مستشفى ورزازات يفتح باب الحوار    عاملات الفواكه الحمراء المغربيات يؤسسن أول نقابة في هويلفا    الطالبي العلمي: المملكة المغربية في سياق إصلاحي من سماته تجديد كبير في التشريعات    الهند تعلن شن هجوم على مواقع في باكستان.. والأخيرة تعلن أنها سترد    أخنوش يترأس بالرباط اجتماعا لتنزيل خارطة طريق قطاع التشغيل    انطلاق عملية استقبال طلبات الدعم العمومي الخاص بالصحافة والنشر    زكية الدريوش: الحكومة تشتغل على تقليص الوسطاء والمضاربين ومراجعة قانون بيع السمك    تألق مغربي في ختام البطولة الإفريقية التاسعة للووشو بالقاهرة    وفد مغربي سعودي يستقبل وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في مطار الدار البيضاء    إنتر يقصي البارصا من أبطال أوروبا    أبرزها نزع ملكية 7 هكتارات لإحداث مشاريع متنوعة.. مجلس جماعة الدريوش يصادق بالإجماع على نقاط دورة ماي    شحنة ضخمة من الكوكايين تستنفر أمن ميناء طنجة المتوسط    وزارة الداخلية توقف خليفة قائد للاشتباه في تورطه بجرائم فساد    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تفتتح بباكو المعرض الرقمي "الزربية الرباطية، نسيج من الفنون"    إسبانيا تتمسك بتقليص ساعات العمل    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    أخنوش يراهن على "خارطة التجارة الخارجية" لخلق 76 ألف منصب شغل    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    رئيس الحكومة يترأس اجتماعا لتدارس خارطة طريق التجارة الخارجية 2025-2027    تقدم خطوتين فقط بعد جائحة كوفيد.. المغرب في المرتبة 120 عالميا في مؤشر التنمية البشرية لعام 2025    مراكش…تسجيل هزة أرضية بقوة 4.6    الرجاء الرياضي يحتج على التحكيم    فرنسا وأيرلندا تدينان خطة إسرائيل لاحتلال غزة    وزير خارجية فرنسا: "الوضع عالق" بين باريس والجزائر    مكونات المعارضة النيابية تنادي بتحرير الجماعات الترابية من "سلطة الوصاية"    نيروبي: افتتاح أشغال مؤتمر دولي لليونيسكو حول التراث الثقافي بإفريقيا بمشاركة المغرب    مداخل تنزيل مبادرة الحكم الذاتي المغربية بالصحراء    ارتفاع أسعار الذهب إلى أعلى مستوى    موسم طانطان ينطلق في 14 ماي.. احتفاء بتقاليد الرحل وبالثقافة الحسانية    "قفطان المغرب" يكرم التراث الصحراوي    وزير إسرائيلي: "غزة ستدمر بالكامل"    متى كانت الجزائر صوتا للشرعية البرلمانية العربية؟ بقلم // عبده حقي    افتتاح فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة    بحث وطني يشمل 14 ألف أسرة لفهم تحولات العائلة المغربية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    وجهة غير متوقعة تُهدد انتقال سفيان أمرابط إلى الدوري السعودي    الفريق الاستقلالي يطالب بإحالة محمد أوزين على لجنة الأخلاقيات    غوارديولا يكشف اسم أقوى مدرب واجهه في مسيرته    هزة أرضية بقوة 4.6 درجات تضرب مراكش ونواحيها    استراتيجية حكومية لضمان تكاثر القطيع الحيواني تغني عن اللجوء للاستيراد    منطقة الغرب.. توقع إنتاج 691 ألف طن من الزراعات السكرية    جمهور فنربخشة يطلق صافرات استهجان ضد يوسف النصيري    زوربا اليوناني    العصبة تلزم فرق البطولة بحذف جميع إشهارات الشركات المتخصصة في نقل الأشخاص والوساطة في النقل    لقجع: الطلب العمومي الأخضر محور أساسي في استراتيجية التنمية المستدامة بالمملكة    الجنون الاستبدادي لقيس سعيّد: رئيس يقوّض أسس الديمقراطية التونسية    اتفاق مغربي-مصري لرفع وتيرة التبادل التجاري وتعزيز الصادرات الصناعية    الرباط تحتضن ملتقىً دولي حول آلة القانون بمشاركة فنانين وأكاديميين من المغرب والعراق ومصر    مايكروسوفت توقف تطبيق الاتصال عبر الإنترنت "سكايب"    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في أوروبا خلال شهر مارس الماضي    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما أغضب محمد جسوس الحسن الثاني وأمر الملك الراحل وزيره الشكيلي بالرد

لا خير يرجى من بلاد تعامل شبابها بمختلف اشكال القمع والإكراهات والتخويف والتهريب، بل إن مانلاحظه حاليا هو تكريس وترسيخ هذه المعاملات، فمن العار كل العار أن تصبح ثانوياتنا وكلياتنا وجامعاتنا هي بدورها لا تختلف عن الشارع، ان تصبح عبارة عن مكان يسوده قانون الغاب، ويعامل فيه أكبر رصيد بشري وأكبر طاقاتنا الفكرية كما كانوا اعداء، كما لو كانوا خصوما مضطهدين من طرف مختلف اجهزة الأمن, مضطهدين من طرف الإدارة، مضطهدين أحيانا من بعض الأساتذة الذين ليس لهم الوعي الكافي
الاتحاد الاشتراكي
«إنهم يريدون خلق أجيال جديدة من الضباع»؛ هي صرخة مدوية أطلقها السوسيولوجي، الأستاذ محمد جسوس، خلال المؤتمر الوطني الرابع للطلبة الاتحاديين المنعقد بفاس، في وجه مهندسي السياسة العامة إزاء الشباب، مما أقلق القرار السياسي المركزي المتمثل، آنذاك، في الملك الراحل الحسن الثاني الذي أمر وزير التربية الوطنية، الطيب الشكليلي، على الرد على ما جاء به العرض.
وقال جسوس: «إن مستقبل المعارك التي ننادي بها في الاتحاد الاشتراكي هو مستقبل الشباب، و بالتالي مآلها هو ما يملكه هذا الشباب من إمكانات ومؤهلات على ضمان انفتاحه وازدهاره، أكثر ما يمكن، وفي هذه الحالة، يمكن لنا أن نطمئن أنفسنا على مصير معاركنا الكبرى من أجل التحرير والديمقراطية والاشتراكية، أما إذا حدث عكس ذلك، إذا كان شباب هذا البلد مهمشين، مقموعين، مكبوحين، مكبوتين، مطاردين في مختلف مرافق الحياة، فيمكننا من الآن أن نصلي صلاة الجنازة على هذه البلاد و على مستقبلها».
وأضاف جسوس، في عرضه الذي سرق النوم من العديد من المسؤولين: «إن شباب المغرب بصفة عامة أصبح يعامل من طرف المسؤولين والحاكمين ومن طرف الطبقات السائدة في هذه البلاد، كما لو كان عبئا ثقيلا، عوض أن يشكل رصيدها ورأسمالها الأساسي. نعلن تذمرنا من معاملة الشباب كما لو كانوا مجموعة من »الفوضويين« ومجموعة من المشاغبين، ومجموعة من »العبثيين« ومجموعة من »العدميين» علما بأن أرقى واسمى ما أنجز في هذه البلاد أنجزه شباب أو ساهم في فكرته الحاسمة شباب. و بصفة خاصة، إنه لا خير يرجى من بلاد بأكملها ومن نظام سياسي واقتصادي واجتماعي بأكمله، إذا كان يعتمد على سياسة التجويع والتضييع والتمقليع، إذا كان شباب هذه البلاد يعاني من تخوف مستمر حول عيشه أولا وقبل كل شيء، ويعاني في مستوى ثان من سياسة على صعيد التعليم وعلى صعيد الثقافة وعلى صعيد التأطير الفكري والإيديولوجي، تحاول خلق جيل جديد لم نعرفه في المغرب، جيل «الضبوعة» جيل من البشر ليس له حتى الحد الأدنى من الوعي بحقوقه وبواجباته، ليس له حتى الحد الأدنى من الوعي بما يحدد مصيره ومصير اخواته ومصير اقاربه ومصير جيرانه. لا خير يرجى من بلاد تعامل شبابها بمختلف اشكال القمع والإكراهات والتخويف والتهريب، بل إن مانلاحظه حاليا هو تكريس وترسيخ هذه المعاملات، فمن العار كل العار أن تصبح ثانوياتنا وكلياتنا وجامعاتنا هي بدورها تختلف عن الشارع، ان تصبح عبارة عن مكان يسوده قانون الغاب، ويعامل فيه أكبر رصيد بشري وأكبر طاقاتنا الفكرية كما كانوا اعداء، كما لو كانوا خصوما مضطهدين من طرف مختلف اجهزة الأمن, مضطهدين من طرف الإدارة، مضطهدين أحيانا من بعض الأساتذة الذين ليس لهم الوعي الكافي. من العار أن نتعامل مع شبابنا كما لو كانوا فقط مصدرا للشغب ومصدرا للسيبة ومصدرا للفوضى، ومصدرا لمختلف أشكال التحطيم. من العار أن يساهم الكثير من المسؤولين في المزيد من تكريس مسلسل التجهيل والتيئيس والتهميش الذي يعاني منه حاليا شبابنا. بحيث إننا نرى كذلك نوعا من التحالف الطبيعي بين قوى الطبيعة وهذا الظرف التاريخي، وبين الطبقات الحاكمة وبين الأجهزة المسؤولية عن الجامعة وعن الثانويات لغرس أكثر ما يمكن من اليأس ومن الخوف في وسط الشباب، لإشعارهم بأنهم شبه مجرمين» و أن عليهم أن يثبتوا براءتهم. فالمبدأ الآن أصبح هو اتهام الشاب، فكل شاب يصبح متهما وعليه أن يثبت براءته، بينما نعرف أن القاعدة العامة، والقاعدة الحضارية السائدة لدى كل الشعوب المتحضرة هي العكس, أي أن المواطن برئ حتى تثبت جريمته في ميدان من الميادين».
واستعرض جسوس، في ذلك العرض الذي وصف بالقوي وغير المهادن، إلى مختلف أشكال الممارسات التي لا تزيد إلا في غرس اليأس والتيئيس وجعل الشباب، وهو لم يصل بعد حتى سن العشرين، ينظر الى الكون، وينظر في حياته وينظر إلى مجتمعه وإلى حيه والى أسرته نظرة الكهل الذي تجاوز السبعين أو الثمانين سنة، يتحدث كما لو كان مقهورا ولم يبق له أي أمل.
بينما نحن نعرف- يقول جسوس- أن الأمل ظاهرة بيولوجية قبل أن تكون ظاهرة نفسانية، أو ظاهرة اجتماعية، الأمل ظاهرة بيولوجية، لأنه من 19 أو عشرين سنة تكون أجهزتنا العصبية ومختلف مقومات جسدنا النفسية مازالت تنمو، مازال دماغنا ينمو، مازال كياننا السيكولوجي ينمو، مازالت مؤهلاتنا العاطفية ومؤهلاتنا النفسانية تتطور وتنمو، إذ لا يستكمل تكويننا إلا حوالي 19 أو 20 سنة».
وتساءل جسوس باستنكار شامل: كيف يعقل أن يكون الإنسان بما يتسم به من عقل ومن قدرة على الفكر وعلى التجاوز يسقط أمام التاريخ، يسقط أمام المصاعب، ويستسلم لها، يخضع لها، ويبدأ يساهم في غرس نوع من اليأس ونوع من الرعب والخوف. على هذا المستوى وهو المستوى الأول، نحن في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نطالب بوضع حد لسياسة فرضت على الشعب المغربي منذ نهاية الخمسينات، سياسة أصبحت تعتبر الدراسة خطرا، وتعتبر التعليم وسيلة فقط لتكوين نوع من المشاغبين أو إنتاج نوع من الشباب يدخل سوق الشغل فلا يجد فيه إمكانات العمل فيتحول بسرعةإلى متمرد، الى معارض للنظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السائد في هذه البلاد.».
وأشار جسوس، في عرضه، إلى «بروز جيل جديد من الشباب يتسم بالاستسلام منذ البداية، جيل ليس له علم حتى بالحد الأدنى، من حقوق وواجبات المواطنة. شباب يائس مسبقا. وكل ما يطمح إليه في كثير من الأحيان هو الحصول على جواز السفر والهروب من الساحة، والهروب كذلك نحو الغربة والبحث عن لقمة عيش».
ولم يفت جسوس الحديث عن الوضع المقلق لعلاقة الشباب بالسياسة، مما يساهم في «التهميش الذاتي» الذي تمارسه بعض فئات الشباب على نفسها. ونحن نقول- يتابع جسوس- «إنه لا يعقل أن نتعامل مع شباب هذا هو سلوكه من منطق التجهيل ومن منطق التعجب، إذا كان جزء من شباب المغرب اليوم يتأثر بجو اليأس والاستسلام وبالهروب من الاهتمام بقضايا البلاد الكبرى، فلأن الأوضاع جعلته كذلك ودفعت به الى هذا المستوى من اليأس والاستسلام».
وأرجع جسوس اشتداد الأزمة إلى غياب الجامعة المغربية من أي رهان جدير بتأسيس الدولة الوطنية. وقال إن مكانة الجماعة تأتي «من كون ما حدث من ثورات في المجتمعات الصناعية هو تطور لم نعرف منه نحن شيئا، فالمجتمعات الصناعية المتطورة لكي تصبح كذلك مرت عبر أربع ثورات أساسية: ثورة سياسية ديمقراطية، وثورة تكنولوجية صناعية، وثورة اجتماعية قضت على بقايا الاقطاع والنظم القبلية ونظام الكنيسة، ومختلف اشكال التخلف، وثورة كذلك ثقافية وفكرية وايديولوجية، رسخت في هذه المجتمعات أفكار العقلانية والتقدم والحتمية والمادية والإيمان بالمستقبل (...) هذه الثورات الأربع حدثت في المجتمعات الصناعية عن طريق طبقة أساسية هي الطبقة البورجوازية، في ظروف كانت فيها الطبقة البورجوازية تمثل طليعة الثورة داخل هذه المجتمعات، قبل أن تتحول إلى طبقة لها امتيازات ولها مكانة تريد الحفاظ عليها، وبالتالي بدأت تنتقل من منطق ثوري الي منطق المحافظة والرجعية (...) فليس من الصدفة أن تاريخ الثورة الصناعية يقترن بتاريخ الجامعة، وأن تاريخ الثورة الصناعية هو الذي أدى إلى كل القوانين التي تسن إجبارية التعليم، هو الذي أدى الى جعل ضرورة توفر الجميع على حد أدنى من التمدرس قانونا تسنه الشعوب المتحضرة وتفرضه عل نفسها وعلى كافة الطبقات المتواجدة داخلها. وليس من الصدف أن بروز وانفتاح الجامعة ودورها قام بصفة عضوية ببروز الثورة العلمية والتكنولوجية».
وشخص جسوس الإشكال الذي تعاني منه بلادنا في كوننا «إلى الآن لم نعرف أية واحدة من الثورات الأربع، لا الثورة الديمقراطية ولا الثورة الصناعية، ولا الثورة الاجتماعية، ولا الثورة الثقافية».
وقال إن الأمل كان معقودا في هذا المجال علي امتدادات الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير، وأنه و قع اجهاض للحركة الوطنية والمقاومة، بعد الاستقلال وقع استيلاء على السلطة السياسية وتقديمها لمن لا يستحقها ولا يتوفر على الشرعية الضرورية لذلك. وبالتالي وقع اجهاض الثورة العامة التي كان المهدي بنبركة يحلم بها، عندما كان يتحدث عن المجتمع المغربي الجديد. وقع إجهاض تلك الثورة العامة وبصفة مباشرة وقع كذلك إجهاض امكانيات بروز دولة وطنية حديثة عصرية تستعمل أساليب العلم والتكنولجيا والتنظيم الجديد، وتكون في خدمة الشعب وليس الشعب في خدمة الدولة».
ووجه جسوس انتقادات لاذعة إلى كل أشكال الإصلاحات الفوقية، لأنها، حسب ما جاء به العرض، «ستبقى فوقية ولن يدافع عنها الشعب، لن يعتبرها مكتسباته، لن يتحمس من أجل تطويرها إلا إذا كانت متوفرة على هذين المبدأين». وقال إن « الجامعة هي مدرسة العرفان والبرهان والبيان، ومن جهة ثانية، مدرسة الديمقراطية والحوار والنقد الذاتي والابتكار والبحث عن الجديد (...) ولهذا، فإننا في الاتحاد الاشتراكي نقول بأن كل ما يعرقل نمو هذه الجامعة نعتبره بصفة مباشرة يهدد المصلحة العليا للبلاد، ويهدم كل آمال الشعب المغربي في التقدم والتطور. وفي هذا الباب، يثير استغرابنا الطريقة التي يتم بها التعامل مع قطاع التعليم العالي ككل، طلبة وأساتذة ومؤسسات نعتقد أننا في الوقت الذي نعرف فيه طريق تنمية محدود، فإننا نلاحظ أن هناك العديد من المؤسسات العليا التي يتم إقفالها والعديد من المؤسسات الجامعية التي لم يتم إقفالها بعد، يتم خنقها لكي يتم إقفالها مادياً في المستقبل أو لكي تقفل نفسها معنوياً، وعملياً بصفة من الصفات».
واستعرض محمد جسوس ما تتعرض له الجامعة المغربية من تدمير، حيث اعتبر أن «الجامعة الآن محاصرة وتحاصر أكثر فأكثر على الصعيد المادي والاداري والقانوني والسياسي والاعلامي والتربوي». مضيفا أنه «من بين الشروط التي تطلبها البنك العالمي، والتي طالب بتطبيقها، تقليص عدد الشباب الذين يدخلون السلك الثاني من الثانوي والسلك العالمي. وهذه سياسة بدأ تطبيقها من سنة 1982 إلى الآن. نحن نرى إذن أن الجامعة بهذه الأهمية التي تكتسيها أصبحت اليوم مرتعاً للحرس الجامعي، الذي لا نعرف إلى أي طرف ينتمي فهو غير تابع لوزارة التربية الوطنية، والذي نعرف هو أنه بحكم العرف والقانون، هناك فقط ثلاثة أطراف في الجامعة المغربية: طلبة، أساتذة وإدارة».
ومن علامات الإجهاز على مستقبل البلاد- يقول جسوس- ما يحدث من استهتار بالقيم والتلاعب عن طريق تعيين عمداء وتعيين رؤساء للجامعات لا يتوفر فيهم حتى الحد الأدنى من الشروط الأخلاقية أو الفكرية أو العلمية أو السلوكية، فبالأحرى أن تتوفر فيهم الشروط الوطنية لتحمل الإشراف على مؤسسات تربوية لها مكانة استراتيجية وارتباط متين بمستقبل الشعب المغربي ككل».
وخلص جسوس إلى أنه «ما كان لمثل هذا أن يحدث، وما كان للدور المتعاظم الذي يلعبه رجال السلطة من رجال الأمن والدرك والعمال في تسيير الكليات أن يتعاظم لو أن تلك المؤسسات كانت تتوفر على وسائل ديمقراطية تمثيلية، ولو كانت تتوفر على وسائل دعم داخلية وعلى مشروعية اتجاه الأساتذة».
أمام قوة العرض الذي ألقاه محمد جسوس، وأمام التشخيص الذي يعتبر النظام القائم معني بصناعة جيل من الضباع، وأنه الشباب المغربي مستهدف على أكثر من صعيد، ثارت ثائرة الملك الراحل الحسن الثاني، مما قاد وزير التربية الوطنية، الطيب الشكيلي، إلى محاولة الالتفاف على ما جاء في العرض، حيث خرج ببيان حقيقة على العرض، واصفا إياه بأنه يتضمن «نقل أكاذيب وأباطيل صريحة تمس بكرامة كل المواطنين. وتتجرأ على اهانة الوطن والاستهتار بالتضحيات الجسيمة التي بذلت طوال ثلاثين سنة في مجالات التربية والتكوين».
ووما جاء في البيان أنه لا توجد« في المغرب جامعة تعمل على تعليم اليأس ونشر الخوف» وقال: «يدعي كاتب المقال أن هناك تحالفاً طبيعياً بين قوى الطبيعة والظرفية التاريخية(؟) من جهة، وبين الطبقات الحاكمة والأجهزة المسؤولة عن الجامعة وعن الثانويات لغرس أكثر ما يمكن من اليأس والخوف في وسط الشباب وإشعارهم بأنهم شبه مجرمين. ونحن نتساءل أمام هذه العبارات القادحة والطاعنة في نظام الدولة ومؤسساتها. عن أي جامعة أو أي مؤسسة يتحدث عنها الكاتب، لأننا لا نعرف أن في المغرب جامعة تعمل على تعليم اليأس ونشر الخوف. وإلا أين نضع هذه الأفواج الهائلة من الخريجين الجامعيين الذين كونتهم الجامعة المغربية وهم اليوم العناصر الحية والأطر التسييرية للقطاع العام والخاص الذي تعتمد عليه البلاد. ويكفي أن يكون كاتب المقال بنفسه أستاذاً جامعياً ينشر أفكاره وادعاءاته المنافية للحقيقة والواقع ومهاجمة المؤسسة الجامعية التي ينتمي إليها ويمارس فيها بكل حرية نشاطه دون خوف أو اضطهاد. إن أبسط شروط اللياقة أن لا يهاجم هذا الكاتب زملاءه من الأساتذة الجامعيين قاطبة، فيجعلهم مجرد أدوات مسخرة لتجريم الطلبة وبث اليأس في نفوسهم.
ودافع الطيب الشكيلي على الأواكس، معتبرا أن « الحرس الجامعي أنشئ لحماية الطلبة من الدخلاء على الجامعة وإيقاف الممارسات الهيمنية لبعض الطلبة، ولكي تكون كل الشروط العلمية والتربوية والثقافية والحياتية متوفرة في كل المراكز الجامعية، ولكي لا يكون لنا النوع الممتاز والدرجة الثانية والثالثة من الجامعة». وقال إن « الحرس ليس إلا طائفة لا يمكن ولا يتصور أن تكون قادرة على ما يدعيه كاتب المقال, إذا علمنا أن العشرة منهم يكلفون بأمن مؤسسة يفوق عددها 5000 طالب. كما نذكر أيضا بأن الحرس الجامعي معمول به في كل الجامعات، بما في ذلك الغربية والأمريكية التي يضرب بها الكاتب المثل في الديمقراطية والتسيير الذات».
وعن غياب الثورة العلمية والتكنلوجية، قال رد الوزارة: «إن المراهنة على الثورة العلمية والتنكولوجية تقتضي كذلك الاهتمام بتطوير امكانيات الجامعة في مجال البحث العلمي والتكنولوجي، وهذا المجال أبرزت فيه التجارب، أنه لنا في المغرب كفاءات لكي تنتج، ولكي يكون لنا مفكرون ومهندسون، مفكرون على الطراز العالمي. ونحن نلاحظ هذا التغيير الذي يحدث بالنسبة لمكانة المغرب داخل العالم العربي، فهو أصبح شيئا فشيئا إحدى مراكز الاشعاع الفكري داخل العالم العربي، وأصبح يقوم بوظائف كثيرا ما قامت به بيروت أو القاهرة. ونحن نعتز بهذا ونريد أن نقويه.
إذن فتنظيم البحث العلمي وربط الجامعة بقضايا التنمية والمجتمع المدني، وأخيرا ربط أفق الجامعة بهذا الأفق الجديد، الذي دافعت عنه الحركات الوطنية التحررية مدة طويلة، وهو أفق المغرب العربي الكبير، والذي بدأ يبرز للوجود ولكنه لازال عبارة عن جهاز شكلي فوقي، أصبح ضرورة ملحة.
ونحن نريد أن يكون هناك تعاون على صعيد البحث العلمي وعلى صعيد الجامعة في المغرب العربي. وأن يكون هناك تخصص، فنحن نملك مؤسسات لها مؤهلات كبرى، فمن الأحسن تركيز الجهود في تلك المؤسسات، وتنظيم نوع من التعاون أو التبادل فيما بينها».
وبالنسبة لما قاله محمد جسوس عن تعيين عمداء وتعيين رؤساء للجامعات لا يتوفر فيهم حتى الحد الأدنى من الشروط الأخلاقية أو العلمية أو السلوكية، جاء في رد الوزير الشكيلي: «ونحن نتساءل عن مقاصد كاتب المقال، هل يتعلق الأمر بالمسطرة القانونية التي يخضع لها تعيين رؤساء المؤسسات ورؤساء الجامعات, أم يعني الطعن في الأطر الموجودة حاليا على رأس المؤسسات جملة وتفصيلا؟ أم يتحدث عن أشخاص وهميين لأن الجامعات والمؤسسات التابعة لها لم تعرف أبدا في يوم من الأيام تعيينات من قبيل ما يشير إليه كاتب المقال. وللتذكير فإن المسطرة المتبعة في تعيين رؤساء الجامعات والمؤسسات تتوفر فيها كل المعايير الأخلاقية العلمية والفكرية والخبرة المهنية قبل أن ترفع الاقتراحات بشأنها الى السدة العالية بالله للبت فيها».
لقد أثار عرض محمد جسوس، في حينه، نقاشا مستفيضا بين الأوساط الثقافية والسياسية والجامعية. غير أن أيامنا الحالية كشفت أن ناقوس الخطر الذي دقه بعنف وقوة لم يكن وهما ضج في خيال الرجل، بل كان توصيفا دقيقا لنظام تعليمي يصنع أجيالا من اليائسين. لقد ثبت بالملموس أن الدولة كانت أخذة في إقامة صلاة الجنازة على مستقبل البلاد، ما دامت كانت تسخر كل إمكاناتها من أجل الحصول على شباب مهمش مقموع، مكبوحين، مكبوت، مطارد في مختلف مرافق الحياة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.