في أجواء طبعتها رمزية الوفاء والذاكرة النضالية، تحت شعر وحدة – ديمقراطية –اشتراكية، نظّمت الكتابة الإقليمية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمكناس ندوة فكرية وسياسية حول موضوع «تطورات القضية الوطنية على ضوء قرار مجلس الأمن 2797»، وذلك إحياءً للذكرى الأليمة لاغتيال الشهيد عمر بنجلون، أحد أبرز رموز النضال الديمقراطي والوطني في تاريخ المغرب المعاصر. وأطّر هذه الندوة كلٌّ من الأخ عبد الحميد جماهري، عضو المكتب السياسي للحزب، المسؤول عن الإعلام الحزبي، ومدير النشر والتحرير لجريدة الاتحاد الاشتراكي، والأخ صبري الحو، عضو المجلس الوطني للحزب، والرئيس العام لأكاديمية التفكير الاستراتيجي، والمحامي والخبير في القانون الدولي وقضايا الهجرة ونزاع الصحراء. لحظة وفاء وتكريم لرموز نضالية بعد الترحيب بضيوف الحزب والحضور الكريم، وقراءة الفاتحة ترحما على روح الشهيد عمر بنجلون وضحايا فاس وآسفي، شهدت الندوة لحظة مؤثرة تم خلالها تكريم ثلة من مناضلات ومناضلي الحزب، اعترافاً بما قدموه من تضحيات جسام في الدفاع عن قيم ومبادئ القوات الشعبية. وشمل التكريم كلا من: الفقيد المختار المصمودي، الرئيس السابق للمجلس البلدي لمكناس، وأحد الوجوه البارزة في تاريخ تدبير الشأن المحلي بالمدينة. الفقيد بنعيسى التوركي، أحد أعمدة الحركة الكشفية المغربية والعربية، والمناضل الاتحادي المعروف. الأستاذة حبيبة العرائشي، المناضلة وعضو الكتابة الإقليمية سابقا، وقطاع التعليم العالي. الأخ عزوز امحامدي، العضو السابق بالمجلس البلدي للزيتونة. وقد أكد الأخ البشير باباديه، عضو الكتابة الإقليمية، في كلمة بالمناسبة، أن هذا التكريم هو عربون وفاء لمسارات نضالية مشرفة، وإشادة برجال ونساء تحلّوا بخصال نبيلة، وقدموا الكثير للحزب وللوطن في صمت وإخلاص. كلمة الكاتب الإقليمي: ربط الذاكرة بالنضال الوطني وفي كلمته، شدد الأخ يوسف بلحوجي، الكاتب الإقليمي للحزب بمكناس، على أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومعه المغرب، عاش منذ نصف قرن محطات مفصلية ستظل راسخة في الذاكرة الجماعية، من بينها المسيرة الخضراء، وتحرير الأقاليم الجنوبية، والمؤتمر الاستثنائي للحزب، وانعقاد أول مؤتمر وطني للشبيبة الاتحادية. وأضاف أن هذه اللحظات التاريخية تزامنت مع جريمة نكراء، حين امتدت يد الغدر لاغتيال الشهيد عمر بنجلون، مهندس استراتيجية النضال الديمقراطي، وأحد أبرز المدافعين عن ربط معركة الوحدة الترابية بمعركة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وأكد أن تخليد هذه الذكرى ليس مجرد استحضار لمأساة، بل هو تجديد للعهد على مواصلة النضال من أجل مغرب حر، ديمقراطي، ومتضامن، حيث لا تحرير للأرض دون تحرير للإنسان. كما أبرز أن القرار الأممي 2797 يشكل ثمرة من ثمار هذا المسار الطويل من التضحيات، في ظل الدبلوماسية الحكيمة التي يقودها جلالة الملك، والتي كرّست مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وجدي وذي مصداقية تحت السيادة المغربية. عبد الحميد جماهري: عمر بنجلون ورهانات الفكر الوطني في مداخلته، استهل الأخ عبد الحميد جماهري كلمته بتوجيه الشكر إلى الحضور الذي أثث هذه الندوة الفكرية والسياسية الهامة، معتبرا أن ما يميزها هو ما تحمله من دلالات عميقة للوفاء، تجسدت في تكريم ثلة من المناضلين الذين رصّعوا المسار النضالي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعطائهم وتضحياتهم. وأكد في هذا السياق أن الاتحاديات والاتحاديين اليوم هم الورثة الشرعيون لهؤلاء المناضلين الأوفياء، والحاملون لمشعل القيم والمبادئ التي تأسس عليها الحزب. وشدّد جماهري على أن استحضار روح الشهيد عمر بنجلون ليس فعلا رمزيا فحسب، بل هو استحضار لدور محوري في إنضاج الفكر المغربي تجاه القضية الوطنية، حيث كان الشهيد من أشرس المدافعين عنها داخل المحافل الدولية، معتمداً مقاربة فكرية جمعت بين الفكر التقدمي والعمق التاريخي، ولا سيما من خلال حواراته الجريئة مع الصحافة الفرنسية، خاصة اليسارية منها. كما ذكر بمواجهاته الفكرية والسياسية مع المدعو بابا مسكي أحد مؤسسي جبهة البوليساريو ذي الأصول الموريتانية، والذي كانت الجزائر قد وكلته ناطقاً باسم جبهة البوليساريو، مبرزا في الوقت ذاته مواقف الزعيم الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد في التصدي لمواقف عدد من الدول المناوئة للوحدة الترابية للمغرب، وعلى رأسها الجزائر وليبيا، إلى جانب بعض الدول الإفريقية واللاتينية، ودول من المعسكر الشرقي وأطراف أوروبية. واعتبر المتدخل أن اغتيال الشهيد عمر بنجلون لم يكن عملا معزولا، بل كان يستهدف، في عمقه، القائد المقبل لحزب الاتحاد الاشتراكي، نظراً لما كان يمثله من تلازم بين النضال الديمقراطي الصادق والوطنية الراسخة. وفي عرضه لمسار القضية الوطنية، توقف عبد الحميد جماهري عند محطات تاريخية مفصلية، معتبراً أن 16 أكتوبر 1975 يشكل لحظة فارقة، حين أكدت محكمة العدل الدولية أن الصحراء لم تكن أرضاً خلاء، رغم نفيها وجود روابط سيادية قانونية، وهو ما أدخل المغرب في ما يقارب خمسين سنة من الصراع مع الجزائر والدول المناهضة لوحدته الترابية، عبر توظيف مفاهيم تقرير المصير والاستفتاء، وفتح المجال أمام المناورة السياسية الجزائرية، خصوصا في ما يتعلق بمفهوم « الشعب الصحراوي.» وأكد أن قرار مجلس الأمن 2797 حسم بشكل واضح مسألة السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، وأسقط نهائيا أطروحة الاستفتاء وتقرير المصير، مبرزا أن القرار رسّخ الروابط التاريخية والسياسية بين المغرب وصحرائه، متجاوزا بذلك التأويلات السابقة لقرار محكمة العدل الدولية، وهو ما كان قد دفع المغرب، في حينه، إلى تنظيم المسيرة الخضراء، التي أجهضت مخطط إنشاء كيان مصطنع بالصحراء بتوافق بين الجزائر وإسبانيا. كما ذكر عضو المكتب السياسي بمسار مخططات جيمس بيكر، التي قامت على مناورات سياسية استهدفت مصالح المغرب وقضيته الوطنية، قبل أن تفرض مبادرة الحكم الذاتي نفسها كخيار واقعي نضج بفعل التحولات الجيوسياسية الدولية، والدعم المتزايد الذي حظيت به داخل الأممالمتحدة، بفضل الاستثمار الدبلوماسي الذكي للمغرب، وتوظيفه لمختلف أوراقه التاريخية والسياسية. وختم عبد الحميد جماهري مداخلته بالتأكيد على أن التنزيل الفعلي للحكم الذاتي، من خلال توسيع الصلاحيات والاختصاصات، يشكل مدخلاً أساسياً لضمان الاستقرار وإرساء أسس التنمية والتطور، مبرزاً أن المغرب يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخه المعاصر، بما يستدعي تأهيل العقل المغربي لاستيعاب التحولات والمستجدات، والانخراط الواعي في بناء مستقبل وطني متوازن وقوي. صبري الحو: من الاستفتاء إلى الحل السياسي الواقعي أما الأخ صبري الحو، فقد أكد في مداخلته أن القرار الأممي 2797 شكّل لحظة فاصلة في مسار النزاع، وأطلق دينامية جديدة على المستويين الإقليمي والدولي، عنوانها الانتقال من منطق الاستفتاء إلى منطق الحل السياسي القائم على الحكم الذاتي. وأوضح أن الإجماع الدولي حول المبادرة المغربية غير مسبوق، وأنه ثمرة عمل دبلوماسي وسياسي طويل، أنهى نهائيا أطروحة تقرير المصير بالشكل الذي كانت تروّج له الأطراف المناوئة للوحدة الترابية للمغرب. وأشار إلى أن الحكم الذاتي، في ظل السيادة الوطنية، لم يعد فقط حلا سياسيا، بل مدخلا حقيقيا لتعزيز الأمن والاستقرار والتنمية، مؤكدا أن الدينامية المغربية باتت نموذجاً يحتذى به في معالجة النزاعات الإقليمية، وأن القرار 2797 قلب كل المعادلات والمخططات التي استهدفت وحدة المغرب الترابية. وفاء للذاكرة واستشراف للمستقبل واختُتمت أشغال الندوة بالتأكيد على أن تخليد ذكرى الشهيد عمر بنجلون يظل مناسبة لتجديد العهد مع قيم النضال الديمقراطي، وربط الذاكرة بالفعل السياسي الواعي، والانخراط المسؤول في الدفاع عن القضية الوطنية، باعتبارها قضية كل المغاربة، وحجر الزاوية في بناء مغرب الديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية.