يبدو قطعا أن مويس بوتان المحامي الفرنسي للشهيد المهدي بن بركة لم يتعب ولن يتعب أبدا من قضية اختطاف واغتيال عريس الشهداء المغاربة التي اعتبرها طول حياته منذ أول محاكمة في باريس سنة 1966 إلى يوم الجمعة 21 نونبر 2014 الذي جاء فيه للمغرب من أجل توقيع كتابه ?الحسن الثاني..ديغول بن بركة ما أعرف عنهم?، وذلك بنادي المحامين بالرباط. كل شيء في المستوى العملي الميداني كان يدل على وجود شرخ غير قابل للتجسير داخل حزب الاستقلال، لكن القطيعة الفعلية ستتجسد بالملموس مع تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في 6 شتنبر 1959، على يد بن بركة ورفاقه بوعبيد وبن الصديق واليوسفي، سطع حينها نجم بن بركة حاجبا الآخرين، بكاريزميته وحيويته ووضع القصر على غرار كل القوى السياسية أمام الأمر الواقع، وتابع الأمير بحنق شديد اتساع هالة الرئيس السابق للمجلس الاستشاري في البلد، والتحق علماء من القرويين برئاسة الفقيه مولا العربي العلوي، وأعضاء من حزب الشورى والاستقلال والحركة الشعبية بالحزب الجديد، وطبعا، فان القادة الآخرين للاتحاد المغربي للشغل ومناضلين كثرا هم أعضاء فيه.ويرى بن بركة أن حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يجب أن يضم كل القوى الحية للشعب المغربي في المدن والقرى، وما انفكت صفوف الحزب تتقوى بانخراط العمال وسكان القرى وخاصة المهاجرين من البادية المتكدسين في المدن القصديرية المحيطة بالمدن الكبرى، والعاطلين المتكاثرين باستمرار، أو المواطنين الذين لم يلتحقوا أبدا بأي عمل، والموظفين والطلبة والمقامين القدامى في المدن والقرى، هكذا بلغ الحزب الجديد الأوج ليصبح حزب الأمل في مغرب جديد. بيد أن كل الأعضاء الفاعلين في حزب الاستقلال لم يلتحقوا بالحزب الجديد، لأنهم تفطنوا للنفوذ المتزايد لولي العهد، ولم يريدوا الابتعاد عنه.... ستتميز مرحلة تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقضيتين بارزتين، ستفرضان على حكومة اليسار ابتلاع لسانها وكظم غيضها: مناورة ستفضي إلى حل الحزب الشيوعي المغربي كمقدمة لمواجهة مباشرة مع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، واعتقال طال في نفس الوقت زعيمين من اكبر قادة الحزب وهما اليوسفي والفقيه البصري والسبب مؤامرة مزعومة ضد ولي العهد. اصدر عبد الله إبراهيم في 10 شتنبر 1959 مرسوما لتعليق الحزب الشيوعي المغربي»تطبيقا لظهير 15 نونبر المنظم لحق إنشاء الجمعيات، وبأمر من وزير الداخلية، تكلفت الشرطة مباشرة بتنفيذ المرسوم وأعلمت قيادة الحزب بمنع أي اجتماع ومنع إصدار صحفها، وختمت بالشمع الأحمر على أبواب مقراتها بالدار البيضاء والرباط ومكناس وباقي المدن، بعد تفتيشها ومصادرة أرشيفها. ذهبت في الحين للقاء نائب رئيس الحكومة عبد الرحيم بوعبيد لأعبر له عن رفضي لهذا لقرار الصادر عن أول حكومة يسار بالمغرب، لفتت انتباه إلى أن كل البلدان ذات النظام الفردي المطلق تبدأ أولا بالتضييق على الحزب الشيوعي قبل أن تشرع حتما بملاحقة أحزاب اليسار الأخرى، ويعني ذلك أن الدور هنا في المغرب سيأتي على حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي تأسس قبل أربعة أعوام من اتخاذ قرار تعليق الحزب الشيوعي المغربي أو على بعض أعضائه، ولكنني أحسست انه يشاطرني الرأي ... كان قادة الحزب الشيوعي قد وضعوا نظامهم الأساسي في نهاية مارس 1959، أي قبل ستة أشهر فقط من صدور القرار، وسارع والى مكاتبة رئيس الحكومة لإدانة «هذا القرار العشوائي الذي يمس بالحريات» ولم ينسوا التذكير بأنه «عبر الحزب الشيوعي المغربي، فان كل القوى المتطلعة إلى التقدم والديمقراطية بالمغرب مستهدفة، لهذا يصبح من غير المقبول أن يأتي قرار التعليق من حكومة تترأسونها، حكومة تسعى الى الحصول على دعم القوى التقدمية في البلاد». لم تنطل الحيلة على المهدي بن بركة، وتفطن لأبعادها، وأدرك أن القصر لم يتقبل تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فثارت حفيظته وأعمل من جديد مبدأ فرق تسد قصد عرقلة عمل الحكومة الاشتراكية عن طريق دفعها إلى رفع دعاوي ضد الحزب الشيوعي المغربي...