غرق طفل في مسبح إقامة سكنية بملاباطا بمدينة طنجة    حزب العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الذي تفاعل مع حرائق تطوان وشفشاون وتضامن مع المتضررين.. أين بقية الأحزاب؟    اللجنة الوطنية لتحرير سبتة ومليلية تحتفي بذكرى استرجاع وادي الذهب وتدعو للاصطياف تحت الراية المغربية    المنتخب المغربي يعزز حظوظه في التأهل بالفوز على زامبيا    السكتيوي يكشف عن تشكيلة المنتخب الوطني المحلي أمام زامبيا    وادي الذهب بين الأمس واليوم...    تسجيل 3 وفيات جراء الحرائق في إسبانيا    أمن أكادير يوضح حقيقة فيديو التراشق بالحجارة في تارودانت    ذكرى وادي الذهب والإنسان المحِبُّ    اعتراض سفينة محملة بثلاثة أطنان من الكوكايين غرب جزر الكناري بتعاون مع المغرب    عروض التبوريدة النسوية تجذب أنظار عشاق الفروسية بموسم مولاي عبد الله                ظاهرة السخرية من الأديان، الأسباب والأبعاد        العطلة الصيفية…هكذا غيّر تراجع القدرة الشرائية عادات المغاربة في السفر وقضاء العطل        بعد تتويجه بالسوبر الأوروبي.. حكيمي ضمن أكثر ثلاثة لاعبين أفارقة تتويجًا بالألقاب    سعر عملة بيتكوين يبلغ مستوى قياسيا جديدا يتجاوز 124 ألف دولار    مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي.. الوفد المغربي: "وفقا للرؤية الملكية المتبصرة.. المغرب يجعل من التعليم ركيزة استراتيجية للتعاون جنوب-جنوب"    المغرب يعزز موقعه في صناعة السيارات بمشروع توسعة ضخم لمصنع ستيلانتيس    سعر "بيتكوين" يبلغ 124 ألف دولار    النقيب الجامعي يتهم الرميد بارتداء عمامة المتطرف ضد ابتسام لشكر ويدعوه لعدم التأثير على القضاء    فنتانيل ملوث يخلف عشرات القتلى بالأرجنتين        تحقيق أممي يعلن انتهاكات ترقى إلى "جرائم حرب" في الساحل السوري    ألفيس بيريز: البطل الذي فتح... صخرة    عادل شهير يطرح كليب أغنيته الجديدة سيري باي باي -فيديو-    القضاء الكوري يرفض تعويض ملحن أمريكي    دراسة: ألم "فصال الركبة" يخف بتدريب المشي    نصائح ذهبية لتجنب حوادث الآلات الكهربائية    الاتحاد الألماني يرفع قيمة جوائز كأس ألمانيا    درجات الحرارة الدنيا والعليا المرتقبة غدا الجمعة    ارتفاع أسعار الذهب مدعومة بتراجع الدولار    وادي الذهب: أيقونة السيادة المغربية ومسار التنمية المستدامة    ديرها غا زوينة.. مفكر كبير كيكشف مصايبنا/ لائحة بأسماء اللي على باب الحبس/ ابتسام لشكر والعدل والإحسان (فيديو)    أسعار النفط ترتفع    الدورة الثانية لمهرجان "سيني بلاج" من 15 إلى 30 غشت الجاري بعدد من مدن المملكة    متى تخرج مصر من المنطقة الرمادية؟    بورنموث يضم دياكيتي لاعب تولوز    أهم منصات الصين الإعلامية الرسمية ترد التاريخ للمغرب بنشر خريطة المغرب بصحرائه موحدة    حين تتحطم الأكاذيب على جدار الاستخبارات المغربية الصلب    الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية للانترنت    فريد الصمدي مدير مهرجان السلام والتعايش ببروكسيل يكرم في العاصمة الرباط    "قطبية" دوغين و"مدينة" أفلاطون    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"    وفاة مبدع «نجمة أغسطس» و«اللجنة».. صنع االله إبراهيم        الدكتور بوحاجب: غياب مراقبة الجودة أحيانا يفتح المجال أمام التلاعب بصحة الناس..!!    تفشي بكتيريا مرتبطة بالجبن في فرنسا يودي بحياة شخصين ويصيب 21 آخرين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اسعيدي ل"الأيام": في 1967 كانت ميزانية الدفاع في المغرب لا تتجاوز 70 مليون دولار
نشر في الأيام 24 يوم 29 - 01 - 2018

الخبير المتخصص في السياسة الدفاعية إبراهيم اسعيدي ل"الأيام": في 1967 كانت ميزانية المغرب لا تتجاوز 70 مليون دولار


بناء القوات المسلحة والحفاظ على جاهزيتها عملية بالغة التعقيد

بالنسبة لي وأنا أستاذ متخصص في السياسة الدفاعية، أريد أن أؤكد على نقطة ذات بعد نظري مهم جدا، وهي أن بناء القوات المسلحة والحفاظ على جاهزيتها بالنسبة لأي دولة هو عملية بالغة التعقيد، وليست مسألة سهلة كما يعتقد الكثيرون ، بل هي متعددة الوجوه وتعتمد على عدة عوامل مادية ومعنوية وبشرية وفنية تكنولوجية، لأن الهاجس هو كيف يمكن تزويد قوات أو جيش أي دولة بالأسلحة والمعدات اللازمة ليكون مستعدا للدفاع عن الاستقلال الوطني، سواء على سيادة البلاد أو في زمن السلم أو في زمن الحرب، فلهذا السبب وحينما ننطلق من هذه القاعدة النظرية الأساسية، سنجد أن جميع الدول، ومن بينها المغرب، تسعى إلى تلبية حاجياتها في مجال التسليح إما عن طريق التصنيع أو عن طريق الشراء ووضع خطط تلائم بين الحاجيات الآنية والمستقبلية، وكذلك الإمكانيات المتاحة والمتوقعة، وبناء على هذا، فإنها تضع سياستها في مجال التسليح، والسياسة في مجال التسليح لا تعتبر إلا عنصرا من بين عناصر ميزانية الدفاع، لأنه غالبا ما ألاحظ - حينما أطلع على الصحافة في المغرب - أن هناك خلطا منهجيا بين الإنفاق على التسلح وبين ميزانية الدفاع.. فميزانية الدفاع هي الأموال التي تخطط الدولة لصرفها على قواتها المسلحة خلال عام، ومن بينها الإنفاق العسكري الفعلي على هذه القوات، منه شراء الأسلحة والمعدات وكل ما يتعلق بقطاع الدفاع، الأسلحة، الصيانة، الرواتب... كل هذه الأمور تدخل في الإنفاق المحدد في ميزانية الدفاع، ويعتبر الإنفاق على شراء الأسلحة أو صناعة الأسلحة إذا كانت الدولة عندها صناعة عسكرية جزءا أو مكونا أو مبحثا من مباحث ميزانية الدفاع.

حرب الصحراء كانت عاملا أساسيا في تطور ميزانية الدفاع المغربية

حرب الصحراء التي كانت عاملا أساسيا منذ أن تأسست القوات المسلحة الملكية سنة 1956 إلى اليوم، حين ننظر إلى ميزانية الدفاع المغربية، أستطيع أن أجزم أنها ميزانية عرفت تطورا مستمرا، وهذا التطور ارتبط بطبيعة الحال بأداء الاقتصاد المغربي، لأنه لا يمكن أن يكون هناك إنفاق أو وضع سياسة أو ميزانية دفاعية بدون الأخذ بعين الاعتبار الأداء الاقتصادي أو حسن سير الاقتصاد الوطني في كل قطاعاته، فهذه الميزانية يتحكم فيها الاقتصاد من جانب، ومن جانب آخر مصادر التهديد التي واجهها المغرب منذ استقلاله إلى اليوم، لأن ارتفاع الميزانية أو انخفاضها إنما يتحدد بطبيعة التهديدات الآنية والمستقبلية التي تواجهها الدولة وتفرض عليها التوفير والاستثمار أكثر في مجال الدفاع، وكان أكبر تهديد ولازال إلى اليوم هو استكمال الوحدة الترابية، وما واجهه المغرب في قضية حرب الصحراء التي كانت عاملا أساسيا في السبعينيات والثمانينيات، إلى جانب البحث عن التوازن الاستراتيجي مع الجزائر وغيرها، محددا أساسيا في ميزانية الدفاع.

سينفق المغرب في السنوات المقبلة ما يقارب 18,6 مليار دولار

في سنة 1967 كانت ميزانية الدفاع بالمغرب لا تتجاوز 70 مليون دولار، واليوم وصلت ميزانيته إلى حدود 3 ملايير و327 مليون دولار، أي أنها تساوي معدل 3,5 في المائة من الدخل القومي للدولة، فالنسب الإحصائية هنا مهمة، من سنة 2000 إلى 2016 نجد أن مجموع ما أنفقه المغرب في مجال الدفاع يتراوح ما بين 3 و3,8 في المائة من دخله القومي، وهي بالمعايير الدولية نسبة معقولة ومناسبة، لأن عملية احتساب ما تنفقه الدولة بالنظر إلى الدخل القومي تعتبر مسألة أساسية، كما أن هذا الإنفاق تحكمت فيه قيمة الدرهم بالمقارنة مع الدولار، وكما سلف فإن أداء الاقتصاد الوطني انعكس إيجابا على ميزانية الدفاع، ويتوقع، حسب المخطط الطموح لإصلاح القوات المسلحة وتأهيلها; الذي تم وضعه سنة 2006 ، أن ينفق المغرب في السنوات المقبلة ما يقارب 18,6 مليار دولار، من بينها 7,5 مليار دولار للمشتريات الدفاعية، في إطار ما يسمى بتحديث القوات المسلحة الملكية، وحينما نلقي نظرة عامة، سنجد أن المغرب يعتبر ثاني أكبر دولة مستوردة للسلاح في إفريقيا بعد الجزائر، وحينما أعود دائما هنا للأرقام التي أعتمد عليها من مصادر "the military balance"، الذي يعتبر أهم دورية إحصائية، يقول إن المغرب يستهلك ويستقطب ما يعادل بعد الجزائر 26% من المشتريات الدفاعية في القارة الإفريقية، فهذه بطبيعة الحال نسبة مرتفعة، ولكن لا نذكر هنا جنوب إفريقيا، لأن هناك فرقا بين المغرب والجزائر وجنوب إفريقيا من جهة، إذ أن لدى جنوب إفريقيا صناعة عسكرية محلية وما تصنعه جزء منه يمس احتياجات جيشها الوطني، بينما خطط المغرب والجزائر في مجال الدفاع والمشتريات، فسياستهما التسلحية تكتفي بوضع برامج لشراء الأسلحة من الموردين التقليديين الذين يتعاملان معهم.

لهذه الأسباب ليس من مصلحة المغرب أن ينوع أسواق التسلح

صحيح أن المغرب لا يمتلك نفس المقومات المالية التي تمتلكها الجزائر، فقدراته الاقتصادية لا تساعده على ذلك، لأن أي سياسة دفاعية ترتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة أداء الاقتصاد الوطني، ولهذا السبب فالمغرب ليست لديه صناعة عسكرية محلية داخلية، والجيش المغربي، مثل الجزائري، مجرد سوق استهلاكية، يكتفي فقط بشراء الأسلحة من عند الموردين، فالسوق الجزائري تهيمن عليه روسيا بشكل كبير، في حين أن السوق المغربي يهيمن عليه الحلفاء التقليديون للمغرب، وهم فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، مع تحول أساسي، وهو أنه منذ 2006 إلى اليوم نلاحظ أن المغرب يتوجه بشكل كبير إلى اعتماد الخبرة والتكنولوجيا الأمريكية، وأن تسليحه هو بالأساس من الدول الغربية، الشيء الذي جعله يحقق توازنا استراتيجيا نوعيا في مجال الأسلحة التي يمتلكها، لأن السلاح الذي يشتريه من فرنسا من "الميراج" و"F 16 " من الولايات المتحدة الأمريكية بالمقارنة مع ما تمتلكه دول أخرى يحقق له هذا التفوق النوعي التكنولوجي، وهنا أريد أن أكون واضحا لنقول بلغة عسكرية إن المغرب اقتنى 24 طائرة إف 16، وحينما نقارن بطبيعة الحال القدرات التكنولوجية والقتالية لهذه الطائرة المقاتلة التي تحقق التفوق الجوي للمملكة، مع الطائرة التي تمتلك منها الجزائر أعدادا كبيرة، وهي طائرة "الميج 29 MIJ"، سنجد أن هناك فرقا كبيرا في التكنولوجيا العسكرية، ولهذا فليس من مصلحة المغرب أن ينوع الأسواق، بل من مصلحته أن يبقى دائما في نفس السوق التقليدي الغربي، لأن هذا يساعده على التقارب العملياتي، في قيادة التدريبات المشتركة مع الدول التي لديه معها علاقة تعاون عسكري، خاصة فرنسا ودول الحلف الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث يجري تقريبا كل سنة تدريبات ب "الأسد الإفريقي"، فهذا يحقق له التفوق النوعي في هذا المجال. هناك توجه نحو الخبرة الأمريكية في استراتيجية المغرب في الحصول على التكنولوجيا المتقدمة، والتحديث الذي يشمل تزويد الجيش بالتكنولوجيا وتأهيل العنصر البشري.

هذه هي الإشكالية الحقيقية التي تواجه سلاح الجو المغربي

في مجال الجيش الجوي أستطيع أن أقول إن المغرب يمتلك طائرات مقاتلة، وهي وسيلة أساسية لكسب التفوق الجوي، وهنا تدخل طائرة "F 16" التي حصل عليها سنة 2012 بما يقارب 24 طائرة، عنده الطائرة الأمريكية "شنوك" التي تعتبر ضمن الطائرات المروحية، ويمتلك طائرات الهجوم الأرضي، والطائرات الاعتراضية وطائرات المراقبة، كما أن المغرب استثمر منذ سنوات في ما يسمى طائرات بدون طيار، التي تعد من الناحية العسكرية خطوة مهمة جدا في مجال المراقبة والاستطلاع الجوي وتساعد بشكل كبير في مراقبة الحدود وتحقيق أمنها وتوفير المعلومات بشكل دقيق، وهذا النوع من الطائرات أصبح عليه إقبال شديد جدا من طرف عدد من الدول، بالإضافة إلى إطلاقه لصاروخ محمد السادس أ، إنه يمتلك جميع أنواع الطائرات الحربية، التي تعززت بحصوله على ال "F16"، والمشكلة أن أغلب هذه الطائرات الحربية، لا أستطيع أن أعطي نسبة معينة هل هي 70 أو 60 بالمائة، تم اقتناؤها خلال الثمانينيات من القرن الماضي، وهي تحتاج إلى إعادة الاستبدال وهذه هي الإشكالية الحقيقية التي تواجه سلاح الجو المغربي في ما يتعلق بالطائرات الحربية، على أن المغرب يمتلك في حدود 400 طائرة حربية دون الحديث عن الأنواع الأخرى، وأعتقد أن هذه النسبة كافية جدا لتحقيق الدفاع الجوي لدولة كالمغرب عندها واجهة وحدود جغرافية واسعة.


ميزانية الدفاع المغربية 3 ملايير و327 مليون دولار، وميزانية الجزائر تفوق 10 ملايير دولار

إذا كانت ميزانية الدفاع بالمغرب في السنة الماضية قد وصلت إلى حدود 3 ملايير و327 مليون دولار، فإنها بالمقارنة مع الميزانية التي تخصصها الجزائر تعتبر ضئيلة ومتواضعة لأن ميزانية الجزائر تفوق 10 ملايير دولار، أي أنها تساوي ثلاث مرات الميزانية الدفاعية المغربية، وهذا يفسر أن المغرب ليست له نفس القدرات المالية التي تمتلكها الجزائر التي منذ ارتفاع سعر برميل النفط في بداية الألفية الثانية، كان له انعكاس على ارتفاع ميزانية الدفاع، حيث تخصص ما يفوق 10 ملايير دولار لسياستها الدفاعية، وبالتالي فالمغرب بإمكانياته الاقتصادية لا يستطيع منطقيا أن يجاري الجزائر ولكنه بطريقة أخرى استطاع أن يبني توازنا استراتيجيا على المستوى الإقليمي والجهوي من خلال نوعية السياسة التسلحية التي يعتمدها، لأنا نعرف أن التحدي الذي تواجهه جميع الدول بما فيها المغرب هو امتلاك التكنولوجيا التي تسمح لكل جيش بخوض الحروب بطريقة معاصرة، ولهذا جاء ما يسمى بمفهوم التحديث la modernisation de l'armée" ، في المخطط الخماسي لسنة 2000، تحديث الجيش المغربي عبر تزويده بالأسلحة التي تمكنه من التفوق التكنولوجي وتجعله يخوض حربا عصرية ويكون عنده تفوق نوعي في المجال الجوي، وقدرة على إدارة الحرب عن بعد، وكذلك امتلاك قدرات المراقبة والإنذار المبكر، لكن التحديث هنا يجب ألا يفهم على أنه يعني فقط أن الجيش سيصبح حديثا ومعاصرا بمجرد امتلاكه للمعدات العسكرية المتطورة والاستثمار التكنولوجي العسكري، ولكن التحديث يعني الاستثمار في العنصر البشري، الاستثمار في الجندي، في التدريب وفي التكوين، في التأهيل في الكليات العسكرية وفي العقيدة العسكرية، وكذلك بالاهتمام بالوضع الاجتماعي والاقتصادي للجندي، وبناء المؤسسة من الداخل، وأعتقد أن الملك محمد السادس منذ سنوات، وخاصة منذ بداية المخطط الخماسي لسنة 2006، جعل هذا من الأولويات الأساسية للجيش المغربي، وهي تحديثه، أي تمكينه من امتلاك الأسلحة المتطورة والنوعية، وكذلك بناؤه من الداخل من حيث ما يتطلب من قضايا التدريب والتكوين وإعادة مراجعة الاهتمام بالجندي ومستواه الاجتماعي إلى غير ذلك..


التهديدات غير التقليدية التي يواجهها من جهة البحر تفرض على المغرب أن يبذل مجهودا في اقتناء سفن حربية جديدة

التحدي الآخر هو في مجال القوات البحرية، المغرب دولة بحرية وعقيدته العسكرية بحكم موقعه الجغرافي بنيت ويجب أن تبقى مبنية على أساس تحقيق الأمن البحري ومواجهة التهديدات التي تأتي من البحر، وهي تهديدات لم تعد تقليدية، يعني يمكن أن ترتبط بإمكانية هجوم عسكري مباشر كما حصل في فترة الاستعمار، حيث دخل الاستعمار من جهة البحر إلى عدد من المدن المغربية، الواجهة البحرية واجهتان بحريتان يزيد طولهما عن 3400 كلم، حيث يبلغ طول الواجهة البحرية المتوسطية 580 كلم فيما يبلغ طول الواجهة الأطلسية 2820 كيلومتر، وهذه الواجهة تتطلب من المغرب المزيد من الاستثمار في المجهود التسلحي والبشري لمراقبة واجهته البحرية بالنظر إلى طبيعة التهديدات أقول غير التقليدية المرتبطة بالهجرة السرية، بالمخدرات، بإمكانية دخول تجارة السلاح..

فعدد من التهديدات غير التقليدية التي يواجهها من جهة البحر تفرض على المغرب أن يبذل مجهودا في اقتناء سفن حربية جديدة وكذلك رادارات المراقبة البحرية، وهنا أريد أن أقول إنه كانت هناك مجهودات تسلحية مهمة من مثل محاولة المغرب الحصول على الغواصة الروسية 16/50 أمور من نوع ديازال، لكن بطبيعة الحال هذه الغواصة من الناحية العسكرية تعتبر أقل أمنا من الغواصة الأمريكية التي تمتلك القدرة على إطلاق صواريخ، ولها كذلك قدرات مراقبة جوية كبيرة، فمن هذه الناحية، يعتبر المغرب أقل تقدما من منافسيه التقليديين خاصة الجزائر في المنطقة.


شراء السلاح من الدول التي تمتلك الصناعة العسكرية هو عملية سياسية وليس عملية تجارية

الخلاصات التي يمكن أن نستنتجها هي أن المغرب دخل بشكل جدي في بناء صناعة عسكرية محلية، لأن أسعار الإنفاق العسكري دائما في ارتفاع، والمعدات وتكاليف الصيانة والرواتب، كلها تأخذ الشيء الكثير من ميزانية الدولة، وهناك جانب خفي، فشراء السلاح من الدول التي تمتلك الصناعة العسكرية هو عملية سياسية وليس عملية تجارية، عملية تتحكم فيها رؤية الدول المنتجة للسلاح للتوازن للحلفاء في مختلف المناطق، قبل أن تتحكم فيها الأبعاد التجارية، وهو الشيء الذي يجعل الصناعة العسكرية ضرورة تعزز بها الدولة مقومات الأمن القومي والاستقلال الوطني.

فالمغرب في حاجة إلى بناء صناعة عسكرية بقدرات ذاتية، بطبيعة الحال هناك استراتيجيات وتجارب معينة يمكن أن نستنسخ تجارب دول أخرى مثل إسبانيا، إيطاليا.. ولكن هذا الاعتماد على تجربة بناء صناعة عسكرية يحتاج إلى تأهيل الاقتصاد الوطني بشكل كبير، كما أن المغرب لا يمكنه أن يستمر في الاعتماد على الدعم الخليجي، الذي لم يعد يشكل دعامة أساسية للبرامج التسلحية، لأن علاقات المغرب مع دول الخليج ستعرف تحولات، وربما نستطيع أن نقول هل ستحافظ على تماسكها في المستقبل كما كانت من قبل؟

لقد دعمت دول الخليج تقليديا المغرب في برامجه التسلحية، لكن هذا الدعم ليس مضمونا ويرتبط بطبيعة التحولات التي يمكن أن تعرفها هذه العلاقات في المستقبل، بطبيعة الحال يمكن أن أقول إن هناك بعض الدول التي تبحث عن بناء الصناعة ويمكن أن تمول مشاريع المغرب إذا تحقق نوع من التقارب مثل قطر التي دخلت في شراكة تصنيع عسكري مع تركيا، ويمكن لقطر إذا توفرت لها الشروط أو كان هناك اتفاق بينها وبين المغرب تمويل بناء صناعة عسكرية محلية، لذا يتحتم على المغرب أن يفكر بشكل جدي لبناء صناعة بقدرات ذاتية ويبحث عن مموليه ومسانديه كشراكة استراتيجية لشركاء أوفياء وحقيقيين لتطوير هذه الصناعة، وأعتقد أن قطر يمكن أن تكون من الدول التي تدعم المغرب في بناء صناعته العسكرية الوطنية إذا تحقق هذا التوافق الاستراتيجي.

الخلاصة الثانية هي أن المغرب ليس من مصلحته الانتظار، لأنه حينما نقول الصناعة العسكرية لا يمكن أن ننتظر أن المغرب سيصبح غدا أو بعد غد منافسا لدول لها خبرة طويلة في مجال التصنيع العسكري، هذا يتطلب سنوات ويتطلب استثمارا في الوقت وتأهيل البنيات التحتية الصناعية والاستثمار في قضايا البحث العلمي، والبنية التحتية موجودة في المغرب يجب توجيهها وتنظيمها، ولكن ستساعد المغرب على الأقل في المدى القصير في توفير معدات الدعم وقطع الغيار وتوفير معدات التدريب والدعم اللوجستيكي، ويمكن للمغرب إذا استطاع أن تكون له استراتيجية طموحة أن يكون عنده حضور في إفريقيا التي أصبحت سوقا مفتوحة.

في انتظار تحقيق الاستراتيجية التسلحية للمغرب يجب أن تكون هناك استراتيجية نوعية، ليس فقط تكديس السلاح كما تفعل بعض الدول وتنويع الممولين في اتجاه الشرق والغرب، من مصلحة المغرب أن يبقى مرتبطا بالسلاح الذي يحقق له التفوق التكنولوجي، وهو السلاح الغربي الذي يشتريه من فرنسا ومن الولايات المتحدة الأمريكية، فمن مصلحته الاستثمار في هذه الاستراتيجية لأنها تحقق له التفوق النوعي، خاصة وأنه ليست له التسهيلات المالية التي تساعده على ذلك، كما أن فكرة التحديث يجب فهمها ليس فقط بشراء الأسلحة وامتلاك أدوات التكنولوجيا، وإنما التحديث الحقيقي يكون في استثمار الجندي المغربي في عقيدته وفي قيمه وفي إيمانه بوحدة المغرب وباستقلاله، ببناء الجيش من الداخل، وهذا هو التحدي الأكبر الذي يتجاوز مسألة شراء الأسلحة وتوفير المعدات، كما أن التفكير في البحث عن ممولين للصناعة العسكرية، وبحكم أني اشتغلت على السياسة الدفاعية القطرية وعلى العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية، مع الصين، مع تركيا مع التحدي الذي تواجهه قطر بسبب الحصار، يمكن للمغرب الذي له علاقات متميزة إلى حدود الآن مع دول الخليج أن تكون قطر شريكا حقيقيا وفيا وأساسيا في تمويل برامجه لبناء صناعة عسكرية محلية، في إطار شراكة استراتيجية تحقق المصالح المشتركة للبلدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.