لم يكن دعم الرئيس الجنوب إفريقي السابق جاكوب زوما، لسيادة المغرب على صحرائه ودعم مبادرة الحكم الذاتي كحل لإنهاء للنزاع الإقليمي، حدثا دبلوماسيا عابرا في مسار إقرار الحق المغربي التاريخي والشرعي في السيادة على كامل ترابه، بل يرسم تحولا جذريا وجوهريا يضرب عمق أطروحة الانفصال التي تروج لها الجزائر لصالح البوليساريو عبر استغلال دعم "الحلفاء التقليديين" على غرار جنوب افريقيا.
جاكوب زوما الذي حل بالرباط والتقى وزير الخارجية ناصر بوريطة، جاء مرتديا قبعة الرئيس السابق لبريتوريا ويرأس حاليا حزب uMkhonto we Sizwe (MK)، ثالث قوة سياسية في البلاد بعد انتخابات ماي 2024، زيارة تأتي على خلفية الموقف الرسمي للحزب الجديد بدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، ويعترف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
من هو جاكوب زوما؟
سبق جاكوب زوما أن تولى رئاسة جنوب إفريقيا بين 2009 و2018، ويعد أبرز الأسماء التي شاركت في الحركة النضالية ضد نظام الفصل العنصري.
وتولى بعدها رئاسة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) ويتمتع بنفوذ واسع في الأوساط السياسية والشعبية، وبعد مغادرته الرئاسة، أسس حزبا جديدا سرعان ما فرض نفسه كقوة برلمانية وازنة في الانتخابات الأخيرة.
لا تخفي جنوب إفريقيا دعمها الصريح والعلني لجبهة البوليساريو، حيث ساهمت على مدار سنوات في دعم الطرح الانفصالي والدفاع عنه داخل الاتحاد الإفريقي والمحافل الأممية. وينبع هذا الموقف من اعتبارات إيديولوجية وتاريخية ربطت بين النضال ضد "الأبارتايد" ودعم الحركات الانفصالية.
دعم زوما..إعلان ميلاد جديد!
ويرى خبراء أن دعم جاكوب زوما لسيادة المغرب على الصحراء يأتي في سياق تحولات سياسية في جنوب إفريقيا بعد انتخابات تشريعية فقد فيها حزب المؤتمر الوطني الحاكم أغلبيته للمرة الأولى منذ نهاية نظام الفصل العنصري.
هذا التغيير فسح المجال أمام صعود قوى جديدة للمشهد السياسي وحمل مواقف وأفكار مغايرة لما دأب عليه الساسة في جنوب إفريقيا ما قد يرسم تحولا في السياسة الخارجية للبلاد وتعاطيها مع ملفات إقليمية ودولية بمنظار آخر.
ويرجع تاريخ العلاقات مع الرباط إلى ستينيات القرن الماضي حين زار الزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا، المغرب عام 1962، والتقى بالوزير المكلف بالشؤون الإفريقية آنذاك، عبد الكريم الخطيب، وطلب منه دعمه بالمال والسلاح وتدريب جنود الجناح المسلح لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي في كفاحه ضد نظام الفصل العنصري (الأبارتيد) وهو ما استجاب له المغرب.
لهذه الأسباب، شعر مانديلا، بعد الإفراج عنه في 1990، أنه من الضروري زيارة المغرب من أجل شكر المغاربة، وفي أعقاب ذلك تقررت إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.
لكن منذ عام 2000، شهدت العلاقات بين البلدين برودا لافتا وذلك راجع لموقف بريتوريا إزاء قضية الصحراء، هذا الموقف ترجم الاختلاف بشأنه بين صقور وحمائم حزب "المؤتمر الوطني الإفريقي" الحاكم بجنوب إفريقيا، والذي حسم التزام حكومة بريتوريا بالتمسك بموقفها الأيديولوجي الثوري القاضي بالاعتراف ب"الجمهورية الصحراوية".
في 2018، خصّ وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المغربي ناصر بوريطة، نظيرته الجنوب الإفريقية ناليدي باندور، التي زارت الرباط لحضور مؤتمر إفريقي لأول مرة منذ استئناف العلاقات بين البلدين، باستقبال خاص، وذهبت عدد من التحليلات إلى أن الخطوة مهمة في طريق إيجاد حل لنزاع الصحراء موضع الخلاف الرئيسي بين البلدين.
وفي يناير 2021، استقبل بوريطة، سفير جنوب إفريقيا الجديد في الرباط، إبراهيم إدريس.
وأتى تعيين السفير بعد مرور عام ونصف على التحاق السفير المغربي، يوسف العمراني، بمقر عمله في بريتوريا، في حين ظلت سفارة جنوب إفريقيا بالمغرب تحت إدارة دبلوماسي برتبة قائم بالأعمال.
وكانت الرباطوبريتوريا قد اتفقتا خلال لقاء الملك محمد السادس، ورئيس جنوب إفريقيا السابق جاكوب زوما، بأبيدجان الإيفوارية في نونبر 2017، على هامش قمة الاتحاد الإفريقي-الاتحاد الأوروبي، على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي عبر تعيين سفيرين من مستوى عال في كل من عاصمتي البلدين.
وعينت الرباط شخصية بارزة هي يوسف العمراني، الذي كان مكلفا بمهمة في القصر الملكي، وقبلها كان وزيرا منتدبا في وزارة الخارجية ووكيلا للوزارة، وسفيرا في عدة دول بأميركا اللاتينية، وعينت بريتوريا إبراهيم إدريس، الذي كان قنصلا عاما لبلاده في جدة السعودية، ونائب رئيس دائرة البروتوكول في وزارة الخارجية الجنوب إفريقية.