قال سياسيون مغاربة، ضمن رصدهم لتحولات الحقل الحزبي في المغرب، إن المشهد السياسي الوطني بات موسوما بنموذج الحزب الواحد؛ فقد بات الغرض الجامع لكافة الأحزاب هو المشاركة في الحكومة والتلاؤم مع برنامج الدولة القار، مُقرّين بأن الدولة "لا تترك مجالات كبيرة للأحزاب، ويعد التدبير بالجهات والجماعات خير دليل". وأوضح محمد الساسي، الأستاذ الجامعي والقيادي البارز في فيدرالية اليسار الديمقراطي، خلال ندوة وطنية حول "تحولات الحقل الحزبي المغربي" من تنظيم كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط، أنه بعدما ظلّ التمييز في المشهد الحزبي بالمغرب بين مجموعتين، "إدارية" و"وطنية"؛ "نتجه اليوم إلى نمط الحزب الواحد التدبيري، حيث سقط الجدار الفاصل بين المجموعتين". وتابع الساسي، بحضور سياسيين قياديين بأحزاب مغربية من مختلف المشارب، شارحا: "كلتا المجموعتين تلتقيان، اليوم، في غرض المشاركة الحكومية، حيث إن الكل مستعد للتنازل عن مطالب استراتيجية مقابل البقاء في الحكومة". وفي هذا الصدد، أشار السياسي البارز، في تلميح إلى حزب العدالة والتنمية، إلى "مثال التطبيع". وأضاف المتحدث عينه أن "كل حزب أصبحت غايته أن يلائم برنامجه مع برنامج الدولة القار"، كما "تحوّل خطاب الأحزاب من الوطنية والإيديولوجية إلى البراغماتية، ومن حماية الملكية إلى حماية أوراشها (الملكية)". ورصد الساسي، ضمن تحولات الحقل الحزبي المغربي، أيضا، "التحول نحو جعل الأحزاب القرب من النظام مدخلا لاستخلاص مصادر القوة"، و"ظهور نمط جديد من القيادات الشعبوية؛ من القائد الوطني.. إلى القائد الشعبوي، وإن كان هذا الأمر يتخذ طابعا عالميا". هوامش ضيقة قال محمد أوجار، وزير العدل الأسبق وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، إنه "من الطبيعي أن يشهد الحقل الحزبي المغربي تحولات، خصوصا في ظل تجاهل شعبي كبير يتمثل في العزوف السياسي والانتخابي، وتصاعد هيمنة الرقمنة والوسائط الاجتماعية والتغير في منظومة القيم حيث يجري تغييب الفردانية والذاتية". وأضاف أوجار، في مداخلته خلال الندوة، أن حزبه "تساءل عن كيفية التأقلم مع هذه التحولات، فمضى إلى عقد أكبر جلسات استماع عمومية في المغرب؛ لقاءات في القرى والمداشر والمدن والجهات"، ثم إلى "المسارات الجهوية (مسار الإنجازات"، وكذلك "إبرام عقود النجاعة مع الممثلين اللامركزيين (بشأن عدد الانخراطات)". وقال القيادي في حزب "الحمامة" إنه "يجرى الخروج من هذه التراكمات بأفكار؛ ولكن التحدي يتمثل في كيفية نقلها إلى واقع ملموس، حيث نتحدث عن أولويات التشغيل وإصلاح التعليم والصحة"، قبل أن يعتبر أن "الدولة لا تترك مجالات كبيرة للأحزاب"؛ فمثلا "بعد المفاوضات في التشكيل الحكومي، يجد الوزير نفسه بعد اختياره (من طرف حزبه) عاجزا لأنه يجد بيروقراطية إدارية تحركها الدولة العميقة". وفي هذا الصدد، أكد وزير العدل الأسبق أن "الفساد موجود بالفعل، ويلزم زج كل مفسد في السجن"، مستدركا بأنه "لا يمكن رمي كل شرور الدولة على المنتخب؛ من يحاسب العمال والولاة وكبار الإدارات المدبّرة للمال العام؟". وشدد المتدخل في الندوة سالفة الذكر على أن القرار الأممي رقم 2797 بشأن الصحراء "منعطف تاريخي" "يفرض تعديلا للدستور ونُخبا جديدة قادرة على مراقبة هذا التحول. يجب أن نسائل أنفسنا كقادة أحزاب عن كيفية تدبير هذا الوضع الجديد"، وعاد مرة أخرى للتأكيد على أن "الجهات والجماعات مثلا سلطاتها محدودة، ويُدبرها فعلا الولاة والعمال وباقي رجال الإدارة الترابية". أوزان انتخابية من جانبه، قال إدريس السنتيسي، عضو المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية، إن "الرغبة في إصلاح الحقل السياسي موجودة لدى جميع الأحزاب؛ ولكن الوساطة السياسية المفروض أن تلعبها هذه الهيئات السياسية غير قائمة". ولفت السنيتسي، في مداخلته خلال الندوة الوطنية التي نظمتها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالعاصمة الرباط حول "تحولات الحقل الحزبي المغربي"، إلى "أننا نتحدث، اليوم، عن استمرار استشراء أشكال متنوعة من الفساد داخل العملية السياسية والانتخابية". وأضاف رئيس فريق الحركة الشعبية بمجلس النواب أن "التمويل المقدّم للأحزاب السياسية غير كافٍ؛ ما يطرح إشكالية على صعيد تفعيل الدور الحقيقي للحزب في تأطير المواطنين، وتوفير شبكات للقرب لاستقبال الشباب الراغبين في الانخراط". واعتبر القيادي في حزب "السنبلة" أن "الأوزان الحالية في المشهد الحزبي الوطني هي أوزان انتخابية، حيث تغيب مساهمة الأحزاب بمذكرات ودراسات"، لافتا إلى أنه "يتم البحث، خلال منح التزكيات، فقط عن من يستطيع جلب الأصوات"، مسجلا أن "هذا الواقع أثر سلبا على جودة النخب داخل البرلمان المغربي".