قدمت أحزاب وشخصيات جزائرية قراءة نقدية لاذعة لواقع الحقوق والحريات العامة والحياة السياسية في البلاد، بمناسبة الذكرى الثالثة والستين للاستقلال، مشيرة إلى استمرار "مظاهر الانسداد والتضييق". وشكلت رسالة الدبلوماسي والوزير السابق عبد العزيز رحابي أبرز المواقف التي نُشرت بهذه المناسبة، حيث رسم فيها صورة قاتمة للوضع العام، مبينا أن المجالين السياسي والإعلامي قد انغلقا تدريجيا منذ نهاية الثمانينيات، في وقت باتت فيه شبكات التواصل الاجتماعي تُوظّف لتعويض غياب الحياة السياسية الحرة، مما ساهم، حسبه، في بروز الشعبوية وتدهور النقاش العام.
وانتقد رحابي بشدة ما وصفه ب"الممارسة المستحيلة للعمل السياسي الحر"، قائلا: إن الأحزاب السياسية والمجتمع المدني أصبحا مهمشين ومقيدين، مما أضعف الحياة الديمقراطية وقلّص من فرص تمثيل المجتمع تمثيلا حقيقيا.
وأشار إلى أن الانتخابات الأخيرة، وعلى رأسها الرئاسيات، شهدت ضعفا في المشاركة، وأفضت إلى تعطيل دور هيئات دستورية محورية كالمحكمة الدستورية وسلطة تنظيم الانتخابات، وهو ما اعتبره انعكاسا لحالة العزوف واللامبالاة تجاه الشأن العام.
كما وجه السفير السابق انتقادا لاذعا لاستخدام الحبس الاحتياطي في قضايا التعبير، مؤكدا أن هذا الإجراء الاستثنائي تحول إلى قاعدة، مما يقوّض الحريات الفردية ويضعف ثقة المواطن في العدالة.
وشدد على أن الديمقراطية لا يمكن أن تنمو في بيئة يغيب عنها الحوار والتشاور وتُغلب فيها القوة على الإقناع، داعيا إلى تجديد أخلاقي شامل للحياة العامة مبني على التوازن والتنازلات المشتركة، واستعادة دور الإعلام الوطني، الذي اعتبره غير قادر على منافسة التأثير الخارجي في تشكيل وعي الجزائريين.
من جهته، حذر حزب جبهة القوى الاشتراكية، في رسالة أمينه الوطني الأول يوسف أوشيش، من خطورة الجمود السياسي وتأجيل الإصلاحات، مؤكدا أن غياب الحوكمة العادلة والمؤسسات التمثيلية ذات المصداقية من شأنه تهديد الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية.
ودعا الحزب إلى تجديد العقد الاجتماعي على أسس المشاركة والعدالة واحترام كل الحقوق والحريات، دون انتقاص أو انتقاء، مشددا على أن خلاص الجزائر لا يمكن أن يتحقق دون إرساء ديمقراطية فعلية ترتكز على التعددية السياسية والفكرية.
وأكد أوشيش أن "التفكير في الاستقلال اليوم يعني إسقاطه على المستقبل"، منتقدا الاعتماد على "الحلول الارتجالية والتسيير الريعي والأمني"، ودعا إلى فتح ورشة وطنية للحوار تجمع القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية حول مشروع وطني جديد.
كما طالب النخب السياسية والمجتمعية بالمساهمة الفعالة في استنهاض الأمة، في حين حمّل السلطة مسؤولية تاريخية في تقديم مبادرات سياسية شجاعة تبني الثقة وتجدد العلاقة بين الدولة والمواطن.
بدوره، عبّر حزب العمال عن قلقه من استمرار غلق الفضاء السياسي والإعلامي، ودعا إلى تهيئة مناخ سياسي ملائم، من خلال إجراءات تهدئة فورية تشمل الإفراج عن المعتقلين السياسيين ووقف الملاحقات المرتبطة بحرية الرأي، والنشاط النقابي ،والسياسي والصحافي.
كما دعا الحزب إلى فتح نقاش وطني حر وشامل، يمكّن الجزائريين من التعبير عن تطلعاتهم في بناء مؤسسات شرعية تمثل إرادتهم الحرة.
وأكد الحزب أن "التمثيل السياسي الحقيقي للشعب لا يزال مؤجلاً"، بعد أكثر من ستة عقود من الاستقلال، محذرا من تزايد الإحباط في أوساط الشباب، وما يرافقه من مظاهر خطيرة كالهجرة غير الشرعية والمخدرات والانطواء، ما لم تُعتمد سياسات واضحة توفر أفقًا اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا حقيقيا.
أما حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، فقدم عبر رئيسه عثمان معزوز، خطابا نقديا، اعتبر فيه أن وعود الاستقلال لم تتحقق للأجيال الجديدة، وأن "نظام الحكم القائم على الإقصاء والريع والفساد خذل الشباب الجزائري".
وانتقد ما أسماه ب"مواصلة القمع ومصادرة الكلمة الحرة"، قائلا إن الشباب وجد نفسه "محروما من المستقبل، محروما من الكلمة"، وتابع أن معركته الحقيقية هي "من أجل استرجاع السيادة الشعبية".
وشدد معزوز على أن النضال من أجل تحرير طاقات المجتمع ومنح الشباب مكانة مركزية في إعادة بناء الدولة هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمة، داعيا إلى ضمان فضاءات الحرية والمؤسسات الشرعية، ووضع حد لما وصفه ب"احتكار الحكم من طرف فئة نصبت نفسها فوق الشعب".