تحول حوض الأبيض المتوسط، من منطقة عريقة في تخصيب الحضارة الإنسانية، إلى فضاء يطرح عليها أقسى الأسئلة حول الحياة الانسانية في حدودها الدنيا، الحق في البقاء، وتحولت التراجيديا فيه من تراث إنساني في المتخيل الجماعي ورؤيا الوجود ،الى حقيقة يومية على مشارف العالم المتحضر . ويتابع العالم اليوم، بعجز ملحوظ ويكاد يكون مذنبا، توالي المآسي، من لامبيدوزا في إيطاليا إلى سواحل إسبانيا واليونان، وتدفق الهجرات ، بمواكب من جثث طافية فوق الماء أو مرمية فوق السواحل وبين الصخور. لتنضاف الى الجثث والموتى الذين تلفظهم السياسة والحروب على شاشات العالم الجديد، في نقط الصراع الذي يدور في الشرق الاوسط وحول الحوض المتوسطي. لم يعد مسموحا أن تقف أوربا عاجزة، بكل الإمكانيات التي تتوفر عليها وبكل التقنيات الخاصة بالرصد والمتابعة الامنية، وتترك القضية معلقة على مستقبل غامض. وقد قدمت الدول غير الاوربية في الفضاء الاورومتوسطي ما تتيح لها قدراتها من دعم ومن وسائل من أجل الحد من الغرق والوفيات والتشريد والحالات اللاإنسانية من المأساة، واصبح على أوربا أن تضع نصب أعينها مستحقات الشعوب التي ساهمت في بناء تقدمها ، ودعم الضيافة البشرية القادمة من هذا الفضاء المنذور لمزيد من التوترات والحروب والتراجيديات. لقد ساهم المغرب، منذ أن بدأ التعاون بين جنوب المتوسط وشماله، بما يملك من أفكار ووسائل ومخططات في وضع شروط أفضل للمهاجرين، سواء ضمن اتفاقيات الشراكة أو في برنامج العمل المشترك مع الدول الاوروبية كل واحدة على حدة، أو في سياق خطة شاملة حول المنطقة ومن خلال اتحاد المتوسط ، وأصبح من اللازم على أوربا أن تقر بأن بلادنا، كانت من بين الدول الأولى التي خطت خطوات جبارة من أجل إدماج الافارقة المهاجرين في السياق الحقوقي والمدني، وفي الحياة العامة عبر ما تم الاعلان عنه من تسوية وضعية المهاجرات والمهاجرين. وعلى دول الجوار أن تعمل في نفس الأفق، من أجل أن تنخرط كل دول الحوض المتوسطي في إنقاذ آلاف الافراد والجماعات من مغامرات الموت الحتمي التي تنتظر جيلا من الافارقة جنوب الصحراء. هناك سياسات بديلة تفرض نفسها على العالم المتحضر وعلى أوربا أساسا في الدول المعنية بالهجرات، كما تفرض نفسها داخل الدول، من أجل أن يبقى لمعنى الانسانية مدلول في الزمن الذي تصنع الحروب والمآسي فصوله يوميا ودلالاته.