الأحزاب تتحمل فعلا مسؤولية جد مهمة في ما يتعلق بالترشيحات المقبلة للبرلمان، إذ عليها أن تنخرط في الإرادة التي عبر عنها الشعب وملك البلاد، ألا هي تقديم وجوه جديدة، وإن كانت أطرا شابة فذلك أحسن وأفيد. وإذا كان الشعب يريد فعلا من الأحزاب أن تكون عند حسن الظن وأن تتقيد بهذا الشرط وشروط أخرى، منها أساسا عدم تسخير المال في العملية الانتخابية، فإنه يبدو إلى حدود الآن على الأقل أن معظم الأحزاب متشبثة بوجوه معلومة، منها من عمر في الساحة الانتخابية منذ عقود، ومنها من أصبح كائنا انتخابيا وأصبح وجوده وحتى كينونته في الحياة مرتبطة بصناديق الاقتراع، والمجالس المنتخبة، إذ أن هناك أسماء في الدارالبيضاء أصبحت ملتصقة بالانتخابات، ولا يمكنك أن تفرق بين الاثنين: الانتخابات تساوي فلان أو أن فلان يساوي الانتخابات، بمعنى أن الانتخابات أصبحت حرفة لدى هؤلاء... وإذا كان من الواجب على الأحزاب أن تحد من تهافت مثل هذه الكائنات، وأن تنقح لوائحها من أية أسماء تفسد سمعتها وتنفر من سماعها قلوب الناخب إلى حد العزوف، وأن تقدم للمواطن مرشحين في مستوى تطلعاتهم، فإنه من الضروري أيضا أن تدخل الدولة على الخط وأن تقوم بدورها في هذا الاتجاه. ظلت الدولة في مناسبات انتخابية تلعب دور الحياد السلبي، وهو ما أسفر، على الأقل في الانتخابات الأخيرة، عن مجالس هشة، لم تتمكن من تدبير شؤون مدينة من المدن ولو لستة أشهر كما هو حال الدارالبيضاء، حيث وقف حمار الشيخ في ظرف أقل من سنة. تعد الدارالبيضاء أفضل نموذج لنتائج الحياد السلبي للدولة وعندما نقول الدولة، نعني مؤسسات العدالة والسلطات المحلية والأمن والاستعلامات العامة وكل مؤسسة ترتبط بتنظيم الشأن العام. ففي هذه المدينة، تمكن أكبر »بزناس« في البناء العشوائي من الوصول إلى قبة البرلمان، وتلاه إلى هذه القبة مهندسون آخرون في ذات الاسمنت العشوائي بكل من مديونة والمجاطية ودار بوعزة وبوسكورة وتيط مليل وعين حرودة وغيرها، وهي أسماء يعرفها القاصي والداني في جهة البيضاء. ولعل، آذان الداخلية وغيرها من أجهزة الدولة سمعت ما فيه الكفاية، خلال عقد الدورات بكل جماعات ومقاطعات جهة الدارالبيضاء، عن المتلاعبين برخص التعمير والصفقات العمومية والمستفيدين من صفقات التدبير المفوض، وسمعت ما يكفي، عن تدخل الشركات الأجنبية المستفيدة من قطاعات حيوية بالجهة في الانتخابات وتمويلها لحملات منتخبين بعينهم، قصد حماية تواجدها. ولا نعتقد أيضا أن آذان الأجهزة كانت غافلة عن تلاعبات بعض »المنهشين« العقاريين وكيف أصبحوا يتحكمون في دواليب تسيير الجماعات البيضاوية، ولعل تصريح محمد ساجد أشهر »عمدة« في المغرب، كان شافيا لكي تتدخل أجهزة الدولة، حينما قال بأن ادريس جطو الوزير الأول الأسبق أتى به على رأس الدارالبيضاء، معللا ذلك بكون الدولة في حاجة إلى عدد من أمثاله ليسيروا الشأن العام. وما جطو في الحقيقة إلا شريك ساجد في شركات العقار التي استفادت من أهم أراضي البيضاء ومحيطها. وإن كان على الأحزاب أن تتحمل مسؤوليتها في اختيار وجوه مشرفة كي تمثلها في المجالس المنتخبة، فإن للدولة الدور الأهم، والمتمثل في »تنقية« الأجواء الانتخابية، وذلك ينطلق أساسا، من فتح تحقيقات مع كل من تمت الاشارة إليه، في مجالس مسؤولة بالتلاعب بمصالح الناس وأموال الدولة، ليتحول إلى كائن ضروري في مؤسسات التشريع والتسيير. إن الحياد السلبي للأجهزة، أوصل الدارالبيضاء اليوم إلى النفق المسدود، وحول مؤسساتها التسييرية إلى بناية تحتضن العبث وتنبعث منها كل مسببات النفور من المشاركة في الانتخابات.