ملتقى الأعمال للهيئة المغربية للمقاولات يبرز فرص التنمية التي يتيحها تنظيم كأس العالم 2030    افتتاح الدورة الثانية عشرة لمهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية بإقليم العرائش    المنتخب المغربي النسوي يهزم نظيره الجزائري ويتأهل للدور الأخير من تصفيات كأس العالم        افتتاح مهرجان ماطا الذي يحتفي بالفروسية الشعبية على أرض التسامح والانفتاح    لاعبات وطاقم المنتخب النسوي لأقل من 17 سنة يعبرون عن سعداتهم بالتأهل على حساب الجزائر (فيديو)    طقس السبت..جو حار وأمطار بهذه المناطق!    الوزيرة حيار في عين العاصفة بسبب دعم تدريس الأطفال في وضعية إعاقة    باحثون شباب يستعدون لتطوير مشغل ذكاء اصطناعي باللهجة الدارجة المغربية    المديرية العامة للأمن الوطني تحدث المنصة الرقمية الجديدة "إبلاغ" لمحاربة الجرائم الرقمية    المديرية العامة للأمن الوطني تحدث منصة لمحاربة الجرائم الرقمية        الفيفا تقر تعديلا يمنع انتقال أي لاعب من أي بلد ليس عضوا في الأمم المتحدة    المغرب يفرض رسوم مكافحة إغراق السوق على سلعة تركية    مقاولات جهة طنجة-تطوان-الحسيمة توفر أكثر من 450 ألف منصب شغل سنة 2022    افتتاح بيت الحمية المتوسطية بشفشاون..تكريم ثقافة عريقة وتعزيز التنمية المستدامة    هدى صدقي تكشف عن جديد حالتها الصحية    السجن مدى الحياة لمغربي لإدانته بقتل بريطاني "ثأرا" لأطفال غزة    "البيجيدي" يطالب بالتحقيق في تسويق منتجات غذائية مصنوعة من المخدرات    توقيع اتفاقية إطار بين الأمن ومجموعة العمران وولاية جهة سوس ماسة    لأول مرة .. المغاربة أكثر العمال الأجانب مساهمة في نظام الضمان الاجتماعي بإسبانيا    المنتخب الوطني يدك شباك نظيره الجزائري في عقر داره    جامعة محمد الخامس "الأفضل في المغرب"    المغرب يسجل 35 إصابة جديدة ب"كوفيد"    ملف إسكوبار الصحراء.. محاكمة بعيوي تبدأ في هذا التاريخ    كيف يتم تحميص القهوة؟    سانشيز يعلن الأربعاء موعد الاعتراف بفلسطين    إسرائيل: حرب غزة "ليست إبادة جماعية"    الخزينة تكتتب ما يعادل 3,4 مليار درهم في سوق السندات ما بين 8 و 15 ماي    مباحثات تجمع أخرباش بوفد من أذربيجان    الطالبي العلمي يجري مباحثات برلمانية بالصين    منظمات الإغاثة تحذر من تحديات متزايدة في عملياتها في قطاع غزة    القائد محمد الحيحي كما عرفته    القمة العربية في مواجهة التحديات    العصبة الاحترافية تحدد تاريخ إجراء مواجهة "الديربي البيضاوي"    السيد العمراني يلتقي أجاي بانغا.. إرادة قوية لتعزيز التعاون بين البنك الدولي والمغرب    الجزائر.. نظام العسكر يلجأ لتوظيف مؤسساتها التعليمية لتحريض الأجيال الصاعدة ضد المغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    دول غربية تحث إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي في غزة    انخفاض ملموس في المساحات الغابوية المتضررة من الحرائق سنة 2023    أخبار الساحة    تراجع جديد يخفض أسعار بيع "الغازوال" والبنزين بمحطات الوقود بالمغرب    البرازيل تستضيف كأس العالم للسيدات 2027    شراكة تثمّن الإمكانات الغنية للسياحة القروية    المحكمة الدستورية تقبل استقالة مبديع وتدعو وصيفه لشغل مقعده بمجلس النواب    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    هل يقبل المغرب دعوة أمريكا للمشاركة في قوات حفظ سلام بغزة؟    بسبب محمد رمضان وسعد لمجرد.. بطمة تعرب عن غضبها    "ولد الشينوية" أمام القضاء من جديد    احتفاء بسعيد يقطين .. "عراب البنيوية" ينال العناية في المعرض للدولي للكتاب    "ألوان القدس" تشع في معرض الكتاب    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (12)    الأمثال العامية بتطوان... (600)    ما دخل الأزهر في نقاشات المثقفين؟    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطريق الى محاكمة جرائم الحرب الإسرائيلية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 09 - 01 - 2013

شكل حصول فلسطين على مركز دولة مراقبة غير عضو في منظمة الأمم المتحدة بمقتضى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 19/67 بتاريخ 29 نونبر 2012 ، خطوة أساسية على طريق إدراك المجموعة الدولية لحالة الشعب الفلسطيني ومعاناته مع الاحتلال ومن الظلم التاريخي الذي لحقه ويلاحقه إلى اليوم. وبعيدا عن وهم تسوية عادلة للقضية الفلسطينية في الأفق المنظور في ظل موازين القوة السائدة اليوم في المنطقة والعالم، فإن القرار، مع ذلك، شكل خطوة أساسية على الأقل للاعتبارات التالية :
1) لأن القرار يقر بديمومة مسؤولية الأمم المتحدة إزاء قضية فلسطين « إلى أن تتم تسوية القضية بجميع جوانبها تسوية مرضية « ، بكل ما يعنيه ذلك من مسؤولية تاريخية. في تسوية النزاع بكل تشعباته وتمكين الشعب الفلسطيني من كامل حقوقه في الاستقلال والعودة والدولة.
2) لأن حيثياته تعيد تأكيد التزام الجمعية العامة بحل الدولتين على اساس حدود ما قبل 1967 بما يضمن قيام دولة فلسطينية ذات سيادة وتتوفر لها مقومات البقاء ومتصلة الأراضي كما جاء في نص القرار.
ويفتح القرار عدة أبواب أمام الشعب الفلسطيني ومناصريه على الجبهة الحقوقية الدولية مادام أصبح بإمكان الدولة الفلسطينية ومواطنيها التوجه الى المحكمة الجنائية الدولية وإقامة دعاوى على مجرمي الحرب الاسرائليين وهو ما يتطلب جهدا حقوقيا وتوثيقيا كبيرا ومنظما ومنسقا، وهو ما يتطلب ايضا أشكال مبدعة ومجددة في الإسناد من جانب النخب العربية والنخب المناصرة للعدل وحقوق الإنسان عبر العالم بما يجعل هذا العمل الحقوقي والقانوني مؤثرا في القرار السياسي الدولي.
مبادىء كونية
وقد أثبتت التجارب الدولية في كفاح الشعوب من اجل التحرر والانعتاق ان هذا القرار السياسي -في الغرب بالخصوص- يكون حساسا لمثل هذا النضال لعدة اعتبارات : طابعه السلمي واستناده الى مبادئ وقيم كونية إنسانية الخ. كانت هذه حالات الدعم الحقوقي والسياسي التي حصلت عليها شعوب جنوب افريقيا في الكفاح ضد نظام الميز العنصري والتدخل الغربي ضد التطهير العرقي في البلقان خاصة في كوسوفو بعد فظائع الصرب في البوسنة حيث تدخل المجتمع الدولي لاول مرة على اساس الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة من اجل قصية عادلة ? اقول واشدد على عادلة لان الاغلبية الساحقة من هذه التدخلات كانت من اجل مصالح غربية او للاطاحة بانظمة معينة- ومحاكمة مجرمي الحرب في بعض بلدان افريقيا خاصة رواندا والبوروندي وليبيريا.
ولن ينطلق هذا الكفاح الحقوقي من فراغ، إذ سبق للعديد من الآليات الحقوقية الدولية والمنظمات العالمية أن نددت بالجرائم والممارسات القمعية الإسرائيلية كما طالبت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والقطرية بفتح تحقيقات في القمع الاسرائيلي وبتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وراكم المجتمع الحقوقي الدولي من التقارير والادلة واثبت من الوقائع ما يكفي لجر مجرمي الحرب الاسرائليين امام العدالة الدولية. ونرى ان كفالة نجاعة العمل الحقوقي والقانوني وضمان تأثيره السياسي يرتبط بوضع استراتيجية للعمل تقوم وترتكز مقدما على مايلي:
1 جرد الممارسات الإسرائيلية الخارقة للقانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة وتوثيقها بإحكام؛
2 جرد الجرائم الإسرائيلية وفق تسلسل خطورتها: جرائم إبادة الجنس البشري وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم القتل والعدوان واستعمال الاسلحة المحرمة دوليا ومصادرة الممتلكات وتجويع السكان المدنيين والقصف العشوائي للممتلكات المدنية ؛
3 المطالبة بتقديم مجرمي الحرب من حكام إسرائيل، مدنيين وعسكريين، إلى المحكمة الجنائية الدولية على غرار محاكمة مجرمي الحرب في رواندا وفي ما كان يعرف بيوغوسلافيا وغيرهما،
4 تشكيل فرق عمل قانونية وحقوقية عبر أهم مناطق العالم قصد فضح الجرائم الإسرائيلية واستعمال كافة الوثائق الممكن جمعها في هذا الشأن من صور وتقارير إخبارية وتصريحات للضحايا ووقائع من المعيش اليومي للشعب الفلسطيني؛
5 دعوة لجان قانونية وحقوقية وإعلامية من مختلف البلدان إلى الاطلاع في عين المكان على آثار الجرائم الإسرائيلية والتقصي الميداني فيها وإعداد تقارير بشأنها.
مسؤولية المجتمع الدولي في حماية الاوفاق التي صادق عليها
حماية شعب
عادة ما نسمع أو نقرأ في الإعلام العربي أن إسرائيل تخرق القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني وتمتنع عن الالتزام بقوانين الشرعية الدولية. وإذا كان يعود لأهل الاختصاص من رجال القانون والحقوقيين تشخيص هذه الخروقات وتدقيقها وفضحها، فإن تذكير العالم بمسؤولياته في حماية الأوفاق التي صادق عليها، وبالتالي في حماية الشعب الفلسطيني، مهمة تستدعي تعاطيا جديدا مع الموضوع حتى لا يستمر اعتبار جرائم القتل اليومي مجرد أخبار عادية ومألوفة يسمعها العالم أو يقرؤها كما يسمع أو يقرأ عن الأحوال الجوية ويستبطنها حد التواطؤ.
وقد جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ليذكر العالم بمسؤوليته في كفالة احترام حقوق الشعب الفلسطيني في الأرض والدولة والسيادة والعودة والاستقلال، ويتعين ان يكون مدخلا لحماية هذا الشعب وفق الاوفاق الدولية الانسانية التي صادقت عليها المجموعة الدولية على مدى أكثر من نصف قرن بما فيها اتفاقيات جنيف الأربعة المؤرخة في 12 غشت 1949 واعتبرتها كما جاء في التمهيد لها : «معاهدات أساسية تنبع جميعها من مبدأ احترام الشخص الانساني واحترام كرامته».
لقد كانت صور القتل الاسرائيلي من قبيل صورة الطفل محمد جمال الدرة، وهو يقتل بدم بارد يوم ثلاثين شتنبر2000 برشاشات جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي هزت ضمير العالم دون أن تحرك فيه وازع التصرف لوقف الجريمة المستمرة هناك في فلسطين لمدة حوالي سبعين عاما، كافية لإطلاق اكثر من حملة دولية لإدانة حكام إسرائيل جنائيا، فكيف يحصل كل هذا الصمت على الرغم من همجية وبشاعة جرائم دولة الاحتلال.
إن التنظيم والتدقيق على هذا الطريق أساسي وضروري وحيوي وحاسم. في هذا الصدد نرى انه يمكن تصنيف هذه الجرائم وفق القانون الدولي الانساني إلى خمس مجموعات هي:
-جرائم الإبادة الجماعية
-جرائم ضد الإنسانية
-جرائم الحرب
-جرائم العدوان
-جرائم الحصار وتجويع المدنيين . وهي جرائم منصوص على عقوباتها في نظام روما أي القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ا-جرائم الحصار وتجويع المدنيين
تضرب سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصارا شاملا على الشعب الفلسطيني حيث تغلق المدن والبلدات والقرى والاحياء والمعابر، وتحرم المدنيين من حق العمل وممارسة أعمال لكسب الرزق والبقاء، وتحاصر اكثر من ونصف مليون غزاوي، ما يعني عمليا اعتقالا جماعيا لهذا الشعب. وعلى العالم أن يتذكر وهو يطالع التقارير اليومية عن هذا الحصار ، أنه وقع في العام 1949، ومن بين الموقعين «دولة إسرائيل»، على اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب والتي تنص في مادتها 23 على أنه يتوجب على الأطراف الموقعة على الاتفاقية كفالة «حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العيادة المرسلة حصرا إلى سكان طرف متعاقد آخر حتى لو كان خصما. وعليه كذلك الترخيص بحرية مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية والملابس والمحتويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر والنساء الحوامل أو النفاس».
وفي فلسطين تمنع إسرائيل مرور الأغذية والأدوية وتحاصر المستشفيات وسيارات الإسعاف حيث يموت الجرحى أو تضع الحوامل على الطرقات ، علما بأن مسؤولية اسرائيل أخطر في هذا المجال لأنها دولة احتلال وهي ملزمة بمقتضى القانون الدولي الانساني بتوفير الحماية للمدنيين.
وفيما تنص المادة الرابعة والعشرون من ذات الاتفاقية على أنه يتعين على «أطراف النزاع أن تتخذ التدابير الضرورية لضمان عدم إهمال الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر الذين تيتموا أو افترقوا عن عائلاتهم بسبب الحرب وتيسير إعالتهم وممارسة دينهم وتعليمهم في جميع الأحوال»... كان سلوك سلطات الاحتلال «خاصا» مع أطفال فلسطين. فمن القتل البشع وتحويل الطفولة إلى هدف لأسلحة محرمة دوليا إلى تكسير عظام الأطفال. ويتذكر العالم جيدا كيف أصبح هذا السلوك البشع عقيدة لدى جنرالات الحرب الإسرائيليين من أمثال إسحاق شامير وأرييل شارون اللذان كرمتهم وكافأتهم الإيديولوجية الصهيونية وحملتهم إلى سدة المسؤولية السياسية العليا في إسرائيل تقديرا لما قاموا به من مجازر ومن إبداع في التقيتل.
ب-جرائم القتل الجماعي وابادة الجنس البشري
ومن تكسير عظام الأطفال إلى جريمة إبادة الجنس البشري والقتل العمد اللذان يعتبران من الممارسات التي قامت على اساسهما إسرائيل حيث يلازمان تاريخ وجودها منذ أن جُلِبت العصابات الصهيونية وجُمِعت في أرض فلسطين التاريخية وتم تمكينها من السلاح من جانب القوى الاستعمارية والحركة الصهيونية العالمية .
عقيدة سياسية
وتواصلت هذه السياسة وأضحت عقيدة سياسية وعسكرية إسرائيلية ثابتة ومن مستلزمات الكيان الإسرائيلي، لم يقتصر على ممارستها في حروبه القذرة في الثلاثينات وأعوام 1948 و1956 و1967 و1973 و1982، ولكنها استمرت سلسلة متواصلة وأصبحت جزء من يوميات القمع الصهيوني . فما مر يوم لا يسمع فيه العالم عن إطلاق النار من جانب قوات الاحتلال وسقوط قتلى أو جرحى أو إلقاء القبض على مواطنين فلسطينيين.
وفي العام 1982 غزت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأراضي اللبنانية ونفذت واحدة من أبشع المجازر في التاريخ المعاصر في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين. وأثبتت الصور التي تناقلتها وكالات الأنباء والمحطات التلفزيونية، الطبيعة الدموية والقمعية لإسرائيل كما كشفت وحشية الاحتلال، حيث قتل الاف المدنيين العزل من أطفال وشيوخ ونساء واغتصب الغزاة الصهاينة نساء العرب ودنسوا الشرف الانساني.
ولم تكن صبرا وشاتيلا إلا محطتين جديدتين في التاريخ الدموي لإسرائيل انضافتا إلى مجازر الكيان الإسرائيلي من دير ياسين إلى مجزرة الأقصى ومرورا بمجزرة الخليل التي نفذها المستوطن غولدشتاين. ومايزال القتل العمد، الذي يواصل جيش الاحتلال ومخابراته وقطعان المستوطنين اليهود تنفيذه ضد الشعب الفلسطيني، متواصلا في مطلع الالفية الثالثة .
وفي جميع محطات تثبيت الاحتلال تظل جريمة إبادة الجنس البشري من جانب دولة اسرائيل ثابتة وفق أحكام المواد 27 و31 و32 و33 من اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب التي تمنع قتل الأشخاص الخاضعين للاحتلال أو تعنيفهم أو تعريضهم لفضول الجماهير أو للاغتصاب أو إكراه النساء منهم على الدعارة ، حيث تنص المادة 32 من الاتفاقية على ما يلي: «تحظر الأطراف السامية المتعاقدة صراحة جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطتها. ولا يقتصر هذا الحظر على القتل والتعذيب والعقوبات البدنية والتشويه أو التجارب الطبية والعلمية والتي لا تقتضيها المعالجة الطبية للشخص المحمي ولكنه يشمل أيضا أي أعمال وحشية أخرى، سواء قام بها وكلاء مدنيون أو وكلاء عسكريون».
ولا يحتاج الأمر إلى تحقيق أو جمع معطيات لإثبات هذه الجريمة في حق المسؤولين الإسرائيليين وارتكابهم جرائم القتل والإبادة الجماعية والتشويه البدني واحتجاز المدنيين و الحط من كرامتهم .
ج-أعمال العدوان
ليس القتل العصب الوحيد للعقيدة العسكرية والاستعمارية الإسرائيلية، حيث تظل إسرائيل التي قامت على الاستيلاء على وطن الغير، نموذجا فريدا في التاريخ، في مجال تدمير الممتلكات ومصادرتها و تقطيع اوصال الارض الفلسطينية .
فمن تدمير منازل المدنيين ومرافق الخدمات العامة ومصادرة الأراضي الزراعية من أصحابها الشرعيين إلى اقتلاع وإتلاف الأشجار المثمرة، وذلك في خرق سافر للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تخطر « على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية « الى إقامة جدار الفصل العنصري الذي يمزق ما تبقى من الاراصي الفلسطينية المشمولة باتفاقيات أوسلو.
وفي اطار نفس خروقاتها الجسيمة للقانون الدولي الانساني عمدت اسرائيل منذ بداية احتلالها لفلسطين الى قلب معالم الاراضي التي تحتلها حيث شقت الطرق الالتفافية وبنت المستعمرات وسلبت اراضي السكان الأصليين الذين أجبرتهم على النزوح الجماعي وغيرت معالم المدن العربية وأحدثت معادلات ديموغرافية جديدة وواقعا مجاليا جديدا بما يخدم تأبيد الاحتلال ويرسخ سياستها العنصرية وهمشت الاحياء والبلدات العربية حتى داخل اراضي 1948.
ه?- أعمال العدوان
أسلحة محظورة
في ممارستها للقتل تستعمل إسرائيل الأسلحة المحظورة دوليا بما في ذلك السلاح المسمى «دمدم» والألغام و الشراك الخادعة والأسلحة الحارقة.
وإذا كانت استعمال عدد من هذه الأسلحة محظورا في الحروب بين الدول، فإن إسرائيل تستعمله في «حرب داخلية» وفق مفهوم القانون الدولي الانساني ضد مدنيين عزل في مواجهة دولة تملك من بين ما تملك الأسلحة المحرمة دوليا وتلك التي من شأنها إحداث دمار شامل.
وباستعمالها هذه الأسلحة لا تخرق إسرائيل فقط بروتوكولات جنيف الأربعة ومعاهدة حظر أو تقييد استخدام بعض الأسلحة التقليدية التي يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر المؤرخة في 10 أكتوبر 1980، بل تمارس أقذر صيغ العدوان والتقتيل.
وباستعمالها للأسلحة التي تتسبب في إصابات بواسطة شظايا لا يمكن الكشف عنها بواسطة الأشعة السينية تخرق إسرائيل البروتوكول الأول وباستخدامها الألغام والشراك الخداعية وأنواع أخرى من العتاد الحربي ضد السكان المدنيين تخرق البروتوكول الثاني وباستخدامها الأسلحة الحارقة ضد المدنيين وممتلكاتهم وضد أهداف عسكرية تخرق البروتوكول الثالث وباستخدامها أسلحة الليزر المسببة للعمى تخرق البروتوكول الرابع.
وتتمادى إسرائيل في خرق قوانين الحرب، حتى وإن كان الأمر يتعلق بحرب بين دولتين، حيث تقصف المدن والمباني والمرافق المدنية.
وبجميع هذه الممارسات تواصل اسرائيل خرقها الجسيم للقانون الدولي الانساني والقانون الدولي العام وحقوق الانسان والشرائع السماوية والوضعية وتدخل القرن الواحد والعشرين وهي في صدارة قائمة الدول العنصرية والدموية وتظل فوق قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي.
وسواء تم التوصل الى تسوية في اطار المفاوضات المتوقفة اصلا او فشلت المفاوضات ، فإن جرائم إسرائيل تبقى قائمة ولا يطالها التقادم ، ويتعين العمل بكل الوسائل حتى لايفلت مجرمو الحرب الاسرائليون من العقاب إعمالا لمقتضيات القانون الدولي الانساني ولمبدأ عدم تقادم جرائم الحرب وعدم الافلات من العقاب. فإذا كان من حق السياسيين توقيع اتفاقات سلام او صلح او ما شابه، فإنه لا يحق لهم التصديق على تقادم جرائم الاحتلال، وإذا كانت اجيالنا ومن سبقونا لم يتمكنوا رغم التضحيات العظيمة والجسيمة والمكلفة ، فإنه ليس من حقنا او من حقهم التفريط في الذاكرة . لنترك تاريخ احتلال فلسطين مفتوحا ولو لقرون ، ولنترك منطق التاريخ وموازين القوى القادمة والاجيال الصاعدة والقادمة تقدر ما تفعل ، ولكن علينا ان نورث لها ان الامر في فلسطين يتعلق باكبر ظلم تاريخي وباكبر لعبة احتلال.
مسؤولية الديمقراطيين
وإذا كانت مسؤولية جرد هذه الجرائم و إعداد ملفات بشأنها مسؤولية عربية بالدرجة الاولى فإنها مسؤولية جميع الديموقراطيين في العالم وجميع المؤمنين بقدسية احترام الانسان وسلامته المعنوية والجسدية ، وان كنا ندرك حجم تغلغل الفكر الصهيوني في الاعلام الغربي. ومع ذلك، فإن العقل الغربي في أروبا وأمريكا، الذي طالما مجد ديموقراطية اسرائيل واعتبرها «واحة ديموقراطية في صحراء الاستبداد العربي»، مطالب في هذه الحالة بالخروج عن صمته وعدم الاكتفاء بالادانة والتنديد والإعراب عن الأسف والكيل بأكثر من مكيال . ولكي يضطلع بهذه المهمة عليه أن يتخلص أولا من هيمنة النزعات الصهيونية عليه. وعندما نقول العقل الغربي فإننا لا نستثني منه العقل اليهودي المتشبع بقيم الديموقراطية والمؤمن بالتساكن والتعايش وبأن لا سلام في منطقة الشرق الاوسط دون العيش في كنف كيان فلسطيني ديموقراطي يتعايش فيه العرب، مسلمون ومسيحيين ويهودا وباقي الاقليات.
لقد تم خلال السنوات الأخيرة إحياء العديد من ملفات خرق حقوق الانسان وابادة الجنس البشري والعنصرية، والتي تعود في أغلبها إلى سنوات الأربعينات . وكان في مقدم هذه الملفات ما أصبح ملفا «مقدسا» لدى بعض الاوساط الغربية والصهيونية على الخصوص ألا وهو ملف «معاداة السامية» و»إبادة اليهود» و»الاستحواذ على أموالهم». وقد حوكم عدد ممن تجرؤوا على التشكيك في صحة الروايات الصهيونية واتهموا بالعنصرية واللاسامية. وقد كانت حالة المفكر الفرنسي الكبير الراحل روجيه غارودي دالة في هذا الشأن .
وإذا كانت الصهيونية قد نجحت في تحويل هذا الملف إلى وسيلة ابتزاز مادي وسياسي ولاستصدار المواقف، بعد ان نجحت في جعله من «مقدسات التاريخ»، فإن نفس الحركة السياسية أي الصهيونية وأداتها دولة إسرائيل، لا يجب أن تفلت من العقاب على جرائم إبادة الجنس البشري والعنصرية والعدوان مادامت عناصر الجريمة ثابتة والشهود أحياء والمجرم حي حر طليق ووسائل الجريمة بيده وهو مصمم على مواصلة جرائمه .
فهل تتوفر الإرادة الدولية الحرة لمنع الافلات من العقاب وهل ثمة ممن سيجرؤ على تنظيم المعركة الحقوقية والقانونية من أجل إقرار العدل وتعويض الضحايا. إن قرار الجمعية العامة رقم 19/67 بتاريخ 29 نونبر 2012 يمكن ان يشكل احد مداخل الطريق الى هذا الهدف.
إن أي « تسوية تاريخية « في الشر ق الأوسط لن تتم إلا بالإقرار بالجريمة التاريخية في حق الشعب الفلسطيني والقبول بنتائج هذا الإقرار ومستلزماته والمتمثلة في حق العودة وحق إقامة الدولة وحق التعويض وحق تقرير المصير وحق مقاضاة الجناة. وبعدها يفتح الملف الجنائي الحقوقي . إن صعوبات عملية كبرى ستطرح دون شكك في حالة حاولات لجر مجرمي الحرب الاسرائليين الى المحكمة الجنائية الدولية،ى نظل خاصة وان دولة الاحتلال من غير المصدقين على نظام روما، ولكن ليس الامر بمستحيل والعمل بالتراكم اساسي على هذا الطريق وتنسيق الجهد الدولي المقتنع بقيم العدل ضروري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.