المغرب ‬الواثق ‬المطمئن ‬الصامد ‬والجزائر ‬المذعورة ‬المصدومة ‬    ازدواجية المعايير في الدفاع عن الحريات: قضية بوعلام صنصال تكشف التواطؤ مع النظام الجزائري    الواجهات الزجاجية للمكاتب تفاقم معاناة الموظفين في ظل موجات الحرارة    احتياطي المغرب من العملات الصعبة يسجل رقما قياسيا جديدا    بعد لقاء ترامب وبوتين.. زيلينسكي في واشنطن لبحث سبل إنهاء الحرب مع روسيا    منظمة العفو الدولية تتهم إسرائيل باتباع سياسة تجويع متعمدة في غزة    حماس تتسلم مقترحا جديدا لوقف إطلاق النار في غزة من الوسطاء في القاهرة وفق مسؤول فلسطيني    إسبانيا تعلن عن "ميثاق وطني" لمواجهة الطوارئ المناخية    الهزيمة أمام خورفكان تنهي مسيرة الحسين عموتة مع الجزيرة        موجة حر تصل 47 درجة وزخات برد ورياح قوية حتى الأربعاء بعدد من مناطق المغرب    بورصة البيضاء تبدأ الأسبوع بانخفاض    موجة حرارة قياسية تجتاح المغرب .. 19 مدينة تتجاوز عتبة 40 درجة    الدولار يستقر مع ترقب المستثمرين لتوضيحات حول السياسة النقدية الأمريكية            فتيان الدراجة المغربية يعودون بفضية من ليبيا    كومان: لا أطيق الانتظار.. واخترت النصر السعودي لهذا السبب    كالافيوري يقود أرسنال لهزم مانشستر يونايتد في قمة الجولة الأولى من الدوري الإنجليزي    لفتيت يحذر الولاة والعمال من الاستغلال الانتخابي لبرامج التنمية الترابية    نبيل فهمي يقترب من خلافة أبو الغيط في منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية    اغتصاب جماعي لطفل قاصر بموسم مولاي عبد الله أمغار    خرائط ‬تنبؤ جديدة ‬لمواجهة ‬حرائق ‬الغابات ‬بالمغرب    باحث يفكك خلفيات واقعة رفع أعلام البوليساريو الوهمية في مقبرة الكصابي بكلميم (فيديو)            الإفراط في ممارسة ألعاب الفيديو يُعرض المراهقين للتوتر والاكتئاب    أمجاد اجتماعية من غشت    وفد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى يزور الصحراء المغربية    إصلاح التقطيع الجماعي..    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    ابتسام لشكر وإشكالية الحرية...    "خيرونا" يجهّز عرضًا جديدًا لأوناحي    مصر تؤكد الدعم لإعادة إعمار غزة    دراسة: العنف يرفع خطر إصابة المرأة بأمراض القلب والأوعية    كأس آسيا لكرة السلة: المنتخب الأسترالي يتوج باللقب على حساب نظيره الصيني    فيدرالية اليسار الديمقراطي بتيسة تدق ناقوس الخطر بشأن الأوضاع الاجتماعية وتنتقد المنع والتهميش    قرار هدم يثير الجدل بأزمور: مهاجر مغربي يشتكي من قائدة الملحقة الادارية الاولى    بطولة إفريقيا للاعبين المحليين لكرة القدم.. المغرب يتأهل إلى ربع النهائي بفوزه على الكونغو الديمقراطية    الصحافة من بوابة الثقافة في ذكرى رحيل غلاب    مؤرخان إسرائيليان ‬يقارنان المحرقة.. ‬والإبادة في‬ غزة!‬    "سينما الشاطئ" تحل بطنجة وتحتفي بالإبداع المغربي في الهواء الطلق        لأول مرة..الصين تكشف عن روبوت برحم صناعي قادر على الحمل والولادة    البيجيدي يسائل وزير الداخلية حول مشاركة طوطو في مهرجان القنيطرة وضمانات التزامه بقيم المجتمع    ميرغت.. الزمان والمكان والذاكرة    130 سربة و42 ألف خيمة.. موسم مولاي عبد الله أمغار يسجل مشاركة غير مسبوقة    الصيادلة يصعدون ضد وزارة الصحة بسبب تجاهل مطالبهم المهنية    "لاغتيست" يشعل منصة "رابأفريكا"    بورصة الدار البيضاء تنهي أسبوعها على وقع ارتفاع طفيف لمؤشر مازي    هكذا يتجنب عشاق ألعاب الفيديو متاعب العين    دراسة: أطباء يفشلون في تشخيص السرطان بالذكاء الاصطناعي    دموع الأم ووفاء الوطن.. لحظات استثنائية في حفل كزينة بالرباط    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الأمن"... ماذا يعني في القيم الثقافية والدينية؟
نشر في العلم يوم 12 - 01 - 2017


« الأمن« … ماذا يعني في القيم الثقافية والدينية ؟
* بقلم // محمد أديب السلاوي
-1-
في اللغة العربية، يتخذ الأمن مساحة واسعة من المفاهيم، فهو ليس مقتصرا على حماية المجتمع من السرقة والنهب والإرهاب ونحوه، بل الأمن في قواميس هذه اللغة أعم من ذلك كله، فهو الطمأنينة والاطمئنان بعدم توقع مكروه في الزمن الحاضر والآتي، وضده الخوف الذي يعني الفزع وفقدان الاطمئنان.
الأمن، من آمن يأمن أمنا فهو آمن، والأمن في هذه الحالة هو الذي يهنأ فيه الطعام ويسوغ فيه الشراب، ويكون النهار فيه معاشا والنوم سباتا والليل لباسا.
في قواميس علم الاجتماع، الأمن هو التحرر من الخوف/ هو الحالة التي يكون فيها الإنسان محميا بعيدا عن أي خطر/ هو الإحساس بالطمأنينة التي يشعر بها المواطن في وطنه/ هو المقابل العلمي للوجود الإنساني المهدد كما لو كان الوجه الآخر للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
إسلاميا، يتموقع الأمن في قلب القرآن الكريم، من خلال عدة آيات وصور، على مستوى كبير من الأهمية، بالنسبة للعبادة… والإيمان. فأول مفهوم للأمن في الإسلام، هو الحفاظ على العقيدة السليمة الصحيحة الخالية من الزيغ والشبهات والتحريفات، والتي تؤدي إلى ارتباط المسلم بربه حيث جاءت شريعة الإسلام بحسم مادة الأمن حسما جازما واضحا لا مرية فيه، ذلك لأن الإسلام ينظر إلى الأمن على أنه من أقدس الأهداف الإنسانية التي يوفق الله بها عباده الصالحين، كي ينالوا رضاه ويفوزوا بجنته.
قال تعالى: « وآمنهم من خوف » وقال جل جلاله: « الله الذي لا إلاه إلا هو الملك القدوس السلام المومن المهيمن العزيز الجبار المتكبر ». وقال سبحانه: « الذين آمنوا ولم يلبسوا أيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ». ووصف القرآن الكريم البيت الحرام بالآمن، فقال في محكم التنزيل « وإذا جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ». وقال تعالى « تم أنزل عليكم من بعد الضم أمنة نعاسا ».
-2-
والأمن موضوعيا، لا يمكن أن تقوم حياة الإنسان بدونه، لذلك نجده يتوزع على مساحة واسعة وشاسعة من المفاهيم، تمتد من الأمن الخاص إلى الأمن القومي.
فيما يلي، ومن أجل الإحاطة بأهم مفاهيم الأمن، سنتوقف قليلا عند أهمها، وأكثرها ارتباطا بالحياة المعاصرة.
1/- الأمن العام، وهو مؤسسة مركزية، تشكل إحدى مكونات الدولة، وعنصرا أساسيا في الحفاظ عليها وعلى هيبتها واحترام قوانينها بالجهد اليومي المنظم، وكذا دعم أنشطتها الرئيسية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ودفع أي تهديد أو عائق أو خطر عنها، من أهدافها الأساسية: توفير الأمن والأمان/ حماية الأرواح/ المحافظة على الممتلكات/ منع ومحاربة الجريمة قبل وقوعها.
2/- الأمن الاقتصادي، وتؤطره العديد من الدول ضمن مؤسسة الأمن العام، إلا أنه كان ولم يزل في مقدمة أهداف الكثير من الحكومات، وخاصة منها حكومات الدول المتقدمة، التي تربط هذا الصنف من الأمن بوسائل وسياسات وإجراءات الحماية من الاختلالات التي قد تصيب الاقتصاد الوطني أو تنعكس سلبا على مواطنيه.
وتعرف هيأة الأمم المتحدة، الأمن الاقتصادي، بأنه حزمة الإجراءات والتدابير التي تتخذها الدولة لتأمين الاحتياجات الرئيسية لمواطنيها، بما ينسجم مع سياساتها الاقتصادية وأسلوب حياة مواطنيها، وبما يخلق بيئة اقتصادية واجتماعية مستقرة.
ويرى العديد من الباحثين والخبراء الاقتصاديين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، إن الأمن الاقتصادي، هو امتلاك ما يكفي من الأموال، لإشباع الحاجات الأساسية للأفراد، كالغذاء والتعليم والكساء والسكن والرعاية الصحية الأساسية وغيرها(1).
3/- الأمن الاجتماعي، ويرتبط عادة بالسياسات الإستراتيجية للدولة، والهادفة إلى تأمين بيئة آمنة أخلاقيا واجتماعيا لمواطنيها، من أجل أن يحظوا بانضباط وعلاقات أسرية متماسكة ورباط اجتماعي قوي.
والأمن الاجتماعي، في نطر العديد من علماء الاجتماع(2)، ليس وصفة أو مجموعة من الإجراءات، إنه عملية متكاملة تبدأ بزيادة العلم والمعرفة والوعي، وتنتهي بتحمل المسؤولية الوطنية المتجهة إلى بناء المجتمع وتقويه أسسه وسد ثغراته… الأمن الإجتماعي، لا يصنع بالتوجيهات الأخلاقية والمواعظ الاجتماعية، وإنما يصنع في نطاق مشروع اجتماعي متكامل، ينهي جذور الظاهرة الاجتماعية السيئة، ويؤسس الظرف الاجتماعي/ الإنساني المناسب للأمن الاجتماعي ومتطلباته النظرية والعلمية.
4/- الأمن الفكري: ويعني في مختلف الموسوعات الحضارية(3)، اطمئنان الفرد والمجتمع إلى أن منظومته الفكرية والخلقية وقيمه التي ترتب العلاقات بين أفراده (أي ما يتعلق بمخزون الذاكرة الإنسانية من الثقافات والقيم التي ينشأ عليها بين أفراده)، ليست موضع تهديد من فكر وأفد غريب.
والأمن الفكري، من الضروريات الأمنية لحماية المكتسبات والوقوف بحزم ضد كل ما يؤدي إلى الإخلال بالأمن، ففي نظر علماء الدين الإسلامي، أن الأمن الفكري يستمد جذوره من عقيدة الأمة ومسلماتها وثوابتها، وهو الذي يحدد هويتها وشخصيتها وذاتيتها.
5/- الأمن الغذائي، وهو ما يعني في السياسات الإستراتيجية إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة، يما يعادل أو يفوق الطلب المحلي، وهذا المستوى مرادف للاكتفاء الذاتي في السياسات الاقتصادية، وهو ما يعني أيضا، قدرة الدولة على توفير السلع والمواد الغذائية كليا أو جزئيا.
6/- الأمن القومي، ويعني قدرة الدولة على حماية أراضيها وقيمها الأساسية والجوهرية من التهديدات الخارجية وبخاصة العسكرية منها، وحماية مواطنيها ضد محاولات إيقاع الضرر بهم وبممتلكاتهم وبمعتقداتهم وقيمهم، وبصفة عامة، يشير مفهوم الأمن القومي في نظر العديد من الباحثين والخبراء(4) إلى المنعة القومية، أو بتعبير أبسط، هو درجة عالية من المناعة التي تحمي وتصون مقدرات البلاد من الأخطار.
7/- الأمن الثقافي، ويعني حماية الثقافة الوطنية من الغزو والاندثار، وحماية ثوابتها الحضارية والتاريخية والدينية، وهو ما يجعل هذا الأمن في العديد من الدول على ارتباط شديد بالأمن القومي، لماله من علاقة بالتوازنات الإستراتيجية للدولة، لذلك يعتبر الأمن الثقافي الضمانة المستقبلية لوحدة الأمة، لحفظ هويتها واستقلاليتها وانتمائها الحضاري.
إن الثقافة تمثل روح الحضارة، أي التعبير المتكامل عن شخصية الأمة وعبقريتها، لذلك كان الفكر هو التعبير الأعمق عن روح الثقافة وعن قدرتها على التجدد والعطاء إلى جانب القيم التي تشكل البعد الإنساني للثقافة، ومن ثمة يرى العديد من المثقفين في الدول النامية اليوم(5)، أن الأمن الثقافي يجب أن يقف على قدم المساواة مع الأمن العسكري والسياسي والاقتصادي والغذائي والاجتماعي والتربوي، لأنه يعني في جوانب عديدة منه، العمل على حماية الثقافة القومية للأمة… وحماية هويتها.
–3-
هكذا/ يكون الأمن في مفاهيمه المختلفة (الأمن العام/ الأمن الاقتصادي/ الأمن السياسي/ الأمن الجنائي/ الأمن الخاص/ أمن المنشآت/ أمن المعلومات/ الأمن الدولي) وقد استعرضنا القليل القليل منها، قد احتل في الثقافة المعاصرة، كما في ثقافة الأجيال السابقة قيمة عظيمة، تمثل المجال/ المجالات التي لا يعيش الإنسان إلا في ظلالها، وهو مقترن بوجوده وشقيق حياته، فلا يمكن أن تقوم حياة إنسانية، خارج سلطة/ سلط الأمن ومفاهيمه. بالأمن يستطيع الإنسان الحياة/ يستطيع توظيف ملكاته وإطلاق قدراته، واستخدام معطيات الحياة من حوله لعمارة الحياة… وبالأمن يستطيع الإنسان تأدية وظيفة الخلافة في الأرض، وهو مطمئن على نفسه ومعاشه ورزقه…
وفي نظر العديد من الخبراء العلماء(6)، إن الأمن في مفاهيمه المختلفة، أصبح عنصرا أساسيا للتنمية، فلا تنمية بدونه، فالتخطيط السليم والإبداع الفكري والمثابرة العلمية، وهي أهم مرتكزات التنمية، لا يمكنها أن تحدث/ أن تكون إلا في ظل أمن كامل وشامل.
وأبعد من ذلك، يرى العديد من الفقهاء في الشريعة والقانون(7) أن الأمن غاية العدل، والعدل سبيل للأمن، فالأمن بالنسبة للعدل غاية وليس العكس، فإذا كان العدل يقتضي تحكيم الشرع والحكم بميزانه الذي يمثل القسطاس المستقيم، فالشرع ذاته ما نزل إلا لتحقيق الأمن في الحياة، وغياب العدل يؤدي إلى غياب الأمن، ولذا فإن الحكمة الجامعة تقول: « إن واجبات الدولة تنحصر في أمرين هما: عمران البلاد وأمن العباد »
والأمن غاية الشرائع وهدفها الأسمى، يؤكد العديد من علماء الدين الإسلامي: إن الله سبحانه وتعالى أنزل الشرائع متعاقبة متتالية منذ أن أنزل أول إنسان إلى هذه الأرض، حيث ظلت عناية الله تتابعه وتلازمه، فما تقوم أمة ولا يبعث جيل إلا ويكون لرسالة السماء شأن معه، قال تعالى: (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، وقد كانت غاية هذه الرسالات هي إقامة السلام الإجتماعي بين بني الإنسان، فتأتي الرسالة مبينة الحلال والحرام/ الحق والباطل… وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا المعنى بقوله: « المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم ».
******
1- جريدة أخبار الخليج/ البحرين 11 مايو 2010.
2- راجع بالموسوعة الاجتماعية الفرنسية موضوع الأمن الاجتماعي في الدراسات الأكاديمية.
3- الموسوعة الحضارية العربية/ دار الثقافة العربية – بيروت.
4- مجلة العلوم الإنسانية / العدد 17 بيروت 1980.
5- الأمن الثقافي/ جريدة لوموند (الفرنسية) أبريل 1995.
6- الأمن والتنمية/ جريدة الأهرام يونيو 2006.
7- جريدة الرياض (سعودية) الأمن والشريعة ، ماي 1983.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.