حناجر "الصوبران" المغربية: بين زبيدة الإدريسي وفانيسا بالوما الباز

إلى روح الفقيدة زبيدة الإدريسي
قليلة في الساحة الفنية المغربية هي الأصوات المصقولة والمهذّبة تهذيبا تكوينيا على معرفة من أصحابها بالسلاليم والمقامات وتمكّنهم تمكّنا احترافيا من مهارة تدبير مخزون النَفَس (Vocalise) في أداء ما يمكن اعتباره نظيرا، في الموسيقى المغربية المعاصرة، ل"الليد" (Lied) الألماني أو "الميلوديا" (Mélodie) الفرنسية في إطار ما يعرف في التقاليد الأوروبية ب"الموسيقى الصغرى الليلية" (Petite musique de chambre / Klein Nachtmusik). أعرف من ذلك الصنف من الأصوات أصوات أربع شاديَاتٍ تسعدني صداقتهن: سميرة القادري، فرانسواز عطلان، زبيدة الإدريسي و فانيسا بالوما (أمينة علوي، لم أحضر سوى أداء واحد لها برفقة الراحل سامي المغربي بمدينة وجدة، وليست لي بها معرفة شخصية).
الفنانة الكبيرة سميرة القادري معروفة لدى الجمهور المغربي العريض منذ زمان؛ وفراسواز عطلان قد اكتشفها هذا الجمهور لمّا شاركت بأداء ترنيمة ה' אֱלֹהֵינוּ ה' אֶחָד ("ربّنا إلاهنا، ربّنا الأحد") أمام جلالة الملك يوم استقباله للبابا فرانسوا، إلى جانب صوتي كلّ من المؤذّن السماحي الحرّاتي والشادِية الفرنسية كارولين كازادسو، بمرافقة "الجوق الفيلاموني المغربي".
أما زبيدة الإدريسي، تلك الفنانة الكتومة بطبعها، التي رحلت عنا في صمت الراحل وصمت الإعلام يوم 14 فبراير الجاري-2021، فقد ظلت في منطقة الظل خلال مشوارها الفني رغم أن فنّها من نفس الصنف، وأنها تؤدي الميلوديات والترانيم بمختلف لغات حوض المتوسط، وسبق لها أن أنتجت ألبوما مشتركا مع زميلتها فرانسواز عطلان يحمل عنوان "Chants de traverse".
أما الفنانة فانيسا بالوما الباز، فهي دائمة الحضور في كثير من المحافل الحميمية ل"موسيقى الدواخل" (Musique de chambre) في المغرب وفي غير المغرب؛ وقد تخصصت في أداء ريبيرطوار الترانيم اليهودية بمختلف الألسن واللهجات التي يستعملها اليهود المغاربة (عربية مهوّدة، عبرية، حاكيتية، اسبانية)؛ وتتميز بأنها كذلك باحثة أكاديمية (هي منذ سنتين بSOAS بجامعة لندن).
من بين ما صدر لها كتاب "The Mountain, the Desert and the Pomegranate"-2021. وآخر ما نشرته، لأربع وعشرين ساعة فقط بعد رحيل الفقيدة زبيدة الإدريسي ( !) هو البحث المطول الآتي: "الموسيقى اليهودية في شمال المغرب، وبناء محدّدات الهوية الصوتية".
"Jewish music in northern Morocco and the building of sonic identity boundaries".
Vanessa Paloma Elbaz. Feb. 18 2021