سامسونغ تُفاجئ العالم بهاتف ثلاثي الطي .. والسعر يصدم الجميع!    المغرب يحطم أرقامه السياحية    بيليغريني: أمرابط لم يعد إلى التداريب    زنقة الفارابي بطنجة تتحول لفوضى.. عاملات "سبا" يعتدين على شرطي ويهرّبن مشتبهاً فيه وسط غضب السكان!    تفكيك مخزنيين لإعداد وشحن المخدرات بمنطقة بني مكادة    مراكش تحتفي براوية .. ليلة تكريم لمسار فني استثنائي    مجلس جماعة الدار البيضاء يصادق في دورة إستثنائية على إحداث شركة المنشآت الرياضية    لفتيت: روح المسؤولية الجماعية تسم التحضير للاستحقاقات التشريعية المقبلة    المركز الاستشفائي الجامعي بأكادير ينال إشادة الصين كنموذج للنهضة الصحية المغربية    كأس العرب.. منتخب السعودية يهزم عُمان في مباراة مثيرة    الرباط…موظف شرطة يضع حد ا لحياته بواسطة سلاحه الوظيفي.    كأس العرب (قطر 2025).. المنتخب المصري يتعادل مع نظيره الكويتي (1-1)    السكتيوي: الفوز مستحق رغم الظروف الصعبة... والبداية الإيجابية تمنحنا دفعة قوية    لتعزيز التكوين الدبلوماسي..توقيع اتفاقية تعاون بين المغرب والنيجر    مراكش تعزز أمنها الحضري بافتتاح قاعة حديثة لمراقبة المدينة العتيقة    مهرجان مراكش الدولي للفيلم : « أصوات محطمة» رؤية تشيكية للاستغلال الجنسي السلطة السيئة    وصول السفير الأمريكي الجديد ريتشارد بوكان إلى الرباط    التوقيع على اتفاقية انضمام مجلس النواب إلى البوابة الوطنية للحق في الحصول على المعلومات    بوتين: روسيا مستعدة للحرب مع أوروبا    المغرب يشارك بعرضين في المنافسة الرسمية لمهرجان المسرح العربي في القاهرة    المعارضة الاتحادية تتّهم الحكومة بخدمة لوبيات التأمين: "مشروع حوادث السير تشريع على المقاس"    المنتخب المغربي الرديف يهزم جزر القمر بثلاثية في مستهل مشواره بكأس العرب    أزمور/ افتتاح الدورة الثالثة من المهرجان الدولي للفن والتراث "أزمآرت"    الفنان والمنشد محمد أنس الكوهن مقدم الطريقة العيساوية يصدر فيديو كليب جديد    تخفيض 50% في تعريفة النقل السككي للأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    تكثيف الحضور الأمني بعمالة المضيق–الفنيدق لمواجهة شائعات الهجرة السرية    كأس العرب.. المنتخب المغربي يفتتح مشواره في البطولة بالفوز على جزر القمر (3-1)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    نشرة إنذارية .. تساقطات ثلجية وهبات رياح قوية غدا الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    شهد شاهد من أهلها.. منظمات إسرائيلية تكشف أبشع عام قتل وتهجير للفلسطينيين منذ 1967    انطلاق التسجيل في اللوائح الانتخابية للغرف المهنية لسنة 2026    فنانون مغاربة: المهرجان الدولي للفيلم منصة لا غنى عنها للإبداع السينمائي    توظيف مالي مهم من فائض الخزينة    تشكيلة السكتيوي أمام جزر القمر    خط بحري جديد يربط ميناء أكادير بلندن وأنتويرب لتصدير المنتجات الفلاحية الطازجة    الملك محمد السادس يهنئ الشيخ محمد بن زايد بمناسبة العيد الوطني للإمارات    مشروع كلّف 900 مليون… غضب الحرفيين يوقف توزيع معدات في سوس ماسة لعدم مطابقتها لدفتر التحملات    مشروع مالية 2026 يتخطى العقبة الأولى بمجلس المستشارين بعد المصادقة على جزئه الأول    قاموس أكسفورد يعلن عن كلمة العام 2025    فنزويلا.. ترامب يجتمع بمستشاريه ومادورو يحشد أنصاره ويقسم "بالولاء المطلق" لشعبه    الصين وباكستان في مناورات عسكرية    الذهب ينخفض مع جني المستثمرين للأرباح    قراءة نقدية لقانون مالية 2026    الرئيس الفرنسي يبدأ زيارة للصين غدا الأربعاء    كندا تلتحق ببرنامج دفاعي أوروبي    قطر وكأس العرب 2025 .. تمجيد إعلامي مبالغ فيه ومقارنات تستفز الشارع الرياضي العربي    التوزاني: فيلمي "زنقة مالقة"عودة إلى الجذور والأكثر حميمية في مساري    الحصبة تتراجع عالميا بفضل التطعيم    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    منظمة الصحة العالمية تدعو لتوفير علاج العقم بتكلفة معقولة ضمن أنظمة الصحة الوطنية    منظمة الصحة العالمية تنشر للمرة الأولى توجيهات لمكافحة العقم    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"مدينة الزهراء"..شعر وعشق وروعة حضارة غابرة

دخلت "مدينة الزهراء" مؤخرا قائمة الترتيب العالمية للمعالم الأثرية والتاريخية لليونيسكو، ألف عام بعد سطوع نجمها في سماء الثقافة الكونية.

ف"مدينة الزهراء تقدم إطلالة مهمة على حضارة الغرب الإسلامي بالأندلس، التي اندثرت الآن، في روعة عظمتها وعزتها"، حسب بيان منظمة اليونيسكو للأول من يوليوز، 2018.

مدينة الزهراء هي حقا واحدة من جواهر الأندلس التي ورتتها الإنسانية بعد ثمانية قرون من التواجد العربي الإسلامي بشبه الجزيرة الإيبيرية (من القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر)، وهو تواجد أسس لممالك وكيانات شهدت في مراحل متفرقة تعاونًا مثمرًا وتزاوجًا ناجحًا بين الثقافات الثلاث، الإسلامية، واليهودية والمسيحية.

خلال المؤتمر العالمي للدراسات حول الشرق الأوسط (إشبيلية: 16 يوليوز، 2018) ذكر أندري أزولاي الحاضرين: "بلدي المغرب، كان بإلهام وتبصر، قنطرة الوصل الذي مرت منها حضارة الأنوار إلى إسبانيا."

على بعد ثماني كيلمترات عن مدينة قرطبة، جنوب إسبانيا، توجد الزهراء، مدينة القصور، التي تم تشييدها ابتداء من العام 936 من طرف الخليفة عبد الرحمان الثالث، والتي سماها، عربون حب، على اسم زوجته، "الزهراء".

كانت عاصمة الأندلس ومقر سكن الخليفة الأموي.

الزهراء رائعة من روائع التاريخ الإسلامي بالأندلس. تم تزيين كل حجرات القصر بتحف نادرة، وتنفتح هذه الحجرات على جنان مفحمة بالعديد من الزهور والشجيرات التي تم غرسها لرائحتها الطيبة. وقاعات الاستقبال هي في حد ذاتها أعمال فنية حافظت على ذكريات ماض عريق بجماليتها وحسن صنعها.

تم تصميم المدينة بشكل يجعلك لا تحس بأنك تمر من خارج القصر إلى داخله. حين تتواجد بفضاء معين، فإن الفضاء المجاور يبقى عالقا بذهنك، أثرا لذكرى عابرة، قريبة في الزمان والمكان...مدينة سحرية بكل المقاييس.

ماء زلال يتصبب ولا ينضب من الجبال المجاورة، يمر عبر وديان ومنخفضات، بفضل تقنيات هيدروليكية متطورة.

كانت مدينة الزهراء توفر فضاء مهيبا لحفلات الخليفة وضيوفه الكبار، فردوسا حقيقيا يطل بروعة وجمال على الوادي الكبير.

يتم استقبال الصيوف في حديقة تسطع فيها الشمس؛ حرارة الحديقة يقابلها الجو اللطيف في حجرات القصر. تقدم مثلجات للحضور، تم إعدادها من ثلج يتم استقدامه من جبال سييرا نيفادا. ينساب الماء من النوافير عبر الأحواض، بينما تغني العنادل فوق الشجر... لحظة ترف فريدة...

في الزهراء، تتم إضاءة الأزقة؛ يصف شاعر اندلسي جمال الممر بين مدينة الزهراء وقرطبة، وكأنه عقد جواهر يتلألأ في سحر الظلام. يجب تخيل هذا المنظر الرائع ليلا من أعلى حصون المدينة حيث ترى سلسلة أضواء تقودك إلى قصر الخليفة. مدينة مضاءة، منيرة، حديثة في القرن العاشر...

مدينة الزهراء، فضاء منفتح، عالمي، كوسموبوليتي بقصر رائع، جميل، وبديع بكل المقاييس، مدينة هي رمز عظمة وعبقرية وشموخ الأندلس.

كانت الأندلس تعيش قمة مجدها وهو ما فتح الباب لازدهار اقتصادي مذهل.

كانت مملكة الأندلس مزدهرة تعيش أرقى فترات التسامح الديني القروسطي، كما عرفت تنامي دور المرأة وحريتها، وذروة وروعة ثقافة البلاط...

فردوس للغزل والحب وهيام العشاق والمحبين...

في بلاد الأندلس، يظل فن الشعر فريدا كوسيلة للتبادل والتواصل في أوساط النخبة عامة، وكذا بين المسلمين واليهود والمسيحيين.

أشعار على شكل نظم كورالي تقتضي عملية ذهاب وإياب بين صوت عربي كلاسيكي يقود وصوت لمسيحي يرد عليه. هذه الأشعار، على شكل مقامات غنائية، تعبر عن نوع من التبادل والتشارك الثقافي. إنها حوارات مثلى لنقاش وتفاعل الأديان والثقافات.

حياة التساكن بين المجموعات الدينية التي عاشتها الأندلس في القرن العاشر،،قبل ظهور الأصوليات وطوائف التعصب في القرون الموالية، شجع ظهور حركات الغزل العذري وشعر الغراميات الأفلاطونية بين المسلمين والمسيحيين واليهود.

لكن شعر الغزل والحب وجد أحسن تعبير له في أشعار ابن زيدون وولادة بنت المستكفي؛ هؤلاء وشعراء آخرون مسلمون وغير مسلمين جعلوا من مدينة الزهراء قبلة الشعر وفضاء الغزل والعشاق والحياة العذرية الرقيقة.

الزهراء، فضاء الأناقة والذوق الراقي والمهذب، خيمياء للثقافات وزهو السلوك والملبس والعيش، تعبير متطور عن حضارة أنوارية (قرون قبل الفكر الأنواري)، وهي الخلفية الفكرية و"الإحساسية" التي بنى عليها ابن زيدون غرامياته، وغزله، وعشقه ورغباته...

عاشق الأميرة ولادة، ابن زيدون، الشاعر الأنيق ذي الذوق المهذب والراقي، كتب أشعارا هي عبارة عن غناء شعري صادر عن شعلة نارية عميقة، رومانسية رقيقة، شغف وهوس عاطفي يسري سريان الدم في العروق.

كتب ابن زيدون أشعارا عديدة حول لقاءاته الغرامية مع بنت المستكفي في جنائن مدينة الزهراء.

في 1971، خصصت إسبانيا نصبا تذكاريا لولادة وابن زيدون سمي "نصب الحب التذكاري" في ساحة الحقل المقدس للشهداء بمدينة قرطبة. يحكى أن مكان النصب هو أول مكان عبر فيه العاشقان عن حبهما لبعضهما البعض.

"نصب الحب التذكاري" جزء من قلب قرطبة التاريخي والذي تم اعتباره جزءا من الإرث الكوني الإنساني من طرف اليونيسكو سنة 1994. من أجل تذكر هذا الحب الغابر، فيما يلي مقتطفات من أبيات الشاعرين والتي تم نحتها على رخام النصب باللغتين العربية والإسبانية.

ولادة:
أغار عليك من عيني ومني،
ومنك زمانك والمكان
ولو أني خبأتك في عيوني
إلى يوم القيامة ما كفاني.

ابن زيدون:
يا من غدوت به في الناس مشتهرا
قلبي يقاسي عليك الهم والفكر
إن غبت لم ألق إنسانا يؤانسني
وإن حضرت فكل الناس حضرا.

"مدينة الزهراء"، مدينة الزهور، تستمر في وقتنا الحاضر في إلهام أحلام ومخيال الملهمين العاشقين المعجبين بشعر الاندلس وغزلها ورقة عشق محبيها وشعرائها.

أكثر من الانتماء لمدينة أو منطقة، أن تكون أندلسيا هو حالة شعورية وفكرية، وأن تنهل من عمق روحي وأسلوب جذاب ورائع.

الأندلس، لحظة عظمى من الماضي جديرة بالتأمل في الزمن الحاضر.

*رئيس قسم إدارة الأصول بالبنك المغربي للتجارة والصناعة ورئيس الجمعية المغربية للاكتواريين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.