Xهنيبعل القذافي بعد الإفراج عنه مع فريق دفاعه في بيروت. أُفرِج يوم الاثنين عن هنيبعل القذافي بعد عشر سنوات من سجنه في لبنان، في خطوة أنهت احتجازه لكنّها لم تُنهِ مسار قضيته. وجاء الإفراج بكفالة خُفِّضت من 11 مليون دولار إلى نحو 900 ألف دولار، مع رفع منع السفر عنه، على أن يغادر لبنان خلال فترة قصيرة إلى وجهة لم تُحدَّد بعد، وسط معلومات عن استعداد أربع دول لاستقباله، من بينها تركيا وجنوب أفريقيا ومصر وسلطنة عُمان. وقد حضرت زوجته وبناته فقط لحظة خروجه من شعبة المعلومات، في ظل القيود والعقوبات التي تعيق سفر بقية أفراد العائلة الموزعة في عدد من الدول. * إطلاق سراح هنيبعل نجل القذافي بعد اختطافه لساعات في لبنان * سويسرا حولت مليون ونصف مليون فرنك سويسري الى حساب نجل القذافي الحرية بعد عقد من السجن Getty Imagesاخلاء سبيل هنيبعل القذافي بعد عقد من توقيفه في لبنان. القضية تعود إلى اتهامه ب"امتلاك معلومات" تتصل بملف اختفاء الإمام موسى الصدر، وهي تهمة لا تتجاوز عقوبتها في القانون اللبناني ثلاث سنوات، بينما أمضى القذافي عقداً كاملاً في السجن، ما دفع فريق الدفاع القانوني إلى وصف ما حدث بأنه "احتجاز تعسّفي" يستوجب ردّ اعتبار وفتح تحقيق في ظروف نقله وتوقيفه منذ لحظة وصوله إلى لبنان. وتقول منسقة فريق الدفاع، المحامية إيناس حراق، إن الإفراج يمثّل خطوة مهمة، لكنه ليس نهاية الملف، مؤكدة أن الفريق سيواصل العمل لإثبات براءة هنيبعل القذافي ومحاسبة الجهات التي تسببت باحتجازه طوال هذه السنوات. كما أوضحت حراق أن الدفاع اتفق مع الدولة اللبنانية على عدم مقاضاة الحكومة الحالية، باعتبار أن الحكومة الحالية هي التي أفرجت عنه، بينما تعود المسؤولية عن توقيفه وإبقائه محتجزاً إلى حكومات سابقة. وكان المحقق العدلي في قضية خطف وإخفاء الإمام موسى الصدر قد قرر إخلاء سبيل هنيبعل القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، مقابل كفالة مالية بلغت 11 مليون دولار، مع منعه من السفر منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر الفائت. وقال محامي القذافي شربل الخوري في حديث مع بي بي سي في تشرين الأول / أكتوبر، إن فريق الدفاع سيرفع طلباً لإلغاء الكفالة التي وصفها بأنها شرط تعجيزي ومستحيل التنفيذ. ويأتي القرار بعد نحو عشر سنوات من توقيف هنيبعل، الابن الرابع للقذافي (1942–2011) الذي قتل إثر انتفاضة شعبية عام 2011. وكان هنيبعل قد اعتقل في لبنان عام 2015 ولم يخضع لأي محاكمة فعلية أو تحقيق لسنوات طويلة، وهو موقوف بتهمة إخفاء معلومات عن اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه في ليبيا عام 1978، رغم أنه كان في الثالثة من عمره آنذاك. وقد طالبت منظمات حقوقية عدة في السنوات الماضية بإطلاق سراحه فوراً، معتبرةً أن استمرار احتجازه يحمل أبعاداً سياسية. Getty Imagesنجل معمر القذافي عاش في عُمان قبل اختطافه وانتقاله إلى بيروت. وصدر القرار بعد جلسة استجواب مطولة في بيروت منتصف شهر تشرين الأول الفائت، وهي الأولى من نوعها منذ عام 2017. عقدت الجلسة أمام المحقق العدلي القاضي زاهر حمادة في قصر العدل، بحضور فريق الدفاع عن القذافي ومن بينهم المحامي الفرنسي لوران بايون واللبناني شربل خوري، ووكلاء الادعاء عن عائلات الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدرالدين، ومن بينهم رئيس المحامين الدوليين أنطوان عقل. كما حضر الجلسة ابن وابنة محمد يعقوب. نفى القذافي خلال الجلسة امتلاكه أي معلومات تتعلق بمصير الصدر أو رفيقيه، مؤكداً أنه لم يكن سوى في الثالثة من عمره عند وقوع الحادثة. وبعد مداولات مطولة قرر القاضي إخلاء سبيله مع منعه من مغادرة لبنان، على أن يبقى خاضعاً للتحقيق القضائي حتى البت النهائي في القضية. ورغم أن عائلة الصحافي عباس بدرالدين وافقت على طلب الإفراج، إلا أنها أبقت على ادعائها ضد القذافي، بينما لم تصدر مواقف علنية مماثلة من عائلتي الصدر ويعقوب. وقال فريق الدفاع عن هنيبعل القذافي إن موكلهم لا يملك المبلغ المحدد للكفالة والبالغ 11 مليون دولار، وأن أمواله لا تزال خاضعة للعقوبات الدولية منذ عام 2012، بخلاف بعض أشقائه الذين تمكنوا لاحقاً من رفع العقوبات. واعتبر الفريق أن هذا الشرط المالي يجعل تطبيق قرار الإفراج غير واقعي، ودعا إلى مراجعة القرار القضائي بما يتناسب مع الوضعين القانوني والإنساني لموكله. كيف علقت عائلة الصدر؟ من جانبها، أصدرت عائلة الإمام موسى الصدر بياناً عقب قرار القاضي زاهر حمادة بإخلاء سبيل هنيبعل القذافي، أكدت فيه رفضها الإفراج عنه، مشيرة إلى أن "موقفها لم يتغيّر لأن الموقوف ما زال يمتنع، منذ توقيفه عام 2015، عن الإدلاء بأي معلومات قد تُسهم في كشف مصير الإمام ورفيقيه". وأوضحت العائلة أن توقيف القذافي أو الإفراج عنه ليس هو الهدف، بل إن جوهر القضية "يبقى في الوصول إلى الحقيقة وتحرير المغيّبين". وأبدت العائلة استغرابها من توقيت القرار في ظلّ غياب أي "تطور جوهري في التحقيقات، معتبرة أن كل تأخير في كشف الحقيقة يصبّ في مصلحة الخصوم لا في مصلحة القضية"، مؤكدة "أنها لم تتدخل سابقاً في قرارات المحقق العدلي ولن تتدخل اليوم"، بحسب البيان. سجال قضائي وسياسي هذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها ملف هنيبعل القذافي تفاعلاً قضائياً وسياسياً في لبنان، ففي عام 2019، وجّه وزير العدل اللبناني آنذاك سليم جريصاتي كتاباً إلى رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد، طالب فيه بالتحقق من ظروف توقيف هنيبعل القذافي والتأكد من خلوّه من أي مخالفات قانونية. استند جريصاتي في كتابه إلى مراسلات من اللجنة الدولية لحقوق الإنسان في جنيف، من بينها رسالة بتاريخ 18 أيار/مايو 2018 من نائب رئيس الفريق العامل المعني بالاعتقالات التعسفية والمقرر الخاص المعني بالتعذيب. أحال الوزير المراسلات إلى هيئة التفتيش القضائي لمراجعة الملف، مؤكداً ضرورة متابعة التحقيق وفق الأصول القانونية وضمان حقوق الموقوف. بعد نشر الكتاب، أصدر النائب علي بزي، عضو المكتب السياسي في حركة أمل، بياناً رد فيه على الوزير، منتقداً الخطوة ومشككاً بوجود أي مراسلات جديدة من جنيف. وتزامن ذلك مع استمرار مطالبة الدولة الليبية وسوريا باستعادة هنيبعل القذافي، ومع اتصالات دولية لمتابعة ظروف توقيفه من قبل اللجنة الدولية لحقوق الإنسان. خلفيات التوقيف الطويل Getty Imagesعائلة معمر القذافي، من اليمين إلى اليسار: ابنته عائشة، ولداه محمد وهنيبعل، وزوجته صفية. هنيبعل القذافي، المولود عام 1975، هو الابن الرابع لمعمر القذافي من زوجته صفية فركاش. بعد سقوط نظام والده عام 2011، لجأ إلى الجزائر ثم إلى سلطنة عمان حيث عاش تحت الإقامة الجبرية مع والدته وشقيقته عائشة. في ديسمبر/كانون الأول 2015، دخل إلى لبنان بظروف غامضة، ليختطف لاحقاً في منطقة بعلبك من قبل مجموعة مسلحة. وبعد ساعات، سلّم الخاطفون القذافي إلى قوى الأمن الداخلي، حيث جرى توقيفه للتحقيق في قضية الإمام موسى الصدر. منذ ذلك الحين، بقي القذافي موقوفاً في سجن رومية المركزي، من دون صدور حكم نهائي بحقه. واعتبر فريق دفاعه أن احتجازه لمدة تقارب عشر سنوات من دون محاكمة فعلية يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون اللبناني والمعاهدات الدولية. وفي السنوات الأخيرة، رفع فريق الدفاع شكوى أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف، معتبراً أن توقيفه "تعسفي وغير قانوني". كما أكد محاموه أن حالته الصحية تدهورت خلال فترة سجنه. قضية مفتوحة Getty Imagesموسى الصدر، زعيم شيعي لبناني ما زال مصيره مجهولاً منذ أكثر من أربعة عقود قضية اختفاء الإمام موسى الصدر لا تزال من أكثر الملفات حساسية في لبنان والعالم العربي. فالصدر، الذي وُلد في مدينة قم الإيرانية لعائلة لبنانية من الجنوب، كان قد برز في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كزعيم ديني وسياسي للطائفة الشيعية، ودعا إلى المساواة الاجتماعية والعدالة ورفض الطائفية. أسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ثم أطلق عام 1974 "حركة المحرومين" التي أصبحت لاحقاً نواة حركة أمل، برئاسة نبيه بري. في 25 أغسطس/آب 1978، سافر الصدر إلى ليبيا بدعوة رسمية من معمر القذافي سعياً للتوسط بين الفصائل اللبنانية المتنازعة أثناء الحرب الأهلية، لكن بعد ستة أيام، اختفى أثره ورفيقيه بعد لقائهم مسؤولين ليبيين. السلطات الليبية زعمت أنه غادر إلى روما، لكن التحقيقات الإيطالية نفت ذلك، لتتحول القضية إلى لغز سياسي وإنساني دام أكثر من أربعة عقود. بعد سقوط نظام القذافي عام 2011، ظهرت معلومات متضاربة حول مصير الصدر. إذ قال صحافي لبناني إنه شاهد جثة يعتقد أنها تعود له في مشرحة سرّية في طرابلس الليبية، والتقط صورة لها. لاحقاً، استعانت شبكة بي بي سي بجامعة برادفورد البريطانية لتحليل الصورة عبر خوارزمية متقدمة للتعرف على الوجوه، وأظهرت النتائج احتمالاً مرتفعاً أن تكون الجثة للصدر، لكن السلطات اللبنانية لم تؤكد أو تنفِ هذه المعلومات. القرار القضائي اللبناني أثار ردود فعل متباينة. فبينما اعتبر فريق الدفاع أنه انتصار للعدالة بعد سنوات من الاحتجاز غير المبرر، رأى آخرون أن الخطوة تحمل أبعاداً سياسية، وربما تمهّد لإغلاق ملف القضية تدريجياً. أما في ليبيا، فلم تصدر السلطات أي بيان رسمي تعليقاً على التطورات الأخيرة، في وقت تشهد البلاد انقساماً بين حكومتين متنافستين في الشرق والغرب، ما يجعل التعاون القضائي مع لبنان محدوداً. ورغم تشكيل لجان تحقيق مشتركة بين بيروتوطرابلس منذ عام 2012، لم يسجّل أي تقدم فعلي في تحديد مصير الإمام ورفيقيه. * إصدار أمر اعتقال بحق هنيبعل القذافي في لبنان * جثة شوهدت في مشرحة سرّية يمكن أن تحل لغز اختفاء موسى الصدر * ما سر تمزيق علم ليبيا في لبنان؟