أشادت بالرؤية الملكية من أجل إفريقيا .. بوروندي تجدد تأكيد دعمها للوحدة الترابية للمغرب ولسيادة المملكة على صحرائها    الشعب المغربي يحتفل بالذكرى ال69 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    بورصة البيضاء تنهي التداول بالأخضر    هذه أبرز الصفقات الموقعة مع السعودية عقب جولة مباحثات رسمية بين بن سلمان وترامب    ترامب يعلن رفع العقوبات عن سوريا    الركراكي: حكيمي قائد حقيقي ومرشح للكرة الذهبية    الطالبي يجري مباحثات مع عضو الأمانة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ووزير دائرة الإعلام في لجنة الحزب    جلالة الملك يستقبل ثلاثة أعضاء جدد بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية    ‮«‬الأسد ‬الإفريقي ‬2025‮»‬: ‬أكبر ‬مناورة ‬عسكرية ‬في ‬القارة ‬تنطلق ‬من ‬المغرب ‬بمشاركة ‬أمريكية ‬ودولية ‬واسعة    فضيحة اختطاف معارض جزائري في باريس تلاحق أجهزة الجزائر    هشام بلاوي الوكيل العام الجديد للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة    محمد وهبي يؤكد أن شبان المغرب قادرون على تحقيق أشياء عظيمة    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مصحوبة محليا بتساقط للبرد بعدد من مناطق المملكة    قطرات مطرية متفرقة مرتقبة بطنجة وجهة الشمال يوم الأربعاء    حريق بشقة سكنية في حي بن كيران بطنجة يخلّف خسائر مادية    الاستقلال يدعو لفتيت إلى تسريع مراجعة القوانين الانتخابية استعدادًا للاستحقاقات المقبلة    عملية بحرية محكمة تُفشل مخطط تهريب دولي للمخدرات بالسواحل المغربية    فشل الجزائر الذريع في جرّ مصر إلى فخ بوليساريو؟    الصين تراهن على المغرب كمركز صناعي استراتيجي نحو أوروبا وإفريقيا    وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية: الأوضاع الأمنية في العاصمة الليبية "تحت السيطرة"    حكم جديد.. 3 ملايين ونصف تعويضاً لسيدة عضها كلب    أزمة دواء اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المغرب.. يفاقم معاناة الأسر في صمت    جبايات الجماعات.. البرلمان يصادق على إسناد تحصيل رسم السكن والخدمات لإدارة الضرائب وتعديل ضريبة الأراضي غير المبنية    الصين تعزز شراكتها مع أمريكا اللاتينية بخمس مبادرات تنموية وإنسانية جديدة    صافرة رومانية تضبط نهائي دوري أبطال أوروبا    دراسة من هارفارد: شرب الماء الكافي يعزز التركيز الذهني ويقلل التعب والإرهاق    صيادو الحسيمة في مواجهة خطر التراجع البيئي والاقتصادي    مراكش ومدن مغربية أخرى تحتفي بموسيقى موزارت لتوحيد المواهب المتوسطية    في برنامج "مدارات" : لقاء مع الباحث الأستاذ أحمد متفكر ، وحديث حول سيرة محمد ابن الموقت المراكشي    رسوم بذيئة تعبث بموقع "تشان تشان" التاريخي في البيرو    مجموعة OCP توقع اتفاقيتَي تمويل    غزة تحاصر كان.. 380 فنانًا يتهمون إسرائيل بالإبادة    الرباط تحتضن أول مهرجان لفن الراب "212'FlowFest"    الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم استثمار 150 مليون يورو في الصحراء    لتضيء نضالات الأمس دروب الغد    مشكلة الوعي الزائف وشروط امكان الوعي الحقيقي    المجنونة المتحرِّشة بالنساء الحوامل    "كان" الشباب... المنتخب المغربي يستعد لمواجهة مصر بحثا عن التواجد في المشهد الختامي    المغرب الفاسي يثق في منتوج النادي    شرطة ألمانيا تفكك "شبكة متطرفة"    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    النفط يهبط بفعل مخاوف من زيادة المعروض وحذر حيال اتفاق أمريكا والصين    الهيئة المغربية لسوق الرساميل تؤشر على المنشور المتعلق ببيع أسهم "رونو"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    كيوسك الثلاثاء| برادة يتوعد مثيري الشغب الرياضي بعقوبات صارمة وإجراءات لمحاصرتهم    بكين وواشنطن تتفقان على آلية حوار اقتصادي لتفادي التصعيد    برشلونة على أعتاب لقب "الليغا" وريال مدريد يودّع أنشيلوتي    بطولة اسبانيا: ريال مدريد يفتقد لجهود فينيسيوس وفاسكيس للاصابة    حكيمي يعزز استثماراته الرياضية بشراء نادي إسباني    من الناظور إلى اسبانيا.. سقوط إمبراطورية الحشيش بقبضة الشرطة وهكذا وضف "الزعيم" عشيقاته لتبييض الأموال    تركيا.. أزيد من 64 مليون مسافر عبروا مطارات البلاد خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2025    مندوبية السجون توضح بخصوص زيارة الزفزافي لوالده    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من معبر "إيرز" إلى الزنزانة
نشر في طنجة الأدبية يوم 26 - 04 - 2010

جاء السجان فجر يوم الأحد 28 تموز 1996 بالقيود والسلاسل إلى الزنزانة، فقيدني وألبس رأسي الكيس وأخذني إلى موقع الشبح. وهناك أجلسني على كرسي الشبح مقيد اليدين والرجلين، في الهواء الطلق، تحت أشعة الشمس الحارقة، وتحت ميكرفونات كبيرة، لا تتوقف عن بث الموسيقى والأغاني العبرية المزعجة بصوت مرتفع يصم الآذان. بعض تلك الأغاني والموسيقى تم اختيارها بعناية لتثير الحزن والكآبة في النفس، وبعضها الآخر تضمنت تعبيرات جنسية مقززة للنفس. وكانت الأغاني تتكرر على مدار الساعة، حتى كنا نسمع الأغنية أكثر من عشرين مرة في اليوم، وكان المحققون يأمرون برفع صوت الميكروفونات باستمرار، إمعاناً في تعذيب الأسرى المشبوحين.
كان من حولي العديد من الأسرى المشبوحين، علمت ذلك من أصواتهم وهم يطلبون من السجان الماء أو الذهاب إلى دورة المياه، ومن صراخ بعضهم من قسوة المعاناة. كان معظمهم من مجموعتي الأسير حسن سلامة والشهيد محي الدين الشريف، ومن طلاب غزة في الجامعات التركية، إضافة إلى آخرين. وسأتطرق لبعض تفاصيل المجموعتين في المقال القادم إن شاء الله. كان السجان يأتي بقنينة ماء إلى الأسير المشبوح الذي يشكو الظمأ، فيثني الكيس قليلاً إلى أعلى، ويطلب من الأسير فتح فمه، ويصب فيه الماء صباً، لإذلال الأسير وإيلامه وتعذيبه. ولا يسمح للأسير بالشرب بنفسه، فهو مقيد اليدين.
يبقى الأسير مشبوحاً على مدار الساعة، ولا يسمح له بمغادرة كرسي الشبح إلا للتحقيق وفق طلب المحقق، أو لتناول ثلاث وجبات، الأولى الساعة السادسة صباحاً، والثانية الساعة الثانية عشرة ظهراً، والثالثة الساعة السادسة مساء. وتتكون الوجبة من قطعة خبز صغيرة، وشريحة جنبة صفراء وزنها أقل من خمس غرامات، وقطعة فلفل حلو. وكانت الوجبة تقدم للأسير المشبوح في زنزانات خاصة منفردة بطريقة مذلة، وكان عليه أن يتناولها في وقت لا يتجاوز خمس دقائق، فكنا نتوضأ أو نتيمم ونصلي، وبعدها نتناول الوجبة، إن بقي وقت، قبل أن يأتي السجان ليعيدنا مرة أخرى إلى كرسي الشبح.
أذكر أن السجان في أحد أيام الشبح سلط على ظهري مروحة كبيرة، وسلط أخرى على صدري، وظلت المروحتان تضربان الهواء بشدة علي من صباح ذلك اليوم وحتى ساعة متأخرة من الليل، فتشنجت عضلاتي، وأصبحت أرج رجاً من شدة البرد، وأصبت باحتقان في حلقي حتى سال الدم منه، وانقبضت عضلات وجهي حتى عجزت عن الكلام، وفقدت الإحساس في بعض أصابع قدمي. وبعدها نقلني السجان إلى زنزانة أخرى، شعرت فيها وكأنني في بؤرة إعصار، بسبب الهواء البارد الذي كان يُضخ فيها من السقف بشدة، وبسبب أصوات عواصف شديدة سمعتها في الزنزانة، وأصوات صراخ وأنين لأسرى تحت التعذيب. وهي أصوات مسجلة على شريط كاسيت، يستخدمها المحققون في تعذيب الأسير نفسياً حتى الانهيار.
وفي صباح اليوم التالي أجلسني السجان على الكرسي، لتستمر المعاناة، ولأفقد القدرة على التركيز، وليتدلى رأسي من شدة النعاس، لحد أنني كنت أعجز عن قراءة سورة الفاتحة، وأعيد الصلاة مرات ومرات، لأنني كنت أفقد الوعي في الركعة الأولى في كل مرة كنت أحاول فيها الصلاة على كرسي الشبح. وكان السجان يركلني برجله كلما أخذتي سنة من نوم على كرسي الشبح، وكان يصفر في آذاننا بشدة، ليجبرنا على الانتباه ويحرمنا من النوم لثوان معدودة.
استمر الشبح على ذلك المنوال لأسبوعين كاملين، دون نوم أو راحة، ومع استمرار التحقيق والتعذيب النفسي والجسدي بطرق عديدة، ودون اغتسال أو تغيير الملابس، فغطت طبقة دهنية جسمي ووجهي، وأصبحت أجد صعوبة في فتح عيني، وانبعثت رائحة كريهة من ملابسي، حتى أن المحقق كان يرشني بمزيل للرائحة قبل الدخول إلى غرفة التحقيق، وكان بهذا العمل يعبر عن اشمئزازه وتقززه من الأسرى. وقام المحقق مرات عديدة بالتجشؤ في وجهي مخرجاً روائح كريهة، وكان يضرط أحياناً، إمعاناً في تحقيرنا وتعذيبنا نفسياً. وفي مرات عديدة، كان المحقق يجبرنا على القيام بتمارين تمزق عضلاتنا، أو البقاء في وضع مؤلم لوقت طويل، أو ترديد عبارات سخيفة مئات المرات، ليستهزأ بنا، ويؤلمنا نفسياً وجسدياً. وفي حالات عديدة كان المحققون يستخدمون ما يسمى "الهز" بشدة لتعذيب الأسرى، مما يؤدي إلى إصابة بعضهم بارتجاج في الدماغ والوفاة.
وبعد أسبوعين من الشبح، نقلني السجان إلى زنزانة منفردة لثلاثة أيام متتالية، قضيتها لوحدي، وبعدها نقلني إلى زنزانة أخرى وأدخل علي عميلاً من غزة، علمت فيما بعد أنه عمل في جهاز الأمن الوقائي في غزة. ونكمل في مقال آخر إن شاء الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.