3 مليارات سنتيم من المال العام، بزعم أنها كانت "مظلومة". هذا القرار فُهم على نطاق واسع على أنه تجاوز سافر لمبادئ التدبير الجماعي السليم، خصوصًا أن الشركة المعنية لا تزال مثار شكاوى المواطنين بسبب تردي خدماتها وتدهور حالة أسطولها، الذي أصبح أقرب إلى "كارو مشعول"، حسب تعبير أحد المتابعين. الرئيس، من جهته، حاول إنقاذ الموقف بالتوجه نحو المحكمة الإدارية لإيقاف تنفيذ هذا التوقيع، غير أن القضاء اعتبر أن النائب يملك التفويض القانوني للتصرف، ما يفتح الباب أمام تساؤلات كبيرة حول مدى مراقبة وتوجيه التفويضات داخل المجلس، وكيف يمكن أن تتحول إلى صكوك بيضاء تُستعمل دون ضوابط أو رقابة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. إذ أعلن نفس النائب قرارًا آخر لا يقل غرابة، تمثل في إعفاء شركة النظافة "SOS" من جميع الغرامات المالية المترتبة عليها، وهو ما يعني حرمان خزينة الجماعة من مداخيل مهمة كان يمكن أن تساهم في التخفيف من العجز المالي المتفاقم. المحصلة النهائية لكل هذه التحركات الفردية، هي مدينة تعاني من تدني في الخدمات الأساسية، على رأسها النقل والنظافة، ومجلس جماعي يُغرق خزينة المدينة في التزامات مالية ضخمة دون مقابل ملموس على أرض الواقع. في هذا السياق، عبّر المستشار الجماعي عن الحزب الاشتراكي الموحد، شكيب سبايبي، عن استيائه قائلاً: "هل للجماعة رأسين؟ من يقرر؟ ومن يحاسب؟"، داعيًا إلى عقد دورة استثنائية لإلغاء هذه القرارات التي وصفها ب"العبثية"، والتي لم تعد تمتّ بصلة لا للتدبير الجماعي ولا للمسؤولية السياسية". ما يحدث اليوم داخل جماعة وجدة يطرح أسئلة جوهرية: من يسير فعلاً شؤون المدينة؟ من يراقب؟ ومن يحاسب؟ ولماذا يغيب الصوت الجماعي داخل مجلس يفترض أن يشتغل بمنطق التوافق والشفافية والمصلحة العامة؟. وأشارت مصادر مطلعة إلى أنه "إذا كانت بعض الأصوات داخل المجلس لا تزال تلتزم الصمت خوفًا على مناصبها أو طمعًا في مصالح ضيقة، فإن هذا الصمت يتحول عمليًا إلى تواطؤ غير معلن مع قرارات قد تكلّف المدينة والمواطنين أثمانًا باهظة". وحسب ذات المصادر، وجدة اليوم في حاجة إلى مراجعة شاملة لطريقة تدبير شؤونها الجماعية، وإلى تفعيل آليات الرقابة والمحاسبة، لأن استمرار الوضع على هذا النحو يُهدد بنسف ما تبقى من الثقة بين المواطن ومؤسسات التدبير المحلي.