هلال كيرد على ادعاءات عطاف بمجلس الأمن: المغرب استرجع الصحرا ديالو بشكل لا رجعة فيه    ندوة فاشلة ديال البوليساريو دارتها للتضامن العربي معاها ونظام العسكر جاب ليهم سوداني ساكن فإسطنبول    الدائرة الانتخابية فاس الجنوبية اللي معروفة ب"دائرة الموت".. 8 دالمرشحين كيتنافسو وعينهم على المقعد البرلماني لي كان عند البوصيري(صور)    من الرباط.. مسؤول أممي يحذر: معدلات الجوع مرتفعة في إفريقيا ومليار شخص بدون أنماط غذائية صحية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    توقيف شخص متورط في حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية بطنجة    تقرير: المغرب ضمن أسواق الثروة "الخمسة الكبار" في إفريقيا.. وعدد أثريائه في تزايد    النفط يستقر بعد انخفاض حاد بسبب مخاوف إزاء الطلب والتوتر بالشرق الأوسط    يوفنتوس ملزم بدفع أزيد من 9 ملايين أورو لكريستيانو رونالدو وهذا هو السبب    كأس الكونفدرالية... بعثة نهضة بركان تشد الرحال إلى الجزائر عبر تونس لمواجهة اتحاد العاصمة    البنك الدولي .. التوترات والمديونية تزيد ضبابية مستقبل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    أمن مراكش يوقف ثلاثة أجانب مرتبطين بنشاط "كارتيلات" إجرامية    إحباط محاولة تهريب 116 ألفا و605 أقراص مهلوسة إلى داخل التراب الوطني    بينهم سوري.. عقود عمل وهمية والإتجار بالبشر يطيحان ب5 أشخاص في فاس    "نتفليكس" تعرض مسلسلا مقتبسا من رواية "مئة عام من العزلة" لغارسيا ماركيز    هاتريك رحيمي في مرمى الهلال السعودي يقرب العين الإماراتي من نهائي أبطال آسيا    دي ماريا يتلقى تهديدات بالقتل من عصابات المخدرات في الأرجنتين    الحكومة ‬المغربية ‬تؤكد مآل ‬تجديد ‬اتفاقية ‬الصيد ‬البحري    استطلاع: الأسرة المغربية غير قادرة على حماية أطفالها من مخاطر "التواصل الاجتماعي"    تحذيرات من الأونروا "بإحكام المجاعة قبضتها" على قطاع غزة ووفاة الأطفال جراء سوء التغذية    بعثة نهضة بركان تشد الرحال صوب الجزائر صبيحة اليوم الخميس تأهبا لملاقاة اتحاد العاصمة    أما ‬حان ‬لمجلس ‬الأمن ‬الدولي ‬أن ‬ينهي ‬هذا ‬المسلسل ‬؟    زيارة رسمية تقود وزيرة الثقافة الفرنسية إلى المغرب    هل يظهر أول مترو أنفاق في المغرب قريبًا؟    تطوان: شركة طيران عالمية تفتتح قاعدة جوية بمطار سانية الرمل    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    خوفا من مافيا يتزعمها مغربي.. ولية عهد هولندا هربت إلى إسبانيا (فيديو)    ما العلاقة التي تربط المغربية كريمة غيث بنجم الزمالك المصري؟    نور الدين مفتاح يكتب: سوريالية بالفرنساوية    زلزال بقوة 6,3 درجات يضرب هذه الدولة    موهبة كروية جديدة تُشغل الصراع بين المغرب والجزائر    الأمم المتحدة.. بمجلس الأمن سجال محتدم بين هلال ووزير الخارجية الجزائري بشأن البحر المتوسط    بلاغ جديد وهام من وزير الداخلية    تحداو ظروف الحرب وخرجو يبدلو الجو.. مئات الفلسطنيين قصدو البحر فغزة باش يستمتعو بالما والشمش (فيديو)    نفاد تذاكر نصف نهائي "كان الفوتسال"        لماذا أصدرت شركة أبل تحديثاً لهواتفها يعالج الرمز التعبيري للعلم الفلسطيني؟    ملف "انفصال القبايل" عن الجزائر يصل الأمم المتحدة!    نشرة الأخبار: رقم قياسي في الملل    حماس: لن نسلم الأسرى الإسرائيليين إلا بصفقة حقيقية    الرياضية: الكاف ما غيعاودش يدير السوبر ليگ الأفريقي    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    مجلس النواب يستكمل هياكله التنظيمية في جلسة عمومية يوم الخميس    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    وزارة الصحة: حوالي 3000 إصابة بمرض الهيموفيليا بالمغرب    كوثر براني تصدم متابعيها: 99 في المائة من الرجال "خونة"!    أرقام رسمية.. 3000 مغربي مصاب بمرض "الهيموفيليا" الوراثي وها شنو موجدة وزارة الصحة لهاد النزيف الدموي    الجمال الفني والثقافي المغربي يلتقي بالأدب الإنجليزي في "حكمة الجنوب"    المغرب يحتضن فعاليات "ليالي الفيلم السعودي" في نسختها الثانية    عينات من دماء المصابين بكوفيد طويل الأمد يمكن أن تساعد في تجارب علمية مستقبلاً    شقيق رشيد الوالي يدخل على خط إدانة "مومو" بالحبس النافذ    "محطات من تاريخ السينما بالمغرب".. موضوع محاضرة بكلية الآداب بالجديدة    لأول مرة خارج المغرب.. عرض 200 قطعة من الحُلي الأمازيغية التابعة للقصر الملكي    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الفيمنيست الإسلامي.. النسائية المنفتحة
نشر في العمق المغربي يوم 29 - 10 - 2021

تهاجم النسوية الذكورية لأنها أصل الفساد، واصل العذاب العسير منذ القرون الوسطى وحينما تحكمت أدوات السلطة الهيكلية في رقاب النساء، ولم تعترف بها كانسان الا في سنوات لاحقة بعد ثورات ونضالات الفكر الانثوي ضد الغطرسة الذكورية.
وفي عصر الرقمنة الذي هو تتويج لمسار الإنسانية وتحررها من رقبة الاستعمار والفكر الامبريالي وظهور تيارات اجتماعية تنادي بالمساواة والعيش المشترك، تتموقع النسوية في هذا المجال.
وتصبح لها قوة ودينامية في التغيير والطموح نحو الأفضل، لا يمكن الجزم في ان معركة الإصلاح لا تقدر المرأة ان تؤثر فيها، ومادامت عقلية الاقصاء حاضرة، باعتبار ان نظرة الرجل للمرأة في هاته العملية يجب ان تقطع مع الممارسات التي تقصي وتعتبر عاطفة المرأة ضعف، وتسرع وخفة .
ولذلك حينما نناقش النسوية المنفتحة، فإننا مضطرين لتحديد مبادئ الانفتاح التي تتأسس عليها، نبدأ بأهم خيار والمرتبط بالشفافية
النسوية والشفافية:
تميل المرأة الى النقاء والصفاء، وهذا راجع لما أودعه الله فيها من مورثات الجمال والعاطفة، وهذا المكون الروحي يضفي عليها قوة عظيمة، اذا وظفت في الخير أعطت ونمت ورود التغيير والصلاح، ولذلك تراهن النسوية على النخبة المثقفة في التصدي لكل الممارسات الحاطة من دونية المرأة، وحتى النظم الإدارية الجاهزة التي تفوح منها ذكورية القهر والتسلط والفساد، تبقى عاجزة على وقف ثورة النظم الجديدة التي بنيت على المبادرة والاشراك .
وتعزيز الشفافية والمساءلة في المؤسسات الحكومية أمرٌ بالغ الأهمية للتنفيذ الفعال لالتزامات المساواة بين الجنسين.
تؤطر أنظمة الحوكمة العلاقة بين الدولة والمواطنين، ومن ثم تعكس ديناميات القوة المجتمعية. إنها تحدد معالم انخراط المواطنين وصوتهم في القرارات التي تؤثر على حياتهم، مما يرتبط بحصولهم على الخدمات والموارد ومطالب المساءلة. معظم تعاريف الحوكمة الرشيدة لا تشير صراحةً إلى المساواة بين الجنسين، والافتراض هنا هو أن أنظمة الحكم تُعد حيادية إزاء النوع الجنساني. من منظور النوع الجنساني وحقوق الإنسان، ينبغي أن تقاس الحوكمة الرشيدة من خلال مساهمتها في دفع عجلة مبادئ حقوق الإنسان وتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
مع تزايد المطالب بتحقيق الشفافية المالية وانفتاح الحكومات، حدث تقدم كبير في إتاحة المعلومات حول عملية اتخاذ القرارات بشأن الموازنة، وبالتالي تعزيز قدر أكبر من المساءلة بين المواطن والدولة. ومع ذلك، فلا تزال هناك حاجة لمشاركة أكثر شمولاً وأعمق مغزى، لا سيما عندما يتعلق الأمر بكيفية تخصيص الموارد العامة.
في كثير من الأحيان، تكون الوزارات الحكومية غير قادرة على رصد مدى كفاية الإنفاق العام فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين. يرجع ذلك إلى أسباب منها النقص في: 1) القدرة على إجراء التحليل الجنساني، 2) نظم الرصد، و3) البيانات المناسبة المصنّفة حسب نوع الجنس.
تدعم هيئة الأمم المتحدة للمرأة البلدان في تطوير وتنفيذ نظم متابعة لتقييم المخصصات للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. ويشمل ذلك المبادرات لتطوير سجلات اداء للمواطن وعمليات تدقيق الأداء الاجتماعي لاسيما على المستوى المحلي لتحسين كمية ونوعية الخدمات الأساسية المقدمة للنساء والفتيات.
اعتقد كثيرون أن النساء أقل فسادا ويتمتعن بمعايير أخلاقية أعلى بسبب القوالب النمطية المتجذرة في المجتمع التي تعلم الفتيات أن يكبرن مطيعات وهادئات وصالحات، تلك القوالب النمطية تصنف النساء على أنهن "الجنس الأكثر نزاهة" والأكثر مراعاة للمصلحة العامة.
لكن البعض يرى في ذلك الاعتقاد تحيزا جنسيا صارخا للنساء، حيث إن من غير المرجح -وفقا لذلك الاعتقاد- أن تقبل المرأة الحصول على رشوة أو تقدم منفعتها الشخصية على المصلحة العامة، لكن الدراسات أثبتت بالفعل أن إشراك النساء في السلطة هو وسيلة فعالة لمحاربة الفساد.
وبحسب دراسة للبنك الدولي بعنوان "الفساد والمرأة في الحكومة"، فإن لدى النساء معايير أعلى في السلوك الأخلاقي، ويبدو أنهن أكثر اهتماما بالصالح العام، حيث خلصت الدراسة إلى أن ارتفاع معدلات مشاركة الإناث في الحكومة يرتبط بمستويات منخفضة من الفساد، ومن ثم فإن زيادة أعداد النساء في السلطة يأتي بفوائد مجتمعية أكبر.
ورفض النساء للفساد لا يقتصر على السياسة فقط بل يمتد إلى مجمل مجالات الحياة (مواقع التواصل).
وتلك الفرضية أثبتتها دراسة من جامعة رايس بعنوان "الفساد والجنس والسياق المؤسسي"، جمعت بيانات من بلدان العالم لقياس مدى مشاركة المرأة في الممارسات الفاسدة والتسامح معها في مختلف السياقات. تقول الدراسة إن المرأة في البلدان الديمقراطية ذات مستويات الفساد المنخفضة عموما، أقل عرضة للفساد وأقل احتمالا للتسامح مع الفساد من السياسيين الذكور.
وتشير الدراسة إلى أن النساء قد يشعرن بأنهن أكثر ارتباطا بالأعراف السياسية للمجتمع الذي يعملن فيه، لكنها أكدت أن تجنيد المزيد منهن في السياسة في البلدان الأكثر فسادا لن يقلل من الفساد، حيث يكون تأثيرهن محدودا للغاية، ولكن توظيفهن في الخدمة العامة في البلدان الأقل فسادا قد يقلل بالفعل من الفساد الشامل.
ويبدو أن رفض النساء للفساد لا يقتصر على السياسة فقط، بل يمتد إلى مجمل مجالات الحياة العامة، فبحسب منظمة الشفافية العالمية فإن النساء أقل عرضا للرشى في الأعمال التجارية.
إذ كشفت دراسة استقصائية لأصحاب المؤسسات والمديرين في جمهورية جورجيا -على موقع المنظمة- أن الشركات التي تمتلكها أو تديرها نساء تدفع رشى في حوالي 5% من معاملاتها الحكومية، في حين أن النسبة تتضاعف وتصل إلى 11% في الشركات التي يرأسها مالك أو مدير ذكر.
الشركات التي تمتلكها أو تديرها نساء أقل دفعا للرشى (بيكسابي)
وهناك فرضية تقول إن النساء أقل مشاركة في الفساد بأنفسهن، لأنهن أول ضحايا النظام الفاسد، وفقا لمنظمة الشفافية الدولية، إذ إن النظام القانوني الفاسد يعزز التمييز القائم بين الجنسين في العديد من البلدان.
وفي المجتمعات التي يكون فيها نظام إنفاذ القانون فاسدا، تتأثر النساء والأقليات الأخرى بشدة عند التعامل مع مسائل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال والاستقلال المالي وحقوق الملكية والإساءة المنزلية والاغتصاب، فضلا عن العمل والأجور غير المتساوية.
وبحسب البنك الدولي فإن المرأة لم تحصل إلا على ثلاثة أرباع حقوق الرجل القانونية في المجالات التي لها انعكاسات مهمة على الوضع الاقتصادي للمرأة، مثل حرية التنقل وبدء العمل والحصول على أجر والزواج والإنجاب وإدارة الأعمال وإدارة الأصول والحصول على راتب تقاعدي.
وتعاني النساء من الفساد إلى حد كبير بسبب علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة، ويزيد الفساد من ديناميات القوة، مما يحد من وصول المرأة إلى الموارد العامة والمعلومات واتخاذ القرار، ويعزز التمييز الاجتماعي والثقافي والسياسي، ويعد الابتزاز الجنسي من أكثر أشكال الفساد قسوة التي تقع المرأة ضحيتها، ويكون نتيجة إساءة استخدام السلطة للحصول على منفعة أو ميزة جنسية، بحسب بيانات مركز ويلسون الدولي للدراسات.
واستشراء الفساد يجعل تسعا من كل عشر فتيات في العالم يتوقعن التحرش والتمييز الجنسي في حال أصبحن قائدات أو زعيمات، وفقا لمسح أجرته "بلان إنترناشونال" منشور على موقع رويترز.
وقد يكون الادعاء بأن النساء أقل عرضة للفساد من الرجال مثار جدل كبير، ومع ذلك لا جدال في أن زيادة مشاركة المرأة أمر ضروري لحل المشكلة، لأن البحث في الصلة بين المساواة بين الجنسين والفساد أمر ضروري لإيجاد سياسات وممارسات تقضي عليه..
هل النساء هن الفئة الأكثر تضررا بفعل الفساد؟! وهل وصول مزيد من النساء إلى المناصب العامة وصنع القرار سيحسن نوعية وطرق مكافحة الفساد وبالتالي الحد من انتشاره. أسئلة متعددة تجد طريقها في مساحة تفاكر ما بين تأثير الفساد على النوع الاجتماعي أو تأثير النوع الاجتماعي على الفساد.
وحقيقة أن النساء هن الأكثر تأثراً بنتائج الفساد، خاصة في مجال تقديم الخدمات، ونظرا للأدوار الإنجابية والإنتاجية التي لازالت ذات التأثير الأكبر في مجتمعنا الفلسطيني فالنساء هن من يتحملن مسؤولية متابعة الوضع الصحي والتعليمي لأطفالهن، وبالتالي هن من يكن بحاجة لتلقي الخدمات المباشرة لهن ولأطفالهن وأسرهن، وانتشار الفساد في المجالات المركزية من صحة وشؤون اجتماعية وتعليم ينعكس مباشرة على الخدمات المقدمة للمتلقيات ويؤثر في النوعية والجودة وعدالة الحصول على الخدمات لأغلبية النساء متلقيات الخدمة، كما تعاني النساء بسبب كونهن نساء فيتعرضن للتحرشات الجنسية مقابل الحصول على خدمات هي حق لهن، ولكن بفعل الفساد يصبحن فريسة للفساد والفاسدين.
وبسبب الفساد أيضا تدفع النساء ثمن تدني مستويات الخدمة المقدمة كما ونوعا، لاسيما في مجالات تقديم الخدمات العامة، كون النساء يشكلن غالبية النسبة من الفقراء، ويتحملن مسؤولية رعاية الأسرة، وطلب الخدمات من صحة وتعليم ومساعدات اجتماعية وبنية تحتية، إذ تعاني المرأة الفلسطينية من الفساد أكثر من الرجل حيث يقلص الفساد من حضور ومشاركة المرأة في مراكز صنع القرار، ومن ممارسة حقوقها الاجتماعية والسياسية'.
د دعت خطة التنمية المستدامة لعام 2030 إلى تكثيف العمل على التقليل في معدل الفساد كجزء أساسي من الجهود الرامية إلى بناء مجتمعات سلمية وشاملة في إطار الهدف 16، وهذا اعتراف متكرر بأن الفساد يمكن أن يدمر التنمية المستدامة، ويقوض دعائم المجتمع فالأمم المتحدة تعتبر أن الفساد هو أحد أكبر المعوقات أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 وهو كذلك بالفعل، فهنالك 90 مليار دولار سنويا تهدر بفعل الفساد في العالم العربي، ماذا لو استثمرت هذه الأموال المهدرة في قطاعات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية وغيرها من قطاعات حيوية، ينطبق الأمر علينا في فلسطين فتكلفة الفساد باهظة جدا والنساء أكثر من يدفع الثمن.!
إن مكافحة الفساد هي بالتأكيد مسؤولية جماعية تتم مواجهته ومحاربته بشتى الوسائل والطرق للوصول إلى رؤية تمثلنا جميعا تتلخص في "مجتمع خالي من الفساد"، فكافة القطاعات الحكومية والأهلية والنسوية وصناع القرار وراسمي السياسات وموظفي القطاع العام ومقدمي الخدمات العامة لهم، بالإضافة للمواطنين والإعلاميين والاعلاميات وكافة الشرائح الأخرى لهم دور فعال في الحرب على الفساد.
لذا يجب التأكيد على توفير حاضنة قابلة لحماية النساء اجتماعية وثقافية حتى يمكن إخراطهن لبذل جهود مضاعفة في مواجهة الفساد المنتشر في كافة القطاعات، كما يجب أن تلمس النساء أهمية وجدوى دورهن في الإبلاغ وتقديم الشكاوى والمشاركة بكافة الجهود لمكافحة الفساد، ليدركن أن دورهن ومساهمتهن ستحسن من مستوى الخدمات المقدمة لهن، وستساهم في تعزيز الوصول لحقوقهن، والدفع بعجلة العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص والعمل، وهذا يعني قدرتهن على التأثير في أبناءهن ووعيهم، وتثقيفهن والحاجة ماسة لتوعية الأجيال الجديدة كي تحارب ثقافة الفساد والمحسوبيات والرشاوى وهدر المال العام.
النسوية الرقمية :
من منظور نشطاء حقوق المرأة والحركة النسوية، فالنشاط الحركي والمناصرة وآليات بناء الحركة جمعيها تتأثر بالمشهد والوضع الحالي للمشهد الرقمي في عصرنا، مما يعني أن هناك باباً قد فُتح لفرص وآفاق جديدة ولكن جاء معه تحديات جديدة من نوعها. بدءً من كاميرات المراقبة للعاملات في مجال صناعة الملابس في مصانع الهند وحتى الصور الحميمية الخاصة التي يتم توزيعها على شبكة الإنترنت بدون موافقة أو إذن من صاحباتها، ونظراً لتغلغل الإنترنت في تفاصيل حياتنا اليومية الكبيرة والصغيرة – فقد أصبح أداة قوية وساحة للخوف والمخاطرة بالنسبة للمرأة. وقد جاءت استجابة الحركة النسوية على تلك المخاطر والتهديدات متعددة الجوانب والأوجه تقاطعت معاً في محور واحد وهو بناء المهارات والثقة وشبكات التضامن للمشاركة بشكل فعال ولتحويل مسار التكنولوجيات الرقمية من خلال سياسات وممارسات الرعاية والأمان. ويتطلب تعزيز مرونة حركات المناصرة أن ينجح مناصرو ومناصرات الحركة النسوية في التركيز على الأمن الرقمي كمحور رئيسي لخطة التعامل مع الإنترنت.
ومؤخراً، حظيت قضية التحرش الإلكتروني بالنساء اهتمام متزايد، وبشكل خاص مع بروز #حركة أنا أيضاً، وكانت الشرارة الأولى هي حركة دعم الناجين والناجيات من العنف الجنسي في عام 2006. الخطاب الشامل حول الدفاع النسوي عن النفس والرعاية الذاتية والجماعية لا يفرق بين المناصرة الإلكترونية على شبكة الإنترنت والمناصرة الاجتماعية في الميدان المجتمعي، لأن النساء ومغايرو الهوية الجنسية والأفراد من غير المتوافقين جنسانياً جميعهم يتعرضون لمستويات مرتفعة من العنف في ساحتي الحياة الاجتماعية والإلكترونية على السواء. وعلى سبيل المثال، فقد أظهرت دراسة أجرتها منظمة العفو الدولية حديثاً، أن ما يتعرض له النساء من انتهاكات وإساءات لحقوق الإنسان على مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر يماثل ما يتعرضن له في حياتهن اليومية. علاوة على هذا، في تحليل لحوادث حالات العنف المرتبطة بالتكنولوجيا ضد النساء "مشروع لنسترجع التكنولوجيا" كشفت منظمة أوشاهيدي أن هناك ضرر حقيقي يقع على النساء في الساحات الإلكترونية لا يقل أثره عن الإساءات في الحياة الاجتماعية. كما أشار الفنان الأمريكي من أصول هندية والكاتب ألوك فيد مينون والذي يعمل في مجالي التدريس والترفيه بالإضافة إلى كونه أحد الأفراد غير المتوافقين جنسانياً أن: "العنف الإلكتروني بالنسبة لي أكثر إيلاماً لأن شبكة الإنترنت كانت ملاذي الذي طالما توجهت إليه لأجد فيه ما أبحث عنه الأمان والمجتمع الذي أشعر فيه بالانتماء والاعتراف بالهوية – بالإضافة إلى كونه الساحة الإبداعية لي. لذا، عندما تصبح هذه الساحة الحرة مهددة بالخطر والعنف، فهذا تذكير بأهمية قضية الأمان بشكل عام."
وهذا الوباء المتفشي من العنف الموجه جنسانياً لابد أن تشمله أي استجابة للأمن الرقمي وأن تأخذه في الاعتبار. فالاستيعاب الكامل للعلاقة بين طرفي ميزان القوى ضروري للغاية، خاصة في مجال التكنولوجيا وهو المجال الذي تعرضت فيه النساء للإقصاء على مدار تاريخه – وبشكل خاص النساء من أصول أفريقية والأفراد من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين ونساء السكان الأصليين –علاوة على إغفال أي إنجاز أو إسهام لهن في هذا المجال. ومن أهم عوامل التعرف على تجارب النساء الأخريات ومحاولة تفهمها، هو شمول واحترام تجارب الهويات المختلفة والقادمة من مواقع جغرافية متنوعة. إلى جانب إنشاء مساحة آمنة للتبادل – يتم فيها تلبية احتياجات الأمان الجسدية والسياسية والشخصية – وتنمية القدرات المحلية وشبكات الدعم العلائقية بهدف إقامة قاعدة معرفية ومسؤولية جماعية. ويعد هذا المنهج مناهضاً للاستراتيجية التنظيمية الشائعة المعنية بالاستعانة بمتدربين من خارج السياق المحلي لفترات قصيرة ومتقطعة للقيام بإجراءات تدخل، وهو خيار غير مؤثر لأنه لا يكفل ولا يضمن الاستدامة كما أنه لا يهدف لبناء شبكات موثوقة للمناصرين والنشطاء.
في أماكن التدريب التي ينظمها مناصرو ومناصرات الحركة النسوية على المستويين المحلي والدولي، مثل مركز التبادل النسوي على شبكة الإنترنت في منتدى جمعية حقوق المرأة في التنمية عام 2016 والدورة التدريبية مع صندوق ماما كاش في عام 2017، يتم الجمع بين القيم المحورية للمشاركة والمناهج الإبداعية والشمولية مع الوسائل التكنولوجية المناسبة والمستدامة للتركيز على قدرة المرأة في التحكم والسيطرة على وجودها على شبكة الإنترنت واستعادة إسهاماتها غير المعترف بها في مجال التكنولوجيا.
وبالرغم من وجود حاجة واضحة لإدماج الأمن والأمان الرقمي في أجندة أعمالنا للمناصرة، إلا أنه عادة ما يكون قضية مثيرة للخوف والحيرة وخارج نطاق السيطرة من الناحية التقنية. ولكن وضع الاستراتيجية تنطلق من سياق يتسم بالمرح والبهجة بدلاً من المخاطر والتهديدات، هو الاستجابة التي وجد مناصرو ومناصرات حقوق المرأة أنها الأكثر فاعلية بشكل متزايد. على سبيل المثال، مسابقة الهاكثون (برامج القرصنة) النسوية والتي أقامتها كوستا ريكا واشترك بها الطلاب والمحترفون في تكنولوجيا المعلومات والمجالات المتصلة لها ومن خلال اتباع منظور جنساني تمكنوا من العثور على حل لبعض المشكلات في المجتمعات المحلية مثل مشكلة المعلومات التي تحتاج إليها الأمهات المراهقات أو فرص ريادة الأعمال للنساء. مثال آخر، هو منهجية رواية القصة الرقمية حيث يقوم المشاركين والمشاركات بتعلم كيفية استخدام التكنولوجيا والتحكم فيها لقص حكايتهم بأصواتهم ورؤيتهم الخاصة. تتسم هذه المنهجية بأن قوتها بالنسبة لصاحب/ صاحبة الحكاية مماثلة لقوة المنتج النهائي بالنسبة للجمهور المتلقي لها. علاوة على أن استجابات الأمن الرقمي عادة ما تكون قائمة على الأدوات المستخدمة، والتي بالرغم من أهميتها الحيوية إلا أنها ليست كافية للتخفيف من المخاطر بشكل نهائي.
ولكن كنشطاء لحقوق المرأة كيف يمكننا الاستجابة بفاعلية بشكل يضمن المسؤولية والوكالة وتمكين الأمن الرقمي من أن يصبح جزءً رئيسياً من الممارسات اليومية؟ ما هي سبل التفكير والممارسة الجديدة؟ بالرغم من أن التدريب في بعض المستويات سيظل كحل جزء لا يتجزأ من المناصرة النسوية، إلا أنه مكون واحد من مهارات بناء القدرات والإمكانيات، وتعد الأخيرة استجابة واحدة فقط للعدد المتزايد من الاستراتيجيات المناهضة للأمن الرقمي.
وفي مؤتمر عالمي تم عقده في عام 2017 بعنوان، تأسيس إنترنت نسوي: بناء الحركة في العصر الرقمي، ناقش المشاركون معالم الأمن الرقمي وأدرجوا عدداً من الاستراتيجيات التي خرجت عن إطار ورشة التدريب التقليدية. بعض من تلك الاستراتيجيات المقترحة كانت: 1) إعادة تحديد إطار تدريب المناصرات والناشطات تحت مظلة بناء القدرات والإمكانيات التي تحث على مشاركة المهارات وسبل التعاون والتجارب المباشرة والمنهجيات التكيفية والشمولية؛ و2) توسيع نطاق شبكات المتدربين المحليين والمُيسّرين (الذين يقومون بدور الوسيط بين الشركاء الإقليميين والدوليين) لتخفيف العزلة. وكان من أهم الشواغل المطروحة القدرات والإمكانيات المحلية لتمكين المجتمعات لدعم أنفسهم في النهاية (خاصة فيما يخص دعم الاستجابات العاجلة/ السريعة) بلغات ذات صلة وبموارد محددة السياق والملاءمة.
كما شدد المؤتمر أيضاً على الحاجة لبحث متواصل لبناء الأدلة من خلال المناهج الإبداعية مثل رواية القصة والفن. ولابد أن يكون البحث تفاعلياً وتجريبي ويتسم بالشفافية وأن يتضمن التصور النسوي ليبتكر ويشارك تجربتنا الجماعية بالصوت والصورة والأساليب الحركية. ويمكن أن يساعد وجود مستوى مناسب من المراقبة والتقييم في بناء قاعدة معرفية جماعية تمكّن المناصرون والنشطاء من تحليل المخاطر وتعزيز المرونة والاستدامة الجماعية.
إلى جانب هذا، ركز المشاركون على الحاجة إلى تغيير النظرة للتكنولوجيا بكونها شيء مخيف أو يصعب التعامل معه او إداراته. وزيادة الوعي حول القيمة السياسية للتكنولوجيا هو أمر جوهري لإحداث نقلة في السيادة الجنسانية وسيادة الشركات والدول ونصف الكرة الأرضية الشمالي في هياكل حوكمة الإنترنت.
عامل محوري آخر لإحداث تغيير في المشهد التكنولوجي هو نشر الوعي من خلال شركاء متبرعين يقومون بالاستثمار في استراتيجيات الأمن الرقمي الخاصة بهم وشركاء متلقيين لتلك الموارد، ممن لا يملكون عادة الموارد اللازمة لاستثمار الوقت في بناء القدرات والإمكانيات وتأمين المنصات بداخل المنظمات. وكما قال أحد المشاركون "نحن مشغلون جداً ولا نملك الوقت لمواجهة هذا الأمر إلى جانب قضايا عملنا الأخرى…لذا عند وقوع كارثة عاجلة، يكون الأمن الرقمي هو أول شيء يتم إنزاله من على رأس القائمة."
وأخيراً، فإن استجابات الأمن الرقمي يقصد بها التحقيق والتغيير في كيفية تعاملنا مع عمل الحركات. وقد ناقشت مجموعة صغيرة هذه النقطة بإيجاز: "عادة ما تضعنا التكنولوجيا في معضلة ذات طبيعة خاصة. إما التكيف مع ممارسة بعينها أو أداة لتعزيز أمننا، وما لم نقم بمسؤوليتنا سنخذل الجميع ونتركهم خلفنا…كمناصرات وناشطات لحقوق المرأة، فإن ترك الأصوات غير الممثلة والمضي قدماً يزيد من الضغط عليهم ومحاولات اسكاتهم وهذا ما لا يمكننا أبداً أن نفعله أو نقبله."كمناصرات وناشطات لحقوق المرأة، فإننا نحلم ونخطط لتأسيس شبكة إنترنت تكن مساحة للمرح والمتعة وتساعد في استدامتنا واستدامة حركاتنا من خلال تمكيننا من مواصلة أعمال المناصرة والنضال والأعمال الجماعية ونمو الشبكات والتبادلات الوثيقة مع الوكالة دون السقوط ضحية للخوف الطاحن من التعرض للمراقبة والعنف. فمظلة بناء القدرات والإمكانيات بحاجة إلى شمول استراتيجيات متعددة وتكتيكات واستجابات إبداعية إلى جانب التدريب لا بكونه الحل الأوحد وإنما أداة في صندوق متكامل من الحلول.
* رضوان بوسنينة عضو الاتحاد العام للخبراء العرب بالمغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.