في خطوة دبلوماسية لافتة تحمل دلالات سياسية واضحة، حط وفد أمريكي رفيع الرحال بمدينة الداخلة قبل أيام في زيارة غير مسبوقة، أثارت اهتمام المراقبين لما تنطوي عليه من رسائل تتجاوز الطابع البروتوكولي، فالتحرك الأمريكي يأتي في لحظة حساسة تسبق تصويت مجلس الأمن حول الصحراء، ويبدو أنه يندرج ضمن إستراتيجية واشنطن لتكريس حضورها الميداني في الإقليم وتعزيز دعمها للموقف المغربي. وبحسب ما كشفه موقع "أفريكا إنتليجنس" الفرنسي المتخصص في الشؤون الإفريقية، فإن الوفد يضم دبلوماسيين من السفارة الأمريكيةبالرباط والقنصلية العامة بالدار البيضاء، وقد حل بالمدينة هذا الأسبوع بهدف تقييم الأوضاع الميدانية وتنظيم لقاءات مع السلطات المحلية، تمهيدا لافتتاح قنصلية أمريكية دائمة في الداخلة.
الموقع أوضح أن هذه الزيارة تأتي ترجمة لما أعلنه مسعد بولس، المستشار الخاص للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لشؤون إفريقيا، منتصف أكتوبر الجاري، حول "البدء في الخطوات العملية لفتح القنصلية".
ورغم الإغلاق الجزئي الذي تعرفه الحكومة الأمريكية منذ مطلع الشهر وما رافقه من شلل إداري في أنشطة البعثات الدبلوماسية، تمكنت وزارة الخارجية من الحصول على ترخيص استثنائي لتنفيذ الزيارة، في إشارة إلى الأهمية الرمزية والسياسية التي توليها واشنطن لهذا التحرك.
الوفد الأمريكي عقد خلال زيارته سلسلة لقاءات مع والي جهة الداخلة – وادي الذهب، علي خليل، ورئيس الجهة ينجا الخطاط، ومدير المركز الجهوي للاستثمار بالنيابة أحمد كثير، لبحث الترتيبات المرتبطة بتحديد موقع القنصلية المحتملة.
وبحسب المصدر ذاته، فإن الخطوة تأتي استجابة لطلب مغربي رسمي تقدمت به الرباط منذ سنة 2020 في إطار اتفاقات أبراهام، التي أعادت بموجبها علاقاتها مع إسرائيل برعاية أمريكية، مقابل اعتراف إدارة ترامب آنذاك بسيادة المغرب على الصحراء.
ووفقا لتقرير "أفريكا إنتليجنس"، تستعد واشنطن لإعلان نيتها الرسمية فتح القنصلية في الداخلة خلال شهر نونبر المقبل، باعتبارها خطوة من شأنها طمأنة المستثمرين الأمريكيين والدوليين حول استقرار الإقليم وأمن الاستثمارات فيه.
كما أشار التقرير إلى أن وكالة الأمن القومي الأمريكية كانت قد منحت الضوء الأخضر للشركات الأمريكية للعمل في الصحراء بعد تقييمها للمخاطر الأمنية، في حين تبقى عملية إنشاء بعثة دبلوماسية دائمة رهينة بترتيبات مالية ولوجستية معقدة.
وبحسب الموقع الفرنسي، سترفع نتائج هذه الزيارة إلى وزارة الخارجية الأمريكية التي يرأسها السيناتور ماركو روبيو، قصد تحديد الاحتياجات البشرية والمالية للمشروع، قبل عرضه على الكونغرس للمصادقة على الميزانية، ثم على السلطات المغربية للموافقة على المقترحات والأسماء المرشحة لشغل المهام الدبلوماسية. وفي مرحلة لاحقة، ستتولى مصلحة المباني الدبلوماسية الخارجية (OBO) الإشراف على بناء المقر الجديد ونشر البعثة بعد الحصول على الاعتماد الرسمي من الرباط.