لقد شهدت محاكمة المتهمين في ما يعرف بقضية شركة «كوماناف»، كشف هيئة الدفاع للتجاوزات الخطيرة، التي ارتكبها قاضي التحقيق السيد عبد القادر الشنتوف، خلال إجراءات التحقيق وقبله. وقد كان في مقدمة من كشف هذه الإخلالات القانونية، النقيبان محمد شهبي وعبد الرحيم الجامعي، حيث كشف هذا الأخير، أن قاضي التحقيق المذكور: «استعمل النصب والتدليس المسطري، واستدعى أشخاصاً ألبسهم جبة الشهود، واستمع إليهم على انفراد، من أجل السير في هذه القضية، في اتجاه معين، وإنجاز قرار إحالة وفق ذوقه»، وأنه: «تصرف وكأنه طرف معني في هذه القضية، بعد أن أشرف على البحث التمهيدي، ووضع أسئلة، من أجل وضعها على المتهمين من طرف الشرطة القضائية ... «. هذه تصرفات نسبت لقاضي التحقيق السيد عبد القادر الشنتوف، في قضية ما يعرف بملف «كوماناف»، نشرت بجريدة «المساء» 16-11-2012. ولحد كتابة هذه السطور، لم يتم أي رد فعل من طرف قاضي التحقيق المذكور، مما يعتبر قانونياً تزكية وتأكيداً، لكونه قام بهذه التصرفات المنحرفة عن جادة الإجراءات القانونية، الملزم باحترامها وتطبيقها بصرامة ونزاهة وحياد، تحت طائلة المساءلة التأديبية، التي قد تمتد إلى المتابعة الجنائية. ذلك أن القانون الجنائي يضم بين نصوصه، ما يؤاخذ القاضي، في مثل هذه الحالات، وضمن هذه المقتضيات، يمكن الإشارة على سبيل المثال للفصل 248 منه، الذي من جملة ما ورد فيه: «يعد مرتكبا لجريمة الرشوة، ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس وبغرامة من ألفي درهم إلى خمسين ألف درهم، من طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل: - 1 القيام بعمل من أعمال وظيفته بصفته قاضيا أو موظفا عموميا أو متوليا مركزا نيابيا أو الامتناع عن هذا العمل، سواء كان عملا مشروعا أو غير مشروع، طالما أنه غير مشروط بأجر. وكذلك القيام أو الامتناع عن أي عمل ولو أنه خارج عن اختصاصاته الشخصية إلا أن وظيفته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله. - 2 إصدار قرار أو إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده، وذلك بصفته حكما أو خبيرا عينته السلطة الإدارية أو القضائية أو اختاره الأطراف. - 3 الانحياز لصالح أحد الأطراف أو ضده، وذلك بصفته أحد رجال القضاء أو المحلفين أو أحد أعضاء هيئة المحكمة». فالقانون تحسب لمثل هؤلاء القضاة، الذين يجهلون حجم المسؤولية الدينية، والأخلاقية، والحقوقية، والإنسانية، التي حملهم المجتمع إياها، وهي مهمة البحث عن الحقيقة، باستقلال وتجرد ويقظة ضمير، ومكنهم من وسائل وإجراءات شرعية مضبوطة ، لا يحيد عنها إلا هالك للغير أو مهلك لنفسه ، بغاية، ضمان حقوق المتهم، التي كرسها وحماها الحق سبحانه وتعالى بقوله: «يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفي كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون » . وعليه واستناداً، لما ذكره الدفاع، وهم بالمناسبة نقباء، ويتحملون مسؤولية الجهر بهذا المنكر الحقوقي، الذي تحمل وزره الخطير، وعواقبه الوخيمة، قاضي التحقيق، من خلال الخروق الفاضحة التي نسبت له والتي أقرها ولو ضمنياً بصمته لحد الآن، ما دام إعلانها على الرأي العام، لم يخلف لديه أي رد فعل، لا إنكاراً، ولا استدراكاً ولا توضيحاً ... فإن الأمر لا يجب أن يظل حبرا على ورق، ولا كلام نهار، محاه ظلام ليل. إن ما حدث سابقة خطيرة، عندما يقوم قاضي التحقيق، بالتلاعب في تنفيذ مسؤوليته، وتصريف أمانة البحث عن الحقيقة، وإظهار الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بل إن القرائن تبرز أن قاضي التحقيق هذا وأمثاله ، يعتبرون أن غايتهم، ليست البحث عن الحقيقة، بل فقط تبني «عقيدة الاتهام»، وتبقى عندهم المهمة الأساسية، هي البحث عما يؤكد التهمة التي تكون قد تقررت سلفاً، في تجن فاضح على الحقيقة، وتكسير لقرينة البراءة، ومس خطير بشروط المحاكمة العادلة، مما يزعزع ثقة المجتمع في العدالة، والقاضي الذي يلزمه الدستور في نصه وروحه، بحماية حقوق المتقاضين، واحترام قواعد سير العدالة، حيث ينص الفصل 117 على أنه: «يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات، وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون». والفصل 108 الذي نص على أنه: «... يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد، خطأ مهنياً جسيماً، بصرف النظر، عن المتابعات القضائية المحتملة «. إن ما حدث، يستوجب المساءلة لجعل حد لمثل هذه التجاوزات، التي لا يجب أن تبقى صيحة في واد، باعتبار أن الدفاع قام بواجبه، في تغيير المنكر باللسان، ويبقى لمن يهمه الأمر، أن يغيره باليد والفعل، تلافياً وحرصاً على ألا يساهم الباقي في مؤامرة الصمت، إزاء قضية تهم كرامة الإنسان وحريته، وفي مقدمة من يهمه الأمر، المؤسسات الدستورية المؤهلة لوضع اليد على مثل هذه التجاوزات، وحتى يتأكد فعلاً وواقعاً ما نص عليه الفصل 23 من الدستور بأن: «قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان».