لاتقدم لنا رياضتنا الوطنية دائما، غير البؤس الاجتماعي للرياضيين فحسب، إنها تضع أمامنا أيضا صورا نعتز بها لرياضيين نجحوا في الإرتقاء بأوضاعهم الاجتماعية للأفضل والأحسن.. رياضيون ناجحون تحولوا من مجرد أرقام في كشوفات فقراء هذا البلد، إلى أسماء تتمتع بأفضل ظروف العيش، بل في العديد من الحالات، لمحسوبين على قائمة أثرياء المجتمع ونخبته الغنية.. دائما، حين يطرح السؤال حول أثرياء رياضتنا الوطنية، تفرض المقارنة مع الخارج نفسها بقوة.. ميسي برشلونة يتقاضى مثلا أكثر من40 مليون أورو سنويا (أي أكثر من 42 مليار سنتيم)، فكم من لاعب مغربي نجح في تجاوز عتبة مليار سنتيم في رصيده البنكي؟ للأسف، تغيب الإحصائيات التفصيلية، ويغيب الجرد الحقيقي لعدد أثرياء رياضيينا، كما يغيب التحديد الواضح للائحة المتقاعدين والمعتزلين الرياضيين الذين نجحوا في تجاوز عتبة الفقر وضنك العيش، وعاشوا ما بعد اعتزالهم في وضع اجتماعي مريح، وأكثر من مريح لدى عدد كبير منهم. كيف انطلقوا في مسارهم الرياضي؟ وكيف تحولت أحوالهم وتغيرت أوضاع معيشتهم؟ كثير منهم ولجوا الميدان الرياضي وهم يعانون ضيق الحال، دون رصيد بنكي، وبوضع اجتماعي جد محدود، ليغادروه وهم «لاباس عليهم»، بعدة امتيازات وبرصيد مالي مهم، وبعضهم بمأذونيات للنقل «كريمات»، وببرستيج اجتماعي جديد.. في السلسلة التالية، رصد لبعض المسارات، مع الإشارة إلى رفض عدد كبير من رياضيينا الكشف عن تفاصيل وأرقام أرصدتهم المالية!! مولود مدكر من مواليد سنة 1970 بمكناس، بدأ مساره الكروي بحي سيبدي عمرو وفريق الشبيبة والرياضة ثم فريق النجاح الرياضي المكناسي. تدرج مدكر في جميع الفئات سواء على مستوى الفرق أو المنتخب الوطني. لعب لكل من اتحاد سيدي قاسم، اتحاد طنجة، المغرب الفاسي، النادي المكناسي واتحاد الخميسات. احترف بدول الخليج ولعب لكل من الريان القطري، الشعب الإماراتي، الأهل الإماراتي، ونادي الكويت كما لعب لفريق زكريات التركي. شارك في جميع الإقصائيات منذ سنة 1989، الخاصة بمنافسات كأس إفريقيا للأمم، ألعاب البحر الأبيض المتوسط، الألعاب الأولمبية، بطولة العالم العسكرية وكأس العالم بالولايات المتحدةالأمريكية. حائز على دبلومات عالية في التدريب خاصة من اتحاد الكرة الألماني. التقاه: يوسف بلحوجي عشق الكرة المستديرة حتى الجنون، حيث كان في كثير من الأحيان يتغيب عن الدراسة من أجل لعب مباراة ضد فريق من حي آخر، لأجل الظفر بكرة اللقاء، التي من أجلها كان يشترك الجميع في شراءها ويمتلكها من يكسب اللقاء. عن بداية مشواره الكروي يقول مدكر، أن انطلاقة مداعبته للكرة بدأت مبكرا مع أبناء الحي (سيدي عمرو)، بملعب جامع الأزهر، حيث : «كنا نقضي جل أوقاتنا دون كلل أو ملل ننتظر دورنا لولوجه، ثم انتقلت إلى فريق الشبيبة والرياضة الذي كان ينظم دوري الأحياء بملعب المولى إسماعيل، هذا الملعب الذي تخرج منه كبار لاعبي النادي المكناسي والمنتخب الوطني، بعد ذلك التحقت بفريق النجاح الرياضي المكناسي فتيان ثم مباشرة إلى فئة الكبار، الأمر الذي استرعى انتباه المسؤولين على مستوى عصبة مكناس تافيلالت ، الذين نادوني للالتحاق بمنتخب العصبة الذي يدخل ضمن مشروع التنقيب على 1000 لاعب الذي نظمته الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم وأسندت مهمته إلى الإطار الوطني عبدا لله ملاكا الذي كان يشرف على منتخبي الفتيان والشبان. لم يكن لدي هاجس مادي رغم حاجتي الماسة له، بقدر ما كنت أطمح لإبراز قدراتي الكروية والذهاب بعيدا في مشواري الرياضي..». وعن أول منحة تسلمها وأدخلت البهجة على نفسه كانت مع النجاح الرياضي المكناسي ولم تكن تتعدى 100درهم ،ويتذكر مدكر هذه اللحظة التي بقيت موشومة في ذاكرته حيث يقول :« إن أول ما فكرت فيه باعتبار سني هو الأكل في مطعم، حيث خصصت الجزء الأكبر من هذا المبلغ في التغذية انطلاقا من المجهود الذي كنت أبذله في التداريب واللعب مع الفريق ومع أبناء الحي .. ليصبح بعد ذلك مبلغا عاديا جدا بالنسبة لي. إذ أن انتقالي إلى سيدي قاسم، سيغير مجرى حياتي اليومية لعدة أسباب أولها منحة التوقيع والأجرة الشهرية إضافة إلى منح المباريات التي كانت أولها 1000 درهم بعد تعادلنا أمام الوداد الفاسي. وبما أن والدي كان المعيل الوحيد لأسرتي المتكونة من أخت وستة إخوان، فقد كان تفكيري ينصب دائما نحو مساعدة أسرتي لتحسين وضعيتها الاقتصادية والاجتماعية. وهكذا سلمت مبلغ المنحة الأولى كاملة إلى والدي اللذين سعدا كثيرا ودعا لي بالتوفيق والنجاح. دعواتهم هاته زادتني تحفيزا وتشجيعا لمواصلتي مشواري الكروي مما أهلني بعد سنة مع اتحاد سيدي قاسم للالتحاق بالمنتخب الوطني الأولمبي والأول. يتبع...