لا تزال بعض مراكب الصيد الساحلي بميناء الجرف الأصفر تمارس خروقاتها بشكل صارخ وممنهج، في غياب تام لأي تدخل من الجهات المختصة، وكأن صحة المواطن مجرد تفصيل ثانوي، وكأن القوانين التي تنظم القطاع لا تعني أحدًا. ففي مشهد يتكرر كل يوم، يعمد بعض ربابنة مراكب صيد السردين إلى اصطياد أزيد من 1600 صندوق من الأسماك، ليتم التصريح فقط بما بين 500 و600 صندوق، في لعبة مكشوفة تُدار أمام أعين الجميع، دون رقيب ولا محاسبة.
ولعل الأخطر من ذلك هو أن هذه الكميات الهائلة يتم نقلها مكشوفة على سطح المركب (الكوبرتا)، معرضة لأشعة الشمس والثلج والغبار، دون أدنى شروط السلامة الصحية، خصوصًا في ميناء تحاصره معامل الفحم الحجري (شاربون) من كل جانب، ما يجعله بؤرة تلوث حقيقية.
شبكات تهريب السمك: تواطؤ أم غياب دولة؟
الكميات غير المصرح بها لا تذهب إلى مراكز البيع القانونية، بل يتم تفريغها بعيدًا عن الأنظار، لتدخل قنوات التهريب المنظم عبر شاحنات وسيارات نقل لا تخضع لأي مراقبة، في استنزاف ممنهج للثروة السمكية، وحرمان الدولة من مداخيل جبائية ضخمة.
إنها حلقة متكاملة من العبث: لا تصاريح دقيقة، لا مراقبة في الميناء، لا تتبع للمسار التجاري، ولا محاسبة للمهربين، بينما المواطن يدفع الثمن من صحته وجودة ما يستهلكه.
"سويلكة" تحت الحصار: من يحمي الصيد التقليدي؟
قوارب الصيد التقليدي، المعروفة باسم "السويلكة"، تعاني بدورها من الإقصاء والتهميش داخل الميناء. فمع الازدحام الشديد وغياب أرصفة مخصصة لها، تُجبر هذه القوارب على تفريغ مصطاداتها في نقاط عشوائية وخطيرة، ما يهدد حياة البحارة وسلامة المنتوج.
ورغم تكرار النداءات الموجهة إلى الجهات المسؤولة، لا تزال هذه المطالب تصطدم بجدار من الصمت واللامبالاة.
البيئة خارج الخدمة: حين يصبح الميناء مزبلة مفتوحة
ميناء الجرف الأصفر لا يشبه الموانئ العصرية التي تُحترم فيها شروط النظافة وسلامة المنتوجات. فالأزبال منتشرة، والروائح الكريهة تزكم الأنوف، وغبار الفحم يتسلل إلى كل ركن، ليختلط بمياه البحر وبصناديق السمك المعروضة بشكل عشوائي، في مشهد عبثي ينذر بكارثة صحية وبيئية وشيكة.
أين هي لجان التفتيش؟ من يغض الطرف؟ ولماذا؟ في ظل هذه المعطيات، يطرح المهنيون والغيورون على القطاع البحري عدة تساؤلات محرجة: أين هي لجان المراقبة التي من المفترض أن تُفعل يوميًا؟ لماذا يُسمح لبعض المراكب بمراكمة الثروات على حساب القانون؟ هل هناك من يغض الطرف؟ ومن المستفيد؟ إلى متى ستظل الثروة السمكية عرضة للنهب، وصحة المواطن رهينة الفوضى؟ مطالب عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه: فتح تحقيق فوري وشفاف حول حجم الخروقات والتجاوزات. إرسال لجنة مركزية من وزارة الصيد البحري لمراقبة الميناء. وضع حد للتهريب المنظم وتغليظ العقوبات في حق المتورطين. تهيئة أرصفة خاصة بالصيد التقليدي في أقرب الآجال. تنظيف وتحديث بنية الميناء لضمان بيئة مهنية وصحية سليمة. في النهاية، ميناء الجرف الأصفر يعيش على وقع فوضى حقيقية تُهدد ما تبقى من مهنية القطاع، وتضرب عرض الحائط كل جهود الحكامة والشفافية، والساكت عن هذا الوضع... شريك فيه.