لم يكن أحد في المحيط المباشر للمرحوم الحسن الثاني يتصور أن قيادة الاستقلال وقيادة الاتحاد الوطني (الاتحاد الاشتراكي حاليا) يمكنهما التواصل من جديد، بعد نحو عقد من الانفصال الذي حدث في 1959، واستمرت تبعاته وتوتراته إلى حدود ذلك التاريخ ( 27 يوليوز 1970). و قد عرفت الفترة من بداية الستينيات الي بداية السبعينيات، عدة تقلبات حاسمة وقوية، فرقت التقدير السياسي وقراءة المرحلة. ومن ذلك الموقف المختلف، الجذري أحيانا من التدبير الحكومي، سواء مع حكومة بلافريج أو حكومة عبد الله ابراهيم، الموقف من القانون التأسيسي للمملكة، والذي قدمه المرحوم الحسن الثاني، ثم تداعيات النقاش والمواقف من المجلس التأسيسي، الذ كان يرأسه الشهيد المهدي بنبركة.. وما إلى ذلك من أحداث حاسمة وأحيانا حادة. الذي وقع لم يكن متوقعا، وقد رافقته مواقف وطنية صادقة، تمثلت أساسا في الدعم الواضح والقوي، لإعلام حزب الاستقلال إبان المتابعات في ما سُمي بمحاكمة مراكش الكبرى، ابتداء من 1969، والتي امتدت إلى السبعينات واعتقل فيها المنالضون الاتحاديون، وقبلها وقوف حزب الاستقلال إلى جانب مناضلي الاتحاد في مؤامرة يوليوز 1963، وما زالت الصور تخلد وقفات الأستاذ امحمد بوستة في الترافع دفاعا عن قيادة الاتحاد ومناضليه. وما كانت السياسية تؤدي إلى الخلاف فيه، كانت الحركية الميدانية ، نضاليا وحقوقيا، تفضي الي الاجتماع حوله. حيث سالت مياه كثيرة منذ تلك الفترة، وتغيرت السياقات التي رافقت الإعلان عن الكتلة الوطنية. لكن ما يتم الاحتفاظ به ، هو الاتفاق على تحليل مشترك ومتسق ، وقراءة وطنية تحررية، لمجريات الأحداث وللمواقف التي كانت تصدر عن السلطات وأصحاب القرار. وتبين الوثيقة المشتركة عن هذه القراءة عن عمقها وعن بعدها الوطني، وقدرة الكتلة الوطنية علي استنباط ما يجب استنباطه من قوة اقتراحية للدفع بعجلة البلاد إلى الأمام. وهو معطى، غير قابل، في تقديرنا للتآكل بفعل الزمن، على اعتبار أن حجر الزاوية فيه هو المشترك الوطني وتفعيله في مقاربة الأوضاع في البلاد. اليوم، بعد مرور 43 سنة على الحدث، يمكن القول إن الكتلة الوطنية، مجسدة في التنسيق بين الاستقلال والاتحاد، تراث وطني يحضر في قراءة التفاعلات الجارية، وأيضا في تحديد «التراث» الفوق وطني، حتي لا نقول شيءا آخر أو التحت وطني للآخرين، بكل تلاوينهم. وهذه قاعدة أخلاقية وسياسية، لا بد من استحضارها، بعيدا عن التحليل الطارئ والمبتور لكل تنسيق بين الحزبيين الوطنيين. للعودة إلى تلك الفترة كان هذا الملف، وللذهاب الي المستقبل كان هذاالملف أيضا... يرى الزعيم الاستقلالي امحمد بوستة ، أن استرجاع ذكرى تأسيس الكتلة الأولى((1970، هو استرجاع لقناعة حزبي الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي بأن توحيد صف الوطنيين ، شرط إنجاح معركة البناء الديمقراطي و إخراج المغرب من أزمته السياسية و الاجتماعية و حمايته من مخاطر الاستبداد . و يؤكد أن الكتلة في نسختها الأولى رغم قصر عمرها كان لها أثر مهم في الحياة السياسية ببلادنا ، و مفعول في نفوس المناضلين من أجل عمل وطني مشترك لصالح البلاد. استجوبه : عبد الصمد الكباص { 43 سنة عن تأسيس الكتلة الأولى ، ما هي قيمة هذا الحدث في مساركم الشخصي و تجربتكم السياسية ؟ كانت لحظة مهمة . فتأسيس الكتلة جاء في ظرف جد دقيق ، و خاصة بعد ما عرفه حزب الاستقلال من تصدع ، و كذا الوضع الذي كان المغرب يجتازه حينها ، سواء على مستوى التهديدات المتعلقة بوحدته الترابية و استقلاله ، أو مستقبله السياسي . و هو ما فرض العودة إلى الحركة الوطنية و توحيد صفوفها لإخراج البلاد من أزمتها السياسية و الاجتماعية. { ما هي الترتيبات التي مهدت لتأسيس الكتلة سنة 1970 ، و هل كان للحزبين نفس الفكرة و نفس التطلع؟ أذكر أن الكتلة جاءت بعد وفاة المرحوم عبد الخالق طريس ، و كذا تصريحات الزعيم علال الفاسي رحمه الله حول الحالة السياسية بالمغرب ، و التي التقت مع الفكرة التي كانت لدى الإخوة في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، و خاصة الأخوين المرحومين عبد الرحيم بوعبيد و عبد الله إبراهيم . فدشنا اتصالات أولية بين الطرفين ، و تم الاتفاق على ضرورة توحيد صف الوطنيين ، و أعقبتها اتصالات معمقة بخصوص المواقف المشتركة التي يجب اتخاذها ، و التي عبر عنها البلاغ الأول للكتلة الذي حدد الهدف من تأسيسها في إرجاع المغرب إلى الطريق المستقيم على المستوى السياسي ، و على مستوى الحفاظ على المكتسبات . { أي أثر خلفه تأسيس الكتلة حينها ، عند مناضلي الحزبين ؟ تأسيس الكتلة خلف حماسا كبيرا ، و خلق تطلعات لآفاق جديدة في العمل السياسي الوطني ، في سبيل تخليص المغرب من أزمته ، و خلق الشروط التي تؤمن وحدته و تعزز ثقة المغاربة في وطنهم . الكتلة كانت محطة مهمة في مسلسل النضال الوطني من أجل الديمقراطية ، و حماية المغرب من مخاطر الاستبداد ، و رسخت القناعة بأن العودة إلى الوطنيين و توحيد صفهم ، اساسية و حاسمة في هذه المعركة ، التي هي معركة المستقبل الديمقراطي للبلاد . لكن تجربة الكتلة الأولى لم تدم طويلا ، لتستأنف تجربة ثانية في بداية التسعينيات ، الجميع يعرف ثمارها السياسية على مستوى الحياة الديمقراطية . { إذا أردنا أن نكثف دلالة الكتلة الوطنية في تجربتها الأولى ((70 ، على أي مستوى يمكن أن نحددها ؟ الكتلة الأولى تترجم إصرار زعماء حزبي الاستقلال و الاتحاد الوطني على ضرورة تقوية العمل المشترك الموحد لجهود الحركة الوطنية من أجل صالح البلاد .. و هي وصية الزعيم علال الفاسي لي قبيل وفاته بساعتين في ماي 1974 . فقد كنا في رومانيا في مكتب تشاوشيسكو ، و في انتظار السيارة التي ستقلنا ، حين قال لنا علال الفاسي ، و كان برفقتي مولاي حفيظ القادري ، أوصيكم بشيئين ، الأول هو عدم ترك الملك وحيدا في المجموعة التي تحيط به ، و التي تتوجه بالمغرب إلى الهلاك ، سواء بالنسبة لوحدة المغرب الترابية و حدوده ، أو فيما يتعلق بمستقبل المغرب و خاصة في ظل الانقلابات العسكرية التي هيمنت على الشرق . و الشيء الثاني ، هو أن المغرب لا يمكن أن ينجح ، إلا إذا توحد صف الوطنيين ، لذلك ينبغي العمل على توحيد جهودنا مع الإخوة في الاتحاد . و هي الوصية التي عملت على تنفيذها بمجرد تحملي مسؤولية الأمين العام لحزب الاستقلال .