ناقش مركز ابن رشد للدراسات الجيوسياسية وتحليل السياسات قرار مجلس الأمن رقم 2797 ومستقبل الصحراء المغربية، وذلك بمناسبة الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء من خلال ندوة وطنية، تم إهدائها إلى روح الراحل الأستاذ عبد المالك الوزاني، وفاء لذاكرة الطيبة. وشهدت هذه التظاهرة العلمية، المنظمة عن بعد يوم 17 نونبر 2025 على الساعة السابعة مساء، مشاركة ثلة من الدكاترة والباحثين المتخصصين في القانون العام والعلوم السياسية.
وافتُتحت أشغال الندوة بكلمة ألقاها الدكتور محمد نشطاوي، رئيس المركز وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض، حيث استحضر بكثير من التأثر رحيل الأستاذ عبد المالك الوزاني، مشيدا بمساره العلمي الرصين وإسهاماته الفكرية التي أثرت في حقل العلوم السياسية وما تركه من بصمة في نفوس زملائه و طلبته.
واستهل الدكتور محمد نشطاوي الندوة بقراءة تحليلية للقرار الأممي رقم 97 27 ، مسلطا الضوء على التحديات الداخلية المرتبطة بتنزيل الحكم الذاتي باعتباره الإطار الواقعي والعملي لتسوية النزاع المفتعل.
وأكد نشطاوي، أن القرار الأممي الجديد يرسّخ المنظور المغربي القائم على اعتبار الحكم الذاتي حلًّا سياسيا نهائيا، مشددا على أن المرحلة الراهنة لم تعد مرحلة الدفاع عن المقترح، بل مرحلة تجسيده عبر سياسات عمومية فعالة ومؤسسات ترابية قادرة على مواكبة التحولات التنموية.
وأبرز المتحدث ذاته، أن تفعيل هذا النموذج يتطلب مقاربة مندمجة تشمل السلطات المحلية والفاعلين المؤسساتيين والجهويين، بما يعزز المصداقية الدولية للمبادرة المغربية، ويعكس التزام المغرب بالتسوية السلمية وفق المعايير الدولية.
وقد كان هذا النقاش مؤطرا من طرف رئيس الجلسة، الدكتور عبد الواحد أوامن، الذي أبان عن قدرة عالية في توجيه الحوار وضبط إيقاع المداخلات. وفي إطار تحليل العوامل المساهمة في مسار إنهاء نزاع الصحراء، تناول الدكتور عبد الصمد فاضل في مداخلته التحولات الجيوسياسية الدولية والضغوط الأمريكية الهادفة إلى دفع هذا النزاع نحو التسوية، وذلك في سياق إعادة ترتيب واشنطن لأولوياتها الإستراتيجية بما يخدم هدف احتواء الصعود الصيني.
وأوضح أن استمرار التوتر المغربي–الجزائري يشكل عائقًا بنيويًا أمام بناء منظومة أمن إقليمي فعّالة في منطقة الساحل، الأمر الذي يجعل تسوية نزاع الصحراء خيارا استراتيجيا للولايات المتحدة. ويرتبط هذا التوجه، وفق تحليله، برغبة واشنطن في تجنّب استنزاف مواردها وتوجيه جهودها نحو ملفاتها الجيوسياسية الكبرى.
وفي الاتجاه نفسه، عرضت الدكتورة نورة الصالحي تحليلا للتحول في المقاربة الأمريكية لملف الصحراء، من سياسة إدارة النزاع إلى دعم حلّ الحكم الذاتي كما تقترحه الرباط.
وبيّنت الصالحي، أن هذا التحول أسهم في إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية وتغيير تموضعات الفاعلين في شمال إفريقيا والساحل. كما تناولت تفاعل الجزائر وموريتانيا والدول الخليجية مع هذا التحول وفق اعتبارات أمنية وجيوسياسية متباينة.
وفي المقابل، أوضحت الباحثة رشيدة الشانع، أن التحدي المركزي لم يعد يتمثل في الدفاع عن القضية داخل المحافل الدولية، بل في الانتقال إلى مرحلة البناء والتنزيل العملي على الأرض. فالمعركة لم تعد دبلوماسية بالأساس كما في السابق، وإنما تحولت إلى معركة تنزيل الحكم الذاتي وضمان نجاحه.
في حين قدم الباحث في القانون العام والعلوم السياسية ياسين غلمان، مداخلة حول القرار الأممي 2797، مؤكدا أهميته في ترسيخ المقاربة الواقعية للحل السياسي لقضية الصحراء المغربية وتعزيز مبادرة الحكم الذاتي كصيغة عملية قابلة للتنفيذ.
وأبرز أن القرار يشجع التفاوض المسؤول ويعكس اعترافا متناميا بالدور المركزي للمغرب في تدبير الملف. كما اعتبر أن مضامينه تسهم في دعم الاستقرار الإقليمي ومواكبة الدينامية التنموية والمؤسساتية بالأقاليم الجنوبية.
بينما أبرزت الباحثة ليلى المروني أن الدبلوماسية المغربية المتعددة الأبعاد تنطلق من رؤية ملكية استراتيجية تقوم على توحيد جهود الفاعلين المؤسساتيين والاقتصاديين لتعزيز موقع المغرب داخل النظام الدولي. واعتبرت أن مقترح الحكم الذاتي يجسّد هذا التوجه من خلال تقديم حل عملي يرتكز على التنمية والاندماج بدل منطق النزاع التقليدي. كما أكدت أن هذا النهج المتكامل عزز المصداقية المغربية داخل الأممالمتحدة، وهو ما انعكس على مضامين القرار الأممي الأخير بما يتوافق مع المبادرة المغربية.
وفي السياق نفسه، شددت مداخلة الباحث حميد اعناية على الشرعية التاريخية والرمزية لإمارة المؤمنين في حماية سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، من خلال إبراز دور الزيارات الملكية وروابط البيعة والقرابة مع القبائل الصحراوية. واعتبر أن القرار الأممي 2797 يشكل تتويجًا للجهود الدبلوماسية الملكية التي رسّخت الموقف المغربي داخل المنتظم الدولي. كما أكد أن المؤسسة الملكية تظل الضامن المحوري والحصن المتين لترسيخ السيادة المغربية وتفعيل مبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية.
بينما سلطت الباحثة هاجر الصبيحي الضوء على البعد الاجتماعي داخل مشروع الحكم الذاتي، معتبرة أن تفعيل ورش الحماية الاجتماعية في الأقاليم الجنوبية يُعد امتدادا عمليا لمقاربة التنمية التي تناولتها المداخلات السابقة. وأكدت أن نجاح هذا الورش يشكل اختبارا حاسما لقدرات الحكامة الترابية وإثباتًا للسيادة الوظيفية للمغرب عبر ضمان الحقوق الدستورية للمواطنين. كما أبرزت أن التحدي الرئيس يتمثل في تحقيق استدامة مالية للورش من خلال ربط تمويله بالمشاريع الاقتصادية الكبرى وتحويل الدعم إلى استثمار منتج.
وفي ختام الندوة نوه الدكتور محمد نشطاوي رئيس المركز بالمداخلات و المساهمات القيمة للدكاترة والباحثين التي تناولت موضوع الندوة بحس وطني وعلمي.