بعد طول غياب واختفاء عن الأنظار في أوج تنامي الاحتجاجات الشبابية المطالبة بإصلاح التعليم والصحة، خرج وزير التربية الوطنية في لقاء صحفي متأخر جدا ليخاطب الرأي العام حول القضايا المرتبطة بالتربية والتعليم. المثير للانتباه هو أن الوزير برادة في كل تصريحاته، يظهر ضعفه الجلي في فهم بعض الملفات المتعلقة بالشغيلة التعليمية، وكمثال على ذلك ما يتعلق بتقليص ساعات العمل. بداية نشير إلى أن هذا المطلب يعد من بين الملفات المطلبية العالقة لحد الآن، والتي عرفت تماطلا وتسويفا واضحين بمبرر انتظار صدور تقرير اللجنة الدائمة لتجديد البرامج والمناهج الذي طال انتظاره لما يقارب ثلاث سنوات، في محاولة واضحة لتمطيط الملف وتهريبه للحكومة المقبلة. عموما تعود قضية ساعات العمل بالابتدائي والثانوي والتأهيلي إلى ثمانينيات القرن الماضي بعد أن تم رفع ساعات العمل من 24 ساعة أسبوعيا إلى 30 ساعة بالنسبة لسلك الابتدائي، في إطار ما سمي بالساعات التضامنية المؤقتة، لمواجهة تداعيات التقويم الهيكلي، حيث سيمكن هذا الاجراء من تقليص مناصب التوظيف، وموازنة كتلة الأجور. وقد انخرط الأساتذة في هذا الأمر على حساب وقتهم وراحتهم بشكل سلس، قبل أن تتحول هذه الساعات إلى ساعات رسمية إجبارية، علما أن ساعات التدريس (21 ساعة ثانوي/ 24 ساعة إعدادي/ 30 ساعة ابتدائي) لا تستند لأي نص قانوني، حيث نص النظام الأساسي لسنة 2003 على صدور قرار ينظم ساعات العمل الأسبوعية لكنه ظل في غياهب النسيان، كما أن النظام الأساسي الحالي لسنة 2024 نص على نفس المقتضى دون صدور هذا القرار لحد الآن، بمعنى أن اشتغال هيئة التدريس الآن يعد خارج القانون. الغريب في تصريح الوزير برادة أنه تحدث عن إمكانية رفع ساعات العمل عوض تقليصها، في تنقاض واضح مع المطلب الأساسي بهذا الخصوص، وانسجاما مع اتفاق 26 دجنبر 2023 الذي نص على تخفيف البرامج والمناهج الدراسية وأثرها على تخفيف الزمن الدراسي والايقاعات الزمنية. وعلى هذا الأساس لا يمكم أن نفهم من تصريح الوزير برادة سوى أمرين أساسين إما جهله العميق بطبيعة مطالب الشغيلة التعليمية، والاتفاقات السابقة الموقعة، وسياقات المناقشات والمفاوضات بين النقابات والوزارة، وإما فإنه يحاول صب الزيت على النار بمعاكسة أحد أبرز مطالب رجال ونساء التعليم. كما أن تصريح الوزير التقنوقراطي غلب عليه طابع رجل الأعمال وأبرز بوضوح ضعف التأطير السياسي للوزير الذي يسير الوزارة كما يسير شركات الحلويات التي يملكها، دون مراعاة التداعيات السياسية والاجتماعية التي قد تسببها تصريحاته المستفزة.