عكس برنامج حكومة أخنوش.. مندوبية التخطيط تكشف عن ارتفاع معدل البطالة في المغرب    التعبئة تضامنا مع قطاع غزة تمتد إلى جامعات جديدة حول العالم    عاجل.. إيداع مستشار وزير العدل السابق ونائب رئيس جماعة تطوان السجن بسبب فضيحة "التوظيف مقابل المال"    العرض ما قبل الأول لفيلم "الثلث الخالي" للمخرج فوزي بنسعيدي بالدار البيضاء    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة ب"كورونا"    واش السلطة منعات اجتماع مجموعة العمل المغربية للتضامن مع الشعب القبايلي؟..الفرياضي ل"كود": اللا وها علاش تأجل للسيمانا جايا بحضور قيادي فحكومة القبايل وحنا مجتمع مدني حر وكنعبرو على رأينا وفق الدستور    بوريطة تلاقى نظيره الموريتاني وهدرو على الوضع فغزة وقضايا الساحل ونزاع الصحرا    "فاو": ارتفاع أسعار الغذاء عالميا    إسبانيا تستقبل أزيد من 16 مليون سائح خلال الربع الأول من العام 2024، ما يعد رقما قياسيا    المغرب يكسب 15 مرتبة في التصنيف العالمي لوضعية الممارسة الصحافية    مسبار صيني غير مأهول ينطلق نحو الجانب البعيد من القمر    حكومة فرنسا تفرق داعمي غزة بالقوة    كوت ديفوار تكتشف أكبر منجم للذهب    العصبة دارت وقت لمؤجل بركان وتطوان فالبطولة وبرمجت ربع نهائي كاس العرش    أمين عدلي وأيوب الكعبي تختارو فأحسن تشكيلة فدومي فينال اليوروبا ليگ والكونفيرونس ليگ    الحقوقي عبد العزيز النويضي في ذمة الله    كانت جاية لفاس.. حجز كيلو ديال الغبرا فمحطة السكة الحديدية ديال أصيلة (صورة)    بدعم من هولندا.. برامج رياضية غادي تبدا فلحبسات لإعادة إدماج النزلاء بعد الإفراج عليهم    أغراف ندونيت إيخصات أغاراس.. تنظيم بحال مونديال 2030 خاصو المعقول والجدية اللي دوا عليها سيدنا    الملك محمد السادس يهنئ رئيس بولندا    ريم فكري تكشف عن معاناتها مع اغتيال زوجها والخلاف مع والديه    اليوم العالمي لموسيقى الجاز… طنجة تتألق بحفل تاريخي عالمي    ملاحظة الانتخابات امتداد طبيعي للرصد المنتظم لحقوق الإنسان    منتخب إفريقي يفرض على الجزائر خوض تصفيات مونديال 2026 بالمغرب    المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    بعدما أوهموهم بفرص عمل.. احتجاز شباب مغاربة في تايلاند ومطالب بتدخل عاجل لإنقاذهم    بنموسى: إصلاح المنظومة التربوية الوطنية ورش استراتيجي يتطلب انخراط جميع الفاعلين    بعد إلغاء موريتانيا الزيادة في رسومها الجمركية.. أسعار الخضر والفواكه مرشحة للارتفاع    المضيق تحتضن الدورة الثالثة لترياثلون تامودا باي بمشاركة مختلف الجنسيات    سعر الذهب يواصل الانخفاض للأسبوع الثاني على التوالي    الوزير آيت الطالب يعطي انطلاقة خدمات 14 مركزا للرعاية الصحية الأولية بجهة فاس مكناس (صور)    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    جدول مواعيد مباريات المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    تركيا توقف التبادل التجاري مع إسرائيل بسبب "المأساة الإنسانية" في غزة    حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الاسلامي يعلن ترشح رئيسه للانتخابات الرئاسية في موريتانيا    مراسلون بلا حدود عن 2024.. ضغوط سياسية على الاعلام والشرق الأوسط "الأخطر"    بركة يعلن عن خارطة طريق للبنيات التحتية استعدادًا لكأس العالم 2030    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    المكتب المركزي للأبحاث القضائية يعلن تفكيك خلية إرهابية من 5 عناصر    عدلي يشيد بتألق "ليفركوزن" في روما    بنك المغرب…66 في المائة من أرباب المقاولات الصناعية المغاربة يعتبرون الولوج إلى التمويل "عاديا"    شمس الضحى أطاع الله الفني والإنساني في مسارها التشكيلي    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    الدوري الأوربي: ليفركوزن يعود بالفوز من ميدان روما وتعادل مرسيليا واتالانتا    بلاغ هام من وزارة الداخلية بخصوص الشباب المدعوين للخدمة العسكرية    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    إقليم الصويرة: تسليط الضوء على التدابير الهادفة لضمان تنمية مستدامة لسلسلة شجر الأركان    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منطق الإصلاح والاستحقاق بالمغرب ما بين تفشي الخرافة والارتزاق السياسي والحاجة إلى ترسيخ الاجتهاد العقلي

ما يثلج الصدر ويدعو إلى التفاؤل في مغرب القرن والعشرين هو توسيع مجال الحريات واشتداد النقاشات والحوارات والاستشارات بشأن مستقبل البلاد. ولتصبح هذه الوضعية، المتجاوزة للمنطق الأفقيري (نسبة لأفقير) والبصروي (نسبة لإدريس البصري)، مكسبا سياسيا ثابتا (من الثوابت) بإمكانه أن يتحول إلى دعامة للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي بشكل دائم ويضمن للمغرب التكيف الايجابي مع المتغيرات الدولية، فلا بد أن تنبثق عنها الأسس والمبادئ الضرورية لبناء دولة الحق والقانون على أساس قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، أي المفاهيم العقلية التي توجه العمل وتبلور معالم المبادرة والممارسة العقلانية. لنقل، بنوع من الثقة، أن المغرب قد نجح نسبيا في التخفيف من حدة الثقافة المخزنية التي كبلت الطاقات البشرية لعقود مضت، وفي إضعاف منطق التطرف بكل أشكاله، ويطمح لترسيخ قيم الحداثة والديمقراطية في المجتمع والدولة. كما نسجل، بما لا يفيد الشك، أن البلاد تحتاج إلى مجهودات كبيرة إضافية لتحقيق الإرادة المعلنة السالفة الذكر والتي يجب أن تبتدئ بمحاربة كل أشكال النصب الشعوذي والارتزاق السياسي والإداري.
وفي هذا السياق، وأنا أقرأ جرائد يومي السبت والأحد 20 و 21 مارس 2010، أثار انتباهي أحد العناوين البارزة في جريدة الصباح :«مشعوذون في ضيافة الشرطة بالبيضاء». ومباشرة بعد قراءة الخبر وحيثياته، امتلكني سهاد عميق غمرني بمشاعر الحصرة على ما عاشه وما يعيشه المواطنون من تغرير واستغلال فاحش من طرف الدجالين في مجالي الأسطورة والخرافة والسياسة. إن توسيع هامش الحرية والحقوق لم يتم استثماره بالشكل المناسب لتنمية منطق الاستحقاق بل شكل فرصة مكنت المفسدين في السياسة والإدارة من تحقيق أطماعهم ومصالحهم بسهولة على حساب الوطن والمواطنين، ودفع بالموازاة رواد الفكر الخرافي إلى استغلال الضعفاء والمحرومين من الشعب من أجل تحقيق مصالح لا مشروعة عن طريق الشعوذة، والطلاسم،و»الحروزة»، و»الجداول». وأنا أتذاكر مع أحد الأصدقاء من مدينة الرباط بهذا الشأن، أخبرني أن تكريس الممارسات الميتافيزقية ليس مرتبطا بالأمية والجهل فقط، بل حتى المتعلمين يلجؤون إليها. كما أخبرني أن عددا لا يستهان به من «المسؤولين» في مختلف المراتب، خصوصا أولئك الذين يعرفون أن تعيينهم لم يخضع لأي سند موضوعي، يلجؤون إلى السحرة في مدن معروفة بالمغرب للحفاظ على مناصبهم أو من أجل الترقية إلى مناصب عليا. وأخبرني كذلك أنهم يؤمنون بفعالية «جداويل القبول» التي يلصقونها بين كتفيهم تحت بدلاتهم الرسمية أو تحت كراسي المسؤولية.
على أي، فالمبادرة التي قامت بها الشرطة بالدار البيضاء تستحق التشجيع والتعميم والدوام. فلا يعقل أن نجد في بيوت السحرة والدجالين في القرن الواحد والعشرين صورا وأغراضا شخصية للمغاربة وقطع كفن وشموع وأوراق اللعب «الكارطة». كما لا يمكن أن نتصور لجوء مغاربة مسلمين ومتعلمين إلى دور الشعوذة والاتكال على الميتافيزيقا لتحقيق مصالح غير مشروعة. يؤمنون ب»الثقاف»، و»النحس»، ويتجاهلون أن «الثقاف» الذي يعانون منه ما هو إل «ثقاف» العقل وضعف الإيمان بالله والوطن، والنحس الذي يشتكون منه ما هو إلا اختلال أخلاقي وسلوكي، والسحر الذي يأملون من خلاله تحقيق مصالح على حساب الغير ما هو إلا خرافة واعتداء على صحة الآخرين (في حالة السحر المدسوس في الأكل).
واعتبارا لكون الثقافة تلخص تجربة المجتمع ووعيه بذاته وبمحيطه، واعتبارها نافذة على حياته العلمية والسياسية والاقتصادية والروحية، يبقى المشروع السياسي الديمقراطي الحداثي في حاجة إلى تدخل فوري وقوي وحاسم ودائم للحد من المعتقدات الخرافية ولإضعاف الفكر التقليدي في المجالات المجتمعية والإدارية والسياسية. فالمواجهة الأمنية للسحرة والدجالين يجب أن توازيها منظومة تربوية وإدارية وسياسية وإعلامية تدافع على العقلانية ومبدأ «تساوي الفرص» وتشجع المنافسة والتباري للولوج إلى مراكز المسؤولية.
ومن أجل ذلك، يحتاج المغرب إلى دعم إصلاحاته الآنية والمبرمجة بنهضة (أو ثورة) ثقافية لتحرير العقول وكسب رهان العقلانية في كل شيء. فما نعيشه اليوم يشجع على دفع العجلة في اتجاه توفير القيم والمفاهيم المساعدة على التغيير الفكري والعلمي والسياسي والتكنولوجي. فالممارسة السياسية والاجتماعية لا يمكن أن تحدث التقدم والتغيير إلا عبر مدخل الثقافة أي النهضة الثقافية. فمن باب الموضوعية، وتحت شرط الكفاءة، لا يمكن أن يتولى تدبير شؤوننا العمومية إلا من عانى من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان ويغير على الوطن كما يغير على أفراد أسرته. فما نعيشه من ظواهر جديدة ك»التنصير» لا يمكن مواجهتها فكريا وميدانيا إلا عبر تعبير مجتمعي يبرهن أن ثقافتنا وأصالتنا تحتوي على قيم التقدم والتغيير، وأنها قابلة لتطابق ذاتها مع العلم ومن تم تتطابق الهوية مع الذاتية، والحداثة مع الحضارة، وبالتالي يندثر الصراع بين الهوية والمعاصرة، والدين والعلم، والتقدم والمحافظة.
فاعتبارا للقولة الشهيرة للعالم الكبير اينشتاين:«إنه لمن الحماقة أن نعتقد أنك ستحصل على نتائج جديدة وأنت تكرر الشيء نفسه»، فلا يمكن أن يستساغ في زمن العولمة والتكنولوجيا تكرار البدع والتقاليد الجامدة خطابا وممارسة منذ أربعة عشر قرنا. وفي هذا الموضوع، ومن أجل التنديد بالجمود الذي يتعمده الرجعيون ويطمحون لتكريسه، أعجبت بما قاله الكاتب الصحفي مولاي محمد اسماعيلي بشأن كتابات المهندس محمد شحرور بجريدة الأحداث عدد 3995 يومي 20 و 21 مارس 2010 المعنونة «منهج القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم»، حيث قال:»الإنسانية اليوم أفضل بكثير من عصر الرسالات، لأن البشرية كانت بحاجة إليها للرقي من المملكة الحيوانية إلى الإنسانية، أما نحن فلا». وبخصوص التداخل والتفاعل بين الفكر الديني والثقافة المجتمعية قال شحرور:»إن التنزيل الحكيم مطلق في ذاته، نسبي لقارئه، ونسبيته تتبع تطور نظم المعرفة وأدواتها، أي ثبات النص في ذاته وحركة المحتوى لقارئه.». وأضاف:» عندما يقرأ القارئ النص فإنه يوظف معلوماته المكتسبة تلقائيا ليفهمه، فإذا لم يفعل ذلك فإنه يعطل فكره ولا يفهم شيئا، وهذا ما يحصل مع شديد الأسف عند الكثير من الناس حين يقرؤون آيات الذكر الحكيم .. ففي التنزيل الحكيم، ولله المثل الأعلى، المؤلف هو الله مطلق المعرفة، والنص هو التنزيل الموحى، والسامع هو الناس محدودو المعرفة من زمن التنزيل إلى أن تقوم الساعة، بمختلف مداركهم ومعارفهم المتطورة دائما والمتقدمة دائما.». وعليه، فتعطيل التفكير العقلي والتربية العلمية، وضعف نجاعة الفعل المؤسساتي ما هما إلا نتاجا مفتعلا لمنطق رواد الفكر التقليدي، ورواد الفكر الخرافي الأسطوري، ورواد الفساد السياسي والإداري.
وفي الأخير نقول إن الاستثناء المغربي إقليميا وجهويا وعربيا على مستوى الديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي عبرنا عنه في بداية هذا المقال وفي مقالات أخرى، لا يمكن أن يتقدم بوتيرة أسرع إلا في حالة الحسم مع كل السبل المنتهجة لتحقيق المآرب غير المشروعة، سواء عبر السياسة أو الخرافية أو الإدارة. فالمؤشرات الإيجابية التي تؤكد عن انبثاق إرادة سياسية لخلق القطيعة مع منطق الماضي غير المبرر تحتاج إلى التقدم في الإصلاحات السياسية ونهج سياسة ردعية صارمة ضد الفساد والخرافة وتوسيع مجال الحريات المشجعة للاجتهاد وخلق التراكم التنموي والديمقراطي والحقوقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.