وزير النقل واللوجستيك : الحكومة ملتزمة بدعم تطوير الكفاءات في قطاع الطيران    هجوم أصفهان.. ما خلفيات النفي الإيراني والصمت الإسرائيلي؟    إيران تتصدى لهجوم جوي منسوب لإسرائيل.. وبن غفير يصفه ب"الرد الضعيف"    بسبب فيتو أمريكي: مجلس الأمن يفشل في إقرار العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة    مسؤولو نهضة بركان يرفضون إخفاء الخريطة المغربية الكاملة بملصق ويطالبون "الكاف" بحل الأزمة    المكتب التنفيذي ل"الكاف" يجدد دعمه لملف ترشيح المغرب وإسبانيا والبرتغال لتنظيم مونديال 2030    توقيف 4 أشخاص بمنطقة الرحمة للاشتباه في تورطهم في جريمة قتل    "وزارة التجهيز" تحذر مستعملي الطرق والطرق السيارة بالمغرب    السجن المحلي الجديدة 2 يوضح بشأن ادعاءات سجين سابق ب "تجويع السجناء"    نشرة إنذارية: امطار رياح مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    نظام العسكر يبتز "جون أفريك" والصحافي ديالها: إلى بغا يدخل للدزاير خاصها تبدل مواقفها ولا يمشي هو من المجلة    الصندوق المغربي للتقاعد ينضم إلى برنامج "داتا ثقة" لحماية المعطيات الشخصية    أرقام رسمية كتخلع.. أزيد من 82 فالمية من الأسر المغربية صرحات بتدهور المعيشة ديالها    "ميتا" طلقات مساعد الذكاء الاصطناعي المجاني فمنصاتها للتواصل الاجتماعي    قبل مونديال 2030.. الشركات البرتغالية تتطلع إلى تعزيز حضورها في السوق المغربية    كان واعر في الأدوار الدرامية.. وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني وفعمرو 81 عام    محاكمة طبيب التجميل التازي ومن معه.. النيابة العامة تؤكد ارتكاب جريمة "الاتجار في البشر"        توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مجلس النواب يعقد جلسة عمومية لاستكمال هياكله    ميراوي: أسبوع يفصل عن إعلان سنة بيضاء وبرلمانيون يناشدونه التراجع عن القرارات تأديب طلب الطب    طنجة .. توقيف ثلاثة أشخاص لإرتباطهم بشبكة إجرامية تنشط في المخدرات    طغى عليه الغياب واستحواذ الأغلبية على مقاعد الأمناء والمحاسبين : انتخاب مكتب مجلس النواب    في تقليد إعلامي جميل مدير «الثقافية» يوجه رسالة شكر وعرفان إلى العاملين في القناة    جمال الغيواني يهدي قطعة «إلى ضاق الحال» إلى الفنان عمر السيد    الطريق نحو المؤتمر ال18..الاستقلال يفتح باب الترشح لعضوية اللجنة التنفيذية    الهجمات على إيران "تشعل" أسعار النفط    صورة تجمع بين "ديزي دروس" وطوطو"..هل هي بداية تعاون فني بينهما    منظمة الصحة تعتمد لقاحا فمويا جديدا ضد الكوليرا    المدير العام لمنظمة "FAO" يشيد بتجربة المغرب في قطاعات الفلاحة والصيد البحري والغابات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    العصبة الاحترافية تتجه لمعاقبة الوداد بسبب أحداث مباراة الجيش    باستثناء الزيادة.. نقابي يستبعد توصل رجال ونساء التعليم بمستحقاتهم نهاية أبريل    التراث المغربي بين النص القانوني والواقع    السودان..تسجيل 391 حالة وفاة بسبب الاصابة بمرضي الكوليرا وحمى الضنك    أخْطر المُسَيَّرات من البشر !    سوريا تؤكد تعرضها لهجوم إسرائيلي    ورشة في تقنيات الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية بجماعة عرباوة    مهرجان خريبكة الدولي يسائل الجمالية في السينما الإفريقية    لوسيور كريسطال تكشف عن هويتها البصرية الجديدة    "قتلوا النازحين وحاصروا المدارس" – شهود عيان يروون لبي بي سي ماذا حدث في بيت حانون قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي    الدكيك وأسود الفوتسال واجدين للمنتخب الليبي وعينهم فالرباح والفينال    تفاصيل هروب ولية عهد هولندا إلى إسبانيا بعد تهديدات من أشهر بارون مخدرات مغربي    تقرير يُظهر: المغرب من بين الوجهات الرخيصة الأفضل للعائلات وهذه هي تكلفة الإقامة لأسبوع    واش اسرائيل ردات على ايران؟. مسؤولوها اكدو هاد الشي لصحف امريكية واعلام الملالي هدر على تصدي الهجوم ولكن لا تأكيد رسمي    "الكاف" يحسم في موعد كأس إفريقيا 2025 بالمغرب    خطة مانشستر للتخلص من المغربي أمرابط    بيضا: أرشيف المغرب يتقدم ببطء شديد .. والتطوير يحتاج إرادة سياسية    نصف نهائي "الفوتسال" بشبابيك مغلقة    الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يطالب بفرض عقوبات على الأندية الإسرائيلية    "قط مسعور" يثير الرعب بأحد أحياء أيت ملول (فيديو)    الانتقاد يطال "نستله" بسبب إضافة السكر إلى أغذية الأطفال    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (6)    الأمثال العامية بتطوان... (575)    وزارة الصحة تخلد اليوم العالمي للهيموفيليا    هاشم البسطاوي يعلق على انهيار "ولد الشينوية" خلال أداء العمرة (فيديوهات)    الأمثال العامية بتطوان... (574)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعرة نجاة الزباير ل"طنجة الأدبية" :
-أن تكون شاعرا معناه أنك صوت يجب أن يجمع في ذبذباته ما يؤرق الإنسانية جمعاء -أصبح المغرب مركزا شعريا تتلاقى فيه الأمواج الشعرية الكونية بكل اللغات
نشر في طنجة الأدبية يوم 10 - 07 - 2012

تعتبر الشاعرة والناقدة نجاة الزباير من بين أهم الأصوات الشعرية في المغرب والعالم العربي، هي عضو اتحاد كتاب المغرب، ورئيسة تحرير كتاب أفروديت، وعضو تحرير جريدة رؤى الثقافية ، وعضو فخري بدار نعمان للثقافة بلبنان ، وعضو رابطة الأديبات بالإمارات ، وعضو الهيئة الاستشارية العليا لديوان ووكالة أنباء شعراء الأردن. فاز ديوانها "النخب الأخير" بإحدى جوائز نعمان العالمية سنة 2006، وكانت من بين العقول العربية التي كرمتها الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب 2007.
صدر لها ديوان: "أقبض قدم الريح" عن دار وليلي بمراكش سنة 2007، وكتاب "بوابات منفتحة الأشداق" (دراسة ) خاصة بالشعر عبد العاطي جميل سنة 2001، و"فاكهة الولائم فوق مائدة العوالم: دراسة خاصة بديوان ولائم المعارج للشاعر أحمد بلحاج آية وراهام" سنة 2003، و "كتاب فواكه الصرخة( نظرات في عالم التشكيلي المغربي محمد البندوري)" سنة 2009، و ديوان قصائد "في ألياف الماء" سنة 2009 عن دار وليلي للطباعة والنشر، وترجمت بعض قصائدها للإسبانية ضمن أنطولوجيا الشعر النسائي المغربي، لأنطونيو رييس رويس، ترجمة عبد اللطيف الزنان سنة2007، وكما ترجمت للإنجليزية ضمن الأنطولوجيا الخاصة بالشعر العربي المعاصر التي أعدها الشاعر العربي منير مزيد.
كيف جئت إلى القصيدة أو كيف جاءت إليك؟
- دعني أرتب شعيرات الفكر التي تتساقط اللحظة من جبين التذكر، لعلي أقبض على تلك الفلتات الأولى التي غذت إحاساسي لأكون كما أنا الآن، شاعرة تسألها عن البدايات.
تصور بأن البصمات الأولى التي أبحث عنها، وكأني شرطية تنقب في دفاتر النفس، كي أقبض على جرم اسمه القصيدة التي سرقتني مني، ورمتني في بحارها لم أجده. لذا سأعصر اللحظات لأقول لك:
كنت أطل من نوافذ النفس أبحث عني، عندما هزت أوتاد الروح، فتزلزلت كينونتي، عندها تمسكت بذيل الحلم علني أجدني، ومنذ ذلك الوقت أي من سنين خلت نسجت معها حكايات شهرزادية في بلاط اسمه صبوات القصيد.
لذا لا يهم كيف همت بي، ولا كيف استجبتُ لإغواءاتها .كل ما أعرفه أنها أصبحتْ أنا، وأصبحتُ أمشي بقدميها وأرشف معانيها، فهي ذلك الظل اللصيق بنور كفي، والذي من خلاله أبصر كل عوالمي.
باعتبارك واحدة من بين أهم الأصوات الشعرية في المغرب كيف ترين الحركية الشعرية بالمغرب حاليا ؟
- إن الحديث عن الحركية الشعرية بالمغرب، يدفعنا إلى معانقة التجارب الكثيرة بمختلف حساسياتها، واستقراء تجاذباتها.
لكن سأركض في الراهن قائلة:
قبل سنوات كان الحراك الشعري بئيسا شيئا ما، حيث تراجعت بشكل كبير القصيدة المغربية، أقول هذا كقارئة عادية أولا، من خلال مواكبة الإصدارات الشعرية وما ينشر هنا وهناك، طبعا لا يتعلق الأمر بالرواد.. فقد كانت أزمة القراءة والتلقي، وعدم الاحتفاء بتجربة الأجيال الجديدة، عقبة أمام تجدد المبدع.
وكنا نتوصل بدواوين شعرية لا ترتقي لمستوى النشر ضمن سلسلة أفروديت، لكن حاليا؛ هناك طفرة كبيرة وغزارة في الإنتاج، واسمح لي أن أشير للإبداع المتميز للشاعرات، فقد أصبحت قصائدهن طيورا خضراء تطير في سماء الشعر الزرقاء باحترافية كبيرة.
هكذا يمكن القول؛ بأن المشهد الثقافي المغربي قد عرف تغيرات كثيرة أفرزت شعراء من مختلفي الاتجاهات، ولقد لفت انتباهي كثرة المهرجانات الأدبية والاحتفاء بإصدارات الشعراء، خاصة في المدن التي كانت هامشية، والتي أطلقت تحديا من خلال احتفائها بالشعر كقدح وجودي لا يمكن الاستغناء عنه.
جعل كل هذا التنافس محتدما في الساحة الثقافية المغربية التي مدت غصونها نحو العالم العربي. فكانت هذه فرصة قيمة للقارئ، للاستماع لمختلف الأصوات التي تصدح بالقصيدة المختلفة، والتي تحمل بصمة كل شاعر خاص بها.
ولقد أعجبتني مبادرات اتحاد المبدعين المغاربة، التي ساهمت هي أيضا في جعل الساحة الثقافية المغربية مرفأ للكلام العذب، وخلجانا من التعدد الإبداعي، حيث ترسو لغة تحمل رياحا ممطرة بالكثير من الإصدارات المتميزة.
طيلة التاريخ الشعري العربي كانت أغلب الأسماء التي بصمت الساحة الشعرية العربية تأتي من المشرق، فيما كنا في المغرب نكتفي بالنقد فقط ، حتى سادت المقولة الشهيرة التي أطلقها المشرقيون "نحن نبدع وهم ينقدون". هل مازال الوضع كما كان عليه الآن في نظرك؟ وهل مازال لهذه المقولة صدقيتها أم اختلف الأمرشيئا ما؟
- ما أعرفه الآن؛ أن المغرب أصبح مركزا شعريا تتلاقى فيه الأمواج الشعرية الكونية بكل اللغات.
ألا ترى سيدي الفاضل، كيف يمثل المغاربة القصيدة المغربية في المحافل الدولية والعربية، ولا داع لذكر الأسماء، لأن ذكر البعض دون الآخر يخلق حساسيات نحن في غنى عنها. وليسمح لي مدير ورئيس تحرير مجلة نوارس العربية التي نمثل أحد أعضاء إدارة تحريرها الشريف محمود النجار، عندما راسلنا قائلا: "لدينا الرغبة في فتح خطوط مع الآخرين وخصوصا في المغرب لمعرفتنا بغزارة الإنتاج الأدبي في المغرب".
أنا فخورة بشعرائنا وشواعرنا، حتى وإن لم ينصفهم النقد كما يجب، إلا أن الركب الذي يمشون فيه شامخ بتميزهم، ولأن العالم أصبح قرية صغيرة، فإن المقولة التي ذكرتَ متجاوزة من عهد بعيد، لأن التلاقح الثقافي السائد قد جعل كل المبدعين إخوة يجمعهم الحرف فوق مائدة التباري نحو الأفضل.
أنت تكتبين الشعر وتكتبين عنه نقديا، وبما أن للكتابتين طقوسهما فكيف تزاوجين بين هاتين الحالتين في الكتابة والإبداع؟ وكيف تستطيعين الجمع بينهما؟
- دعني أسافر بك قليلا بين طقوس ميلاد القصيدة أولا وأقول لك:
ما أكثر الأثواب التي تتنكر فيها حين تطرق مرايا الروح، فهي فراشة تقف فوق نبع هواجسي، تلاحق احتراقاتي بضوء العويل.
فهل لها لحظة واحدة تختصر فيها ظهورها ورحيلها، أم تقطع تذاكر مختلفة لحضورها؟، فكل ما أعيه أن لها شطحات مختلفة حين تقدم لي أسرارها. منها:
إطلالتها عندما يفتح الليل قِربَتَهُ، فأقترب عطشى من مائه؛ لأراها متلفعة بصمته، تجرني مثل عاشقة صغيرة نحو غربته. فأمشي عمياء لا تقودني غير خطاها في سلالمه،لأسقط صريعة في إشراقاته.
وكلما ضمني الألم بذراعيه وجدتها جالسة فوق حصير النفس، تدخن آهاتي، فأرى الحروف راكضة دون توقف لتوشح زندها. فأستغرب كيف تتمرد علي حين يلفني الفرح، وتسرع ولهى لما تذبحني مُدْيَةُ الأحزان.
نعم؛ ما أكثر أقنعتها التي تلبسني، لأجدها تسامرني دون أن تعير اهتماما للمكان الذي أشرب من فنجانه.
فالشعر هو فتنتي الأزلية التي سيجت أهدابي بوهم طفولي، طاردته وأنا أفرش سريري بظل خيالي مطرز بالجمال الإبداعي، فأراني غير أنا ..
فهل هي ولادة ثانية تلك التي كانت على يديه؟ أم هي سلاسل وجدانية قيدتني نحو ساحاته، حيث أرقص الفلامنكو على إيقاعاته، فترتمي أثواب وجودي في كل الزوايا التي تصطاد لوعة حرفي؟
ففيه اجتمعت طقوسي بأكملها، وغدوت أفروديت كل الشطآن، أوليس هو فاتني الذي جعل الجمال يجتمع في كف وجودي، فلا أرى غير الحب يسري في شريان كينونتي، نعم؛ ما أقوله حمق في واقع متبلد ومتحجر، لكن به أحيا فوق السحاب.
أما النقد فهو العملة الإبداعية الثانية التي تشدني بسلال الفكر المتوقد، لمساءلة النصوص من زاوية ذاتية خاصة. وهو اشتغال على تصور الآخر ومحاولة اقتحام شعريته في ائتلافها واختلافها.
فإذا كانت القصيدة تتدفق زمنيا في لحظة معينة بالنسبة لي طبعا ، فإن النقد الذي يرتكز على مرجعيات مختلفة، والتي تتكلم من خلاله النصوص نايات انفلاتها، لا يلتقط أنفاسه إلا عبر مساحات شاسعة من الوقت.
ومن ثم؛ فإن كلتا الكتابتين الشعرية والنقدية لهما خطوط تتقاطع وتلتقي في كف أزمنتي لتعانق كلتاهما الأخرى.
يلاحظ القارئ لشعرك حضور قضايا إنسانية وقومية (عربية) مع العلم أن الشعر هو قمة التعبير الإبداعي الذاتي، إذن كيف تستطيعين تناول هذه القضايا والإلتزام بها في إبداعك مع الحفاظ على ذاتيتك الشعرية والتعبير عنها إبداعيا؟
- ما معنى أن تكون شاعرا، إذا لم تقسم ذاتك في جسوم كثيرة كما قال عروة بن الورد؟
أن تكتب عن الذات فقط، معناه أنك شاعر أناني تحاول رسم ملامحك بفرشاة معاناتك الخاصة دون التفاعل مع ما يجري حولك.
أنت شاعر معناه؛ أنك وإن انتهى زمن النبوءات والرسالات صوت يجب أن يجمع في ذبذباته ما يؤرق الإنسانية جمعاء.
أنا هنا؛ أفرش الآلام بساطا كلما رحلتُ فوق صهوة القصيدة، واستلقيت فوق رمالها الحارقة، نعلي بضع خيالات تطوف بي في مملكة الحروف، وزادي أوراق أسطورية تدفعني للانسلاخ عني، والقبض على فيض كوني اسمه الإبداع الحقيقي.
نشأنا على صوت القضية الفلسطينية، وتحركنا في رقعتها بحزن عميق، ولما كتبتني القصيدة جمرا، كانت فاتحةَ انطلاقي في عالم الشعر. وبدأت أحزان الوطن الكبير تشغل مساحات من ذاتي.
أذكر بأني كتبت يوما قصيدة عن الحرب، فجاءتني رسالة من أحد القراء بالمشرق يسألني عن أي حرب أتحدث. فاستغرب أن أكون من بلد يعيش السلام، وأعانق بحروفي بلدانا تهزها زلال الحرب هنا وهناك.
لقد اعتبرتُ القصيدة دوما مَعْبَرًا نحو الحرية الذاتية بمعناها الواسع، للانطلاق في موكب الخيال، وغزل تلك الجزئيات الداخلية لتكون قميصا صوفيا، أتدفأ به من صقيع الواقع المليء بالخيبات، فكانت تيمة الحب في أشعاري جواز مروري نحو آفاق الكينونة الكبرى، حيث أصافح الإنسان في كل مكان.
فجسدت قصائد لي أشخاصا مثقلين ببراكين المعاناة من وحي الكتابة. منها قصيدة : جندي قبعة ووطن، الغريب، وصايا من دم وتراب، دراهم نواسية لمتسول وهمي، و السجين رقم 7945 . هذه القصيدة التي تبعثرت حروفها بين آلام سجين فلسطيني أقول فيها:
بيني وبين الحرية ألف عام
لا تَخَفْ من شكلي
فأنا الوسِيمُ الَّذِي ...
اقتربْ أكثرَ..
لتسمع مدني تَعَوِي
هَلْ مَازِلْتَ تَتَرَدَّدُ
كيف تصافحُ حُلْمِي
مَاتَ.. ألَمْ تعرِفْ بعدُ؟
أنا بَقَايَا رَجُلٍ كَانَ.
(...)
قالت حبيبتي يوما
بأنِي طفلٌ يحسن البكاءْ
ولم تعرف بأني غدوتُ
رجلاً لاَ يعرفُ الانحناءْ.
(...)
وغيرها من الأشعار التي صلت في معبد الوطن الكسير .
فانا لا أكتب عن اليومي الذي قد يجعل الشاعر ثقيل الهمس وهو يمشي في مملكة الحرف، بل أسافر في هذا الوجود، وفوق قسماتي علامات استفهام تخترق كل ما يجري حولي.
هكذا أغيب في هجرة خطواتي، وأتيه في كل المعالم، أنى رمت بي القصيدة أرتمي، لا أختار اتجاهاتها. فيمتزج رحيق الذات بمرارة العالم الغريب، وأراني سائحة برداء شفاف من مشاعري، أكبو وأنهض بين هذه الأصوات، وأرفع عقيرتي بالغناء قائلة: أنا تلك العاشقة التي تنزف حبا للإنسان الشريد، الذي لا ينام بسبب خوفه الدائم من الطوفان.
ولا أسمي هذا بطولة ولا بحثا عن شيء ما، لأنه ماء وجودي يسقي نبتة الذات كي تشعر بأنها تحيا .

...ألا ترين بأن زمن القصيدة ذات "الصوت العالي" قد ولا، أتَذَكرُ الآن نموذج الشاعر الكبير محمود درويش الذي نلاحظ في أشعار المرحلة الأولى لديه حضور "القضية" بشكل واضح وجلي ، لكنها في المرحلة الأخيرة تتوارى خلف الصور الشعرية وجمال وعذوبة الشعر الحقيقي والهموم الذاتية التي تبدو أكثر صدقا؟
- يتجول سؤالك بين ضفتين:
الصوت العالي حضور القضية بشكل واضح
الصوت المتواري قضية خلف عذوبة الشعر
إنك تعلم يا صاحب القلم الوثير، بأن للثقافة العربية رموزها، ومن فلسطين عرفنا الشاعر العربي الكبير محمود درويش صاحب قضية، تعَوَّدَ على الرحلة بين ثنايا المجهول في حقيبة زرقاء اسمها الوطن.
يقول مثلا:
نسافر كالناس لكننا لا نعود إلى أي شيء..كأن السفر طريق الغيوم..
فقد اجتاحتنا ثورته منذ ديوانه ""أوراق الزيتون"" (1964 ) و ""عاشق من فلسطين"" (1966 )، حيث عرفه العالم العربي كشاعر مقاومة وهو في مطلع العشرينات، لتكون قصيدته "بطاقة هوية" صرخة عظمى في وجه الظلم الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال. واستمرت قصائده في الهطول على هذا المنوال.
إن المرحلة التاريخية هي التي تتغير، ما زلت أذكر أشعار محمود درويش التي تتصادى مع صوت الفنان مارسيل خليفة، فيتزلزل الوطن العربي الذي تسكن حنجرته نبرات هذين العملاقين. وكان الشارع العربي يردد قصيدته "بطاقة هوية" بفخر كبير.
فما الذي جرى حتى تحولت القضية من بوق عملاق، لناي تردد نغماته الرصاصات والدماء؟. أين الصوت البطولي الذي يهز عرش السكينة فتمشي الملايين في ركائبها؟
إن التواري الذي تحدثَ عنه، هو تحول نحو أبعاد ممتلئة بالجمال اللغوي، لأن كل مرحلة من المراحل تنبجس باختلافها، دون أن يضيع الوعي التاريخي والثقافي والفكري.
ويبقى محمود درويش صاحب قضية استفز كل طاقاته الفنية. فمن قال بأن المرحلة الشعرية الأخيرة كانت أكثر صدقا من سابقاتها؟
لقد عاش هذا الشاعر الحاضر /الغائب، ضائعا في تقاسيم وطنه بكل حمولاته الرمزية.
فالصدق في كل المراحل موجود، لأن الكتابة لا تخضع لمسار واحد، والشاعر متعدد يلتقط أنفاسه بين قصيدة وأخرى، والتي قد لا تتشابه كلها في الموضوع الذي تطرقت إليه.
فكيف بشاعر كبير كان سؤالا معلقا بين شفتي الشعر الكوني بكل تقلباته؟
لذا اترك الزمن ليحكم على هذا الصوت القوي الذي لا نراه موجودا الآن، لكن قد تكتشفه الأجيال فيما بعد. فمن يدري ما الأصوات الشعرية التي ستفرزها الثورات العربية التي قد تغير وجه خريطة العالم العربي !!.
أنت من بين الأسماء الشعرية المغربية التي أثبتت نفسها في الساحتين الشعريتين المغربية والعربية قبل ظهور عصر الأنترنيت، وفرضه لأسماء "شعرية" تكون أغلبها عبارة عن فقاعات سريعا ما تتلاشى وتنطفئ. إنطلاقا من هذا كيف ترين النشر الإلكتروني الذي أصبحت تنشطين فيه أيضا وهل ترين أنه يخدم من وجهة نظرك المبدع الحقيقي أم العكس؟
الكتابة جنون وحفر في الذات بحبر ضوئي، نحاول أن نعانق من خلاله الوجود بكل سمفونياته.
وبما أننا في زمن كُسرت فيه قواعد الكتابة والنشر في شكلها الظاهري، حيث أصبح الحاسوب وعوالم الإنترنيت هما النمط الجديد للكتابة. اسمح لي أن أجيبك قائلة:
لقد أتاحت المواقع فرصة للعديد من حملة القلم، أن ينشروا إبداعاتهم بعد أن ضاقت بهم السبل للوصول للمجلات والجرائد الورقية. ولن ننكر أن هناك أقلاما متميزة عانقناها في هذا العالم الافتراضي، والتي لم تُعط فرصة مناسبة لإثبات ذاتها في العالم الواقعي.
فإذا كنت قد أثث اسمي الأدبي من خلال المجلات والجرائد الورقية الوطنية والعربية ، إلا أن الانتشار الأوسع كان عن طريق هذه الكوة الضوئية، التي انطلق من خلالها اسمي مثل حمامة بيضاء في صحاري الحرف، لتعانق الملايين من القراء بغصن اختلافها.
لكن من ضمن السلبيات التي تركتها سهولة النشر في الشبكة، إفرازها لأدب رديء له معجبيه الذين يصفقون له، حتى ظن كُتَّابه بأن ليس لهم مثيل في عالم الأدب.
ومثل هذه الأسماء تختفي كل ما جد النقد الصارم في ملاحقتهم، دون أن ننسى السرقات الأدبية التي عَرَّت عن بعض تشوهات هذه المساحات.
ولن ينكر أحد إلى أي حد ساعد الفضاء الإلكتروني في تحليق الإبداع عاليا، لذا أرى بأن العلاقة بين النشر الورقي والإلكتروني علاقة تكامل لا تنافر، فلا النشر الورقي يغني عن الإلكتروني ولا العكس.
تحاول بعض الأقلام النقدية التمييز والتفريق في الأدب بين الأصوات الرجالية والأخرى النسائية، من خلال إبراز ميزات ينفرد بها الأدب النسوي تجعله متفردا ومختلفا ، هل أنت مع هذه التصنيفات أم أنك ترين أن الأدب شعرا كان أم قصة أم رواية يُبدي تميزه من قيمته كنص إبداعي بغض النظر عن جنس صاحبته أو صاحبه؟
- أنا ضد هذه الثنائيات التي تعبث بذاكرة المتلقي، فإما أن يكون النص متميزا أو لا يكون، فما معنى أدب نسائي وآخر رجالي، فكل نص يحمل ثقافة صاحبه.
فهل كل تسلل الخطاب النسائي لقصائده من الرجال سيدعى أدبه كما ذكرت؟ لا نظن ذلك . مثل الشاعر نزار قباني المعروف بقصائده التي تحمل خطابا أنثويا بامتياز. وهل إذا قرأت إبداعا لا يحمل اسم صاحبه، ستعرف بأن كاتبه رجلا أو امرأة؟!!
ف"الكتابة متخيل خنثوي، تَسْتَلْهِمُ لاشعوريا كينونة مزدوجة متجذرة في الأصل الميثولوجي للإنسان..هي كينونة الذات المتوحدة Androgyne المتعالية عن الأنوثة والذكورة معا. وقد أصَّل ذلك يونغ حين قال: إن الإنسان امرأة كان أو رجلا ينقسم إلى قسمين هما: الأنيما Anima الممثل للجانب الأنثوي والرامز إلى الهدوء والسلم والارتخاء والاستيهام والنزق والأحلام. والأنيموس Animus الممثل للجانب الذكوري، والرامز إلى الصرامة والدقة والتوتر والكوابيس والخشونة والنظام. وهذه الذات الأندروجينية لا يكون تمركزُها – وفقا لغاستوف باشلار- إلا في هوية الكلمات والأحلام، وليس في خصائص الذكورة والأنوثة، فهي التي تعطي للكتابة جنسنتها Sexualisé، وتُلحقُها بالذات لكونها نتاجا صادرا عن القلب والنفس والكائن في راهنيته".*
يلاحظ المهتم حضور ذلك النفس القصصي في قصيدتك دون أن يُفقدها شعريتها، هل يمكن أن تحدثيني عن هذا الحضور؟
إن حضور النفس السردي في شعري ما هو إلا إغناء لبنية القصيدة الفنية، فإذا كان من المتعارف عليه أن السرد خصوصية نثرية، فإن القصيدة الحديثة كسرت القاعدة. وقد تفاعلتُ مع آلياته، لأن الحكاية استطاعت أن تمتاح تواجدها من ديناميكية التخييل، ومن خلال شبكة من العلاقات التي تنظم هندسة القصيدة الحديثة وضبط جمالياتها.
فالوعي بتقنيات السرد منح النص الشعري خصوبة إبداعية، استهوتني منذ الديوان الأول "أقبض قدم الريح" حتى الأخير " فاتن الليل".حيث يبقى " النص فضاء افتنان " كما يقول رولان بارت.
إنها فتنة تشدني لأتنقل فراشة تقتحم أحداق الحلم، عوضت اشتهائي الكبير لكتابة القصة العادية ،التي كان سحرها يشدني منذ رفعت قبعتي أمام سحر الكتابة.
بإصدارك لمجلة "أفروديت" الدورية الخاصة بالشعر، دخلت ميدان الإعلام الثقافي الصعب، هل يمكن أن تحدثيني عن تجربتك هاته، مع الأخذ بعين الإعتبار الصعوبات التي تواجهها الإصدارات الثقافية بالمغرب؟
- إسمح لي في البداية أن أصحح أمرا، أفروديت كتاب دوري وليس بمجلة، والفرق بينهما أننا نخصص عددا ما لموضوع واحد فقط، دون أن نتناول أبوابا مختلفة مثل المجلات، وهذه التجربة الإبداعية لا تشمل الشعر فقط، بل تهتم بكل الأشكال الأخرى من قصة وتشكيل ونقد ومسرح وغيره.
فعندما أصدرنا بمعية المشرف العام الشاعر الكبير أحمد بلحاج آية وارهام، العدد الأول راهنا على التميز، وعرفنا بأن مجال النشر صعب، لكنه ليس بالمستحيل. لأني بكل بساطة لا أومن بالعراقيل التي تشد المرء نحو الأسفل.
لقد كثر الحديث عن ضعف القراءة وقلة مواكبة الناس للإصدارات الثقافية خاصة الشعر، ومن انعدام التوزيع. لكننا استطعنا إيصال منشوراتنا لكل المدن المغربية. بل فاجأتني سيدة حملت أحد أعدادنا وهو " الأنثى والكتابة" بعد أن وجدته معروضا بالقاهرة واقتنته.
إننا نحاول تجاوز الصعاب التي تتجلى في عدم تفاعل المهتمين سواء كانوا مؤسسات ثقافية والتي لم نلجأ إليها بعد ، أو مبدعين تعودوا فقط على الإهداءات، وقراء يتقاعسون عن اقتناء الكتاب.
لنترك بصمة واضحة في مسار النشر المغربي، من خلال اعتماد أرضية جمالية ترتكز على الأناقة والجودة في الطباعة، وأيضا انتقاء الأسماء التي تشارك في خطنا الإبداعي.
فهذه الخصوصيات هي التي تلتف حول خاصرة اختلافنا في المنجز الثقافي المغربي والعربي.
ويبقى الوسط باهتا في استقبال الأعمال الجادة، فأنتم في الميدان وتعرفون من قصم ظهره بالمجاملات الفارغة التي لا تجدي ...وما أكثر متاعب وأزمة نشر الكتاب المغربي والمعانات التي يعاني منها المبدعون!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.