بلا مواربة نمط الاقتراع: لعبة المصالح أم رهان الديمقراطية؟ عبد الإله حمدوشي نشر في 19 أغسطس 2025 الساعة 2 و 37 دقيقة ما الذي يفسر انقلاب بعض الأحزاب على مواقفها التاريخية بخصوص نمط الاقتراع لتخرج قبيل كل انتخابات مطالبة بمراجعة هذا النمط، والدعوة إلى اعتماد نمط آخر؟ عبد الإله حمدوشي [email protected]
مع اقتراب كل استحقاقات انتخابية بالمغرب، يطفو على السطح نقاش يبدأ محتشما ويختبئ في عباءة التلميحات الصادرة عن بعض السياسيين، والمتعلق بمراجعة نمط الاقتراع، حيث يخفي هذا النقاش وراءه خوفا غير معلن لبعض الأطراف السياسية، من الفشل في استعادة مكانتها فوق الخارطة السياسية، وهو ما يعكس صراعا وتدافعا يهدف إلى تعديل قواعد اللعبة بما يخدم مصالح بعض القوى على حساب إرادة الناخبين، وإلا فما الذي يفسر انقلاب بعض الأحزاب على مواقفها التاريخية بخصوص نمط الاقتراع لتخرج قبيل كل انتخابات مطالبة بمراجعة هذا النمط، والدعوة إلى اعتماد نمط آخر؟
للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من العودة قليلا إلى الوراء، لنرى كيف أنه مع اقتراب كل استحقاق انتخابي يخرج بعض ممثلي الأحزاب ضعيفة الهيكلة والمتراجعة شعبيا، للمطالبة بتعديل النظام الانتخابي بما يضمن لهم الوصول إلى المؤسسات المنتخبة، عبر تخفيض العتبة الانتخابية لتتناسب مع حجمهم الانتخابي المحدود. وقد تكرر هذا المطلب سنة 2016، حين طالبت بعض الأحزاب ذات التأثير الجماهيري الضعيف بإلغاء العتبة نهائيا في الجماعات، قبل أن يتم التوافق على تخفيضها من 6 إلى 3 في المائة، في خطوة هدفت إلى احتواء الانقسام السياسي الذي صاحب قضية العتبة آنذاك. وقد انقسمت المواقف حينها بين أحزاب أصرت على إبقاء العتبة مرتفعة لضمان تماسك المشهد السياسي وعقلنته، وأخرى تمسكت بتقليصها أو إلغائها بحجة أنها تشكل عقبة أمام تمثيل أوسع للأطياف السياسية داخل البرلمان.
مطلب الإلغاء استجاب له المشرع خلال انتخابات 2021 ضدا على منطق التوافق السياسي الذي يؤطر عملية تعديل القوانين الانتخابية المغربية، حيث حذفت العتبة الانتخابية وتم توزيع المقاعد اعتمادا على القاسم الانتخابي المحسوب على أساس عدد المقيدين في اللوائح الانتخابية، وليس عدد الأصوات الصحيحة. فكانت النتيجة معضلة جديدة أطلق عليها "فائض المقاعد" في جماعات تعتمد نظام الاقتراع باللائحة من قبيل جماعات وجدة وتطوان والفقيه بنصالح، وهي وضعية غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات المغربية، حيث بقيت عدد من المقاعد "فائضة" من دون أن يتم توزيعها على أي حزب من الأحزاب المتبارية بسبب استهلاك رصيد الأصوات الموجودة عند لوائح جميع الأحزاب المشاركة.
ولحلحلة المشكل المستجد، عمدت وزارة الداخلية إلى تنظيم انتخابات تكميلية وجزئية يوم 2 دجنبر 2021 في محاولة لملء 22 مقعدا تابعا ل 22 جماعة من بينها جماعات نظمت فيها الانتخابات وفق نمط الاقتراع اللائحي بالإضافة إلى مقاعد تتعلق بنمط الاقتراع الفردي في جماعات أخرى.
وبالرجوع إلى موضوع نمط الاقتراع، نجد أنه وعلى الرغم من أن لكل نمط اقتراع عيوبه، إذ ليس هناك نمط جيد بالكامل، وآخر رديء بالكامل، إلا أن سلبيات نمط الاقتراع باللائحة، هي على كل حال، أقل من عيوب الاقتراع الأحادي الإسمي، الذي ثبت فشله في بلادنا بشكل جلي، والدعوة إلى إعادة اعتماده تعتبر ضربا من العبث، وتكريسا لبلقنة المشهد السياسي، بحيث ستصبح التمثيلية فردانية غير مؤسساتية، في دوائر انتخابية يستأثر بالفوز فيها الأعيان اعتمادا على نفوذهم المالي، وولاءاتهم القبلية، بدل المشاريع السياسية، وهو ما سيؤدي حتما إلى بروز نقاش سياسي عقيم، لا ينبني على برامج وتصورات سياسية واضحة.
وهو ما بدا جليا من خلال النتائج التي أفرزتها الانتخابات الجماعية لسنة 2021، التي تم خلالها توسيع مساحة الاقتراع الفردي، خصوصا في الجماعات الصغيرة والمتوسطة، بالاستناد على معيار الكثافة السكانية في تحديد نمط الاقتراع، حيث تحولت هذه الأخيرة من 35 ألف نسمة قبل 2021 إلى 50 ألفا خلال آخر استحقاقات انتخابية، وهو ما أدى إلى توسيع مساحة الاقتراع الفردي، وإضافة حوالي 40 جماعة جديدة تنتخب بالاقتراع الفردي، ليصل مجموع الجماعات التي تعتمد هذا النمط إلى1487 جماعة، مقابل 16 جماعة فقط تنتخب مجالسها بالاقتراع اللائحي النسبي.
إن اعتماد نمط الاقتراع باللائحة وبالتمثيل النسبي، من شأنه أن يقلل من إمكانية تحوير الأصوات الانتخابية لفائدة بعض المرشحين، وأن يقلص من تأثير المال على أصوات الناخبين بشكل كبير، إضافة إلى كونه يعكس إلى حد ما إرادة الناخبين بشكل أكثر دقة وأمانة، ويضمن تمثيلية أفضل في المؤسسات المنتخبة، بما في ذلك تأمين التمثيلية السياسية للنساء، كما أنه يرجح التنافس بين البرامج والهيئات السياسية على حساب التنافس بين الأشخاص، ويساعد على إفراز الكفاءات والنخب القادرة على توسيع النقاش السياسي العمومي.
وبعيدا عن سرد إيجابيات وسلبيات كل نمط، لنكن أكثر وضوحا، إن إثارة موضوع تعديل نمط الاقتراع والقوانين الانتخابية ككل، مرتبط أساسا الجواب عن السؤال الكبير الواجب طرحه على الأحزاب السياسية والإدارة، هو: ما الذي نريد أن نحققه لصالح المغرب خلال قادم الاستحقاقات الانتخابية؟ هل نريد انتخابات تفرز لنا أغلبية منسجمة، وأقلية معارضة، تُخرج من صناديقها نخبا جديدة، ذات مصداقية؟ أم نريد فقط إعادة رسم نفس السيناريوهات التي تتم من خلالها سرقة إرادة المواطنين ووضعها في جيب أحزاب الإدارة؟
بين هذا وذاك، يجب الاعتراف بأن تأثير القوانين الانتخابية يبقى رهينا بوجود أحزاب سياسية حقيقية، تمتلك القدرة على اتخاذ قراراتها والتواصل الدائم مع المواطنين خارج آجال الحملات الانتخابية، فضلا عن وجود سلطة متصالحة مع الديمقراطية وداعمة لإرادة الارتقاء بممارستها.