يوم بيوم أغراس أغراس: من سيصدق مرة أخرى؟ نور الدين مفتاح نشر في 25 سبتمبر 2025 الساعة 16 و 30 دقيقة لا يمكن أن نلوم السيد رئيس الحكومة على تفضله بمخاطبة المغاربة عبر برنامج تلفزيوني حواري الأسبوع المنصرم. فالتواصل في السياسة ليس مطلوبا فقط، ولكنه واجب على مدبر الشأن العام، إلا أن كل تواصل ناجح لابد أن يحترم ذكاء المتلقي، أي أن يحترم السيد عزيز أخنوش ذكاء المغاربة. للأسف، هذا لم يحصل لأسباب واضحة، […] نور الدين مفتاح [email protected]
لا يمكن أن نلوم السيد رئيس الحكومة على تفضله بمخاطبة المغاربة عبر برنامج تلفزيوني حواري الأسبوع المنصرم. فالتواصل في السياسة ليس مطلوبا فقط، ولكنه واجب على مدبر الشأن العام، إلا أن كل تواصل ناجح لابد أن يحترم ذكاء المتلقي، أي أن يحترم السيد عزيز أخنوش ذكاء المغاربة.
للأسف، هذا لم يحصل لأسباب واضحة، أولها أن السيد الرئيس اختار حوارا مسجلا، وهذا ينم عن عدم الثقة في النفس، وثانيا أنه اختار أن يكون محاوراه مداهنين بأسئلة باردة تضع له الكرة أمام الشباك الفارغ، ورغم ذلك ضيع الكثير من الأهداف، وثالثا لم يكلف رئيس الحكومة نفسه عناء التدرب على الكلام بلغة وسيطة بين الفصيح والعامي، وبقي على حاله يرطن بعرنسية لا تسعف في شد انتباه المتلقي ولا في تبليغ الرسائل بدون تشويش.
في أربع سنوات، تعلم بعض الوزراء الذين كانوا «مفرنسين» مائة بالمائة الحديث بعربية مقبولة، بل كان يمكن لمسؤول صيني في أربع سنوات أن يتعلم الحديث بالمغربية، ولكن السيد الرئيس لديه فكرة خاطئة كررها مرارا وهي التي عمقت فشله التواصلي الذريع، ومفادها أن المغاربة صوتوا عليه كما هو ولا يمكن أن يغير أي شيء!
الذي تغيّر في النهاية هو رأي المغاربة. الناس يصوتون، ثم يمتحنون، فيزكون أو يعاقبون، وبغض النظر عن رأي النخبة في الحصيلة، فرأي عامة الناس السلبي واضح لا غبار عليه. ومنذ السنة الأولى لهذه الحكومة، خرجت الجموع تطالب بإسقاطها، واستمر هذا السخط الشعبي إلى حدود هذا الخروج التلفزيوني.
لقد تبين أن السيد عزيز أخنوش يرتدي بدلة مسؤولية أكبر منه، ولهذا قام بأخطاء سياسية جسيمة، ولو كنا في بلد غير بلدنا الذي يتدرب على الديموقراطية، لغادر السيد الرئيس إلى مكتبه بشركة «أكوا» المحاذي لمقر القناة الثانية.
لقد ظل أخنوش رهينا لهاجس حزب واحد هو «العدالة والتنمية» ورهينا لشخص واحد هو عبد الإله ابن كيران. واعْتَقَدَ أن التموقع في مربع محاربة الإسلام السياسي هو عين الصواب، وإلصاق كل مشاكل المغاربة بالعشرية الإسلاموية هو الحل. والواقع أن أخنوش الذي يجر أكبر أغلبية حكومية من ثلاثة أحزاب في تاريخ المغرب، سقط في فخ الهوس بحزب ليس له حتى فريق برلماني، وظهر من توالي المباريات في الملفات وعلى المستوى السياسي، أن مجموعة نيابية من 13 نفراً تفوقت في الغالب الأعم على أغلبية متغولة، وأن وصم ابن كيران بالشعبوية والحلايقية لدحره لم يؤت أكله، وبالتالي كان أكبر معين للعدالة والتنمية على الخروج من الإنعاش الذي دخله عقب انتخابات 2021 هو أخنوش نفسه.
كان حظ أخنوش هو أنه جاء مع سقوط حكومة الإسلاميين التي كانت ثمرتها قد نضجت، ولكن كان يجب أن يطوي الصفحة ويذهب للبحث عن الإنجاز بدل أن يبقى رهينة تموقع خاطئ، وهو أنه الجدار الواقي من عودة ابن كيران. الإسلاميون تغيروا، والجانب الإيديولوجي توارى، وفي الوقت الذي انكبت كوكبة ممن تبقى من أطرهم على الملفات، ظل أخنوش ومن يسير في ركبه يعولون على نجاعة أسطوانة التطرف الديني وخطر التغلغل في مفاصل الدولة، وهذا بدا وكأنه حصانة لرئيس الحكومة وهو ما جعله يسقط في أخطاء قاتلة.
لقد هون السيد أخنوش من ثقل الملف الذي دخل به للحكومة حين لاحقته شبهة الأرباح غير الأخلاقية في أثمنة المحروقات بسبب التواطؤ على رفع الأثمنة وهو الفاعل رقم واحد في المجال من خلال شركة «إفريقيا». كانت التقديرات تشير إلى 40 مليار درهم حسب جمعية إنقاذ مصفاة «لاسامير»، وقد ترسَّم هذا الأمر عندما حكم مجلس المنافسة ضد رئيس الحكومة ومن معه ورتب على ذلك غرامة اعتبرها الخبراء هزيلة، إلا أن المهم هو أن الرئيس أصبح مدانا!
غير أن هذا لم يحرك فيه أي شيء، بل ظلت الأسعار في محطات البنزين مهولة وقاربت أحيانا 20 درهما، ورئيس الحكومة يتفرج على الغلاء الفاحش ويرده إلى الحرب الروسية على أوكرانيا وهو يربح الملايير.
وكان الناس في حوار رئيس الحكومة مع القناتين الرسميتين الأولى والثانية ينتظرون ما سيقوله حول ملف آخر يتعلق بتضارب المصالح، وهو المتعلق بصفقة تحلية مياه البحر بالدارالبيضاء، ولكنه للأسف جنح إلى عكس ما كان منتظرا، وجعل الصفقة بمثابة إنقاذ لنا في الدارالبيضاء والرباط من العطش. وعاد مرة أخرى للعدالة والتنمية يلومه على عدم قيامه في الحكومة التي كان يترأسها بإنجاز مثل هذه المحطة.
والواقع أن مشكل الماء في العاصمتين كان ورشا ملكيا، ولم يطرح مشروع محطة التحلية إلا في نهاية حكومة العثماني، وأخنوش كان سوبر وزير حينها، وكان على علم بأن الدولة خصصت للموضوع 110 مليار درهم، ومن حينها هيأ نفسه للمشروع، ودخل مجال التحلية وهو ليس اختصاصه، وكوّن تجمعا مع شركات أجنبية وتقدم لهذه الصفقة وهو رئيس للشركة في نفس الوقت الذي هو رئيس للحكومة وللمكتب الوطني للماء الصالح للشرب وللجنة الاستثمار وللجنة الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وقدم عرضا هو الأقل سعرا وهو يعرف أنه سيطلب الدعم وأن الضريبة على الشركات ستنخفض من 35 إلى 20 بالمائة.
ونفس الشيء حصل مع صفقة تزويد المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بالفيول والتي فازت بها شركته «أفريقيا» بقيمة تصل إلى 244 مليار! وعموما، حتى وإن كان كل شيء قانونيا، فإن الأمر من الناحية السياسية مرفوض ومن الناحية الأخلاقية ممجوج. أخنوش وسع عليه الله ويلعب فيما يقارب الملياري دولار وكان الإنجاز الأول الذي يجب أن يقوم به هو فصل السياسة عن الثروة، وهو شيء لم يحصل، بل إن رئيس الحكومة مقتنع به، وسائر في طريقه إلى آخر رمق.
وقد تكرر نفس الشيء بالفعل في تدبير ملفات عجيبة، منها إعفاء استيراد الماشية من الضريبة على القيمة المضافة ومن الرسوم الجمركية، بل تم دعم المستوردين وتبين أن المستفيدين كانوا في جلهم من حزب رئيس الحكومة، وأن ما ربحوه يقارب 13 مليار درهم، والرقم لعضو في الأغلبية، وفي النهاية ظلت أثمنة اللحوم في السماء، بل إن الدولة اضطرت لإلغاء شعيرة الذبح في عيد الأضحى.
نفس الشيء وقع في استيراد العسل الذي تقرر تخفيض 40٪ من رسوم استيراده، وتبين أن المستفيد الوحيد سيكون عضوا بحزب رئيس الحكومة، وهو ما أثار ضجة تم التخلي عقبها عن هذه الهدية المقززة.
كانت قيادة السيد عزيز أخنوش بكل هذه الفضائح قد فقدت القوة الأخلاقية للإصلاح، وأصبحت الأغلبية الأوتوماتيكية طريقا سيارا لتمرير قوانين هواياتية وأحيانا غير دستورية بدل أن تكون طريقا لبناء أو تدعيم مشروع مجتمعي أو على الأقل تصور للمجتمع قريب مما تم التبشير به في البرنامج الانتخابي.
كل قانون كان يجر وراءه ضجة، في التعليم، في الطب، في الصيدلة، في التعليم العالي، في المحاماة، في الصحافة… بل إن البروفايلات التي اختارها الرئيس لما سمي بحكومة الكفاءات كانت إما من شركاته أو قريبة من عالمه، لدرجة أن حتى المتابعين المحترفين يجهلون العديد من أسماء وزراء لا أثر لهم ولا تأثير.
لنلاحظ أننا أردنا التفاعل مع لقاء تلفزيوني لرئيس الحكومة فإذا بالتيار يجرّنا إلى أصل الداء. لقد خرجت الحكومة مفتقدة للركائز السياسية الصلبة، وأما الملفات، فمن العيب أن يكرر رئيس الحكومة مائة مرة أن المغاربة «فرحانين» حتى قال إن ضحايا زلزال الحوز فرحانين!! وذكرني هذا بزمن النشرة الجهوية في تلفزة دار البريهي عندما كانوا يبدعون في تقارير «العام زين»، وفي أحد الربورتاجات، سأل الصحافي ضحية حريق في كريان فأجابه: «محروقين وفرحانين!».
لم يكن السيد أخنوش مقنعا في قضية «المؤشر» الخاص بالدعم الاجتماعي ولا في إقصاء 8 ملايين مغربي من التغطية الصحية، ولا في التعليم الذي اختصره في «الماطيريال»، ولا في الصحة التي استحوذ عليها القطاع الخاص ولا في التشغيل الذي اخترع له أرقاما لا توجد في أي سجل إلا عنده. وفوق كل هذا كان اللقاء رتيبا جدّا، والأغلبية حسب الأصداء لم تستطع أن تكمله، ومن استطاع ذلك خرج منهكا يعض الأصابع على حظ المغاربة التعيس مع حكومات لا تشبههم، وهذه الأخيرة ربما هي أسوأها على الإطلاق. من يذكر «أغراس أغراس»؟ من سيصدق مرة أخرى؟