قالت دراسة حديثة صادرة عن المعهد المغربي لتحليل السياسات، إن "السلطات المغربية تركز على العائدات الجيوسياسية للتطبيع، في حين تتغاضى عن كلفته السياسية والاجتماعية، خاصّة في ظل تنامي الغضب الشعبي من الجرائم الإسرائيلية في غزة". وأوضحت الدراسة التي أعدها عزالدين العزماني الباحث المغربي المقيم بالولايات المتحدةالأمريكية، أن المغرب قدّم قرار التطبيع مع إسرائيل باعتباره "خطوة سيادية تهدف أساسا إلى تعزيز الاعتراف الدولي بسيادتها على الصحراء، إلى جانب تحقيق مكاسب إستراتيجية واقتصادية".
واعتبر العزماني، أن "هذا الرهان الجيوسياسي، أصبح يحمل في طياته كلفة سياسية واجتماعية عالية، بسبب تزايد مظاهر الرفض لمسار التطبيع، لا سيّما بعد 7 أكتوبر 2023، وما تبعه من تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة".
ونبه العزماني، إلى أن "السلطات المغربية وجدت نفسها أمام معادلة دقيقة، تقتضي الإمساك بخطوط متنافرة حد التّناقض: الحفاظ على مسار التطبيع بما يحمله من رهانات جيوسياسية، وفي الوقت نفسه احتواء المزاج الشعبي الرافض له".
وأضاف أن الدولة المغربية، تتبنى منذ 7 أكتوبر، سياسة مزدوجة تحاول من خلالها "إمساك العصا من الوسط" عبر السماح للرأي العام بالتعبير عن تضامنه مع غزة وفي الوقت نفسه الحفاظ على مسار التطبيع.
ويرى العزماني، أن من أهم تداعيات سياسة التطبيع، تحوله إلى "عامل مُربك داخل المشهد السياسي العام، حيث بات يُنتج توترات بين الفاعلين المدنيين والحزبيين، ويُفرز خطابا إقصائيا يُقوّض إمكانات النقاش العمومي".
وأشار إلى تبلور نخب سياسية وإعلامية أصبحت تعبر بشكل واضح عن دعمها لإسرائيل، وتقدم التطبيع باعتباره سياسة لا غنى عنها لتحقيق المصالح الإستراتيجية للمغرب، مضيفا أن "هذه النخبة ساهمت في خلق خطاب جديد يروج بأنّ استقرار المغرب ونموه وتحقيق وحدته الترابية لا يمكن إنجازه إلا من خلال التطبيع مع إسرائيل كخيار استراتيجي".
وأردف أن هذا الخطاب ساهم في "خلق تقابل حدّي بين التّضامن مع غزة وفلسطين وبين الاهتمام بالشأن الوطني" حيث "يُقدَّم الالتزام بالقضايا الدّاخليّة بوصفه تعبيرا عن الالتزام بالهوية الوطنية بينما يُنظر إلى الانشغال بقضايا الدول الأخرى على أنه إخلال بهذا الالتزام"، يقول العزماني.
ويرتبط هذا الخطاب، حسب العزماني، "بشكل وثيق بمفهوم الوطنية، إذ تُختزل الوطنية في الاصطفاف خلف خيارات الدولة، بصرف النظر عن الاعتبارات الأخلاقية والسياسية، مما يُنتج بيئة عدائية تجاه الأصوات المنتقدة، ويُجرّم الفاعلين الرافضين للتطبيع بوصفهم "غير وطنيين" أو "عملاء لأجندات خارجية"".
ونبه العزماني، إلى أن "السياسة الإنتظارية في تدبير الآثار السياسية والاجتماعية لقرار التّطبيع، تساهم في تعميق الفجوة بين الرهانات الجيوسياسية للدولة والمزاج الشعبي الرافض لهذا المسار، والتي تضع صانع القرار أمام معادلة حساسة تتقاطع فيها الاعتبارات الأمنية والاجتماعية".
وأكد العزماني، أن "تجاهل سؤال الكُلفة السياسية والاجتماعية للتطبيع، يُنتج حالة من اللاحسم في لحظات تستدعي وضوحا في المواقف، ويعزز الانطباع بوجود حالة من اللايقين بخصوص استقلالية الدّولة في قرارها السّيادي، كما يحد من قدرة الفاعلين المحليين على بلورة مواقف مستقلة".
ودعا العزماني، النخب السياسية والحزبية في المغرب إلى "التفاعل الجاد مع هذا التحول من خلال الانخراط في تحليل نقدي معمق لكلفة التطبيع، ليس من منطلق أخلاقي فحسب، ولكن أيضا عبر تحليل عقلاني لأثره على الشرعية الداخلية ومسارات التحول الديمقراطي، ويُقيّم التكلفة السياسية والرمزية للتطبيع، ويفتح أفقًا لحوار مسؤول بين الدولة والمجتمع".