قدّمت حركة جيل زيد (GenZ)، التي تخوض احتجاجات يومية منذ حواليي 10 أيام، ملفًا مطلبيا وطنيًا تحت عنوان "طموح نموذج تنموي جديد من أجل مستقبل الجيل القادم". الوثيقة، التي جاءت في عشر صفحات، تدعو إلى إحياء روح دستور 2011 وتفعيل مضامينه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، معتبرة أن المدخل الحقيقي لأي إصلاح هو إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع على أساس الحقوق والمواطنة والمحاسبة. الحركة أكدت أن مطالبها تستند إلى مرجعية دستورية ووطنية، ولا تنطلق من فراغ، بل من واقع أزمة ثقة عميقة بين الشباب والمؤسسات. وتشير إلى أن نسبة الثقة في الأحزاب لا تتجاوز 5%، وفي الحكومة 16%، وفق استطلاعات رسمية لسنة 2025، ما يعكس شعورًا عامًا بالخذلان بعد فشل النموذج التنموي السابق وضعف تنزيل الجديد رغم التوجيهات الملكية. الملف ينقسم إلى أربعة فصول كبرى تغطي مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتُقدّم نحو عشرين مطلبًا محددًا، أبرزها: أولًا – تفعيل العقد الدستوري وضمان الحقوق الأساسية: يطالب الشباب بتفعيل الفصول الدستورية المتعلقة بالحقوق والواجبات والمحاسبة، واحترام مبدأ المساواة بين المواطنين، وضمان مشاركة الشباب في الحياة العامة كما ينصّ عليه الفصل 33. كما شدّدوا على ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وإحياء روح الدستور في الممارسة الفعلية، لا في النصوص فقط. ثانيًا – معالجة أزمة الثقة وإعادة بناءها: اعتبر الملف أن أزمة الثقة بنيوية، وتغذيها سياسات حكومية متعاقبة لم تفِ بوعودها، مطالبًا بمراجعة وطنية شاملة للسياسات العمومية، وتقييم أدائها بالأرقام والتقارير لا بالشعارات، مع إشراك المجتمع في مراقبة التنفيذ ونشر المعطيات الرسمية للعموم. ثالثًا – إصلاح القطاعات الحيوية: في قطاع الحريات العامة وحقوق الإنسان، تطالب الحركة بفتح تحقيق قضائي مستقل في الانتهاكات التي رافقت احتجاجات 27 شتنبر 2025، ومحاسبة المتورطين في العنف المفرط، والإفراج عن جميع معتقلي الرأي، وضمان الحق في التظاهر السلمي ووقف المقاربة الأمنية. في قطاع الصحة، تدعو الوثيقة إلى خطة وطنية عاجلة لإصلاح المنظومة الصحية وتفعيل توصيات المجلس الأعلى للحسابات، وتحديث حكامة القطاع، ومراجعة "التعريفة المرجعية الوطنية (TNR)" بما يخفف كلفة العلاج على الأسر، وتوسيع التغطية لتشمل الجميع، مع إدماج الصحة النفسية والعقلية ضمن الأولويات. أما في التعليم، فشباب جيل زيد يطالبون بتطبيق فعلي للقانون الإطار 51.17، ووضع خريطة طريق ممولة ومحددة زمنيا لإصلاح المدرسة والجامعة، ومراجعة المناهج لتشجيع التفكير النقدي والمهارات الرقمية واللغات، وتشكيل لجنة دائمة لتجديد البرامج، وتنظيم حوار وطني شامل بمشاركة الطلبة والأساتذة والخبراء. وفي الشق الاقتصادي، يقترح الملف إعادة توجيه النموذج التنموي نحو القطاعات المنتجة عالية القيمة مثل التكنولوجيا والطاقة الخضراء، وسن قانون خاص للمقاول الشاب لتشجيع ريادة الأعمال، وإصلاح سوق الشغل وضمان العدالة في الأجور، وتطوير برامج التكوين المهني حسب حاجيات السوق. أما في محاربة الفساد والحكامة، فالمطالب تركز على استقلالية الهيئة الوطنية للنزاهة، وتفعيل قانون التصريح بالممتلكات، وتجريم الإثراء غير المشروع، وتوسيع الشفافية في الصفقات العمومية، وتعزيز استقلال القضاء، وتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة دون انتقائية. رابعًا – المسؤولية السياسية وإعادة المصداقية للمؤسسات: حمّل الشباب الحكومة الحالية مسؤولية الفشل في تفعيل مضامين الدستور والنموذج التنموي، داعين إلى حوار وطني شامل حول الإصلاحات الكبرى، معتبرين أن استقالة الحكومة ليست هدفًا بل وسيلة لاستعادة الثقة والمشروعية. ودعا شباب "جيل زيد" إلى خطة وطنية عاجلة ومسؤولة لإعادة بناء العقد الاجتماعي، مؤكدين أن مستقبل المغرب يتطلب نخبًا جديدة كفؤة ونزيهة، وأن الأمل في التغيير لا يمر عبر الصدام، بل عبر انخراط وطني صادق في مسار الإصلاح الحقيقي الذي يعيد للمغاربة الإيمان ببلادهم ومؤسساتهم.