وفد قضائي وطني رفيع يزور جماعة الطاح بطرفاية تخليداً للذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء واستحضاراً للموقع التاريخي للملك الراحل الحسن الثاني    مؤسسة طنجة الكبرى: معرض الطوابع البريدية يؤرخ لملحمة المسيرة الخضراء    هنا المغرب    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة إلى النهائي بعد تجاوز المنتخب السعودي في نصف النهاية    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    حماس تدعو الوسطاء لإيجاد حل لمقاتليها العالقين في رفح وتؤكد أنهم "لن يستسلموا لإسرائيل"    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في المتابعة الجنائية لقادة البوليساريو أمام المحكمة الوطنية الاسبانية

لقد تتبع الرأي العام الدولي والوطني في الأسبوع الماضي,تقديم ضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني في مخيمات تندوف, لشهاداتهم عما اقترفته قيادة البوليساريو في حقهم أمام المحكمة الوطنية الاسبانية، التي تعتبر بالمناسبة أعلى هيئة قضائية في نظام العدالة الجنائية في الدولة الاسبانية، هو حدث جدير بالاهتمام والتوقف عند دلالاته ومقاربته من زاوية القانون الدولي الجنائي، خصوصا وأنه سبق المحكمة الوطنية الاسبانية أن فتحت ملفات مماثلة للانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني بالشيلي والهندوراس والأرجنتين، في سياق سيادة القانون ومناهضة الافلات من العقاب والكشف عن الحقيقة وتحديد المسؤوليات وإثبات الوقائع.
القراءة القانونية لقرار استدعاء بعض ضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني, المرتكبة من طرف قادة البوليساريو منذ سنة 1979 في مخيمات تندوف، مثل الضحية الداهي أكاي، رئيس جمعية مفقودي "البوليساريو" والضحية سعداني ماء العينين، التي تم ترحيلها كباقي الأطفال المحتجزين بمخيمات تندوف إلى كوبا وهي في الخامسة من العمر، يؤكد بما لا يدعو الى الشك أو الالتباس, أولا, أن العدالة الإسبانية قبلت الشكاية التي تقدم بها الضحايا ضد قادة البوليساريو ومجموعة من ضباط الأمن والجيش في الجزائر في 14 دجنبر 2007, وثانيا, فالمحكمة الوطنية الاسبانية تعتبر أن ما تم ارتكابه من طرف قيادة البوليساريو في حق الأسرى و المدنيين المحتجزين بمخيمات تندوف فوق التراب الجزائري مثل التعذيب بشتى صوره بدنيا أو عقليا و العقوبات الجماعية والتشويه وأخذ الرهائن تتوفر فيها أركان الجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، التي تستدعي تحريك آليات المتابعة الجنائية ضد المسؤولين في جبهة البوليساريو كشكل من أشكال الكشف عن الحقيقة وجبر الاضرار الفردية والجماعية ومناهضة الافلات من العقاب.
1 - المرجعية القانونية المتعلقة بحماية المدنيين المحتجزين
في مخيمات تندوف
إن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تمثل حجر الزاوية لضمان حماية المدنيين المحتجزين بمخيمات تندوف من جرائم البوليساريو، وذلك بتحريم الاعتداء على المدنيين أو مهاجمة أو تدمير المنشآت الضرورية لحياة المدنيين . فالباب الثاني والباب الثالث من الاتفاقية الرابعة لجنيف يشكلان مرجعية اساسية للقانون الدولي الانساني تفرض على البوليساريو كطرف في النزاع على الصحراء المغربية ضمان السلامة الجسدية والأمنية للمدنيين المحتجزين بتندوف وحمايتهم من جميع أساليب القتل والترهيب و التخويف والأعمال الانتقامية، كما ان البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 يقضي بأن توفر البوليساريو مواد الإغاثة والأدوية والمواد الأساسية الضرورية للبقاء على قيد الحياة للسكان المدنيين المتواجدين في مخيمات بتندوف.
هذا في حين أن العديد من التقارير الدولية تؤكد على ان البوليساريو تفرض حصارا على المدنيين وتحجزهم في معتقلات بالمخيمات بهدف منعهم من التنقل و مغادرة اماكن الاحتجاز وتمنع عنهم ابسط المستلزمات الضرورية مما يؤدي الى ارتفاع معدل الوفيات في صفوف الأطفال والنساء و تجويع المدنيين في تندوف، وهو ما يؤكد بما لا يدعو إلى الشك أن هناك سياسة ممنهجة من طرف البوليساريو تندرج في اطار الاعمال الانتقامية) (les représailles تروم ارتكاب انتهاكات جسيمة في حق المدنيين بتندوف بالرغم من ان مقتضيات القانون الدولي الانساني تلزم البوليساريو باتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية المدنيين بإنشاء مناطق وأماكن آمنة تأوي النساء والأطفال والعجزة وتأمين المواد الغذائية ومواد الإغاثة الضرورية لصحة المدنيين والحوامل والأطفال، وهو ما يثير المسؤولية الجنائية الفردية للمسؤولين في جبهة البوليساريو.
وما دمنا نتحدث عن مبدأ تأمين نقل مواد الإغاثة والمواد الضرورية للمدنيين المحتجزين بتندوف، فالعديد من التقارير تؤكد ايضا عدم وصول مواد الاغاثة للمدنيين بالمخيمات ، كما ان العديد من المرضى خضعوا للتحقيقات الأمنية في المستشفيات الجزائرية وكان السؤال الأبرز للمستجوبين حسب شهادات المرضى حول ماهي الدواعي والاسباب التي تدفع الى مغادرة مخيمات تندوف.
إن منع وصول مواد الإغاثة الإنسانية والدواء للمدنيين المحتجزين في مخيمات تندوف يشكل انتهاكا جسيما للقانون الدولي الإنساني، فالمادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 تمنع تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب وتمنع حرمان وصول المواد الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة مثل المواد الغذائية والأدوية ومواد الإغاثة الأولية.
إن هذه الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها قادة البوليساريو في حق المدنيين المحتجزين بمخيمات تندوف يشملها اختصاص المحكمة الجنائية الدولية من حيث الموضوع وفقا لنص (المادة5) و هي:
-الجرائم ضد الإنسانية: التي تشمل مجموعة من الأعمال المرتكبة في إطار سياسة ممنهجة وواسعة النطاق تهدف احتجازالسكان المدنيين بالمخيمات وفرض حصار عليهم يمنع عنهم مواد الاغاثة و استعمال اسلوب التجويع في اطار الاعمال الانتقامية les représailles.
-جرائم الحرب: وتشمل جرائم الحرب وفقا لأحكام النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية:
-الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وتشمل الأفعال التي ارتكبتها البوليساريو حسب العديد من الشهادات والتقارير الدولية و التي ادت الى قتل و تعذيب واحتجاز تعسفي واختطاف ومحاكمات خارج القانون و الترحيل القسري لاسباب عسكرية في حق المدنيين بتندوف وعدم انشاء اماكن آمنة لحماية المرضى والمسنين والاطفال والنساء وعدم تسهيل مهمة اللجنة الدولية للصليب الاحمر لتأمين البعثات الصحية وزيارة المعتقلين والمحتجزين وتأمين مرور المواد الغذائية والأدوية.
الانتهاكات الجسيمة المرتكبة من طرف البوليساريو ضد الاسرى المغاربة الذين يعتبرهم القانون الدولي الانساني في الاتفاقية الثالثة فئة تستدعي الحماية من جميع اشكال المعاملة المهينة والحاطة من الكرامة واحترام شرفهم ومعتقداتهم وشعائرهم الدينية واعادتهم الى وطنهم بعد وقف إطلاق النار.
والعديد من شهادات الضحايا تؤكد على فصول مأساوية من التعذيب والانتهاكات الجسيمة في سجن الرشيد الذي يضم طبقات تحت الارض بمثابة قبور للأسرى والمدنيين المعتقلين والتي كانت تصفهم البوليساريو بكليبات الفولة والذين تم استغلالهم في البناء والطبخ والعديد منهم ما زال يحمل اثار التعذيب الجسدي والنفسي بفقدان الذاكرة والاعاقة الذهنية والجسدية .
2 - المحكمة الوطنية الإسبانية
والمتابعة الجنائية للانتهاكات الجسيمة المرتكبة من طرف البوليساريو
في حق المدنيين المحتجزين بتندوف
في الحقيقة، وبناء على ما سبق، إن مسألة تحريك الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية بالنسبة للإنتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني المرتكبة بأمر وعلم من طرف المسؤولين في قيادة البوليساريو ممكنة بواسطة ثلاث آليات منصوص عليها في مقتضيات اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية:
تحريك الدعوى الجنائية من طرف إحدى الدول الأطراف المصادقة على اتفاقية روما بإحالة قضية الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني المرتكبة في تندوف أمام المدعي العام وفق المادة 14.
- تحريك الدعوى الجنائية من طرف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ، إذا قام من تلقاء نفسه في التحقيق في جرائم البوليساريو المرتكبة في تندوف.
-إحالة مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة, قضية ارتكاب الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني في حق المدنيين المحتجزين في تندوف إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
فتحريك الدعوى الجنائية ضد قادة البوليساريو كما سبق ذكره هي آلية متاحة بدول الاتحاد الأوروبي مثل اسبانيا برفع دعوى جنائية من طرف جمعيات الضحايا والمحتجزين بتندوف أمام المحكمة الوطنية باسبانيا كدولة مصادقة على المحكمة الجنائية الدولية وتأخذ بمبدأ النظام القضائي الشامل. حيث يمكن للمحاكم الوطنية للدول الاطراف في اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية والتي تأخذ بمبدأ الاختصاص الوطني الشامل ومنها طبعا المحكمة الوطنية الاسبانية , محاكمة قادة البوليساريو بسبب ارتكابهم للجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب المنصوص عليها في (المادة5) من النظام الأساسي لاتفاقية المحكمة الجنائية، خصوصا وان المادة الاولى من الاتفاقية تعطي الاولوية للمحاكم الوطنية للمتابعة الجنائية في هذه الجرائم ولا ينتقل الاختصاص الى المحكمة الجنائية الدولية الا في حالتي عدم وجود ارادة سياسية للمتابعة او فشل النظام القضائي الوطني.
ومن تم, فالمحكمة الاسبانية مؤهلة للبت في قضية الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني بمخيمات تندوف , ولكن على شرط وضع ضحايا هذه الانتهاكات او المنظمات حقوق الانسان للشكاوى. مع العلم ان التشريع الجنائي الاسباني أدمج تعريف الجريمة المرتكبة ضد الإنسانية وجريمة الحرب في القانون الجنائي وتحديد العقوبات التي تطبق على الأشخاص الذين ارتكبوا الجرائم الدولية أو أعطوا أو أمروا بارتكابها مهما كانت صفتهم الرسمية وإحالتهم على المحاكم الوطنية لضمان عدم إفلاتهم من العقاب وفق القاعدة الفقهية "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص".
فمبدأ مناهضة الافلات من العقاب يعتبر عنصرا أساسيا لتحريك آليات المتابعة الجنائية في حق المسؤولين السياسيين والعسكريين للبوليساريو الذين أمروا بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي استهدفت المدنيين المحتجزين والأسرى في مخيمات تندوف، خصوصا وأن العدالة الجنائية الدولية لا تأخذ بالاعتداد بالصفة الرسمية التي لا تعفي من المسؤولية الجنائية، كما أنها لاتشكل في حد ذاتها، سببا لتخفيف العقوبة و تحدد المسؤولية الجنائية الفردية لكل شخص ارتكب الجرائم التي تدخل نطاق اختصاص المحكمة، سواء أمر أو حرض أو قدم المساعدة أو ساهم بأي شكل في ارتكاب الجرائم ضد الانسانية و جرائم الحرب.
وهو ما يفسر قبول قاضي المحكمة الوطنية الإسبانية بالشكاية التي تقدم بها في 14 دجنبر 2007 مجموعة من الضحايا ضد قادة البوليساريو، بتهمة ارتكاب جرائم الإبادة والاختفاء القسري والبالغ عددهم 29 شخصا، منهم الممثل الحالي للبوليساريو بالجزائر وممثلها السابق في إسبانيا، إبراهيم غالي، المتواجد حاليا بالجزائر ووزير الإعلام المزعوم في "الجمهورية الوهمية" أحمد بطل، ووزير التربية المزعوم البشير مصطفى السيد، والممثل الحالي للانفصاليين بإسبانيا جندود محمد. كما تتابع المحكمة الوطنية الإسبانية محمد لوشاع الممثل السابق للبوليساريو في جزر الكناري والذي توفي مؤخرا بلاس بالماس، وخليل سيدي محمد ما يسمى بوزير المخيمات، ومحمد خداد المنسق الحالي مع المينورسو والمدير العام السابق للأمن العسكري، بتهمة تعذيب المدنيين في مخيمات تندوف .
وفي هذا الصدد تتضمن اتفاقية روما المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية مجموعة من المبادئ الأساسية تقوم عليها المساءلة الجنائية لقادة البوليساريو:
ا - المسؤولية الجنائية الفردية (المادة 25)
ان للمحكمة اختصاص مباشر على المسؤولين السياسيين والعسكريين للبوليساريو. فقادة البوليساريو الذين ثبت ارتكابهم للجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة هم مسؤولون عنها بصفتهم الفردية وفقا للنظام الأساسي، حيث يسأل الشخص جنائيا في حال قيامه بما يلي : ارتكاب هذه الجريمة، سواء بصفته الفردية، أو بالاشتراك مع آخر، الأمر بارتكاب، أوالحث أو التحريض أو المساعدة على ارتكاب الجريمة .
ب- عدم الاعتداد بالصفة الرسمية (المادة 27) يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية، وبوجه خاص، فإن الصفة الرسمية للمسؤولين في الحكومة المزعومة البوليساريو ، لا تعفيهم بأي حال من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي، كما أنها لا تشكل، في حد ذاتها، سببا لتخفيف العقوبة.
ج- مسؤولية القادة العسكريين (المادة 28 ) إن القادة العسكريين في البوليساريو مسؤولين مسؤولية جنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب افراد القوات التي تخضع لإمرتهم و سيطرتهم الفعليتين.
3 - المسؤولية القانونية للجزائر وواجب حماية المدنيين المحتجزين بتندوف.
إن مقتضيات القانون الإنساني المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبرتوكولان الإضافيان لعام 1977 تتضمن عدة مقتضيات تتعلق بإثارة المسؤولية القانونية للجزائر, فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني المرتكبة في حق المدنيين المحتجزين بتندوف .
إن المادة الأولى المشتركة تؤكد بأن الدول الأطراف ومنها الجزائر طبعا تتحمل مسؤولية الالتزام بتفعيل وإعمال الوسائل القانونية والتدابير اللازمة لقمع انتهاكات القانون الدولي الإنساني ومعاقبة مقترفي الجرائم الدولية فوق اراضيها.
ويخصص القانون الدولي الإنساني جزءا مهما من أحكامه لاتخاذ تدابير وقائية و قمع الانتهاكات الجسيمة المرتكبة فوق أراضي الدول الاطراف. وبناء على ذلك فالجزائر تتحمل مسؤولية تطبيق "قاعدة محاكمة المجرم أو تسليمه".
ففي قضية ارتكاب البوليساريو للانتهاكات الجسيمة في حق الاسرى و المدنيين المحتجزين بتندوف ان مسؤولية الدولة الجزائرية قائمة بموجب القانون الدولي الانساني الذي يلزم الدول الاطراف أن تحيل المتهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية و جرائم الحرب فوق اراضيها الى محاكم وطنية أو تسليمهم إلى طرف متعاقد لمحاكمتهم إذا توفر على أدلة اتهام كافية لإدانتهم.
فالمادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة تلزم الدولة الجزائرية بملاحقة المتهمين وتقديمهم إلى المحاكمة. فهذه القاعدة لا ترتبط بسيادة الدول حيث يمكن لهذه الأخيرة التنازل عنها في علاقاتها المتبادلة و إنما ترتبط بحقوق أشخاص وأفراد محميين. وتأكد الطابع المطلق لنظام الالتزام بمنع ارتكاب الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني أيضا في (المادة 25) من اتفاقية جنيف الأولى و(المادة 82) من اتفاقية جنيف الثانية، وقد كانت (المادة 148) من الاتفاقية الرابعة صريحة بشأن التزام الدولة, حيث نصت على: "أنه لا يجوز لأي طرف متعاقد أن يتحلل من التزاماته أو يحل طرفا متعاقدا آخر من المسؤوليات التي تقع عليه، أو على طرف متعاقد آخر فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة المشار إليها في (المادة147)، ومنها القتل العمد، التعذيب، المعاملات غير الإنسانية والتجارب البيولوجية، إحداث الآم فظيعة عن قصد والمس الخطير بالسلامة الجسدية والصحة، الاختطاف، النقل القسري، الاعتقال التعسفي أو غير المشروع، أخذ الرهان..."وهي كلها متوفرة في الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها البوليساريو في تندوف في حق الاسرى والمدنيين المحتجزين.
فالدولة الجزائرية مسؤولة قانونيا أولا عن ضمان وضع قواعد القانون الإنساني موضع التطبيق والمتعلقة بحماية المدنيين المحتجزين في تندوف وثانيا باتخاذ جميع التدابير الوقائية اللازمة لمنع ارتكاب الجرائم ضد الانسانية في حق هذه الفئة المحمية بموجب الاتفاقية الرابعة و ثالثا بمحاكمة أو تسليم في اطار التعاون القضائي كل شخص وردت معلومات تثبت تورطه في ارتكاب جرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية في حق المدنيين المحتجزين بتندوف .
وفي هذا الشأن فالعديد من التقارير والشهادات لأفراد من الجيش الجزائري مثل الضابط السابق والصحفي أنور مالك والعديد من ضحايا جحيم معتقلات تندوف, قدمت شهادات حول انتهاكات حقوق الانسان في مخيمات تندوف تؤكد على المسؤولية المشتركة للجزائر والبوليساريو في ارتكاب التعذيب في حق معتقلين مغاربة وموريطانيين واجانب, اضافة الى انتهاك الاعراض والمتاجرة بالاطفال في مخيمات تندوف.
وتجب الاشارة في الأخير الى أن مجموعة من الجمعيات الصحراوية وجهت في السابق رسالة الى الامين العام للامم المتحدة تحمل المسؤولية للجزائر والبوليساريو, بشأن الأوضاع غير الانسانية للنساء في مخيمات تندوف, تطالب من خلالها بتشكيل لجنة تحقيق دولية حول ملابسات الحصارالمضروب على المدنيين والحرمان من الحق في التعبير والحق في التنقل وحق العودة الى الوطن الأم وضرورة الكشف عن مصير العشرات من المختطفين والمفقودين.
(*) أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق
بجامعة القاضي عياض بمراكش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.