تمضي السنوات وتتشابه حلقات الاتقاء التاريخ في لحظة نعتقد فيها أن التاريخ يعيد نفسه، لكن الأمر ليس كذلك، التاريخ يتقدم إلى الأمام وليس إلى الخلف عكس الزمن. التاريخ السياسي الذي نعيشه اليوم يعكس واقع عشناه وإن اختلفت الظروف، ألا وهو توجه المعارضة البرلمانية بدعم من القوى المجتمعية بتقديم ملتمس الرقابة ضد الحكومة الحالية، هذا لا يعني سوى أن يعارض نواب الأمة في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها وذلك بالموافقة على ملتمس الرقابة. سبق للمعارضات البرلمانية تقديم ملتمس الرقابة مرتين؛ الأول سنة 1964 ضد حكومة الحاج أحمد اباحنيني، والثاني سنة 1990 ضد الحكومة. لا يهم هنا استحالة إسقاط الحكومة في كل هذه المحطات أو في المستقبل نظرا للطبيعة الثقافية والسياسية للمؤسسة البرلمانية ولطبيعة نواب الأمة ولطبيعة النظام السياسي، وإنما الهدف هو استقراء الظروف والشروط التي تفرز خروج أخر أوراق وظائف المعارضة البرلمانية في مراقبة العمل الحكومي. إجمالا تتشابه الظروف بين الأمس واليوم. يتشابه عمل هذه الحكومات في إغراق المالية العامة للدولة في دوامة الديون الخارجية وهذا نلمسه بشكل واضح في حكومة بنكيران، توقيف الحكومات للحوار الوطني مع الفرقاء الاجتماعيين، وهذا لا يخفى على ممارسته من الحكومة الحالية، مخاصمة الحكومة لقوى الحية وفاعلة داخل المجتمع، تقليص ميزانيات الاستثمار قامت به حكومة بنكيران أيضا، تعطيل التشغيل العمومي يبرز هذا في ترافع الحكومة مع المواطنين في المحاكم... هذا من ناحية الشروط الموضوعية. أما من ناحية التحالفات الإستراتيجية للقوى السياسية تتشابه من حيت الشكل، في المراحل السابقة نجد تقارب حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الاتفاق على موقف موحد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع تحالف أحزاب اقل قوة داخل البرلمان مع الحلف القوي، اليوم نلمس نفس التحالفات بين هذان الحزبان واتفاقهما على موقف موحد، وأيضا لدواعي سياسية تتمثل؛ أولا في إرهاق الحكومة والأغلبية المساندة لها، وثانيا من اجل خلق بديل سياسي للقيادة الحكومة المرتقبة. رصد الظروف التاريخية وطبيعة التحالفات الإستراتجية في لحظات سياسية معينة يجعلنا نتوقع لجوء المعارضة البرلمانية التي يمكن أن نقول أنها تتسم بالقوة إلى تقديم ملتمس الرقابة ضد حكومة بنكيران، ليس لإسقاط الحكومة لان هذا يعتبر من المستحيل في المغرب، وإنما رسالة قوية لإثارة انتباه الحكومة إلى خطورة توجهاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولفت انتباه الرأي العام والمجتمع إلى التحلي باليقظة في تغير نمط عيشه، وإعادة الاعتبار للعمل السياسي وتغيير الصورة النمطية عن النائب والعمل البرلماني وتحريك النقاش العمومي. وهذا في وجهة نظرنا التي تحتمل الخطأ، إن تقديم ملتمس الرقابة أمر وارد بقوة، وتأخرها يرجع إلى انتظار الفرصة المناسبة التي تتعدد أشكالها.