يشهد المشهد السياسي المغربي في الآونة الأخيرة تصاعدا لافتا في حدة الخطاب سواء بين الأغلبية والمعارضة أو بين الفاعلين المنتمين لنفس التيارات والأحزاب أحيانا، حيث تحولت بعض الخرجات الإعلامية والمواعيد السياسية إلى فضاءات للتلاسن وتبادل الاتهامات وصلت أحيانا إلى مستوى السب والقذف، في مشهد أثار نقاشا واسعا حول أسباب انحدار لغة الخطاب السياسي وتداعياته على صورة العمل الحزبي لدى الرأي العام.
وفي هذا السياق، اعتبر يوسف الوكيلي، أستاذ التعليم العالي والباحث في العلوم السياسية، أن ما يجري اليوم يمثل "تحولا نوعيا في بنية الممارسة السياسية بالمغرب"، إذ باتت لغة الخطاب تميل، بحسبه، إلى "اللا أخلاقي والاستعراضي"، بدل أن تستند إلى قيم المسؤولية وتقديم بدائل واقعية.
وأوضح الوكيلي في حديث ل"الأيام24" أن عددا من الفاعلين السياسيين أصبحوا يركزون على صناعة الإثارة ولفت الانتباه عبر منطق "البوز" المرتبط بوسائل الإعلام الجديدة، أكثر من تركيزهم على النقاش المؤسساتي الجاد. وهو ما يترجم، في نظره، خضوع الخطاب السياسي لما يسميه منظرو الإعلام ب"منطق الوسيط الإعلامي"، الذي يفرض الإيجاز والصدمة والمشهدية على حساب العمق والبرهنة العقلانية. وأضاف المتحدث أن هذا التحول يضعف جوهر العملية الديمقراطية كما تقوم على التداول العقلاني في الفضاء العمومي، وفق ما تؤكد عليه نظرية "الديمقراطية التداولية" ليورغن هابرماس، مبرزا أن غياب هذا النمط من النقاش في السياق المغربي فتح المجال أمام خطابات شعبوية وعاطفية وسطحية.
وختم الوكيلي تصريحه بالتأكيد على أن الأزمة الحالية ليست مجرد أزمة خطاب، وإنما أزمة بنيوية في الممارسة الديمقراطية، حيث جرى استبدال الحوار البرهاني بالاستعراض الإعلامي، مما يؤدي إلى تسطيح الوعي السياسي وتقويض الثقة في المؤسسات والعملية السياسية برمتها.