مع اقتراب الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، تتكثف المؤشرات على أن عام 2025 قد يكون عاما فارقا في مسار النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، بفعل تراكم التحولات الجيوسياسية، وتصاعد الاعترافات والإشارات الدولية الداعمة للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي أصبحت توصف في مختلف المحافل بأنها الخيار الأنجع والواقعي لتسوية النزاع. فبعد عقود من المراوحة بين جولات التفاوض الفاشلة والتوترات الميدانية، تبدو الأجواء الدولية أكثر ميلا للاعتراف بأن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تمثل الإطار الواقعي الوحيد الممكن لحل دائم، يحفظ الاستقرار ويضمن سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. وقد برز هذا التوجه بشكل خاص من خلال مواقف عدد من القوى الدولية الكبرى، في مقدمتها فرنسا، إسبانيا، الولاياتالمتحدة، وأخيرا المملكة المتحدة. غير أن القراءة الدقيقة لطبيعة هذه المواقف تظهر تمايزا في مستويات الدعم، يعكس اختلاف المرجعيات السياسية والقانونية لكل دولة، دون أن ينفي وجود تقاطع واضح في دعم الخيار المغربي كبديل واقعي عن منطق الانفصال. فالولاياتالمتحدة اتخذت موقفا سياسيا واضحا منذ دجنبر 2020 بالاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو تطور نوعي يُحسب في خانة الدعم الكامل، ويعكس رؤية استراتيجية تعتبر الاستقرار الإقليمي مرهونا بوحدة المغرب الترابية. في المقابل، فإن فرنسا، وإن لم تتبنَّ بعد موقفا مماثلا من حيث الاعتراف بالسيادة، فإنها تضع ثقلها السياسي والدبلوماسي خلف المبادرة المغربية، باعتبارها الخيار الأنجع لحل النزاع، وترى فيها مدخلا لضمان الأمن والتنمية والاستقرار في المنطقة. ومن هنا، فإن الموقف الفرنسي لا يقل وزنا، بل يعكس تموقعا دقيقا ضمن منطق التوازنات الدولية المعقدة. أما المملكة المتحدة، فقد شكل تطور خطابها الرسمي في الشهور الأخيرة مؤشرا مهما على تغير في مقاربتها، حيث اعتبرت المبادرة المغربية "الأساس الأكثر جدية ومصداقية وواقعية" لحل النزاع، وهو توصيف يتجاوز اللغة الدبلوماسية السابقة التي كانت تميل إلى الحياد البارد، ما يجعل من هذا التحول خطوة متقدمة تعزز التراكم الدولي لصالح الحل المغربي، حتى وإن لم تصل بعد إلى مستوى الاعتراف الرسمي بالسيادة كما هو الحال مع واشنطن. ترافق ذلك مع دينامية ديبلوماسية مغربية مكثفة، قادها الملك محمد السادس بنفسه، لتثبيت مواقف داعمة على امتداد القارات، خاصة داخل الاتحاد الأوروبي والقارة الإفريقية. فعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي شكّلت نقطة فارقة، حيث نجحت الدبلوماسية المغربية في بناء دعم تدريجي داخل القارة، فيما تشهد مؤسسات الاتحاد تحولات داخلية تعكس تباينا بين مواقف الدول الأعضاء والمواقف المؤسسية التقليدية. هذا التراكم في المواقف الدولية، وإن اختلفت درجات تعبيره، يعكس في جوهره تحولا بنيويا في مقاربة المجتمع الدولي لقضية الصحراء المغربية، إذ لم تعد الدعوات إلى "الاستفتاء" تجد صدى فعليا في مواقف الدول المؤثرة، بقدر ما أصبحت المبادرة المغربية للحكم الذاتي تُمثل نقطة التقاء بين منطق الواقعية السياسية وضرورات الاستقرار الإقليمي. كما أن هذا الزخم الدبلوماسي ينعكس تدريجيا على مداولات مجلس الأمن، حيث أصبحت القرارات الأممية تؤكد على أولوية الحل السياسي الواقعي والبراغماتي، متجاوزة الأدبيات القديمة التي كانت تُبقي النزاع في دائرة الجمود. وعلى الصعيد الإفريقي، يوفر هذا التقدم رافعة استراتيجية لمواجهة محاولات بعض الأطراف توظيف الاتحاد الإفريقي خارج إطار الشرعية الدولية، ويعزز من موقع المغرب كفاعل إقليمي وازن، يتقاطع مشروعه الوحدوي مع رهانات التنمية والسلم في القارة. ورغم الزخم الدبلوماسي الذي يعرفه الملف، لا تزال بعض التهديدات الميدانية قائمة، خاصة في المناطق العازلة شرق الجدار الأمني، حيث تقوم عناصر انفصالية مدعومة من الجزائر بمحاولات تسلل وهجمات محدودة بالصواريخ. وقد تعاملت القوات المسلحة الملكية مع هذه التهديدات بحزم وفعالية، معتمدة على الردع الدفاعي الذكي والمنظومات الحديثة، وعلى رأسها الطائرات المسيرة والاستخبارات التقنية، مما مكنها من تحييد الخطر دون الانزلاق نحو التصعيد. ويؤكد المغرب، في هذا السياق، أن الحل السياسي لا يمكن أن ينجح دون ضبط المجال الأمني، وتحييد مصادر التوتر الآتية من خارج حدوده. لكن التحول اللافت في السياق الإقليمي لا يرتبط فقط بتصاعد الدعم الدولي للمغرب، بل أيضا بتراجع الثقة في الدور الجزائري، الذي طالما قدم نفسه كوسيط محايد أو كقوة استقرار في الساحل الإفريقي. ففي يونيو الماضي، وجدت الجزائر نفسها مدرجة من قبل الاتحاد الأوروبي في لائحة الدول عالية الخطورة في مجال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وهو تصنيف له تداعيات ثقيلة على الصعيدين المالي والسياسي. دولة ترفع شعار مكافحة الإرهاب وتقدم نفسها كشريك أمني لأوروبا، تصنف فجأة ضمن الدول التي يُخشى أن تكون مصدرا لتمويل جماعات متطرفة أو حركات مشبوهة. هنا تبرز المفارقة بشكل صارخ، كيف يمكن لدولة تُنظِّر للاستقرار أن تصبح في أعين شركائها موضعَ شبهات مالية وأمنية؟ هذا التناقض وحده كفيل بتقويض السردية الرسمية الجزائرية، ويفتح الباب أمام المغرب لتعزيز موقعه كدولة موثوقة، مسؤولة، منضبطة في التزاماتها، وملتزمة بالشرعية، والشفافية، والنزاهة. في العمق، لا يتعلق الأمر بمجرد تصنيف إداري أو تقني، بل هو تحول في النظرة الأوروبية إلى الجزائر كفاعل إقليمي. رسالة واضحة تبعث من بروكسيل إلى الجزائر، مفادها أن الثقة مفقودة، وأن الشراكة، كما كانت تقدم، لم تعد قائمة. وما فُقِد من رصيد الثقة المالية لا يُستعاد بسهولة، خاصة إذا تزامن مع عزلة سياسية متنامية، وتراجع في فاعلية الحضور الإقليمي والدولي. كل هذه المعطيات توحي بأن العالم يتجه شيئا فشيئا نحو حسم موقفه من نزاع الصحراء، ليس فقط بدافع الإنصاف أو الاعتراف بحق تاريخي، بل أيضا نتيجة تحولات أعمق تعيد رسم خرائط الثقة والتحالف في المنطقة. لا يستبعد أن تمهد التحولات الراهنة لخطوات أكثر وضوحا خلال الأشهر القادمة، تتجه نحو تدويل مقترح الحكم الذاتي كحل نهائي، لا سيما مع ضغط الزمن الرمزي لذكرى المسيرة الخضراء. ورغم أن هذا العام قد لا يشهد الحسم الكامل للنزاع، لكن الأكيد أنه عام ترسيخ المرجعية النهائية للحل، وعام التثبيت الرمزي والمعنوي للموقف المغربي، عبر ترسيخ إجماع دولي غير معلن على استبعاد خيار الانفصال، وتأكيد جدية الحكم الذاتي كصيغة توافقية. وفي ظل هذا التراكم المتواصل في المواقف الدولية، تتصاعد الأسئلة حول مستقبل الدور الأممي، هل يتجه مجلس الأمن نحو إعادة تعريف تفويض بعثة المينورسو؟ وهل يشهد العام توافقا أوسع يُفضي إلى إعادة صياغة هندسة الحل ضمن منطق السيادة والاستقرار؟ فالأمر الجوهري الذي لا يقبل الجدل هو أن السيادة ليست ورقة تفاوض، بل هي نواة ثابتة في وجدان الأمة، يدافع عنها المغرب بمزيج من الشرعية التاريخية والدبلوماسية الناضجة، وبحكمة تُوازن بين التبصر والوضوح.