يوم بيوم نورالدين مفتاح يكتب: تفاصيل قصة غير مروية نور الدين مفتاح نشر في 3 يوليو 2025 الساعة 12 و 12 دقيقة على الرغم من أن الإخراج المسرحي للرد الإيراني على الهجوم الأمريكي غير المسبوق كان رديئا ومكشوفا باستهداف مرتب لقاعدة العديد بقطر، إلا أن النتيجة هي الأهم، وهي وقف واحدة من أكثر الحروب الكاميكازية التي خاضتها إسرائيل منذ تأسيسها وما أحاط بها من تهديد فعلي للسلام العالمي. وإذا كان وقت التقييم قد حان، فإن كل […] نور الدين مفتاح [email protected]
على الرغم من أن الإخراج المسرحي للرد الإيراني على الهجوم الأمريكي غير المسبوق كان رديئا ومكشوفا باستهداف مرتب لقاعدة العديد بقطر، إلا أن النتيجة هي الأهم، وهي وقف واحدة من أكثر الحروب الكاميكازية التي خاضتها إسرائيل منذ تأسيسها وما أحاط بها من تهديد فعلي للسلام العالمي. وإذا كان وقت التقييم قد حان، فإن كل طرف بالطبع سيحدد مكاسبه عقب وقف إطلاق نار فاجأ الجميع، ولا يمكن أن يكون التقييم منصفا دون أن نعرف ما جرى بالضبط وما هي أهداف من أشعل فتيل هذه المواجهة. ومن أجل الوقوف على ما جرى، ستكون عندنا روايتان، واحدة إسرائيلية نشرت جزءا منها الصحافة العبرية حيث جمعناها ضمن هذا العدد، وواحدة إيرانية من مصادر خاصة من طهران نبسطها هنا حصريا. بدأت إسرائيل في التحول من التركيز على لبنان إلى التركيز على إيران بعد 6 أشهر من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، ومنذ 2021 تمت إعادة هيكلة الاستخبارات العسكرية. أنشئت وحدة مخصصة لطهران وبدأ الاشتغال على ثلاثة محاور هي منظومة الصواريخ ومنشآت التخصيب ومجموعة تطوير الأسلحة (تركيب سلاح نووي على صاروخ). وتقول التقارير إن خلافا نشب بين الموساد والجيش حول استخدام الطائرات المسيرة أو القصف الجوي الدقيق لاستهداف العنصر البشري أي العلماء، وبدأت وحدة تحمل رقم 8200 تعقبهم لمدة 6 أشهر، وفي 2025 أصبحت الخطة جاهزة. ولكن الضربة القاصمة التي تعرض لها حزب الله باغتيال قادته دفعة واحدة في شتنبر 2024 جعلت الخطط تتغير، فتقرر تنفيذ نفس الشيء في إيران: العلماء والقادة العسكريون دفعة واحدة.
ثم تم التركيز على التفوق الجوي وتأسست وحدة خاصة لاستهداف طبقتين من الدفاعات الإيرانية واحدة تحمي الحدود والثانية تحمي الأهداف الحيوية، بل إنه تم تجنيد عملاء داخل إيران لإطلاق طائرات مسيرة من الداخل. لقد تحول الهدف بعد كل الذي جرى على المستوى الإقليمي، خصوصا تحييد حزب الله. وبعد سنوات من التهييء، لم يعد هذا الهدف هو ضرب النووي الإيراني وتحطيم الترسانة الباليستية ولكن أصبح هو إسقاط النظام بشكل معلن. وكان من المنتظر عمليّا أن يسقط بالضربة الأولى التي رافقتها عملية تضليل كبيرة قادها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شخصيا، حيث ظل إلى آخر لحظة يلمح إلى أنه ضد إقدام إسرائيل على ضرب إيران.
بالطبع، الضربة كانت قوية جدا وتم اغتيال 9 علماء دفعة واحدة وقائد الأركان وقائد سلاح الجو الإيراني وعدد كبير من الضباط. ويقول المصدر الإيراني إن الهجوم نفذ من طرف «الحلفاء» وليس إسرائيل وحدها بمشاركة دول غربية ودول من المنطقة. بدأ بهجوم سيبراني حيث توقف عمل كل منظومات الدفاع الجوي والرادارات بما فيها الروسية، وذلك بالاستعانة بكل منظومات الأقمار الاصطناعية، وتم إطلاق 1000 طائرة مسيرة من طرف عملاء للموساد بالداخل الإيراني واشتركت 300 طائرة إسرائيلية ضمنها ما تملكه تل أبيب من طائرات F35 وكذا 120 طائرة مسيرة أطلقت من العراق.
ويضيف المصدر الإيراني أنه كان مخططا تصفية 400 شخصية علمية وعسكرية وسياسية بهذه الضربة الأولى، إلا أن عدد الذين قتلوا لم يتجاوز 34، والأخطر مما يكشفه المصدر أن رئيس جهاز كشف ومتابعة التجسس في إيران كان عميلا للموساد! وأن ما يناهز 5000 عميل من الأكراد والبنغاليين والباكستانيين بالداخل، كانوا مهيئين لاحتلال مواقع حساسة في إيران.
إذن، دون أن نحتاج للفصل بين الروايتين الإسرائيلية والإيرانية، فهما تتقاطعان في أن هذه الضربة كانت واحدة من أكبر وأثقل الضربات في هذا العالم الاستخباراتي الجهنمي والتطور التكنولوجي الباهر. وبالتالي فالجواب المنطقي على السؤال البديهي: هل كانت أي دولة في موقع إيران ستصمد لهذه الضربة هو بالطبع لا !
ولا حاجة لتكرار كل ما تابعه الجميع خلال الاثني عشر يوما التي استغرقتها هذه الحرب والتي كان المقرر أن تنتهي من الوهلة الأولى بالضربة القاضية.
بالنسبة لإيران، مجرد الصمود هو انتصار. وبالنسبة لإسرائيل، أعتقد أنه لو لم تتدخل الولاياتالمتحدة بطائرات البي 2 وقنابلها الحصرية ذات 14 طن للواحدة وتضرب المنشآت النووية الإيرانية، لما حفظت ماء الوجه.
وإذا كنا قد خرجنا من منطق الضربة القاضية إلى احتساب النقاط، فإن النقاط المحتسبة لإسرائيل عديدة، لقد نفذت ما حلمت به منذ عقود وهاجمت إيران في عقر دارها بالغلبة وضدا على كل الشرائع، ولم تتلق أي تقريع واصطف الغرب وراءها، عكس ما وقع في حرب الإبادة الجماعية في غزة، كما أنها كبدت إيران خسائر فادحة لا تعوض بسهولة وخصوصا على المستوى البشري، حيث أضعفت طهران وعرقلة تطوير برنامجها النووي وحدت من قدراتها الصاروخية وزرعت الريبة والفتنة داخل مؤسساتها الحيوية باختراقها.
وعموما ما جرى خلال الضربة الأولى في 13 يونيو لوحده فيلم عسكري استخباراتي غير مسبوق في التاريخ أعاد للموساد والجيش جزءا من قبعة الأسطورة التي أسقطها كليا طوفان الأقصى في 7 أكتوبر.
وأما بالنسبة لإيران فإن بقاء النظام في مواجهة هذه الضربة الأسطورية هو إنجاز خارق، فإيران واجهت الولاياتالمتحدةالأمريكية على الخصوص وليس إسرائيل وحدها، وواجهت أحدث ما يوجد في خزائن الأسلحة على عهد الذكاء الاصطناعي، وواجهت تحالفا استخباراتيا غربيا كاملا، واستبدلت قياداتها في 24 ساعة، وبدأت الرد، وأسقطت صواريخ في الداخل الإسرائيلي لأول مرة في تاريخ دولة الاحتلال منذ 1948، ومجرد سقوط صاروخ هناك يعتبر عملا خارقا لأن عليه أن يتجاوز كل منظومات الدفاع في الطريق إلى إسرائيل، ولما يصل عليه أن يتجاوز سبع طبقات من الدفاعات الجوية الإسرائيلية وهي حيتس والسهم ثلاثة وباتريوت ومقلاع داوود وثاد والقبة الحديدية.
ورغم ضرب دفاعاتها الجوية فإنها وازنت الضربات واضطرت إسرائيل للاستعانة بالولاياتالمتحدةالأمريكية عسكريا وهو إعلان عجز عن إكمال المهمة، بل إن إسرائيل وبعد التدخل الأمريكي ظلت تتلقى الصواريخ. وفي النهاية لا شيء تحقق بالمطلق: البرنامج النووي الإيراني تضرر ولكنه مايزال قائما حسب CNN و نيويورك تايمز، والصواريخ استهدفت ولكنها ماتزال موجودة، والنظام هدد ولكنه مايزال مستمرا. ولهذا أصبح طريق التحول الإيراني من البرنامج النووي المدني إلى البرنامج النووي العسكري أقوى مما كان عليه قبل حرب الأيام ال 12.
قد تكون إيران نظاما تيوقراطيا استبداديا توسعيا، وقد تكون خطرا إقليميا ودوليا، ولكن هل كان الحل هو ضربها ضدا على القانون الدولي وبدون مبررات موثوقة من طرف دولتين نوويتين دفعة واحدة؟ لا بالطبع.
إن جريمة إيران ليست في طبيعة نظامها، ولا حتى في برنامجها النووي، فباكستان دولة إسلامية وتملك القنبلة، ولكن جريرتها التي لا تغتفر هي أنها جعلت عقيدتها العسكرية ضد إسرائيل، ومن كان ضد إسرائيل في عالم اليوم فهو خطر على السلم العالمي. فهل العالم أحسن قبل 13 يونيو أم بعد وقف إطلاق النار؟ وهل تغير فعلا وجه الشرق الأوسط كما وعدنا الرسام نتنياهو؟ وهل بكل هذه الجلبة يمكن أن نمحو الفلسطينيين ونبيض حرب الإبادة في غزة ونطلق يد الاحتلال لإقامة إسرائيل الكبرى وإعادة بناء الهيكل!! إذا ظهر المعنى فلا فائدة من الاجترار.