وثيقة l من حصار بيروت 1982 إلى إبادة غزة 2025: رسالة السرفاتي وأسيدون إلى ياسر عرفات تتحدى الزمن وتفضح جٌبن النٌخب    تيزنيت: محاولة فاشلة لعصابة تسرق أسلاك الكهرباء و أنابيب السباكة النحاسية من منازل في طور البناء ( صور )    وقفات ومسيرات تضامنية مع غزة بعدد من المدن المغربية    رحلات طيران أرخص: جوجل تطلق أداة ذكاء اصطناعي للعثور على أفضل العروض    المنتخب المغربي للمحليين يلعب آخر أوراقه أمام "فهود الكونغو" في "الشان"    بطولة كأس أمم إفريقيا للمحليين (الجولة5/المجموعة2) .. مدغشقر تتأهل لربع النهائي بفوزها على بوركينا فاسو (2-1)    شكوك تحوم حول مستقبل نايف أكرد مع ويستهام    الطالبي يتألق في أول ظهور بالبريميرليغ ويقود سندرلاند لانتصار هام على وست هام    لقاء بين ترامب وزيلينسكي الاثنين المقبل بالبيت الأبيض    اكتشاف جيولوجي مذهل.. المغرب يكشف عن أقدم ديناصور من فصيلة "التورياسورات" بإفريقيا    يونس الكعبي: مباراة الكونغو الديمقراطية مواجهة يتعين الفوز بها    السباح المغربي حسن بركة يحقق إنجاز السباحة حول محيط جزيرة مانهاتن في نيويورك    هل يقود لفتيت حكومة 2026؟‬    معركة غزة تدخل مرحلة جديدة .. "القسّام" تواجه أشرس هجوم إسرائيلي    الجزائر تعلن سحب الحافلات القديمة    بركة .. أول مغربي يسبح حول مانهاتن    "حق تقرير المصير" في السويداء .. شعار يُغري إسرائيل ويمزق سوريا    أطباء القطاع الحر يطالبون الصيادلة بإثبات مزاعم التواطؤ مع شركات الأدوية    استقرار أسعار المحروقات في المغرب    وكالة الغابات تصدر خرائط للمناطق الحساسة المعرضة لخطر اندلاع الحرائق    أغلب الأمريكيين يعتبرون الكحول مضرا بالصحة    دراسة: عشاق القهوة في مزاج أفضل بعد الفنجان الأول بالصباح    فتح الله ولعلو: المغرب والصين تقاسما شرف المساهمة في انتصار الحلفاء                بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع    مريدو "البودشيشية" يؤكدون استمرار منير القادري على رأس الزاوية    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    الحرارة المفرطة تفاقم أزمة المياه بالمغرب.. حوض ملوية في وضع حرج    تغيرات متوقعة في طقس السبت بعدد من مناطق المملكة    صفقتان لتأهيل مطاري تطوان والحسيمة استعدادًا لكأس العالم 2030    بوليف: التحويلات المالية لمغاربة العالم ينبغي ترشيد استثمارها ويجب إشراك الجالية في الانتخابات التشريعية    حموني: سنة 2026 ستكون "بيضاء" على مستوى إصلاح أنظمة التقاعد والمقاصة    برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تحديات الدخول السياسي والاجتماعي المقبل    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    غاب عن جل الأحزاب    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    كيف أنسى ذلك اليوم وأنا السبعيني الذي عايش ثلاثة ملوك    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: الكازاخستانية ريباكينا تتأهل لنصف النهاية على حساب بسابالينكا    موسم مولاي عبد الله... تكدّس، غياب تنمية، وأزمة كرامة بشرية    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلى الطرابلسي: الوصية على عرش قرطاج
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 22 - 01 - 2011

في سنة 2009، ومؤشرات أفول حكم زين العابدين بن علي تونس تتراكم، نشر الصحفيان الفرنسيان نيكولا بو وكاثرين غراسيي كتابا مثيرا وجد موثق حول زوجة الرئيس المخلوع، ليلى الطرابلسي.
طوال سنوات عديدة، لعبت «الرئيسة» دورا محوريا في تدبير البلاد، وكان همها الأساسي، ومعها عشيرتها، وضع اليد على خيرات وثروات تونس.
من قصة اليخت المسلوب من أحد كبار المصرفيين الفرنسيين إلى محاولات ليلى وآل الطرابلسي التحكم في أهم قطاعات الاقتصاد التونسي، يروي الصحافيان اللذان سبق لهما، في 2003، توقيع كتاب «حين يصير المغرب إسلاميا»، تفاصيل الملفات المرتبطة بعشيرة «الوصية على عرش قرطاج»، ملفات تفوح منها روائح الرشوة والفساد والنهب والوضاعة الفكرية.
لكن المفاجأة في رحم حياة القصور التونسية الحزينة رغم بذخها، يكشف الصحافيان العاملان في موقع بقشيش الإخباري الذي توقف مؤخرا، تكمن في قوة شخصية «الرئيسة». إن نهمها إلى الربح المالي وقدرتها على توظيف أقاربها في المواقع الحساسة يجعلان منها الوريثة الشرعية لوسيلة بورقيبة التي حكمت تونس في جبة زوجها العجوز والعليل.
وبعد نجاحها في التأثير على أوضاع تونس اقتصاديا وماليا، ستسعى ليلى، خلال مسرحية الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلى البحث عن موقع قدم في رحاب السلطة، وذلك عبر تقمص شخصية «الوصية على العرش الرئاسي» بمساعدة ذويها وبفضل الصمت الفرنسي المتواطئ.
العشيق السابق لمحمية الجنرال يتعرض لحادثة سير قاتلة
العلاقة بين فريد المختار وليلى الطرابلسي، يقول المؤلفان، ستستمر ثلاث أو أربع سنوات قبل أن يضع لها صهر الوزير الأول محمد مصالي ورئيس «الشركة التونسية لصناعات الحليب» حدا بقرار منه. وفي 1984، سيعود الجنرال بن علي من «منفاه» البولوني، حيث كان يمثل بلاده ديبلوماسيا منذ 1980، ليلتقي ثانية وبسرعة بليلى ويعجب بها ويسكنها بفيلا فخمة في طريق سكرة.
منذذاك، ستكف بنت الطرابلسي عن القيام بأي نشاط لتعيش في ظل الجنرال الذي سيعينه محمد لمزالي (الوزير الأول) وزيرا للداخلية. شرع زين العابدين وليلى، وقتها، في اقتسام نفس الطموح: الوصول إلى أعلى هرم السلطة. وذات يوم، وهو يغادر خليلته لحضور اجتماع طارئ، سيقول بن علي لليلاه: «تسلحي بالصبر، سنستقر قريبا في قصر قرطاج».
كانت الأوضاع التونسية، أيامها، تتميز بالتطاحن بين مكونات محيط الوزير الأول. وفي إطار هذا الصراع، كان فريد المختار، صهر لمزالي والعشيق السابق لليلى الطرابلسي، متخندقا ضد الحلف الذي يضم، من بين الذين يضمهم، الإخوان الطائف، أبناء عمومة بن علي وأنصاره الأوفياء. بسرعة، بدأ فريد المختار يخشى على نفسه من الجنرال، ولقد صدقت تخوفاته.
لكن، يتساءل الكاتبان، هل حدث ذلك بسبب انتمائه لحلف مناوئ لحلف بن علي؟ أم بسبب علاقته السابقة مع ليلى؟ أم أن العاملين تداخلا معا؟ وفي جميع الأحوال، يقول الكتاب، فإن بن علي هيأ ملف ارتشاء ضد فريد المختار الذي أصبحت علاقته معه ومع حلفه أكثر سوءا.
في ماي 1986، قرر «الحزب الاشتراكي الدستوري» الحاكم عقد اجتماعا في رأس الجبل، قرب بيزرت، وهو الاجتماع الذي توجه فريد لحضوره. لكن الهاتف رن في منزل صهره محمد لمزالي في الساعة الثالثة صباحا: «سيدي الوزير الأول، لقد تعرض صهرك لحادثة سير خطيرة قرب بيزرت، وهو الآن في المستشفى!». لم يكن المتصل سوى... زين العابدين بن علي، وعقب مرور ساعتين على هذا الاتصال الأول، سيتصل وزير الداخلية ثانية بالوزير الأول قائلا: «فريد المختار توفي».
صباح اليوم التالي، يروي الكاتبان، توجه لمزالي لمقابلة الرئيس بورقيبة الذي شرح الوضع بصراحة: «رب ضارة نافعة... لقد كانوا على وشك اعتقال صهرك لمساءلته حول تسييره للشركة التونسية لصناعات الحليب». واليوم، فلا أحد في محيط العشيق السابق لزوجة الرئيس يصدق رواية حادثة السير، كما أن بن علي لم يتجشم عناء تقديم التعازي لزوجة الوزير الأول، أخت فريد المختار!
خلال السنوات التي أعقب استيلاء بن علي على السلطة، استفاد المقربون من دواليب الحكم من «الصفقات»، لكن لا أحد منهم استحوذ على الكعكة برمتها، بل إن العشائر العائلية الدائرة في فلك الرئيس كانت تتقاسم الغنائم. ويستشهد الكاتبان، في هذا الإطار، بوثيقة سرية كانت رائجة في البلد خلال سنتي 1997 - 1998، وثيقة تحمل «العائلات السبعة التي تنهب تونس» وتُشرح الميكانيزمات التي تتقاسم بواسطتها هذه الأسر الأراضي والصفقات والمقاولات. ويتعلق الأمر ب:
-الإخوان الطائف، وعلى رأسهم كمال «الرئيس رقم 2» الذي كان يستقبل كل صباح أهم الوزراء،
- آل بن علي، ومن بينهم منصف، الأخ المفضل للرئيس الذي سيمارس تجارة المخدرات ويخلف ديونا تقدر بما لا يقل عن أربعة ملايين دينار لصالح الأبناك، وقيس، ابن الأخ الأكبر للجنرال الحاكم، الذي سيستحوذ على تجارة الكحول في سوسة والمتاجر المعفاة من ضرائب الاستيراد موناستير،
-البنات الثلاث لزين العابدين من زوجته الأولى، نعيمة كافي، وأزواجهن.
لكن هذا «التوزيع المتوازن» للنهب والاستيلاء «قانونيا» على المال والثروات الوطنية لن يدوم وفق الكاتبين، ذلك أن «سوء حظ» العائلات تلك سيقود بن علي إلى الزواج شرعيا بليلى الطرابلسي في 1992. وكم كان حدس الأسر تلك واقعيا، إذ ستتعرض، على سبيل المثال، مقرات كمال الطائف، في 1996، لحريق أضرمه حوالي عشرين شخصا مقنعا. وحسب الكتاب، فإن السلطة كانت تشك في امتلاكه لملفات تكشف «خسة» ليلى الطرابلسي، ولذا، فإن التحريات البوليسية لم تكشف عن هوية الفاعلين، كما أنه لم يستقبل منذذاك في قصر قرطاج، ولولا علاقاته الوثيقة بالأمريكيين، يضيف المؤلفان، لكان مصيره أسوأ.
طوال الأربع سنوات التي تلت زواج بن علي وليلى «شرعيا»، ظلت عائلة الطرابلسي في الظل. لكن، ومع بزوغ شمس 1996، سيكشف آل السيدة الأولى عن أطماعهم بجلاء ويشرعون في دق المسامير في نعش كل من أسرة الطائف وعائلتي أصهار الرئيس مبروك وشيبوب اللتين تزوج أبناؤهما من بنتيه مع نعيمة كافي. وفي السنة تلك نفسها، سيستولي بلحسن، الأخ الأكبر والمحبوب لليلى، على شركة للطيران ويصبح محور المعاملات المالية للأسرة التي لا يدخل اقتسام غنائم نهب الثروة التونسية ضمن أجندتها كما كان ذلك سائدا في السابق.
منصف الطرابلسي، أحد الإخوان العشرة ليلى، سيستفيد هو الآخر من الكعكة، إذ ستمنحه «الشركة التونسية للأبناك» قرضا ليستثمر في مجال الفلاحة، هو الذي كان يعمل مصورا فوتوغرافيا متجولا! تسهيلات سينال أبناؤه الثلاثة (حسام، معز وعماد) مثلها، بل وأكثر منها.
أما جليلة، إحدى أخوات ليلى، فستحصل على امتياز احتكار المقاهي والمطاعم المتواجدة داخل المؤسسات الجامعية والمدارس العليا. ومن جهته، سيتحول زوجها، الحاج، من مجرد تاجر للبنزين إلى مقاول كبير في مجال البناء، وإلى حدود سقوط بن علي، فقد كانت وزارة النقل تكتري إحدى عمارته بتكلفة باهظة فرضت عليها.
وحسب المؤلفين، فكثير من عمليات آل الطرابلسي كانت تتم في غفلة من الرئيس الجنيرال أو بدون علمه. هكذا مثلا، يقول الكتاب، اجتمع زين العابدين بن علي، في بحر سنة 2002، مع أبرز أصهاره وصرح أمامهم: «إذا كنتم ترغبون في المال، فلا تظهروا على الأقل في الواجهة. ابحثوا عن آخرين ليحتلوا الواجهة مكانكم». رسالة الرئيس كانت جلية إذن ومفادها: راكموا الثروات، لكن بحرفية. ويبدو للكاتبين أن آل طرابلسي لم يمتثلوا، في الكثير من الأحيان، لنصيحة صهرهم وحاميهم، وهو ما سيكشفانه في فصول الكتاب اللاحقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.