حين قررت وزارة التربية الوطنية منذ سنوات إسناد مهمة حراسة المؤسسات العمومية إلى شركات خاصة ومنع توظيفات أعوان الخدمة، كانت تعتقد أنها التجأت إلى أحدث الوسائل لحماية مؤسساتها التعليمية وبناياتها الإدارية، بأقل تكلفة من توظيف أعوان لهذه المهمة، إلا انه سنة بعد أخرى يظهر جليا أن هذا الاختيار لم يوفق ولم يؤد ما كان مطلوبا منه. بل في عدة حالات منتشرة عبر المؤسسات في ربوع المملكة، أدت هده العملية عكس ما كان مقصودا منها ، وهو ما يعطي فكرة حقيقية وواقعية عن فشل هذا المشروع فشلا ذريعا و أضراره فاقت ما يمكن تحمله. فبعض الشركات التي رست عليها العروض في العديد من الأكاديميات الجهوية « أكاديمية جهة الدارالبيضاء نموذجا»، لم تحترم دفتر التحملات ولم تف بالوعود و الالتزامات الموقع عليها، بدءا من اختيار عناصر الحراسة، من احترام الهندام، ووسائل الاشتغال، فالعناصر التي يتم توظيفها لاتخضع لأي نظام أو تراتبية أو مسطرة إدارية. فهناك الشباب، وهناك المتقدمون في السن، وهناك ذوو السوابق العدلية، وهنا الكارثة بعينها، حيث أن هذه المجموعة عوض أن تقوم بواجبها المتمثل في حراسة مدخل المؤسسة التعليمية ومنع كل غريب من الدخول والوقوف ضد بعض السلوكات التي من المفروض أن لا تكون بالمؤسسة و بالقرب من أبوابها ، نجد أن هناك مجموعة عملت على حماية وانتشار هذه السلوكات وفي مقدمتها المخدرات، لأن هذه العينة أول المدمنين! وأمام التلاميذ والتلميذات يشرع الواحد منهم في «فتل وبرم» سيجارة محشوة بالحشيش، ويشرع أمامهم في استعمالها أيضا. وهناك من يروج هذه المواد السامة، أو يسمح بترويجها لبعض زملائه، وتطورت الأمور في أبواب بعض المؤسسات التعليمية حين أصبح بعض الحراس الخاصين يخبئون السجائر المحشوة بالحشيش أو بعض القطع من نفس المادة لبعض المدمنين من التلاميذ الذين سيلتحقون بأقسامهم خوفا من أن تعثر عندهم داخل الفصل، أو تصدر منها رائحة تكشف أمرهم، وهي فئة من التلاميذ و التلميذات ينتمون إلى عائلات محافظة تخاف أن يكشف أمرها! أيضا يترك بعض التلاميذ و التلميذات عند هذا النوع من الحراس أشياء أخرى لاتخرج عن هذا الصنف. أما التلميذات فالعديد منهن جعلن من الحراس «علبتهن السوداء»، ومخزنا لكل الأسرار بالمقابل المادي. فحتى المواعيد والرسائل القصيرة المكتوبة تترك عند هذا النوع من الحراس من أجل نقلها من... إلى...!؟ وإذا كان محيط العديد من المؤسسات التعليمية يعرف رواجا كبيرا في ما يخص ترويج أنواع عديدة من المخدرات و الزبناء التلاميذ. « كالحشيش- القرقوبي ماء الحياة » فإن مرشدهم الأول غالبا ما يكون أحد الحراس الخاصين، الذي هو أصلا من أبناء الحي، وغير بعيد عن المنطقة ويعرف أوقات المراقبات الأمنية، ويعرف رجال المراقبة التابعين للأمن، ويطلق إشارات الانذار عن بعد ساعتها يفرغ المحيط، ويستتب الأمن و الهدوء، فلا شئ يثير الشكوك وماهي إلا لحظات حتى يصبح المحيط كسوق عكاظ! وبخصوص التوظيف في هذه المهمة، يعتمد العديد من مسؤولي هذه الشركات على إداريين بالمؤسسة، خاصة المقتصد، حيث يطلب منه المسؤول البحث عن شاب أو أي شخص يرى في نفسه إمكانية القيام بهذه المهمة، وإذا عثر عليه ، وغالبا ما تكون لهذا الأخير قائمة بأسماء العديد من أنواع الشباب، يطلب أخذ نسخة من البطاقة الوطنية و صورتين ويسلمه بذلة العمل ، وهكذا يكون المسؤول مطمئنا لأنه لن يتلقى أي شكاية من المؤسسة، لأن احد موظفيها هو من استقدم ذلك العنصر الأمني الخاص، أما الهندام فلا تراه إلا في بداية الموسم الدراسي، أو في بداية توظيف ذلك الحارس، وغالبا ما يختلط الحارس مع التلاميذ إن كان شابا أو مع الآباء إن كان متقدما في السن، هؤلاء الحراس كيفما كانت سيرتهم وأخلاقهم حتى وان أرادوا الاشتغال وفق ما تريده المؤسسة التعليمية فهم لا يتوفرون على أي شئ سوى تلك البذلة. فوسائل الاشتغال غير متوفرة، خصوصا حراس الليل الملزمين ، حسب دفتر التحملات، بتوفرهم على كلاب الحراسة لحمايتهم أولا وحماية المؤسسة، وهو ما جعل العديد من المؤسسات التعليمية تعرف عدة سرقات، خاصة بمكاتب الإدارة، أضف إلى ذلك أن هؤلاء الحراس محرومون من التغطية الصحية ومن امتيازات كثيرة.وبأجرة لا تتعدى 1800 درهم، وتخصم منها ساعات الغياب بعذر أو بدون عذر! إن وزارة التربية الوطنية وبواسطة الأكاديميات الجهوية والنيابات ملزمة اليوم وبدون تأخير، بمراقبة هذا القطاع، الذي يسير عكس المنظومة. فلا يعقل أن يستمر الصمت تجاه سلوكات تحيط بأسوار المؤسسات التعليمية والعديد منها استطاع اقتحام هذه المؤسسات والوصول إلى الفصول الدراسية، وأثر بشكل كبير على السير العادي لمجريات الدروس، وفي العلاقة بين العديد من التلاميذ والتلميذات والأطر التربوية وساهم بشكل فظيع في انتشار هذه الأوبئة الفتاكة، وأضحت العديد من الأسر المغربية غير قادرة على القضاء عليها. لابد من مراقبة الواقع ومدى مطابقته مع دفتر التحملات واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذا النزيف الخطير، أو البحث عن البديل الذي يعيد للمؤسسة التعليمية ومحيطها حرمتهما المفتقدة!