عندما انتشر مقطع فيديو السنة الماضية يُظهر جنودا إسرائيليين يغتصبون أسيرا فلسطينيا كان الغضب في إسرائيل فوريا، لكنه لم يكن بسبب الجريمة نفسها، بل كان الغضب موجها نحو تسريب الفيديو. قبل أيام استقالت يفات تومريروشالمي المدعية العسكرية بعد تأكيد تورطها في تسريب لقطات من كاميرات المراقبة داخل معسكر الاحتجاز السيء السمعة سد تيمان خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
في هذه اللقطات، شوهد جنود إسرائيليون مسلحون حتى الأسنان وهم يمسكون بأسير فلسطيني مغطى العينين، ثم يحيطون به بدروع مكافحة الشغب لإخفاء عملية اغتصاب جماعي له.
وقد أصيب الرجل الفلسطيني، وفق بعض التقارير التي أفادت بأنه أُعيد لاحقا إلى غزة، بجروح في فتحة الشرج، وتمزق في الأمعاء، وأضرار في الرئة، وكسور في الأضلاع. بعد ظهور التسريب، وجدت تومريروشالمي، التي قضت حياتها المهنية كلها في الدفاع عن الجيش الإسرائيلي، نفسها مطاردة من قبل سياسيين يمينيين.
وقد انتقد وزير المالية الإسرائيلي بيزاليل سموتريتش المحامية، قائلا إنها "تصرفت ضد جنودنا" و"تواطأت في تسريبات تحمل اتهامات معادية للسامية".
وفي الوقت نفسه، عقد الجنود المتورطون في الاغتصاب مؤتمرا صحفيا مطالبين بتعويض عن "الضرر من نشر صورهم".
في بلد يفاخر باستمرار بسيادة القانون، كان من المفترض أن تثير هذه الحادثة صدمة أخلاقية، لكنها بدلا من ذلك كشفت عن مدى تجذر تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وعن مدى تطبيع العنف الجنسي والتعذيب داخل مرافق الاحتجاز الإسرائيلية.
خارج المحكمة العليا، تفاخر الجنود الأربعة الذين اغتصبوا الفلسطيني بحرية تحركهم حتى اليوم. وكانوا يرتدون أقنعة لتجنب الملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية، وأعلنوا: "سننتصر. حاولتم تحطيمنا، لكنكم نسيتم شيئا واحدا: نحن وحدة قوة 100٪". لم يشعروا بالخجل. بل أصبحوا أكثر جرأة.
والرسالة كانت واضحة… في إسرائيل، حتى الاغتصاب يمكن إعادة صياغته ليكون عملا بطوليا عندما تكون الضحية فلسطينية. وفي الوقت نفسه، تماسك قادة الدولة حول الجناة.
رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إدانة الاعتداء، واعتبر التسريب "ربما أعنف هجوم دعائي تعرضت له دولة إسرائيل منذ تأسيسها"، وكان اهتمامه بصورة إسرائيل، وليس بالرجل الذي تعرض للوحشية على الشاشة.
هذا الانقلاب الأخلاقي ليس فشلا معزولا. فقد وثق تقرير حديث صادر عن مجموعة حقوق الإنسان الإسرائيلية بتسيلم بعنوان "مرحبا بكم في الجحيم" الانتهاكات المنهجية ضد الأسرى الفلسطينيين منذ إطلاق إسرائيل حربها على القطاع.
وصف خمسة وخمسون سجينا سابقا التعذيب بالضرب، والحرمان من النوم، والعنف الجنسي. واستذكر فادي باكر، البالغ من العمر 25 سنة، كيف أحرقه الجنود بالسجائر وربطوا أعضائه التناسلية بأشياء ثقيلة. ثم تُرك عاريا في زنزانة شديدة البرودة لمدة يومين، مع تشغيل الموسيقى بصوت عال. ترسم هذه الشهادات صورة لنظام احتجاز يُدار بالإفلات من العقاب، في حين أفادت الأممالمتحدة بمقتل ما لا يقل عن 53 فلسطينيا أثناء الاعتقال منذ بداية الحرب.
حتى عندما تظهر الأدلة، كما حدث السنة الماضية في سجن سدي تيمان حيث أُلقي القبض على جنود بتهم سوء المعاملة، يهرع السياسيون للدفاع عن المتهمين.
اقتحم أعضاء الكنيست من اليمين المتطرف قواعد عسكرية، وهددوا المدعين، واتهموا الجهاز القانوني للجيش ب"خيانة الأمة".
وتدفقت وسائل التواصل الاجتماعي بالدعوات ل "حرق" و"رجم" المسؤولين الذين يحققون مع الجنود.
منذ بدء إسرائيل هجومها على غزة، أصبح الاعتداء الجنسي والتعذيب بحق الفلسطينيين شائعا في الأراضي المحتلة، كما وثقت ذلك الأممالمتحدة ومنظمات حقوق الإنسان مرارا.
في إسرائيل، أثار تسريب الفيديو صدمة أكبر لدى الإسرائيليين من الجريمة نفسها. وكشف ذلك أن إسرائيل فقدت قدرتها على الغضب الأخلاقي عندما يكون الضحايا فلسطينيين.