الحكومة الفرنسية: العلاقات مع الجزائر "مجمدة تماما" وقد نجري عقوبات جديدة    برشلونة يُسقط ريال مدريد في ملحمة الأهداف ويقترب من التتويج ب"الليغا"    بطولة إنكلترا لكرة القدم: نيوكاسل يأخذ الأفضلية في سباق التأهل إلى دوري الأبطال    إيغامان يواصل التألق ويُسجل هدفه ال16 هذا الموسم مع رينجرز    ربع نهائي كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة.. الناخب الوطني: طموح أشبال الأطلس "الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة"    عملية أمنية تفضي لتوقيف مشتبه في ترويجه للمخدرات بالمدينة القديمة لشفشاون    الجمعية المغربية لحماية المال العام تتقدم بشكاية في قضية محطة "العزوزية" الطرقية بمراكش    الفيلم التركي "قصب" يتوج بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة    تاراغونا- كتالونيا مهرجان المغرب جسر لتعزيز الروابط الثقافية بين المملكتين بحضور السفيرة السيدة كريمة بنيعيش    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    سبتة.. إحباط محاولة تهريب أزيد من 11 ألف قرص مهلوس نحو المغرب    الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو في الأقاليم الجنوبية    الوساطة السعودية تنجح في وقف التصعيد الباكستاني الهندي    "فاموس تطوان والفوز بداية البقاء".. البرلماني الطوب يدعم المغرب التطواني قبل مواجهة السوالم    خطأ غامض يُفعّل زلاجات طائرة لارام.. وتكلفة إعادتها لوضعها الطبيعي قد تتجاوز 30 مليون سنتيم    برقية تهنئة من أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس إلى قداسة البابا ليو الرابع عشر بمناسبة انتخابه لاعتلاء الكرسي البابوي    شجرة الأركان في يومها العالمي رمز للهوية والصمود والتحدي الأمازيغي المغربي .    جمعية الشعلة تنظم ورشات تفاعلية للاستعداد للامتحانات    المحامي أشكور يعانق السياسة مجددا من بوابة حزب الاستقلال ويخلط الأوراق الانتخابية بمرتيل    مراكش تحتضن أول مؤتمر وطني للحوامض بالمغرب من 13 إلى 15 ماي 2025    البابا ليون الرابع عشر يحث على وقف الحرب في غزة ويدعو إلى "سلام عادل ودائم" بأوكرانيا    نجم هوليوود غاري دوردان يقع في حب المغرب خلال تصوير فيلمه الجديد    مشروع النفق البحري بين المغرب وإسبانيا يعود إلى الواجهة بميزانية أقل    الحزب الشعبي في مليلية يهاجم مشروع محطة تحلية المياه في المغرب للتستر على فشله    انهيار "عمارة فاس".. مطالب برلمانية لوزير الداخلية بإحصائيات وإجراءات عاجلة بشأن المباني الآيلة للسقوط    إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا    شراكات استراتيجية مغربية صينية لتعزيز التعاون الصناعي والمالي    سعر الدرهم يرتفع أمام الأورو والدولار.. واحتياطيات المغرب تقفز إلى أزيد من 400 مليار درهم    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    "سكرات" تتوّج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب    ميسي يتلقى أسوأ هزيمة له في مسيرته الأميركية    "الاتحاد" يتمسك بتلاوة ملتمس الرقابة لسحب الثقة من الحكومة    مزور: الكفاءات المغربية عماد السيادة الصناعية ومستقبل واعد للصناعة الوطنية    شاهد.. سائحات يطلبن من لامين يامال أن يلتقط لهن صورة دون أن يعرفن من يكون    زيلينسكي: روسيا تدرس إنهاء الحرب    تحريك السراب بأيادي بعض العرب    القاهرة.. تتويج المغرب بلقب "أفضل بلد في إفريقا" في كرة المضرب للسنة السابعة على التوالي    غ.زة تعيش الأمل والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم    الصحراء المغربية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    زلزال بقوة 4,7 درجات يضرب جنوب البيرو    في بهاء الوطن… الأمن يزهر    موريتانيا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في التكوين المهني (وزير)    بعد فراره لساعات.. سائق سيارة نقل العمال المتسبب في مقتل سيدة مسنة يسلم نفسه لأمن طنجة    جناح الصناعة التقليدية المغربية يفوز بجائزة أفضل رواق في معرض باريس    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وَلاَئِمُ لِتَأْسِيسِ وُجُودٍ لِلْوُجُودِ
نشر في العلم يوم 14 - 11 - 2013


الشعر توسيع للإمكانات الروحية للغة وللإنسان
مطلقا ،لايبحث الشعرعن لغز الوجودكما الفلسفة،وإنما هاجسه المطلق هو تأسيس وجود للوجود،وبناء معرفة عليا خاصة ومفارقة للمعرفة المتداولة.فالشاعر المعاصرهو بؤرة التلهبات،ومصهر الثقافات ، ما يَنْفَكُّ ? وباستمرار- يتفاعل مع التيارات الشعرية الكبرى في خرائط الشعر ، لتوسيعِ الإمكانات الروحية للغة وللإنسان باعتباره كائنا منفيا في جنون اللغة ، ولاختراق كثافة العالمِ وعتماته النابحةِ وحدودِ قِيَمِهِ المعيارية .
وتحت ضغطِ هذا الهاجسِ تكون الكتابة مَنفَذَ خَلاَصِه.. خلاص من الاحتراق بالاحتراق .. احتراق بالتجربة وفيها ومعها . والتجربة سباحةٌٌ ومغامرة في أدغال وأحراج وأنهارٍ مرئيةٍ ، واصطدامُُ ُ بالشبكاتِ العنكبوتيةِ وأوديةِ السيليكون ، وبعواصفِ اجتثات الثقافات الأصلية التي هي مَشَاتِلُ طبيعيةُ ُ للذاكرةِ الشعرية وللخيالِ البِكْرِ .
وَنَهْرُ ُ يَغسل تَجَاعيدَ الرُّوح
فأحاديةُ المعنى ، وتبلُّدُ الروح ، وانبتارُ الوجدان ، وشبقيةُ الاستنساخِ، كلها تهدِّدُ القصيدة لا محالة ، مثلها مثل منطقِ السوق ومنطقِ المباهج التقنية المُسطِّحةِ للخيال . ففي ظل هذا الطقس ، وهذه الطقوسِ المُسَيِّجةِ للذات والروح ؛ ألاَ يُمكنُ للشعر أن يقود ثورة روحية مُمكنة في أرْخَبِيلاَتِ النزوعِ الاستفرادي بالإنسان ، وبطموحاته الرحبة الصافية ؟
أكيدُُ أن الشعر هو ضد اليقينيات المُصْمَطَةِ ، وضد تكبيل شمس الجماليات لإخصابِ القبح . ومن ثَمَّة كان نبضَ النبض ، ونهرَ الأنهار الغاسل لتجاعيد الروح في الفضاء الكوني ، ونبتةً خَضِلةً في صحراء الوجدانات .
كأس نشربُ منها فَنَرى أحوال العالم الجَوَّانية
بهذا التصور كتبتُ{ وَلاَئِمَ المعارِج} راميا من ورائه إلى تشكيلِ جماليات للروح ، وإلى الرفقِ بهشاشة هذه الروح المُداهَمَةِ بأصناف من الفظاعات والقساوات . ففي هذه الولائم جاء الشعر كما كأس نشرب منها ، ونَتملاَّها ، وحينما ننظر إلى داخلها أو من خلالها نرى أحوال العالم الجوانية :
مَنْ يَخْدُم هَذِي اٌلْكَأْسَ لِيَكْشِفَ أحْوَالَ اٌلْعَالَمْ
يَرْفَعُ حُجبَ اٌلْغَيبِ مِنَ اٌلْمُلْكِ إلى اٌلْمَلَكُوتْ
فَجَمِيلُ ُ أَنْ أَفْنَى
مُحْتَرِقًا بالحُبِّ
وَلَمْ تَمْسَسْنِي اٌلنَّارْ .
فالنفس البشرية بعامة لا ينفذ إليها إلا ما لا تراه ، وما لا تراه لا يأتي به إلا الشعر . وهذه التجربة الشعرية قد أسستها على ما يتجاوز ? حسب تعبير أدونيس ? ( الدَّيْنَوي) و ( الدَّيْنَنِي) ، وأحكامَ العقل ومُواضعَاتِهْ فهي مقام شعري مُبَايِنُ ُ لمساري الشعر ، فيه نجد حوادث وظواهر ومواقف تعلو ? في كُنْهِهَا ? عن أٌنْظُومَاتْ العقل وتَمظْهُراتِه ، وترفرف في أعالي اللغة الصاعدة من ( موطن الأسرار ) في الكون ، وفي النفس البشرية معا. من هذا الموطن تشرق هذه التجربة وفيه تصب ، هل أقول إنها تجربة لا يُنالُ ماؤُها إلا بالمكاشفة والذوق ، ولا يغرَفُ إلا بأواني الحدوسِ والأُخْيُولاتِ؟ هي من نقطة ما في الغيب ؛ كائنة بين القلب والكون؛ تنطلق فتغرق في موطن الأسرار حيث الحب ، والعمْقُ والشموليةُ وتماهي التناقضات وانصهارها في مِرْجَلِ الجمال الأسنى .
هي إذن تجربة مصالحة متلذذة بنار الرموز المشتعلةِ فيها ، تصالح بين عمقْ الرؤيات المتناثرة في الزمان والمكان ، من خلال وحدة الوجود المنظومة بخيط الألوهة، لتُريَنا لغةُ وحدسًا وبصائريا ووجدانا هذا الوحدةَ وهي تتغلغل في الوجود الواحد ، فتفترش الأزمنة والأمكنة والكائنات والأحوال والمواقف والمظاهر على اختلاف شِياَتِهَا ؛ من دون استثناء ؛ فأينما ولينا وجوهنا الرائية فهناك وحدة وجودية . فمن يستطيع حينها أن يقصي بيتَ الوثَنيِّ او نار المجوسيِّ او حانة المنفَلِتِ ؟ !سؤال تبقى هذه التجربة في لهيبه متوحدةً ومفارقةً ، بمعنى أنه لامجال فيها لمكان قُدسي أو مكان وثنيٍّ :
فَكُنْ صَدِيقِي إِنْ تَكُنْ وَثَنًا
فَقَدْ عَبَدْتُ بِكَ اٌلْاَوْثُانَ وَاٌلْحَجَرَا
إنها تجربة ? كما عشتها وأحسستها ? يغدو فيها كل مقام أو مكان أو اسم أو حال أو تصور أو أي شيء في الوجود مشمولا بالوحدة ، مثلما تغدو الخمرةُ وبيتُ النار والحانةُ والمسجدُ والوثنُ والناسوتُ والشيطان غير خارجة عن هذه الوحدانية . لماذا ؟- مع أني لا اتصور اللماذا في الشعر ? لأنها تَدينُ بدين الحب أنىَّ توجهت ركائبها إسوة بخُطى الكبريت الأحمر ، مراميها تتعدى الظاهر ، وتتعامل مع الرموز اللامحدودة واللانهائية ، ومع الحرية في كل شيء :
مِنْ مَشْرقِ اٌلرَّاحِ شَمْسُ ُ حُرَّةُ ُ طَلَعَتْ
لِمَغْرِبِ اٌلرُّوحِ تَفْنَى فِي مَعَانِيها
وإذا كانت هذه التجربة تحاول أن تتنفس روائح كل الأمكنة وكل الأزمنة المضمرة ، فإن لغتها هي لغة الإثمِ اليتيم الجميل الممعن في نشوته وفتوحاته :
أَخْرُجُ مَكْشُوفَ اٌلرَّاْسِ خَلِيعًا مَجْنُونًا
وَأَحْمِلُ اٌلْعَالَمَ تَحْتَ جَنَاحِي
مُحَلِّقًا فَوْقَ خَرَابِ اٌلْعَقْلِ اٌلْمَحْبُوسِ
لِنَكُونَ جَمِيعًا في نَشْوَتِنَا
بيت أدخل القصيدة إلى مرافئ العالم الشعرية
أيحق لي ? بعد هذا ? أن أقول إن هذا البيت .. بيت الشعر هو الذي فجَّر مباهج الحداثة الشعرية ، وأدخل القصيدة المغربية الحديثة إلى مرافئ العالم الشعرية ، وأعطى لها موقعا متميزا في الفضاء المتوسطي ؟ . إنه الفاعل الشعري بامتياز ، فبتضحيات مؤسسيه القديرين ونبلهم واتقاد وعي محبيه عادت الحياة إلى القصيدة المغربية ، كما عادت إليَّ الحياةُ أنا كذلك، فدخلت مجرَّة الحداثةِ التي سرَّبَ أنوارها هذا البيت في النبض الشعري العربي المعاصر قبل أن يتدجَّى ويتحطم .
هتاف الإثم النبيل
فهل لنا أن نغتبط ، والاغتباط تثبيتُ للكيان ، ومسح لسماء الإكراهات وعرق المكابدات ؟
وهل لنا أن نسرج طموحاتنا الخلاقة واللامحدودة ونطلقها كما أُخْيُولاتٍ مُدججةٍ برموزها الكونية ؟
تلك لحظة شعرية INSTANT POETIQUE أخرى ? حسب باشلار bachelard- ننشغل بها وتنشغل بينا ، ولْنَدَعِ السكانين في غرف يتنفس فيها الموتى ينسجون تآويلهم المعطوبة عن إثمنا الجميلِ النبيلِ هذا ، فَدَمُنا من كرمة الفارضي يهتف :
وَقَالُو شَرِبْتَ اٌلْإْثْمَ ، كَلاَّ وإِنَّمَا
شَرِبْتُ الَّتي فِي تَرْكِهَا عِنْدِيَ اٌلْإِثْمُ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.