وجهت منظمات حقوقية دولية انتقادات لاذعة لأوضاع حقوق الإنسان والحريات في الجزائر، خلال اجتماع أممي بجنيف، وسط غياب كلي للمنظمات الحقوقية المحلية عن الجلسة بخلاف دول أخرى في المنطقة. وشهدت الحصة المخصصة للجمهورية الجزائرية ضمن الجلسات التحضيرية للجولة الرابعة من آلية الاستعراض الدوري الشامل، التي أقيمت بمجلس حقوق الإنسان في جنيف، توجيه انتقادات لاذعة من طرف منظمات حقوقية دولية لأوضاع حقوق الإنسان بالجزائر. كما أثار الغياب الكلي للمنظمات الحقوقية المحلية عن هذه الجلسة، استغرابا لدى وفود البعثات الأممية الدائمة بجنيف والمنظمات الحقوقية الدولية، التي حضرت هذا اللقاء. وأبرزت مصادر حضرت الجلسة، أن هذه الانتهاكات والتجاوزات ظهرت جلية في عدم تمكن إحدى المتحدثات باسم المجتمع المدني في الجزائر من الحضور بسبب اعتقال زوجها الناشط الحقوقي المعروف قدور شويشة، ويتعلق الأمر بالصحافية وعضو الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان جميلة لوكيل، والتي تتابع أيضا بتهم تتعلق بالإرهاب بسبب نشاطها الحقوقي. وبحسب المصادر ذاتها، فقد اكتفت بالناشطة الحقوقية الجزائرية بإرسال مداخلة مسجلة من أجل عرضها في هذا اللقاء، أكدت فيها أن وضعية حقوق الإنسان في البلد تراجعت منذ الحراك الذي عرفته البلاد بطريقة وصفتها بغير المسبوقة. وشلمت التراجعات، حسب ممثلة المنظمة الحقوقية الجزائرية، التضييق على حرية التجمع والتظاهر، وعدم تطبيق الجزائر للتوصيات التي سبق وأن قبلتها في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل في جولتها الثالثة سنة 2017. كما نفت المتحدثة ما ادعاه ممثل البعثة الدائمة للجزائر الذي تناول الكلمة في بداية اللقاء، واعتبر أن بلاده قامت بتنزيل العديد من التوصيات على أرض الواقع، الأمر الذي اعتبرته المتدخلة غير صحيح، عبر لجوء النظام السياسي بالجزائر إلى توسيع مجال توجيه تهم الإرهاب لتشمل كل المتحدثين في القضايا التي تعتبرها سلطات البلاد "حساسة"، وتجريم الأنشطة الحقوقية واعتقال عدد كبير من النشطاء. وشملت هذه الاعتقالات أكثر من تسعة آلاف شخص حسب توضيحات قدمتها ممثلة "منظمة شعاع لحقوق الإنسان" ومقرها لندن، في الكلمة التي ألقتها، حيث أبرزت فيها أن السنوات الأخيرة عرفت خلق مناخ يضيق على الاجتماع والتظاهر بالجزائر. وشددت الحقوقية ما تطرقت إليه المتدخلة السابقة من لجوء السلطة لتلفيق تهم الإرهاب للنشطاء السلميين، والتضييق على تمويلات جمعيات المجتمع المدني. كما دعت إلى تعديل القانون الجنائي ومواده التي تضيق على الرأي والتعبير والتظاهر والتجمع والجمعيات، وملاءمة القوانين الجزائرية مع الإتفاقيات والمعاهدات الدولية، مع وضع نهاية للمتابعات القضائية للنشطاء السياسيين والحقوقيين التي تعددت في الشهور الأخيرة. هذه التوصيات كانت محل شبه إجماع من طرف المنظمات الحقوقية الدولية التي تشتغل في الجزائر، حيث شددت كل من "MENA Rights Group"، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إلى جانب معهد الكرامة لمناهضة التعذيب بالدانمارك، على ضرورة احترام قواعد حقوق الانسان ومنح ضمانات قانونية للمتهمين في قضايا الارهاب. وأشارت المنظمات الحقوقية المذكورة، إلى أن مناهضة التعذيب غير حاضرة في القانون الجنائي الجزائري، لافتة إلى وقوع اعتداءات جنسية في مقرات الشرطة، وهو ما ينضاف إلى العديد من الإشكاليات الحقوقية الأخرى تتعلق بالتمييز والعنف ضد النساء. طرح هذه القضايا الشائكة بحضور ممثلي البعثات الدائمة للدول الأعضاء بمجلس حقوق الانسان بالأمم المتحدة، جعل رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عبد المجيد زعلاني في موقف حرج، إذ لم يجد أمامه من رد سوى التأكيد على "انفتاح" المجلس، الذي يترأسه، على كل القضايا المطروحة من طرف المنظمات، لكنه انفتاح "مشروط"، رسم له حدا هو "الحفاظ على سيادة البلاد"، في تناقض تام مع مبادئ حقوق الانسان كما تعرفها الاتفاقيات الدولية.